مساء من الحب والتمرد لمحمود عبدالعزيز (1-3)

ياسر عرمان
حينما غيب الموت بعض الموتى الذين هم في الأصل أصدقائي. صدمت والتجأت إلى حائط النعي. أكتب العبارات الموجزة، ولسوء حظي أن قائمتهم أضحت تطول، وفجعت على نحو أخص بالرحيل المبكر لمحمد الحسن سالم حميد، ومتوكل مصطفى، وطارق فريجون، وفي خطوة عجلى مضى محمود عبدالعزيز، وكنت ولا زلت أود أن أكتب عنهم جميعاً يشجعني أصدقائي وأقربائي الذين طالما تمر منعرجات أحاديثنا عن الحياة بظلال أصدقائي الراحلين الوارفة. لم أقل شيئاً بعد. عن العم ميلاد حنا وهو الذاهب (نحو غد أكثر إشراقاً) عن ماكير، دينق ملوي (الطائرة المقاتلة The jit fighter ) أحمد عبد المكرم، عبدالحميد عباس، وعنديفيد دوال، والسفير مجوك أيوم، وقد أضحت الأحزان عابرة للحدود، تمتد على طول تضاريس واقعنا السياسي.
رحل أناس لطالما عرفتهم واستمتعت بصحبتهم ولا أزال، ونحن في عالمين من الحضور والغياب، ولأن بعض الغائبين حضور، فقد قررت أن أحتفي بكل هؤلاء في مقالات تمجد حضورهم. لا تكتفي بنعي الغياب.
وفيما يخص محمود عبدالعزيز على وجه الخصوص. تلقيت رسائل عديدة أخص من بينها رسالة في شبكة التواصل الإجتماعي من عزيزنا محمد الحسن المهدي (محمد فول) طلب مني أن أكتب عن محمود عبدالعزيز، وهأنذا أفعل في مساء من الحب والتمرد لمحمود عبدالعزيز.
في بداية الأربعينيات أعدم النازيون غابريال بيري الذي يطلق عليه رفاقه (بيري العظيم) وهو أحد قادة اليسار الفرنسي. ولد في عام 1902 وأعدم في عام 1941. ومنذ حوالي ثلاثين عاماً قرأت عن غابريال بيري. احتفظت ذاكرتي بعبارة شامخة نسبت إليه حينما سأله في المحكمة الإيجازية الجنرال النازي : “هل لديك كلمة أخيرة؟” والمحكمة تمضي بسرعة البرق، والحكم معلوم، فقال : “لو قدر لأمي أن تلدني من جديد لاخترت الطريقة ذاتها التي سوف توصلني إلى حبل مشنقتك”. ومنذ أن قرأت هذه العبارة وحتى اليوم تسري قشعريرة في الجسم والعقل عندما ندنو من تلك العبارات. خلد بول إيلوار ولويس أراغون، غابريال بيري في قصائد مجيدة، وقال ألبير كامو الذي شهد واقعة اعدامه أن تلك الواقعة قد أجلت رؤيته وتمرده ضدالألمان النازيين، وغابيريال بيري الصحفي والكاتب ذكر في إحدى ملاحظاته الدقيقة والذكيةوالتي بقيت مع الزمن إنه يشعر بالإعجاب عندما يلتقي بالناس العاديين الذين قاوموا النازية دون إدراك كامل لكنهها ودون أن يزعفهم منهج في تحليل ظاهرة النازية وإنه لطالما احترم بطولة هؤلاء.
في بلادنا قاوم ملايين السودانيون جبروت الإسلام السياسي. في الريف والمدينة. من المهمشين والمثقفين، ومن المثقفين المهمشين، ومن أناس لم تطأ أقدامهم ردهات المدارس، والإعجاب كما عبر غابريال بيري يذهب للذين قاموا ظاهرة الإسلام السياسي وهي شكل من أشكال الفكر الفاشي. الذي يوظف الدين والتناقضات الإثنية لتحقيق أغراض دنيوية سياسية محضة، وهي ظاهرة معقدة وملتبسة، ومتسربلة بالدين، وذات ممسك لزج ومخادع، والغوص في دهاليزها صعب في كثير من الأحيان، ولقد كان محمود عبدالعزيز أحد أبطال مقاومة الإسلام السياسي. شكل حالة فريدة من الإبداع والمقاومة معاً وفعل ذلك بما تيسر له من وعي، وأدوات ابداع، وكون في معاركه المتصلة جيشاً من المحتجين معظمهم من الشباب وبعض مهمشي قاع المدينة، وهؤلاء الشباب الذين قضى مشروع الإسلام السياسي على مستقبله وطموحاتهم في الحياة الكريمة الآمنة، ودفع بهم نحو ساحات الحروب والعطالة بعد التخرج.
