مفاوضات غندور وعرمان ومخاطر اللت والعجن

بقلم: سعيد ابو كمبال
قامت الجبهة الثورية بهجوم عسكري على كل من مدينة ابوكرشولا ومدينة ام روابه في صباح السبت الموافق السابع والعشرين من ابريل 2013 محدثة خسائر كبيرة في الاموال والارواح وذلك أمر مؤسف جداً ولكنه كان متوقعاً .وربما قصدت الحركة الشعبية قطاع الشمال وهى المكون الرئيسي فى الجبهة الثورية؛ ربما قصدت ان توجه رسالة قوية في هذا الوقت بالذات مفادها ان الحركة موجودة ولديها المقدرة على التحرك واحداث اضرار كبيرة في الوقت والمكان الذى تختاره وعلى الحكومة التعامل معها بطريقة جادة وبدون استخفاف في المفاوضات التي يترأسها كل من الدكتور إبراهيم غندور و السيد ياسر سعيد عرمان. خاصة؛ وقد قالت بعض رموز حكومة الانقاذ بأن التوصل الي اتفاق مع حكومة الجنوب سوف يعنى من الناحية العملية موت الحركة الشعبية قطاع الشمال. واولئك بالطبع قوم سذج وواهمون لان القوى التي امدت المحاربين في جنوب السودان بالاموال والاسلحة حتى تم لهم الانفصال لازالت موجودة وسوف تدعم كل من يعمل على انهاك السودان عسكرياً ومالياً وسياسياً او يعمل لتفكيكه. ولا اريد الحديث في هذا المقال عن القصور والمحاسبة عليه لان نظام الإنقاذ لا يؤمن بهذه الفضيلة. ولكن اود الحديث عن المخاطر ( الاضرار المحتملة) التى تنطوى عليها المفاوضات بين وفدى غندور وعرمان.

الحكومة تضع العراقيل

يحمد للحكومة عدم اتخاذ قرار بتعليق التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بسبب الهجوم على ام روابة وابو كرشولا ولكن اعتقد ان بعض ما صدر من رئيس الوفد الحكومي واقصد الدكتور ابراهيم غندور لا يبعث على الاطمئنان بل بالعكس يبعث على القلق من تطاول المفاوضات وربما فشلها الكامل واطالة امد معاناه مواطني جنوب كردفان والنيل الازرق الذين يتطلعون إلى وضع نهاية للحرب اليوم حتى يتمكنوا من العودة الي قراهم قبل بداية خريف هذا العام الذى يتوقع ان يبدأ في يونيو 2013م .فقد قال الدكتور غندور:
اولاً يجب ان تنحصر المفاوضات في الامور التي تخص ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق .و
ثانياً لا يقبل المؤتمر الوطني بالشراكة السياسية مع الحركة الشعبية قطاع الشمال.

فتح باب اللف والدوران واللت والعجن

لم يحدد الدكتور غندور ما يقصد بالقضايا التي تخص ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق وربما واقول ربما قصد ان يقول يجب ان لا تتعرض المفاوضات لاية قضايا قومية مثل قضية الحريات او الدستور او توزيع الموارد المالية او غيرها من القضايا ولكن من الصعب جداً تصور وجود قضايا محلية بحتة وليست قومية او لها بعد قومى كما ان القول بحصر المفاوضات في القضايا المحلية فقط يعنى من الناحية العملية فتح باب اللف والدوران واللت والعجن حول ما هو محلى وما هو قومي واطالة امد المفاوضات وربما فشلها الكامل. ومرجعية المفاوضات واضحة جداً حول الاجندة وليس فيها مجال للهروب او التهرب كما يحاول ان يفعل الدكتور غندور.

ماذا يقول اتفاق نافع /عقار؟

يعرف القارئ الكريم ان مفاوضات غندور / عرمان تجري في اطار قرار مجلس الامن رقم ( 2046) الذى اقر بالاجماع في الثاني من شهر مايو 2012م وينص ذلك القرار وبوضوح في الفترة الثالثة على ان تتعاون كل من حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال مع لجنة الاتحاد الافريقي رفيعة المستوى ورئيس الايقاد للوصول الي تسوية للنزاع في جنوب كردفان والنيل الازرق على اساس التفاوض بناء على الاتفاق بين نافع وعقار المبرم في الثامن والعشرين من يونيو 2011م . وينص القرار على توقيع عقوبات على من لا ينصاع له.
وينص اتفاق نافع/ عقار على:

(” الجزء الاول” الشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال في النيل الازرق و جنوب كردفان.
1/ يكون الطرفان لجنة سياسية مشتركة بمشاركة اللجنة الافريقية رفيعة المستوى لمناقشة كل القضايا المتصلة بجنوب كردفان والنيل الازرق بما فيها القضايا التى تتناول المسائل الدستورية والقومية.) ويلاحظ القارئ الكريم ان اتفاق نافع / عقار ينص وبدون غموض على ان يتناول النقاش كل القضايا التي تتصل بجنوب كردفان والنيل الازرق بما فيها المسائل الدستورية والقومية كما يمضى الاتفاق لينص في الفقرة ( 2) ( و) على ” تقوم المفاوضات في اطار حوار سياسيى واسع على المستوى القومي مع الاعتراف باهمية التعاون بين الاطراف من اجل الاستقرار والتنمية والديمقراطية والاصلاح الدستورى في السودان” ويمضي اتفاق نافع وعقار لينص في الفقرة السابعة على الاتي:

