الإدارة على طريقة أم دورور

بشفافية

الإدارة على طريقة أم دورور

حيدر المكاشفي

لم يفترِ على الحكومة والنظام أو يبهتهما بما ليس فيهما من سبق أن قال ومن سيلحق بالقول انهم يتعاطون أمور السياسة والإدارة والحكم بأسلوب ومنهج رزق اليوم باليوم مثل أي حطابي مع كامل التقدير والاحترام لهؤلاء الشرفاء الذين يأكلون من كد سواعدهم اليومي، ولكنهم حين يمرضون أو يواجهون أي عارض طارئ لا يدرون ماذا يفعلون ولا من أين يأكلون، وهكذا حال الحكومة التي ظلت وما انفكت تمارس الاحتطاب السياسي والإداري الى يوم السودان هذا، ودعكم من كل الشواهد والأمثلة الشاخصة التي لا حصر لها فيكفي دليلاً على هذا الخطل الاعتراف الذي ردده بعض عقلاء المؤتمر الوطني في أعقاب مفاصلتهم الشهيرة وفيهم من يعد في عداد المفكرين من أنهم قد أصبحوا يتعاطون أمور السياسة رزق اليوم باليوم ويعزز ذلك نصيحة مشهورة قيل ان الدكتور الترابي بعث بها في تلك الأيام للامريكان ينصحهم فيها بأن يحاوروا عقلاء المؤتمر الوطني قبل أن يضطروا لمحاورة مجانينه، وهذا عين ما قاله قبل أيام قليلة سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد لصحيفة الأخبار حين كشف لها عن أن مسؤوليتهم تجاه هذا البلد تجعل لهم مسؤولية تجاه المؤتمر الوطني لانقاذه من حالات جنونه ومجانينه أو كما قال نقد..
والمشكلة الأكبر أن أسلوب التعاطي مع المشاكل والازمات والقضايا في بلد موبوء بالعشرات منها، لم يقف عند خطر نهج رزق اليوم باليوم، بل تعداه الى ما هو أخطر، فحتى رزق اليوم باليوم لا يمارس على أصوله وانما على طريقة «أم دورور» ما يزيد المشكلة تعقيداً على تعقيدها، و»أم دورور» لمن لا يعرفها هي أسواق شعبية متنقلة لا يستقر لها قرار كل يوم في منطقة على مدار الأسبوع ولها شهرة وذيوع وانتشار خاصة في أرياف كردفان ودارفور، وفي هذه الأسواق التي لا يحكمها ضابط ولا تتحكم فيها محلية تجد أن كل شيء متاح ومباح حتى «المريسة» تحتل مكانها بين المعروضات لذة للشاربين، وتجد فيها من يجمع بين التجارة والصيدلة يبيع «الكول» و»المرس» جنباً الى جنب كبسولات المضادات الحيوية وراجمات الملاريا، وآخر يمارس الطبابة إلى جانب التشاشة فتجد عنده العقاقير البلدية من عروق وقرض وحرجل وخلافها وأكوام البصل والتوم والشمار وما شاكلها، وثالث يمزج بين عمل الحلوانية وتجارة السلاح، من أراد النبق والدوم والقضيم واللالوب يجد عنده ومن أراد الجبخانة فالمخلاية مليئة بأشكال وألوان منها، ورابع يزاوج بين العطارة والكيف تفوح من محله رائحة النشوق والتمباك وهي مختلطة بروائح فليردمور والريفدور و»ون مان شو»، وهكذا يختلط الحابل بالنابل والمنتهي الصلاحية بالساري المفعول في هذا السوق العجيب..
الآن وبعد أن وقفتم على حقيقة «أم دورور» تأملوا القضايا والمشاكل والأزمات التي تعج بها هذه البلاد واختاروا أية واحدة منها وحاولوا أن تعرفوا المنهج الذي تعاملت به الحكومة معها، المؤكد أنكم لن تجدوا شيئا سوى «تمويهات» وتكتيكات وتكتكات مرحلية قصيرة النظر والعمر، لا تفعل اكثر من أن تزيح القضية جانباً بوهم أن ترتاح منها لتفاجأ بها مجدداً وقد زادت وكبرت وتضخمت و»تدولت» نأمل أن تفلت قضية الجنوبيين بالشمال والشماليين بالجنوب من هذه الدائرة وتعالج بما يؤسس على الأقل لجوار سلمي خالٍ من التوترات والضغائن..

الصحافة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..