هل أتناول الدواء طوال حياتي؟

من يمكن أن يرغب في تناول دواء كل يوم ما لم يبرز سبب وجيه للقيام بذلك؟ هل لدينا خيارات بديلة فاعلة؟ هل يمكن أن نأخذ الأدوية إلى أن تظهر تدابير أخرى تكون فاعلة بالقدر نفسه؟ أسئلة مهمة يتم درسها الآن في التجارب العيادية التي تخضع لمراقبة دقيقة. تسمح لنا النتائج بالإجابة عن عدد مهم من هذه الأسئلة استناداً إلى البيانات المتوافرة (الطب القائم على الدليل).
كتب الخبر: د. ييل س. سامول
تتعدد الأمثلة عن أمراض خطيرة يمكن معالجتها في أفضل الأحوال عبر أخذ الأدوية يومياً، من بينها ارتفاع ضغط الدم، وداء السكري، ومشاكل في إيقاع القلب، وفشل القلب الاحتقاني. الأدوية التي تخفّض مستويات الكولسترول المرتفعة أو علاجات الأسبرين المزمنة هي نماذج من التدابير المثبتة التي تقلّص احتمال الإصابة بأمراض مضرّة أو قاتلة في بعض الحالات.
لحسن الحظ، أثبت الطب القائم على الدليل أيضاً وجود طرق فاعلة بالنسبة إلى بعض الأشخاص كي يتجنبوا أخذ الأدوية أو يتخلصوا من الحاجة إليها. إليكم بعض الأمثلة:
1- ارتفاع ضغط الدم
من المعروف أن ارتفاع ضغط الدم بشكل دائم يفرض ضغطاً غير طبيعي على القلب والشرايين وقد يؤدي إلى نوبات قلبية (احتشاء عضلة القلب)، وقصور القلب، وجلطات دماغية، وفشل كلوي. يمكن أن يساهم العلاج في تخفيض احتمال مواجهة تلك المشاكل بنسبة كبيرة. ينجم معظم حالات ارتفاع ضغط الدم عن قابلية وراثية و/أو الضغط النفسي. غالباً ما يكون ارتفاع ضغط الدم حالة وراثية شائعة في العائلة.
الهدف الأساسي هو إبقاء ضغط الدم تحت عتبة الـ140 (أعلى مستوى للضغط في الشرايين بعد انقباض القلب) على 90 (أدنى مستوى لضغط الدم بين انقباضات القلب). يشير بعض التقارير إلى أن ضغط الدم الانقباضي (أي الرقم الأعلى في المعدل ومستوى ضغط الدم حين ينبض القلب) الذي يبلغ 130 قد يسبق مرحلة ارتفاع الضغط، لكن لسنا واثقين بعد من الحاجة إلى الأدوية في هذه المرحلة.
إذا كان ضغط دمك الانقباضي يفوق الـ130، يجب أن تدرك حالتك وتبدأ باتخاذ خطوات للتعامل مع ضغط دمك. عندما يحين وقت معالجة ارتفاع الضغط، تتعدد أنواع الأدوية الفاعلة.
في أغلب الأحيان، تتوافر أدوية فاعلة وغير مكلفة نسبياً. يمكنك مراقبة ضغط دمك في المنزل للتأكد من فاعلية الدواء. نظراً إلى تعدد الأدوية المتوافرة لمعالجة ضغط الدم، تبرز خيارات بديلة وفاعلة عند مواجهة آثار جانبية مزعجة.
إذا ارتفع ضغط دمك، قد يوصيك الطبيب بدواء للسيطرة عليه. يمكن تحسين الحالة عبر تخفيف الملح في الحمية الغذائية. كذلك، يمكنك أن تتجنب أو تخفف الحاجة إلى الأدوية عبر فقدان الوزن والسيطرة على الضغط النفسي وممارسة الرياضة. يرتفع ضغط البعض في أوقات الضغط النفسي الحاد حصراً، ما يعني الحاجة إلى العلاج خلال فترة التوتر القصيرة. من خلال مراقبة ضغط دمك، يمكنك تحديد الحالة التي تستلزم أخذ الأدوية وتلك التي لا تتطلب أي دواء.
2- داء السكري
ينجم سكري الأطفال في العادة عن تدمير خلايا البيتا في البنكرياس الذي ينتج الأنسولين. قد تكون هذه الحالة مرضاً مميتاً ما لم يُؤخَذ الأنسولين للسيطرة على سكر الدم. يمكن أن يُصاب الفرد بالسكري الذي يتطلب علاج الأنسولين في أي عمر.