نسج محمود خيوط علاقاته معهم عبر الابداع والاحتجاج كمتلازمتين، فلم يكن مبدع دون احتجاج، ولم يكن محتج دون ابداع، وقاوم على نحو فعلي ما سمي بالمشروع الحضاري. كان واجهة من واجهات مقاومة قانون النظام العام الذي طالما ألهب ظهر محمود بالسياط ولم يستثني الشباب نساءً ورجال، وهذه نقطة التقاء مهمة بين محمود وجمهور حزبه.
المشروع الحضاري صُمم لينال من طريقة حياة ملايين الشباب، ومن بينهم محمود نفسه، فهو لا يحترم حرية الأفراد، ولا سيادة حكم القانون، ويتطفل على الناس في داخل منازلهم، ويقدم السياط قبل القدوة والنموذج والاقناع. سد مشروع الإسلام السياسي أفق الحياة المديدة أمام ملايين الشباب، وكان محمود عبدالعزيز نسيج وحده، وكان أحياناً وحده في مصادمة ذلك المشروع، وأدرك على نحو مبكر أن في الابداع وغضب الشباب مكمن قوته. لم يكن لديه منافيستو، ولكنه استخدم منافيستو الابداع، وأدركت أجهزة الدولة التي تمتلك حاسة شم قوية وإنذار مبكر خطر ظاهرته، وحاصرته منذ البداية، واستطاع فك الحصار بطريقته الخاصة. عبر جمهور من المحتجين الشباب الناقمين على قسوة الحياة وكذب الشعارات.
نصبت تلك الأجهزة الشراك له مراراً، وقد حكى لي عدة وقائع مع أجهزة البوليس. يأخذ بعضها بعفوية، ولكن كان لها رسم وتبدير وساعده بعض الضباط والمنتسبين إلى هذه الأجهزة من الوطنيين، وأحياناً ساعدته طرق أخرى ابتكرها للخروج من تلك المآزق، ويبقى جمهوره الذي أحبه هو العامل الرئيسي في معادلة معاركه المتصلة مع أجهزة النظام.
ومثلما تنقل محمود من مسرح إلى مسرح ومن مناسبة إلى أخرى كمغني. كذلك تنقل بينمخافر الشرطة والأمن ومحاكم النظام العام وشرطته التي اقتحمت منزله مرات عديدة. كان له سجل طويل مع هؤلاء الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف. سوى معروف تثبيت أركان النظام.
الذين اقتربوا من محمود يدركون غضبه وتمرده على نظام الإنقاذ. رغم أن معظم أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها النظام وعدد كبير من كتابه والمحللين والنقاد في الصفحات الفنية والبرامج التلفزيونية تغافلوا عن عمد عن هذه الحقيقة الساطعة والتي يمكن دعمها بالحقائق والأدلة والشواهد، وهذا ما نرمي إليه في هذه المقالة للمساهمة في وضع ظاهرة محمود عبدالعزيز في اطاره الصحيح والوقوف ضد محاولات إغتياله مرة أخرى، فإن سجلت الأولى ضد مجهول، فإن محاولات تشويه سيرته وإغتياله معنوياً مع سبق الإصرار والترصد لن تسجل ضد مجهول، وعلى الذين أحبوا محمود ألا يسمحوا بذلك، وألا يتركوا بعض القتلة يذهبون في تشييع جنازة المغني، وأن القتل المعنوي كان دائماً أشد من القتل المادي، لأن البشر عابرون، وهم ضيوف في هذه الحياة، لكن الإنسان يعيش بعد رحيله المادي إلى أطول مدى ممكن لاسيما إذا كان ذلك الإنسان مبدعاً ترك وراءه إبداعه مثل محمود عبدالعزيز، وحاجز الصد الحقيقي الذي حمى محمود حياً وغائباً وجعله أكثر حضوراً من بعض الأحياء هو الحائط الصلب من المعجبين الأوفياء الذين أدركوا جوهر وقيمة تمرده، وابداعه اللذان لا ينفصلان، وهو الذي ميز محمود حاضراً ويميزه مستقبلاً.