” اتفق الطرفان على تكوين لجنة مشتركة لمناقشة القضايا المشتركة وتتكون اجندة هذه اللجنة من الاتي:-
أ/ استعراض دستورى موسع تتضمن آلية وزمن محدد ومبادئ موجهة تقوم على المواطنة والديمقراطية والاعتراف بالتنوع في السودان.
ب/ العلاقة بين المركز والولايات .
ج/ المحافظة على المواد المضمنة في اتفاقية السلام الشامل ، الفصل الثاني والدستور القومي كاساس لدستور جديد.
د/ العمل على انشاء علاقات جيدة مع الجيران والمجتمع الدولى ، وخاصة دولة الجنوب”
النصوص المذكورة اعلاه واضحة جداً ولا لبس فيها وهي تتحدث عن مناقشة قضايا قومية مثل الدستور والعلاقة بين المركز والولايات وعلاقة السودان بجيرانه ولا تترك ايه مجال للسيد غندور لمحاولة حصر النقاش في ما يسميه بقضايا الولايتين. ويمضى اتفاق نافع وعقار لينص في الفقرة الثامنة على ان تشكل نتيجة النقاش المنصوص عليه في الفقرة السابعة : ” موقفاً مشتركاً بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال خلال حوار سياسي وطني واسع يضم كل الاحزاب السياسية “.

لا يملك غندور ايه حجة مقنعة لرفض الشراكة

قال السيد ابراهيم غندور انهم يرفضون الشراكة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال لانها حركة متمردة …. يا سلام. وهذا الموقف؛ اي رفض الشراكة موقف لا يسنده منطق قانوني او اخلاقي وذلك للاعتبارات التالية:
اولاً: ان حكومة الانقاذ نفسها هي من قال انها استولت على كراسي الحكم بالبندقية وعلى من يريد ان يكون له نصيب منها ان يحمل البندقية.

ثانياً: اشركت الانقاذ في الحكم اكثر من طرف حمل السلاح في شرق السودان وفي غربه ولا يوجد سبب يجعل حكومة الانقاذ تعامل الحركة الشعبية قطاع الشمال معاملة مختلفة.

وثالثاً: يقوم اتفاق نافع وعقار على مبدأ الشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كما ينص على ذلك صراحة في الجزء الاول وفي الفقرة ( 6) ( ب) والفقرة ( 6) ( و).

ورابعاً: تملك الحركة الشعبية تفويضاً شعبياً كبيراً يؤهلها للمشاركة في حكم كل من ولاية جنوب كردفان وولاية النيل الازرق ففي جنوب كردفان مثلاً تفوقت الحركة الشعبية قطاع الشمال على المؤتمر الوطني في الانتخابات التي اجريت في ما يو 2011م فقد نالت في الدوائر الجغرافية ( 49%) من الاصوات مقابل ( 44%) للمؤتمر الوطني ونالت في دوائر القوائم النسبية للاحزاب ( 47%) من الاصوات مقابل ( 45%) للمؤتمر الوطني كما نالت في دوائر النساء ( 47%) من الاصوات مقابل ( 46%) للمؤتمر الوطني.
ولهذا لا يملك الدكتور ابراهيم غندور حجة تسند رفضه للشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال .

المعاناه والعقوبات:

سوف يؤدي اللف والدوران واللت والعجن الى اطالة امد المفاوضات ومضاعفة معاناة المواطنين في النيل الازرق وجنوب كردفان وتعريض السودان لمخاطر العقوبات و للمزيد من التقسيم والتفكيك في وقت يحتاج فيه الناس لاطفاء الحرائق والجلوس معاً للتراضى على قواعد للحكم تعطى كل ذى حق حقه وتقفل باب اللجوء الي حمل السلاح لنيل الحقوق وليتفرغ الناس لانتشال السودان من هاوية البؤس والتخلف التى تقرها الاحصائيات الرسمية الصادرة من الحكومة نفسها وتقول بان ( 46%) من السكان يعيشون تحت خط الفقر وان ( 13) مليون مواطن يعاني من سوء التغذية وتصل نسبة البطالة الي 20% منهم ما يزيد على نصف مليون خريج جامعي وقد وصل معدل ارتفاع الاسعار الي ( 48%) خلال السنة من ابريل 2012م الي مارس 2013م وهنالك انهيار كامل لخدمات التعليم والصحة خارج الخرطوم وهنالك هجرة من الريف الي المدن ومن الولايات الي العاصمة و هروب من بلد المشروع الحضاري إلي حيث يتوقع الناس العثور علي الطعام من الجوع والأمان من الخوف. إلي آخر قائمة (انجازات) حكم الانقاذ. ولهذا اعتقد انه يجب على السيد غندور الالتزام بما ينص عليه اتفاق نافع وعقار وعدم اهدار الوقت في اللت والعجن.وإننى ادرك ادراكاً كاملاً مخاطر قيام الحركة الشعبية قطاع الشمال بحشو الاجندة بمواضيع كبيرة وكثيرة تتصل بأمور قومية . ولكن تلك لن تكون مشكلة طالما نادى الرئيس عمر البشير نفسه ونائبه الاول على عثمان محمد طه بعقد حوار قومي شامل وبدون حجر او عزل لأحد.