فاطمة السمحة جد!

فاطمة السمحة جد!

رباح الصادق

الشاهد! كتبنا من قبل بعنوان (في كون فاطمة ليست سمحة) فتعرضنا لسيرة فاطمة السمحة في الأحجية الشعبية، واستهجنا عنصريتها، وفظاظتها في التعامل مع رجل مسن، وخداعها إياه استغلالا لطيبته معها حتى قتلته لتحوزعلى جلده تتخفى به.. نحن بالطبع لا يجب أن نحاكم فاطمة التي صاغتها ثقافة ابتليت بالرق وبغيره، ولكننا كنا نلفظ أن تظل قيم فاطمة غير السمحة تحكمنا حتى اليوم، ونحن ندرك أنه ما زالت بقيتها باقية بيننا وأحيانا تطبع في صحف وتوزع للناس العاديين فتغذي القبيح لديهم بقبح جديد!. وأحدثكم اليوم عن فاطمة (السمحة جد)!
كتبت فاطمة غزالي في صحيفة الجريدة إثر شريط الفيديو الذي ظهرت فيه التشكيلية صفية إسحق تتحدث عن اغتصابها، الحادثة التي تكررت الإشارة إليها في الصحف: حينما نادى نشطاء بالتحقيق في تلك المزاعم، وحينما نفتها الشرطة. فاطمتنا لم تثبت الحادثة أو تنفيها لأنها أضافت جملة محورية هي (على حد قولها)، ولأنها طالبت بالتحقيق. كانت مهتمة بفكرة قيام فتاة في مجتمعنا هذا (أقحمتها العادات والتقاليد في تابوت صمت عن ما يلحق بها من أذى جنسي لسنين عددا) بالتحدث جهرا، فأشادت بالفكرة رافضة اعتبار تلك الجرأة (قلة أدب). واعتبرت أن قلة الأدب هي الصمت عن الظلم والقهر، وحصر نظرة الرجل للمرأة في الشهوة، وتجريم الضحية.
صاغت فاطمة تلك المعاني بكلمات قوية وصريحة، تشبه فاطمة نفسها (الدغرية). وقالت إن صفية ستجد الواقفين من خلفها (إلى أن يحصحص الحق، بفتح ملف تحقيق بشأن قضيتها).
ومع أن جهات أمنية فتحت بلاغا ضد بعض الناشطين بتحريض صفية على الإدلاء بشهادة كاذبة، أي أنها تطالب بالتحقيق وإجلاء الحقائق، إلا أن جهاز الأمن قاضى فاطمة بإشانة سمعته، وفي 5 يوليو أدانتها المحكمة وحكمت عليها بغرامة ألفي جنيه أو بالعدم السجن لشهر. فضلت فاطمة السجن لترسل رسالة واضحة لمنتهكي الحقوق وللمعنيين بها وبصونها في السودان وخارجه على حد تعبير الأستاذ فيصل محمد صالح، مفادها: إننا لن نشتري حقنا في حرية الرأي والتعبير (بفلوس)، وكان سجنها من يوم 5/7 وحتى يوم 7/7 كجمرة قبضت عليها يد المنتهكين. فتحرك اتحاد الصحفيين ليدفع المبلغ ويفك أسرها، ولكن صحيفة (الجريدة) سبقته بدفع المبلغ رافضة أن تعطي الاتحاد الفرصة لإجهاض الموقف وتقلد شرف الدفاع عن حرية الصحافيين بينما هو يخلّص يدي السلطة الحاكمة من جمرة تنامي التعاطف مع فاطمة، حتى صار مقرها بسجن ام درمان للنساء مزارا يؤمه الصحفيون والسياسيون والنشطاء وشباب التغيير ومجموعة (قرفنا) وهلم ذكرا.
في يوم 7/7 في منتصف الظهر تماما تحرك حشد من الصحفيين في (زفة) لفاطمة كعروس من بيت الزينة إلى مكان العرس (بيت خالها بتعويضات بيت المال) وتعاهدوا على المضي قدما.
لم تكن فاطمة وحدها التي كتبت: الأستاذة أمل هباني (محاكمتها في 14 يوليو) والأستاذ فيصل محمد صالح (محاكمته يوم 28 يوليو) والدكتور عمر القراي (محاكمته في أغسطس)، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