الشباب الذي خرج خلف جنازة محمود ذو صلة سابقة وممتدة معه إبداعاً وتمرداً، ولم يكتشف محمود مثل ما اكتشفه البعض عند رحيله، والمكتشفون الجدد عادة ما يلونون الحقائق، مثل الذي يستولي على أرض الغير، فهو بحاجة لتزوير الشهادات والتاريخ، وربما كتب تاريخ جديد مختلفاً كلياً عما كان، وقد فعل كولومبوس ذلك وتحدث عن اكتشاف أمريكا ولكن أمريكا كانت موجودة، ذهب كولومبوس أو لم يذهب، ومعرفة الأوروبيين بالعالم الجديد لا يلغي وجوده السابق.
حينما جابه محمود سياط النظام العام وتعدياته على خصوصيات الناس داخل منازلهم وأحياناً داخل عقولهم. كان ذلك حادثاً ومصاباً مشتركاً مع ملايين المصابين من الشباب، وعلى الرغم من عربدة وبلطجة أجهزة النظام عرف محمود طريقه للشباب وعرف الشباب طريقهم إلى محمود. كانت له أوقات ومراكز ثابتة للإطلال على جمهوره، وإلم يتمكن من الوصول إلى جمهوره فإن الجمهور يصل إليه. حتى في مراكز الشرطة، وقد كون جمهوره روابط في مدن عديدة مثلت فروعاً لحزبه. كان جمهوره على مقدرة للتسامح مع هفواته، وقد ذهبت مع محمود ولبيت دعواته مراراً، ووافيته في مناطق مختلفة من مراكز نشاطه. أشهرها ميدان التنس في الخرطوم، والذي كان يضج بمئات وأحياناً آلاف الشباب حبيس الدموع في المآقي، والباحث عن الحب والفرح. كان محمود يشبعهم غناءً وتمرداً، وكان نجماً من نجوم المسارح المفتوحة والأندية ودور الرياضة والصالات المغلقة، وأين ما حل كان له جمهوره. حتى في أسوأ لحظات أداءه، وقد أصبح رمزاً وظاهرة وكون حركة أشبه بحركات الاحتجاج الإجتماعي الإبداعي، وهي ظاهرة عالمية ضد أنظمة القهر وفي مساندة القضايا الكبيرة، وحينما تقوم أنظمة القنع بقهر المنظمات السياسية، ودور المجتمع المدني، وتواجه تذمر الملايين، فإن رحم الملايين يولد أشكالاً مختلفة من أشكال المقاومة. كاملة الوعي أو محدودة الوعي، ويتمتع رموزها أحياناً بوعي وبرؤية صافية أو محدودة في رفضها واحتجاجها ضد القمع والقهر، وتنسرب مراكز المقاومة من بين يدي الديكتاتورية الصماء، وحتى الأنظمة الديمقراطية التي تحاول التغطية على الأزمات وتزييف وعي الجماهير بغبار كثيف من أجهزة إعلامها وتحاول تغبيش الحقائق والوعي بالظواهر والأزمات، فإن الناس يجدون من بين المبدعين من يعبر عن أشواقهم واحتجاجاتهم الدفينة غير المعبر عنها بأغنية أو مسرحية أو نص شعري أو فيلم سينمائي أو رواية أو غناء شعبي مجهول النسب، وغيرها من ضروب الإبداع التي تحمل هموم الناس مع اختلاف الأزمنة والأمكنة والشخوص، وإن شخصيات فاعلة في مسرح الحياة والإبداع والتاريخ كانت دائماً حاضرة مثل ظهور (البيتلز) وقائدهم جون لينون، وبوب مارلي، ورود غيريز، وخليل فرح، وقد عبروا بصدق عن أزمنتهم وكانوا ناطقين رسميين باسم تلك الأزمنة، وباسم أجيال كاملة وقضايا كبرى في التاريخ الإنساني، وقد شهدت مؤخراً الفيلم الوثائقي عن بوب مارلي، وفيلم آخر يسمى “شوجر مان – Sugar man” عن رود غيريز، وتضامنه ووقوفه ضد نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، وهو فيلم وثائقي شيق أعاد رود غيريز إلى الحياة مجدداً، مثلما كان دوماً نصيراً للعدالة وحق الآخرين في أن يكونوا آخرين، وقد استمتعت بالحوارات مع رود غيريز الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء تصوير الفيلم، ونتطلع لفيلم وثائقي عن ظاهرة محمود عبدالعزيز وربطها بالمناخ والقضايا التي عبر عنها والتي لا تزال تشغل ذهن ملايين الشباب وهي في وجه من وجوهها توثيق للعلاقة المعقدة بين الشباب والمشروع الحضاري.