ثمة شكل أكثر شيوعاً من السكري وهو يرتبط بالحمية الغذائية والوزن الزائد. قد يبدأ البنكرياس بالتقصير فلا يتمكن من إنتاج ما يكفي من الأنسولين. حين يبدأ المرضى في هذه الفئة بتناول الأدوية، يصرون على معرفة ما إذا كان العلاج سيدوم إلى الأبد.
يمكن أن نؤكد لهم الآن على أن فقدان الوزن وممارسة الرياضة قد يساهمان في استعادة السيطرة على مستوى ضغط الدم بشكل طبيعي. أظهرت دراسات واسعة النطاق تشمل آلاف المرضى أن تغيير أسلوب الحياة (حمية غذائية صحية، رياضة) مع مرور الوقت قد يكون أكثر فاعلية من الدواء وحده.
يستطيع الدواء في العادة إبقاء سكر الدم ضمن مستويات آمنة، لكن تُعتبر السيطرة على أيض السكر بفضل الحمية الغذائية والرياضة خطوة بالغة الأهمية وقد تكون كافية لتجنب أو التخلص من الحاجة إلى الدواء.
3- ارتفاع معدل الكولسترول
لا شك في أن ارتفاع مستويات بعض أنواع الكولسترول في الدم يزيد خطر تضرر الشرايين وبالتالي نسبة الإصابة بأمراض الأوعية الدموية مثل النوبات القلبية، والجلطات الدماغية، ومشاكل في تدفق الدم في أنحاء الجسم. وثّقت الدراسات هذه المخاطر فضلاً عن تراجع خطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية عند استعادة السيطرة على الكولسترول.
عند وجود تاريخ عائلي طويل من أمراض الأوعية الدموية أو السكري أو المرض الوعائي المتوارث، ستحتاج حتماً إلى دواء لتخفيض معدل الكولسترول بغض النظر عن معدله. في هذه الحالات، حتى لو كان مستوى الكولسترول ضمن النطاق الطبيعي، قد يكون الوضع غير طبيعي بالنسبة إليك نظراً إلى ارتفاع احتمال الإصابة بمرض وعائي تطوري. كذلك، يضمن تغيير أسلوب الحياة منفعة إضافية مهمة.
يمكن أن تكون الحمية الغذائية وفقدان الوزن والرياضة عوامل مفيدة جداً أو يمكن أن تلغي الحاجة إلى الأدوية في حال تراجع عوامل الخطر الجدية.
حين يفقد المرضى الذين خضعوا لجراحة تحوير المعدة كيلوغرامات كثيرة، يمكن تخفيف أو إلغاء أدوية ارتفاع الضغط والكولسترول والسكري.
4- خفقان القلب
قد يشير تسارع أو عدم انتظام ضربات القلب بشكل دائم أو موقت إلى وجود مرض خطير أو قد تكون الحالة مزعجة لكن غير مؤذية. من الأفضل أن يقيّم الطبيب مشاكل إيقاع القلب الدائمة أو العابرة.
ثمة أنواع مختلفة من مشاكل القلب المزعجة لكن غير المؤذية وهي تسبب خفقان القلب. تشمل الحالات الأكثر شيوعاً الشعور بتسارع نبضات القلب. ترتبط هذه الحالة بشكل عام بارتفاع معدل ضربات القلب بين 120 و140 في الدقيقة. تُسجَّل هذه الحالة في أغلب الأحيان عند النساء الشابات.
تتعلق المشكلة الشائعة الثانية بمراحل متقطّعة من «رفرفة القلب» التي تدوم بين ثلاث وأربع ثواني في كل مرة، ولكنها لا تترافق مع الدوار أو ضيق التنفس. يحصل ذلك عموماً حين يتمدد الشخص بكل هدوء في سريره أو يشاهد التلفزيون في وقت متأخر من الليل. يبدو أن هذه الحالة تطاول الرجال والنساء على حد سواء.
يمكن السيطرة على هذه المظاهر الحميدة عبر الأدوية، لكن تكتفي هذه الأدوية بمعالجة العوارض. يمكن أن يقوم الفرد ببعض الخطوات الإضافية لإدارة هذه المشكلة بنفسه: التوقف عن استهلاك الكافيين أو تخفيفه على الأقل. نجد الكافيين في القهوة، والشاي، وعدد كبير من المشروبات الغازية، ومشروبات «الطاقة»، وبعض المشروبات الرياضية المرطِّبة ومنتجات الشوكولا والمثلجات، وبعض أنواع العلكة والسكاكر، ومنتجات غذائية أخرى شائعة الاستعمال.