بعض الحاكمين ينظر للمسألة من باب أنها تسييس ضار ويقصد الإطاحة بالنظام، وبالتالي يصم أذنه عن أي حق أو صدق فيما يقال.
يمكن للسياسي أن يلج لأي موضوع من أي باب. السؤال ليس هل في إثارة هذه القضية غرض سياسي؟ بل السؤال: ما هو الحق والباطل في هذه القضية؟ فإن أنت اتبعت الحق لا يضيرك كيد الكائدين، وإن أنت سلكت الباطل فبذلك يكسب المناوئون.
الحقيقة أن القوانين التي تحكم العمل الإعلامي عامة والصحفي على وجه الخصوص معيبة. وتكبل عطاء الصحفيين: تعامل مسألة إشانة السمعة والأخبار الكاذبة جنائيا وبتعسف؛ وتنص على عقوبات مالية باهظة على الصحافيين ومؤسساتهم، وتعطي صلاحيات بالغة للأجهزة الأمنية، وتترخص في تجريم نشر المستندات؛ وهي قضايا لا تنفك عن طبيعة النظام الحاكم، فالنظم الشمولية تثقل هذه القيود، وبحسب مؤشر حرية الإعلام الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، في2010 جاء السودان في الخانة 172 من مجمل 178 دولة بقيود نسبتها 85.33% (بعده سوريا وبورما وإيران وتركمانستان وكوريا الشمالية وإرتريا).. الخيار الذي اختاره نظامنا الحاكم الحالي واضح. إنه يريد أن يبقي على السلطة أو يعمل على استقرارها، عبر آليات من ضمنها تكبيل الرأي الحر.
لقد بح صوت الكثيرين بالقول إن الذي يضحي بالحرية لصالح الأمن سوف يفقد كليهما، مثل فاوست العجوز الذي أراد استبدال حياته بالشباب ففقد روحه وما تمتع بالشباب!
فاطمة من النوع الذي آمن بأن الحرية هي درب الحياة الوحيد لشعبنا. وأن علينا ألا نتنازل عنها لأن ذلك يعني تنازلنا عن كامل الصفقة الناشدة للبقاء الوطني، فنحن في بلاد صارت تلهث خلف أن تكون، أمام ألف درب يجعلها لا تكون، وبحسب ندوة المركز العالمي للدراسات الإفريقية التي طرحت السؤال (كيف نحافظ على دولة السودان)؟ فإن (هناك العديد من الطرق تؤدي إلى تفتت الوطن، لكن تبقى هناك طرق الجماعة -أو الطريق المفضى إلى النجاة -التي تحمل معها الوطن تجاه بر السلامة الوطنية). (الرأي العام 4 يوليو).. أي أن الدرب الوحيد للسلامة الوطنية هو درب الجميع، درب الحرية والتلاقي لا القهر والسحل والسجن وما إليه للرأي المخالف.
فإذا كانت فاطمة السمحة في الأحجية فتاة ذكية وجميلة أرادت أن تنقذ نفسها والأعراف من سطوة أخيها محمد الذي أراد أن يتزوجها ليرضي هوى نفسه بعد أن كممت سبيبة شعرها جواده فأدرك أنها لفتاة جميلة ينبغي أن يحوزها مهما كان الثمن حتى ولو كانت أخته أي محرمة عليه، فإن فاطمتنا أرادت أن تنقذ شعبها من التحكم أيضا لإشباع أهواء نخب أو مجموعات قليلة في البقاء بالسلطة بأي ثمن، ومن ضمن الأثمان المهرقة في ذلك هو تكميم الأفواه، وذبح حرية الصحافة. وذبح الحريات بأي مقياس شرعي أو دولي محرم. وأول ثمراته المرة نجنيها اليوم بانفصال الجنوب.
فاطمة الأولى كانت تنطلق من أعراف مجتمعها وفيه الرق والبطش بالمسن وغيره من المحن التي تنفي عنها (السماحة).. وفاطمة الثانية تنطلق من أعراف حرية التعبير وحقوق الإنسان وكرامته والمساواة في النوع والعرق والجهة.. تحمل (لاب-توبها) وتصنع عبره كل يوم حياة.. إنها فاطمة (السمحة جد).
وليبق ما بيننا

