أخبار السودان

الحال في حزب البشير تعدى مرحلة الأجنحة.. الطريق إلى سلام السودان يمر عبر واشنطن.

عادل إبراهيم حمد

حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان لا يعاب عليه وجود تيارات مختلفة فيه. فهذا شأن جل الأحزاب؛ حيث تتعدد فيها التيارات والأجنحة.. صقور وحمائم. يمين وسط ويسار وسط. ليبراليون ومحافظون.. إلى آخر التصنيفات المتقابلة التي يمكن أن تستوعبها الأحزاب العريضة، لكن يبدو أن الحال في الحزب قد تعدى مرحلة الأجنحة ثم مرحلة الجزر المعزولة إلى حالة السيولة. يتبدى هذا الاحتمال في رد الفعل الذي أبدته قيادات في الحزب على الدعوة بنقل منبر التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال من أديس أبابا إلى واشنطن. كان رد الفعل هو الرفض الفوري على طريقة الانفعال اللحظي أو الاجتهاد الشخصي بما ينبئ بافتقاد الحزب مركز القرار وآليات صنعه.

سارع الجميع بمختلف تياراتهم (الظاهرية) يتبارون في استعراض مواهبهم في التشدد بمن فيهم المعتدل إبراهيم غندور رئيس الوفد المفاوض.. ويبدو أن غندور أراد المبادرة عله يدفع عن نفسه اتهاما منتظرا من متشددين في الحزب ومن منابر إعلامية ودينية دأبت على مهاجمة الاعتدال وتراه مدخلاً للتخاذل. وقد يكون مدركاً لحالة السيولة التي أصابت الحزب والدولة فقرر أن يحتاط بهذا الموقف الظاهري لحين تمرير رؤيته الشخصية.

حالة السيولة هذه تفسر متاهة القرار في الحزب والدولة حتى بات مألوفاً بروز موقف رافض بشدة لعرض أو خيار بلا حيثيات واضحة ولا ترتيبات أو تدابير، ثم قبول ذات العرض أو الخيار ويكون حينها زمن طويل قد أهدر وطاقات قد بددت، بل ودماء قد سالت. على هذه الطريقة أعلنت قيادات في الحزب الحاكم وبالأيمان المغلظة رفضها لترؤس ياسر عرمان وفد قطاع الشمال المفاوض رغم أن الأمر شأن داخلي يخص القطاع. ولما كان الرفض غير مبني على أساس واضح أو حجة منطقية انقشعت الفقاعة وجلس الوفد الحكومي مع ياسر عرمان وكأن شيئاً لم يكن، لكن لا بد أن يكون عرمان قد أدرك من هذه الواقعة أن الطرف الآخر سوف يقبل غداً ما يرفضه اليوم. فأعلى سقف مطالبه وشروطه.

جلوس عرمان بشحمه ولحمه أمام غندور في مائدة المفاوضات رغم الفورة السابقة كان كافياً لوعظ الأخير وجعله متريثاً في كل ما يخص التفاوض. فيبدي الترحيب المبدئي بمقترح نقل منبر التفاوض إلى واشنطن مع إبداء التحفظات التي يراها المفاوض ضرورية، لا أن يرفض على الفور طرحاً مقدماً من العاصمة التي تكاد تدير الشأن العالمي.

يحمد للسودان إبداءه التقدير المستحق لآلية الاتحاد الإفريقي وتفهم ثقته في هذه الآلية وتفضيله لها على بدائل قد لا تكون بذات الصدق الذي يحمله الإخوة الأفارقة، لكن لا يختلف اثنان على الفارق الهائل بين آلية أديس أبابا والعاصمة التي يؤهلها ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري للوفاء بالالتزامات والشروط الضرورية لتحقيق السلام من ضغوط وإغراءات وتعهدات وإغاثات وإعادة توطين وتنمية. هذا إذا افترضنا جدلاً أن الولايات المتحدة لا تهتم بالسلام كقيمة وتحصر دورها في الهوس بالسيطرة والهيمنة.

يضاف إلى هذه الحقائق أن واشنطن يمكن أن تؤثر على مجريات التفاوض في أديس أبابا من موقعها الجغرافي البعيد. وما زال في الذاكرة اجتماع الأفارقة في الخرطوم حين أكمل السودان كل عدته وتهيأ لنيل رئاسة المنظمة بوصفه البلد المضيف. لم يعر الأفارقة يومها المضيف التفاتة، ولم يطرف لهم جفن وهم يحجبون الرئاسة عن رئيس البلد المضيف عندما جاءتهم التعليمات من وراء البحار بمنح رئاسة الدورة للرئيس الغاني.

لا يعني هذا من قريب أو بعيد أن الولايات المتحدة تتوافر فيها كل شروط الحياد، ولا يعني أن الجبهة الثورية محقة في كل ما ذهبت إليه سواء بتفضيلها الخيار العسكري للتغيير أو برامجها المقترحة للحكم، لكن المقصود هو الاستفادة من إمكانات الدولة الأقوى لمعالجة الشأن الذي استعصى بالآليات الوطنية والإقليمية؛ ولذا لا بد من البحث عن التقاطعات مع الإدارة الأميركية ولو كانت قليلة. هذا أجدى وأكثر واقعية وإلى السلوك العملي أقرب. ومن الأصوب أن يرحب رئيس الوفد الحكومي المفاوض مبدئياً بالتفاوض في واشنطن ثم يبدي تحفظاته.. ليس في ذلك تهافت كما يبدو للبعض.

عادل إبراهيم حمد
كاتب سوداني
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. واشنطن ارادت ان تستضيف القيادات المرفوضه من قبل المنظمات المدنيه واللذين يرفضون استقبال هولاء من المتنفذين من الحزبين لتشمل المفاوضات كل قضايا السودان بما فيها الهبوط الناعم ……

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..