لا بد من توخي الحذر أيضاً من حبوب مزيلات الاحتقان مثل السودوإيفيدرين الموجود في بعض أدوية الحساسية التي لا تتطلب وصفة طبية وفي بعض أدوية الحساسية التي يصفها الطبيب. قد يكون رذاذ الأنف لتضييق الأوعية سبباً في خفقان القلب أحياناً. إذا لم تستطع التوقف عن استعمال تلك الأنواع وتبين أن الخفقان غير مضر، يجب أن تستعد لتجاهله.
5- فشل القلب الاحتقاني
حين يعجز القلب عن ضخ الدم بفاعلية، يتراكم الاحتقان في الرئتين وفي بقية أعضاء الجسم. قد تشمل عوارض فشل القلب ضيق التنفس، وتراجع القدرة على ممارسة التمارين، وصعوبة في التمدد بشكل مسطح للنوم، وتورم الكاحلين.
يمكن أن يكون فشل القلب الاحتقاني خفيفاً ولكنه يبقى مشكلة خطيرة في نهاية المطاف. تتعدد الأسباب والأدوية المعروفة بفاعليتها ويتوقف العلاج على سبب الحالة ووضع كل فرد. عند ظهور فشل القلب الاحتقاني، لا بد من إجراء تقييم حذر لمعرفة الأسباب المحتملة أو عوامل الخطر وتقييم نسبة نجاح العلاج بدقة.
يشمل العلاج الأساسي مدرّات البول، وهي أدوية تساعد على التخلص من السائل المتراكم في الجسم. يمكن استعمال أدوية مثل مثبطات الأنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين (أدوية تعيق ذلك الأنزيم الذي ينتج الأنجيوتنسين، وقد يترافق الوضع أيضاً مع آثار غير مرغوب فيها عند المصابين بفشل القلب) ومثبطات البيتا (أدوية تعيق بعض تحركات الإبينيفرين والنور إبينيفرين في الجسم).
تؤدي مدرّات البول، في البداية على الأقل، إلى ارتفاع نسبة البول عند الأشخاص الذين يعانون مشكلة فشل القلب الاحتقاني وتراكم السوائل. قد تكون المشكلة مزعجة ليلاً نهاراً. بسبب هذه الحالة، من الشائع أن يتساءل المريض: «هل يجب أن أتناول مدرّات البول طوال حياتي؟». قد يكون الجواب نعم. لكن يمكن الحد من التبوّل المتكرر في بعض الحالات إذا تجنب المرضى الإفراط في استهلاك السوائل أو تناول السوائل في وقت متأخر من اليوم.
6- الأسبرين
تبين أن علاج الأسبرين بجرعة متدنية يخفّض خطر النوبات القلبية والجلطات الدماغية عند بعض فئات المرضى. يمكن أن يقيّم الطبيب منافع علاج الأسبرين اليومي استناداً إلى التاريخ العائلي، وضغط الدم، ومستويات الكولسترول، وعادة التدخين، ومرض السكري، وعوامل أخرى قد تؤثر على منافع ومخاطر الجرعة المتدنية من الأسبرين. إذا كنت تحتاج إلى الأسبرين، يعني ذلك تراجع خطر الإصابة بنوبة قلبية أو جلطة دماغية إلى الأبد.
الأسبرين لا يناسب الجميع. فهو يزيد خطر النزيف مع أن هذا الاحتمال يبقى صغيراً. في المرحلة الراهنة، لا تتوافر أدلة كافية للتأكيد على أن المنافع تفوق المخاطر عندما يأخذ أي شخص راشد الأسبرين للاحتماء من النوبات القلبية أو الجلطات الدماغية.
تتعدد الأمثلة على الحالات الطبية التي تثبت أهمية تناول الأدوية يومياً. لكن في حالات أخرى، يمكن أن يساهم تغيير أسلوب الحياة في تقليص أو إلغاء الحاجة إلى الأدوية. عند تحديد الوقت والنهج المناسبَين لتغيير عوامل أسلوب الحياة و/أو الأدوية تحت إشراف الطبيب، يمكن أن يحافظ المرضى المعرّضون لهذه المشاكل على حياة صحية أو أن يستعيدوا صحتهم.