كثير من المبدعين وبعضهم قامات سامقة في بلادنا التزموا بمشاريع ثورية للتغيير على نحو واضح، ولم يتركوا وقتاً للاستنتاج حول رؤيتهم أو التزامهم لاسيما موقفهم السياسي، وعلى الرغم من أن محمود عبدالعزيز ربطته علاقات بعدد من المثقفين الملتزمين على نحو قاطع في فترات مختلفة من حياته، ولكن مسيرته تتيح الفرصة لكثير من الاستنتاجات حول مواقفه السياسية. خصوصاً إذا ما تم مقارنة ذلك بمواقف مبدعين شديدي الإفصاح عن مواقفهم السياسية مثل الأعزاء الكبار محمد وردي ومصطفى سيد أحمد، ومع ذلك، فأن واحداً من قضايا هذه المقالة أن محمود عبدالعزيز كان واضح الإنحياز، وأنه كان ناطقاً رسمياً لإحتجاجات الشباب في ظل نظام الإنقاذ، ومن العصي توزيع دمه بين كل القبائل، فقد انتمى لقبيلة من الإبداع والإحتجاج دون غيرها، وهو عنوان ورمز من رموز احتجاجات الشباب، وإن إبداعه يندرج في الصف الطويل للمبدعين الذين وقفوا مع قضايا الناس، ومحاولات رسم صورته كمغنٍ لا قضية له طلقة لن تصيب هدفها. مثلما هي المحاولات العديدة لرسم صورة لمحمد علي كلاي كملاكم أسطوري وقاطرة بشرية دون التوقف عن موقفه الشهير من حرب فيتنام ومن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أو حتى حينما غير ديانته واسمه كنوع من أنواع الاحتجاج والتدين معاً، ومثلما هو الحديث عن محمد وردي كفرعون وإمبراطور وإطلاق ألقاب مضللة تحاول تغييب موقفه الإجتماعي السياسي كداعية كبير من دعاة التغيير، وهذا لا يعني حصر وعزل إبداعه وتجييره بلون سياسي محدد وتغييب أبعاد أخرى من إبداعه، بل بالأحرى إبراز كل جوانب الظاهرة الإبداعية، وفي حالة محمود فإن إغفال علاقة إبداعه بالاحتجاج وأنه رمز لجيل كامل من الشباب، دفع ثمن مواقفه عداً ونقداً فإن ذلك بمثابة محاولة للإغتيال المعنوي لظاهرته ورمزيتها وما احتشدت به من ابداع واحتجاج وتمرد لا إنفصام للعلاقات الداخلية بين كل هذه المكونات، وحسن فعل الشباب الذي تمسك بالتعبير عن حبه لمحمود بعد رحيله وأعطى صفعة ماهرة لكل محاولات تشويه صورته سوى الذين تباكوا عليه كمبدع لا كمحتج وكإنسان لا قضية له، أو الذين ذهبوا للتقليل من قيمته بإنه إنسان لا قيم ولا قيمة له. بل هو صنو للضياع كما عبر أساطين المكر وأدعياء التدين من شيوخ وصحفيي الإنقاذ.
تمتع محمود بعلاقات مع مثقفين ملتزمين بقضايا التغيير، صعوداً وهبوطاً، وقد تزامنت فترات صعوده مع أسوأ فترات صعود مشروع الإسلام السياسي الذي عمل على تجفيف كل منابع الفكر المستنير، ومع ذلك تتجلى عظمة محمود، أنه استطاع في ذلك الوقت أن يسجل فصلاً ملحمي ذو ذوق خاص ارتبط بالجمهور صعوداً وهبوطاً، ولم يبخل عليه ذلك الجمهور حياً وميتاً بالحب والمؤازرة، والناس الذين ساروا خلف جثمانه يدركون قد جسد بعض أحلامهم في الاحتجاج، والخروج عن المألوف والسائد، شكلاً ومضموناً، وإنه كان يغرد خارج سرب الإسلام السياسي وسيطرته على مفاصل ومسامات الحياة. أعجب الجمهور بتحدي المغني للنظام العام، بمعناه الضيق والواسع، وكسب المغني وخسر النظام العام.
