تونس في قلب أعنف أزمة اقتصادية منذ استقلالها..لا يتردد التونسيون في تأكيد خيبتهم من انتخابات أوصلت الإسلاميين للحكم.

محللون: تداعيات الأزمة ليست اجتماعية فقط بل سياسية أيضا، إذ لا يتردد التونسيون في تأكيد خيبتهم من انتخابات أوصلت الإسلاميين للحكم.
تونس ـ ينذر وضع الاقتصاد التونسي، بعد عامين من سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بأزمة خانقة هي الأولى من نوعها منذ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي عام 1956، مما دفع بالحكومة إلى الاستنجاد بصندوق النقد الدولي فيما أعلنت عدة مؤسسات حيوية أنها تكبدت خسائر بالمليارات.
ورغم الجهود التي يبديها المسؤولين الحكوميين لـ”التخفيف” بل لـ”التكتم” عن حقيقة الوضع الذي بات مصدر قلق لمختلف فئات المجتمع، فإن الخبراء يقولون إن “البلاد على مشارف أزمة اقتصادية خطيرة ستقود تداعياتها الاجتماعية إلى احتقان قد يهدد وضع البلاد بأسره”.
ويعترف محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري بأن “الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد صعب ويستوجب الشروع في تنفيذ خطة إصلاحية تستهدف أهم المؤسسات التي تمثل شرايين أدائه”.
وبرأي العياري الذي تم تعيينه بتزكية من حركة النهضة “فإن الوضع ليس بالكارثي”، وإنما “هناك صعوبات حقيقية تعاني منها عديد المؤسسات الإنتاجية والمصرفية تستوجب المعالجة”.
وتبدو “تطمينات” محافظ البنك المركزي غير مقنعة لا للخبراء ولا لغالبية التونسيين مقارنة مع المؤشرات التي أعلن عنها هو نفسه الأسبوع الماضي، إذ أكد أن معدل التضخم المسجل سنة 2012 هو “الأعلى” خلال الخمسين عاما الأخيرة.
وكان معهد الإحصاء الحكومي أعلن أن نسبة التضخم خلال شهر آذار/مارس ارتفعت بشكل غير مسبوق منذ خمسين عاما لتبلغ 6.5 بالمائة مقابل 5.8 بالمائة في شهر شباط/فبراير 2013.
وكان معدل التضخم في تونس بلغ 5.6 بالمائة سنة 2012 مقابل 3.5 في المائة سنة 2011.
ويقول الخبير وأستاذ العلوم الاقتصادية بالجامعة التونسية محمود بن رمضان “إن إمعان الحكومة في اعتماد نموذج اقتصادي فاشل يقوم على الترقيع وليس على أنموذج تنموي واضح عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد”.
ويضيف بن رمضان “إن الحكومة تفتقر للكفاءات القادرة على التشخيص العلمي والموضوعي لأداء مؤسسات الإنتاج الأمر الذي زج بالبلاد في مشارف أزمة اقتصادية حتى أن أهم المؤسسات باتت تتكبد خسائر بعد أن كانت تضخ الاقتصاد بالسيولة المالية”.
ويتوافق تشخيص الخبراء مع وضع حرج تمر به عديد المؤسسات.
فقد أعلن المدير العام للمناجم رمضان سويد أن شركة فسفاط قفصة تسجل يوميا خسارة مالية تقدر بـ3 ملايين دينار تونسي نتيجة تراجع الإنتاج وهو ما يعني أن الشركة تتكبد خسائر مالية سنوية تقدر بـ360 مليون دينار أي حوالي 250 مليون دولار.
وتراجع إنتاج شركة فسفاط قفصة التي تشغل 7500 عامل إلى 2 فاصل 5 مليون طن خلال العامين الماضيين بعد أن كان يتجاوز 8 ملايين طن عام 2010 .