الرأي العام

تعليق واحد

  1. أعتقد ان الشعب السوداني واعي جدا..
    واعتق أنه بانتظار غياب قدامى السياسيين حتى يهب هبة رجل واحد ويقتلع الانقاذ من جذورها..

  2. الاخت الفاضلة الاصيلة بنت الاصايل رباح قد شاركت فى تعليق على مقالك يوم أمس لكن للأسف سحب المقالة قبل التزيل وأختلف الموضوع اليوم لكن ايضا مهم فى مناصرة الاخت الناشطة صفية أسحاق وكل بنات السودان الذين أغتصبن من رجال جهاز الامن فاقدى التربية من يعمل هذا العمل لم يكونو متربين فى أسرة لها أم وأخت وبنت ومناصرة الكاتبة فاطمة غزالى ضرورى وواجب من الكتاب والمواطنين هم يريدون تشريد بنات بلدى كما شردو لبنى من قبل هؤلاء لا عندهم ذمة لا إلة
    فراسة رجال الامن فى حكومة الانقاذ بقت فى بنات الناس بإنتهاك أعراضهن دون أى واعظ دينى يردعهم تربية إنقاذية تدريب أعتقل عذب أقتل كما تعرضت أختكم الكريمة من قبل هؤلاء يريدون تربية شعبية على الشوارع لا ينفع معهم إلا كده ..
    وبعدين بصراحة كده يا الاخت العزيزة رباح نحن الشعب السودان لمتين نصبر ومرة علينا كابوس الانقاذ 22 سنة عجاف ونعلم أن والدكم هو الحاكم الحقيقى اولشرعى بموجب التفويض الذى أعطية إليه من قبل الشعب فى إنتخابات حرة ونزيهة شهده التاريخ الحديث وخلع هذا التفويض الشعبى من يد والدكم . وأنا كمواطن عادى أتسائل هل والدكم ركن الى السكون دون حراك أو إيقاف الناس عن الحراك وهل الجلوس مقعد فى البيت خيرا له أم يشيل هم المواطنين .. تصريحات قوية بدون فعل أم هو أخذ راتب مريح والشعب يدفع الثمن وولدكم ليس رجل راواتب ليسكت عن الحق هوسياسى وبيت سياسة وأهل سياسة ومعه كل الحق لماذا لايحرك الشارع وكل العوامل موجودة السياسى بيدخل السجن بالرأى والمواقف والجماهير تخرجه رئيس مافى شيىء يجى بالبارد وأنا شخصين أحب الرجل القوى الامين مثل جدكم الذى أخرج الانجليز مهزومين صاغرين هل قوة الانقاذين أقوى من قوة الشعب السودانى والانجليز . وارى أن والدكم أن يترك لكن الساحة والحزب وتحركن الشارع لكنس المفسدين فى الحكم 22 سنة ظلم على الشعب وإلآ يأتى الطوفان ويكون الاحزاب كلها ضاعت ولم تجد لها تأيد وبالأخص الحزب الاتحادى لانعلم رئيسه هو ميت ولا حى يرزق والسلام ..أبو سفروق.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..