واللافت لأي مهتم، وحتى وإلم يكن متخصصاً في قضايا الإبداع من أمثالنا. لابد أن يتوقف عند الحقيقة الباهرة للمغني، الذي لم يكن المبدع الوحيد في زمانه. نافسه وتواجد معه كثر، ومع ذلك لم يلتفت الجمهور للآخرين مثلما فعل معه! ولقد صعد معه الجمهور ناصية الطريق. لماذا حدث ذلك ؟ لابد من أسباب وإجابة، وهذه واحدة من أهداف هذه المقالة التي تخرج في صف محمود، مثلما خرج آلاف الشباب في تشييعه، والمقالة هذه مهداة للشباب الذين خرجوا خلف جثمان المغني. هل أحب الشباب المغني بسبب تفرده في الغناء والتطريب وحده ؟ هل تم ذلك لجماليات الغناء والإبداع وحدها ؟ لا أعتقد ذلك، ومن مسافة قريبة أتاحت لي التعرف على شخصية محمود. إنساناً ومبدعاً، وسوف أاتي إلى ذلك في سياق هذه المقالة. يمكن القول وباطمئنان وارتياح أن محمود قد مزج بين جماليات الغنآء وجماليات الاحتجاج، ولم ينافسه الكثير من أبناء جيله في ذلك، وهنا يكمن الفارق الذي ميز حب الجمهور لمحمود دون غيره من مجايليه حتى أصبح له مريدين شكلوا لوحته البهية التي فاجئت البعض ممن اكتفوا بملامسة سطح ظاهرة إبداعه. واكتفوا بقشور مسلكه الشخصي والانطباعات السيارة التي كان بعضها من صنع أجهزة النظام التي عملت على تكوين صورة قيمية وأخلاقية لتهيل التراب عليه حياً، ولكن المغني استطاع الافلات من شباك صياديه مرات عديدة، باتباعه قانوناً وحيداً وأبدياً خالداً، بأن اتجه إلى الجمهور مبدعاً ومحتجاً، وكان الجمهور كريماً معه لاسيما في الأوقات التي كان النظام العام وسياطه تلهب ظهر المغني والجمهور فاتحد المغني مع جمهوره، وكان له موعد مع الشباب الباحثين عن رمز، والفصل كان محلاً وصيف، وكانت الأعوام أعوام للرمادة. أطول من أعوام الرمادة على زمن الفاروق، ولا فاروق في أعوام رمادتنا هذه، والناس تبحث عن رجاء وأمل، وتقدمت خطو محمود مع خطو الشباب المطمئن، وعرف المغني طريقه نحو الحياة.
أتى محمود بعد أن انقشع غياب مغنٍ آخر تمتع واستأثر باهتمام كبير عند الشباب، هو الأستاذ مصطفى سيد أحمد، وتزامنت تواريخ رحيلهم معاً، وقد جسدا أحلام الشباب معاً، مع الفارق والإختلاف. أتى محمود في سنوات سبقت وتزامن بعضها مع مصطفى سيد أحمد في الساحة الفنية.
حينما تعالت سياط النظام العام من ثناياها خرج محمود عبدالعزيز، ونهض إبداعاً واحتجاجاً، وتحكي بعض الصور لحظات باقية لثبات المغني وهو يتلقى السياط في حفل ليس (للبطان). بل في مخفر من مخافر النظام العام، وتوحد المغني وجمهوره في مواجهة النظام العام ومحافله، والإنقاذ تعرف خطر الشباب، وحاولت منذ البداية أن يقوم مشروعها على إذلال وكسر روح التحدي عند الشباب، وكان قانون النظام العام واحداً من أدواتها. مثلما هي مطاردة الشباب وحلق رؤوسهم في الساحات العامة، في الأسابيع الماضية، والغرض ليس هو قطع الشعر المنسدل، بل اقتطاع مشاعر التحدي، بل ربما لوضع الشباب في صدام مع القوات المسلحة التي لا يخولها أي نص من الدستور والقانون ومهامها في أن تصبح أكبر (حلاق في البلد) بعد ما حدث لها ما حدث في الحروب الداخلية لنظام الإنقاذ.