س ج
وجدت أخيراً علبة من أيبوبروفين انتهت مدة صلاحيتها. ماذا يحدث لأدوية مماثلة وللباراسيتامول بعد انقضاء مدة صلاحيتها؟ هل تصبح أقل فاعلية أو أكثر ضرراً؟ تبدو بحالة جيدة رغم أنني أعتقد أنه يُستحسن عدم تناولها؟
يخضع مختلف أنواع الأدوية لاختبارات صارمة قبل تسويقها لضمان بقاء العنصر الفاعل ضمن الحدود المقبولة، أي ضمن ما لا يقل عن 95% من الكمية المذكورة على الملصق، وذلك طوال مدة صلاحيتها، وللتأكد أن أي تدهور قد يطرأ على مكوناتها لن يؤدي إلى ضرر يزيد عن ضرر الدواء الأصلي. يتم تحديد مدة الصلاحية من خلال إجراء اختبارات الاستقرار على الدواء في عبوته.
ما إن تنتهي مدة صلاحية الدواء، يستمر تدهور مكوناته ويُتوقع أن ينخفض معدل عنصره الفاعل. تتعرض الأقراص المخزنة في الحمامات لرطوبة أكثر من غيرها ودرجات حرارة مختلفة من تلك التي يتمّ تخزينها في خزانة خاصة أو صيدلية، لذلك قد تخسر عنصرها الفاعل بسرعة أكبر.
لا يُعتبر شكل أقراص الأدوية ضماناً للسلامة، ولكن لا بدّ من النظر نظرة شكّ وريبة إلى أي أقراص تبدو أكثر تفتتاً من المعتاد أو مكسورة أو متكتلة أو تحمل أجساماً بلورية أو غير ذلك. فحين تفوح رائحة الخلّ من الأسبرين على سبيل المثال فهذا دليل على أن العنصر الفاعل، حمض أسيتيل الساليسيليك، قد تحوّل إلى حمض الساليسيليك وحمض الأسيتيك. وفي ما يُعتبر حمض الساليسيليك مسكناً فاعلاً للألم، فإنه قد يعرضك إلى خطر النزيف الداخلي أكثر من الأسبرين.
أما في ما يتعلق بالأقراص التي تخطت تاريخ الصلاحية، فغالباً ما يتم إجراء تحاليل خطر/ فائدة للتأكد من سلامة تناولها. وتشمل التحاليل عوامل عدة من بينها الفترة التي مرت على انقضاء مدة الصلاحية وحدة الألم وتوافر أنواع أخرى من مسكنات الألم. ومن دون أن يشكل كلامنا توصية، يمكن استعمال مسكن تخطى مدة الصلاحية مساءً عند الساعة الثانية صباحاً بعد ساعات أرقٍ طويلة! ولكن حذار من تناول جرعات أخرى سواء كانت الحبوب قد تخطت تاريخ الصلاحية أو لم تفعل بعد.
تتنوع الاعتبارات التي يمكن تطبيقها على الأدوية السائلة، فالعناصر الفاعلة لا تتفكك إلى سائل فحسب، بل قد يصبح الخطر الميكروبيولوجي أكثر أهمية. وطبعاً لا يمكن لأي إنسان أن يشرب دواء السعال مباشرةً من الزجاجة في الحمام في منتصف الليل، إلا أنه من الضروري توضيح نتائج الجرعات المستقبلية.
لا بدّ من أن يحمل الدواء أياً كان نوعه تاريخ انتهاء الصلاحية، من دون أن يعني ذلك أن الدواء يبدأ مباشرة بالتفكك وأن مواد سامة تبدأ فوراً بالظهور بعد هذا التاريخ. يتميز عدد كبير من المركبات بدرجة عالية من الثبات في حال تمّ تخزين الدواء في ظروف ملائمة كدرجة حرارة مقبولة بعيداً عن الضوء والرطوبة.
أثبتت دراسة أجريت في عام 2012 تناولت عدداً من الأدوية بعد 28 إلى 40 عاماً على انقضاء تاريخ صلاحيتها، أن الأدوية مثل الباراسيتامول (أسيتامينوفين) وكودين تحتوي على أكثر من 90% من كمية العناصر الفاعلة الأساسية في حين أن العناصر المرتبطة بالأسبيرين تتفكك وتحلل بسرعة أكبر.
ينتج بعض أنواع الأدوية عناصر سامة حين تتحلل. على سبيل المثال، لا تتميز مضادات الحيوية المعروفة باسم تتراسيكلين بالثبات وقد تنتج مواد تسبب التدهورتؤدي إلى تسمم الكلى. لذلك يعتمد الأمر على الدواء وظروف التخزين. بالتالي، يمكنك أن تتناول بعض أنواع الأدوية بعد انقضاء مدة صلاحيتها في حين يُفضل أن تتجنب تناول بعضها الآخر.
الجريدة