ولم يخف سويد ان أخطارا حقيقية بدأت تتهدد الشركة نتيجة خسارة حرفائها التقليديين بالخارج بسبب عدم قدرتها على الإيفاء بتعهداتها تجاههم.
كما أعلن رابح جراد الرئيس المدير العام لشركة الخطوط الجوية التونسية المملوكة للدولة أن الشركة تكبدت خسائر مالية تقدر بـ83 مليون دينار (52 مليون دولار) خلال عام 2012 .
ولا تتجاوز حصة الخطوط التونسية اليوم نسبة 39 بالمائة فقط من جملة القاصدين والمغادرين تونس جوا.
ويعد “شبه الانهيار” الذي تعاني منه كل من شركة فسفاط قفصة وشركة الخطوط الجوية التونسية، وهما “عملاقا الشركات التونسية”، مؤشرا على “الوضع الحرج” للمؤسسات، إذ توقفت خلال العامين الماضيين أكثر من 700 مؤسسة صناعية عن الإنتاج كليا ولفظت أكثر من 240 ألف عامل إلى سوق البطالة المزدهرة بطبيعتها.
و”لم تبادر الحكومة بوضع خطة اقتصادية واضحة المعالم والأهداف من أجل إنقاذ مؤسسات يقوم عليها الاقتصاد التونسي بل اكتفت ببعض التدخلات هي أقرب إلى المسكنات منها إلى المعالجة الناجعة ما عمق الأزمة”، على حد تعبير الخبير الاقتصادي بوجمعة الرميلي.
ويبدو أن الحكومة عجزت عن رسم خطة تنموية استراتيجية لتنشيط أداء الاقتصاد لذلك التجأت إلى صندوق النقد الدولي من أجل الاقتراض.
غير أن المسؤولين التونسيين أنفسهم قالوا إن صندوق النقد الدولي اشترط إجراء إصلاحات مقابل منح القروض دون أن يكشفوا عن طبيعة الشروط التي أكدوا أنهم وافقوا عليها.
ويشدد الخبراء على أن سياسة الاقتراض “لن تنقذ المؤسسات الاقتصادية ولن تنأى بتونس عن أزمة خطيرة باتت تهددها، ويؤكدون أن هكذا سياسة من شأنها تعميق الأزمة على خلاف ما ترى الحكومة”.
ويقول خصوم حركة النهضة الحاكمة “إن الحكومة عاجزة أصلا عن معالجة الأزمة الاقتصادية” ولا يترددون في اتهامها بـ”دفع المؤسسات إلى الإفلاس من أجل التفويت فيها في إطار مشروعها الذي يهدف إلى أسلمتها لاحقا”.
وألقت الأزمة الاقتصادية بتداعياتها على غلاء معيشة التونسيين، إذ تشهد البلاد اليوم ارتفاعا غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية بنسبة تتجاوز 13 في المئة إضافة إلى المحروقات بنسبة 10 في المئة في ظل استفحال المضاربة والاحتكار وسهولة تهريب السلع والأغذية باتجاه ليبيا.
وأججت الأزمة الاقتصادية في تونس التي تصل فيها نسبة البطالة إلى 20 بالمائة وتفوق نسبة الفقر في بعض الجهات نسبة 25 بالمئة السخط الشعبي إذ ارتفع عدد إضرابات العمال بنسبة 14 في المائة خلال الربع الأول من 2013 مقارنة بالفترة ذاتها من 2012 حسب إحصائيات نشرتها وزارة الشؤون الاجتماعية نفسها.
ويؤكد محللون أن تداعيات الأزمة الاقتصادية لم تكن اجتماعية فحسب بل كانت أيضا تداعيات سياسية، حيث يبدو التونسيون اليوم أقل ثقة في حكام بلادهم الجدد ولا يترددون في التعبير عن خيبة أملهم من نتائج انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 التي أوصلت بالإسلاميين إلى الحكم.
ميدل ايست أونلاين