ولأن المغني ابن من أبناء الحارات والأحياء الشعبية، فقد التقط رائحة الاحتجاج، وسار مع الشباب وكون حزباً عريضاً من المحتجين. أحس المغني بأشواق الشباب في الحياة الكريمة، ورأى الحزن والدموع في المأقي وتسرب أحلام الشباب، فاختار أن يكون صوتاً من القادم، ولا قادم إلا مع الشباب، وإذا كسب المغني الرهان وتجرعت منابر النظام العام وأدعياءه (زفرات حري) ولم يتمكنوا من فك شفرة المغني والجماهير التي خرجت خلف جنازته وضربوا أخماس في أسداس في الحديث عن فساد أخلاق الشباب، ولم يتحدثوا عن فساد أخلاق شيوخ المشروع الحضاري، وما حز في أنفسهم ليس فساد أخلاق الشباب بل احتجاج الشباب الذي أصهروه عند موت المغني، والحديث عن الأخلاق مطية قديمة عند هؤلاء الشيوخ، وقد كانوا يخفون هلعهم بدس رخيص وهم قد أبصروا بأم أعينهم أن حزب المغني أكبر من حزب النظام العام، وكان ذلك في حده رسالة خطيرة بتوقيع جمهور عريض. إن الذي رحل في ذاك اليوم لم يكن المغني، بل هو حزب النظام العام، والمشروع الحضاري، الذي لا صلة له بالحضارة إلا بالسطو على اسمها، وعلى بلاد بكاملها، وللناس خيارات، والله يختار ويصطفي من يشاء، وقد اختار المغني وحبب فيه خلقه، وبالضد تتبين الأشياء. أن الله لا يحب قانون النظام العام. الذي لا يتوانى عن انتهاك حرمات الناس حتى داخل منازلهم. كما أنه لا يحب النفاق، وقد أحب صدق المغني، وأحب احتجاجات الشباب التي تدعو للعدالة والحق واحترام آدمية الإنسان، والأصل في الإنسان الحرية وفي الدين كذلك، وما زال صوت الفاروق المجلجل عبر الحقب(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) في أوجز وأجزل عبارة لميثاق عالمي لحقوق الإنسان.
السيتينيات بعنفوانها وشبابها، واحتجاجاتها، وأحلامها الكبيرة في عالم جديد. موجاتها العاتية تحمل جون لينون وفرقة البيتلز كواحدة من ? نواصل
يا ياسر عرمان :
عليك الله خلينا من محمود وربنا يرحمه ويغفر ليه …
بتخشوا الخرطوم بتين ..؟ عشان تخلصونا من ناس اللمبي .. الشعب السوداني عايز شغل جوة الميس .. ولعوها
اجمل مقال عن محمود وعبر عني تماما صدقت ايها الرفيق عرمان —والله مقال دواء ناجع عديل كدا —والله انا من اشد المعجبين بي حوتا عشان تمردو علي الواقع الماساوي دا وغناهو الجميل —
محاولة غبية جدا لجذب الحواتة…غيرك كان اشطر.. شوف ليك كرت غير الجان العبو
تزيفون الحقائق وتتجدوثون عن رجل فارق الحياة تريدون المتاجرة بروحه ام ماذا ولكن هذا طبعكم كالسوس تنخرون فى العظام مالكم ومال الرجل كان مغنيا اسر كل من استمع اليه باداءه الطروب نعم كانت له قضية وقضيته هى فنه ولكن هذه محاولة منكم لجر جمهورة لاتباعكم وتحريضهم على الدمار والخراب وانتم تتجدثون عن المهمشين وتقيمون بفنادق اوربا وقواتكم تذبح فى المهمشين وتعيث فى الارض فسادا
?محمود عبد العزيز رحمه الله عليك ،لن أنساك واردد دائمآ غناك .
كلنا فى مساء ومن الحب والتمرد لملك الجيل الراحل المقيم الخالد ابدا محمود وقضابا الانسان
الى ياسر عرمان مع التحيه
كتبت كثيرا وكثيرا تتحدث ان قدوتك غاندى ونيلسون مانديلا واليوم عن محمود عبدالعزيز
عزيزى
الى متى هذا النفاق والتلاعب
هؤلاء رجال ما نعرفه عنهم وعن تاريخهم
انهم لم تتلوث اياديهم بدماء شعبهم تحت اى مبرر وضد من ذاقو الامرين من جلاديهم
غاندى لبس ملبسه الذى صار رمزا للتواضع وترجمه عمليه لما غنى به وردى فى حضرة جلالك يطيب الجلوس
مانديلا دفع من عمره ما يقارب الربع قرن فى سجون ابشع نظام عنصرى وخرج معززا مكرما وتقلد منصبه بعرق نضاله ثم تركه معززا مكرما تاكيدا للتداول السلمى للسلطه ولم يلطخ يديه بقتل فرد من شعبه تحت حجة مناهضة النظام العنصرى البغيض والمحتل لبلده والمنبوذ والمقاطع عالميا وقتها الى ان خر صريعا
اما درة شباب الوطن رغم سياط النظام الحارقه الا انه لم يغادر وطنه لحمل السلاح ليتسبب فى اراقة دم طفل من بنى وطنه وكان يمكن له ذلك
بل اتاح لك انت شخصيا فرصة ذهبيه لقيادة السودان عندما ناصرك بكل حزبه فى انتخابات الرئاسه التى دخلتها أو فى الحقيقة أدخلت لها مبتذا لا غير ولم تراع لمشاعر حزب محمود فى امل التغيير الذى راوه فيك
خذلتهم وبعتهم كما بعت المعارضه التى ناصرتكم فى ايام الاثنين المشهوره ولم تحقق لهم مطالبهم بالغاء قانون امن الدوله
بعتهم وخذلتهم حزب محمود وجعلته يدفع ثمن ذلك مزيد من السياط على ظهره وذهب مغاضبا لكم وعرفتم حجم حزبه الذى لم يكن فى حوجه لوسيله اعلاميه جوفاء قاد حزبه وشعبه بالنغم وليس بالسلاح ولم يروع الامنين كما فعلتهم فى شعب ام روابه وغيرهم
اى نضال واى حقوق تتحدث عنها وانت تزيد فى معانات شعبك ومن تدعى انك تدافع عنهم ثم تتركم لمزيد من المعانة والضياع وتزيد اعداد النازحين والمتشردين وانت تنعم بالتجوال وانيق الملبس والمأكل اى مؤتمر او قاعدة شعبيه اختارتك بقناعة لتدعى انك تمثلهم اترك محمود وامثله من الانقياء فى حالهم ويكفى متاجره وتذلف وتلاعب وتمتع بحياتك ونم غرير العين غير مبال بالارواح والجرحى والثكالى الذين روعتهم وهم كانوا فى امنهم وامان يصارعون ويعاركون من تسببتم انتم فى اطالة امدهم
ونختم
هذا هو تاريخهم الوطنى فما هو تاريخك وماذا قدمت لشعبك الذى تدعة تمثيله دخلت الخرطوم تحت مظلة نيفاشا التى وقعت بين حملة السلاح لا غير انتم والمؤتمر الوطنى تنعمتم بخيرات النظام وخزينة الشعب من مخصصات وحصانات
وبعد ان تم انجاز المطلوب لجأت للخارج لتمارس هواية القتل لاناس ابرياء مجددا وتريد ان تعود مرة اخرى عبر فوهة البندقيه وليس كما نضالات منديلا وغاندى ومحود محمد طه ومحمود عبدالعزيز
ماذا قدمت لشعبك وماذا استفاد منك طيلة اعوام سته عجاف فقط شاركت فى الاضرار به لانك لم تحاول مجرد محاوله ولو كتسجيل موقف ان تلغى قانون امن الدوله العمقى لانه كان لحظتها يستثمر من قبلكم لتصفية خصومكم
عرمان يكفى لعبا بمصير هذه الامه التى فيها ما يكفيها وهى تعرف كيف ومتى تخلع مستبديها وبدون وصايه او تدخل اجنبى ولا امم متحده ولا كونقرس اتركوا الشعب فى حاله
ماهي علاقة الكراهية والكيزان
…دائما بنحفظ لمن احببنا صورا جميلة فى ذاكرة قلوبنا,ونسترجع كل ما هو جميل لسيرتهم العطرة ونترك ما سواها,لماذا ثم لماذا؟؟.. مهما فعلوا ,فقد كنت تملك مزمارا من المزامير,الله يرحمو.
Thank you Sir
كلمة وفاء ولايعرف الوفاء الا اهل الوفاء وقد كنت علقت بعد وفاة المرحوم محمود عبدالعزيز بأن الشباب التفوا حوله لأنه فنان ولأنه انسان ذو قلب نضيف والتفوا حوله مثل كزعيم يقودهم بفنه وانسانيته بعد ان اخفق السياسيون سواء حكومة او معارضة من تلبية اشواقهم الحياتية ،،،، إن هذا النظام السخيف أذل المبدعين والمفكرين والوطنيين وساءهم أن تلتف حول محمود قاعدة شبابية كبيرة فشلوا بقوة السلطة والمال والترغيب والترهيب من كسبها لذا انصب جام حقدهم على المرحوم محمود وحاولوا بشتى السبل اذلاله رحمه الله رحمة واسعة،، فهؤلاء الفاشلون الذين لم يتمكن مشروعهم الذي بلغ عمره 23 عاما واشتروا العمارات والفارهات والفنادق ة والشركات لكنهم لم يتمكنوا من انتاج فنان او شاعر ذو خطر،، وبدون خجل بعد حادثة أم روابة رجعوا للاغاني والاناشيد القديمة مثل جدودنا زمان وصونا على الوطن،، وصه يا كناري وضع يمينك في يدي،، وحلاة بلدي حلاة نيلا،، الخ ما يدل أن المشروع الحضاري تمخض ولم يلد حتى فأراً ،،
عفيت منك ي شاهين وعفيت منك ي حواتي ي ود ابوي الجان
اطلع منها ي عرمان اولاد ابوي مابتقدر عليهم انت نسيت وصية الجان ابوي (ابقوا الصمود ماتبقوا زيف ابوي قال ابقوا عشرة على البلد واهلنا الطيبيين وعمر الجان ما كان صديق ليك بالعكس الجان لو بصادق امثالك كان اتبرينا منو
الجان ابوي بنفخر ونعتز بيهو وح نكمل رسالتو السامية لاخر يوم في حياة اصغر حواتي وليوم الدين
رحمك الله ابوي محمود
اتقوا الله (اذكروا محاسن موتاكم)
سلامات يا ياسر يا طيب ابو كلام مليان يا مابتعرف هظار.كدى خلينا فى المهم الناس دايرة الشغل يكون جوه الجك.طبعا واضحة زى عين الشمس.عرفتها مش كدا؟
للاسف الحقد الشديد واعداء النجاح كانوا بالمرصاد لمحمود علية رحمة الله على مستوى العسكر والقضاة وللاسف هناك فنانين ملأ الحقد قلوبهم على ذلك الفتى النحيل المبدع الذى يلتهم كل من يردد اغنياته فكانوا يخشون على انفسهم من ذلك الحوت فبقوا له بالمرصاد وتحريش رجال من الشرطة الذين لا ضمائر لهم فترصدوه حتى فى داخل منزله ولكن لم تتوقف مسيرة ابداعه وجابه الصياد والسجون وللاسف احد القضاة حكم عليه بدخول المصحة وهو فى ريعان شبابة فى مطلع التسعينيات وكنا فى المرحلة الثانوية عندما ياتى محمود لاحياء حفل ياتى احد رجال الشرطة كحرس وبعد نهاية الحفلة ياخذه الى السجن او المصحة عليه الرحمة واسال الله ان يعوض شبابه الجنة وبالرغم من انقطاعى عن الغناء لفترة طويلة ولله الحمد ولكنى عرفت ان محمود كثير الملازمة لبيته وحتى بروفاته كانت فى البيت وكان خجولا وليس بمن يتهافتون وراء النساء إلا بالحلال عليه الرحمة
لست من انصار عرمان بل ابعد من ذلك ارى انة خذل الشعب السودانى بالانسحاب فى الانتخابات الاخيرة لكن اتاسى للذين يطالبونة بان يكون كمانديلا او غاندى مع ان هذا الدور يمكنهم هم القيام بة لا الطلب من الاخرين الذين اختارو طريق العمل المسلح لاقتلاع النظام فلو جاء عرمان متلفحا عباءة غاندى او متسرولا بنطال مانديلا لقتلة الكيذان وانكرو مقتلة وتخاذلتم عن القصاص لة ولمتم من ياتى بعدة على عدم انجاذ التغيير الذى تحلمون بة ولا تدفعون مستحقاتة .من لايستطيع النضال علية الكف عن تكسير مجاديف النضال .والحوت رصيد انسانى لكل السودان من حق الكل الحديث عن روعة او ضمور تجربتة والحواتة اقدر على معرفة المتاجرين بة .اكتب ياعرمان عن الحوت وعن السودان وعن محمود محمد طة ومصطفى سيد احمد حتى لاينسينا التتار اننا ببساطة سودانيين ونفتخر.
بالرغم من حب الشباب للحوت كبير فان المناضل عرمان اكبر من الحوت والحواتة نضالا وكفاحا وايمان القضية الجوهرية .