جنوب السودان: الأفراح والأحزان وما بينهما

جنوب السودان: الأفراح والأحزان وما بينهما
[email protected]
علاء الدين أبومدين*

يأتي استقلال جنوب السودان في ظل مرحلةٍ مفصلية يعيشها السودان المُعاصر. جنوب السودان، أو دولة جنوب السودان الوليدة، قد نشأت أساساً نتيجة لإتفاق ثنائي بين المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في الشمال، والحركة الشعبية الفصيل السياسي الرئيسي في جنوب السودان. وبينما تنبثق دولة جنوب السودان الدولة رقم 196 في العالم على غير طريقة نشوء الدول الأفريقية قبل وبعد التوسع الإستعماري في القارة الأفريقية، فإن دولة جنوب السودان الوليدة تخرُّج إلى الوجود في ظل دعمٍ دولي غبر مسبوق في سِفر قيام الدول. حيث كانت للبدايات صلةٌ قويةٌ بالنهايات، لأن رفض صقور الإسلامويين لعلمانية الدولة السودانية هي التي شكلت فكرة دولة واحدة بنظامين، في إطار فترة انتقالية سُمِّح فيها للحركة الشعبية بحكم كل الجنوب. كما سُمِّح فيها من جانب آخر للمؤتمر الوطني بحكم كل الشمال. مع جيوب لكل منهما في مناطق سيطرة الطرف الآخر. ولا شك أن هذه القسمة الضيزى قد وسمت علاقة حكومتي الجنوب والشمال بطابع صراعي؛ اضطر فيهما الطرفان للجوء لسلسلة من التكتيكات واللعب على التوازنات لدرجةٍ أصبحت فيها مواقف الطرفين مصدر حيرة لخصومهم وأنصارهم على حدٍ سواء. لكن خبرة الحركة الشعبية في الحكم ووجود ممثليات لحكومة الجنوب بالخارج طيلة الفترة الإنتقالية والظروف الدولية الجديدة والمختلفة، قد جعلت من دولة جنوب السودان الوليدة، مولودٌ بوزن مُعتبر وأسنان قوية، إنه مولودٌ على غير السائد!!
من أدلة هذا الوزن المُعتبر أن مصر الدولة الأكثر تضرراً من استقلال جنوب السودان، قد دعمت هذا الاستقلال بتمثيل ديبلوماسي في الجنوب ورحلات جوية مباشرة إلى جوبا عاصمة جنوب السودان. أكثر من ذلك، فقد دعمت مصر انفصال الجنوب بدعم الرئيس عمر البشير (المطلوب دولياً) بشكل علني، لا سيما، في آخر انتخابات عامة بالسودان إبان زيارة للواء حاتم باشات للسودان عشية الانتخابات السودانية.
على الصعيد الشخصي تغمرني مشاعر يمتزج فيها الحزن بالفرح لاستقلال جنوب السودان. وبينما أتذكر أصدقاء مثل (جيمس، بيتر، كاو) درست معهم بنفس الفصل في مدرسة أم درمان الأهلية المتوسطة بالقرب من بيت الزعيم اسماعيل الأزهري حتى سنة 1979م، ثم تفرقت بنا السُبل. وأتذكر كل من شول ودكتورة ربيكا اللذان هاجرا لاستراليا، لا سيما، مساعينا لجمع توقيعات من جموع السودانيين بالقاهرة لأجل حل شامل لمشاكل السودان تُشارِك فيه كل مكوناته عقب إعلان بروتكول مشاكوس. فأنا حزينٌ إذ أنهم وآخرين يحتلون مكاناً في قلبي؛ و عشمي في لقاءهم في أرض سودان ما بعد نظام البشير قد لا يكون يسيراً. وأنا فرِحُ لفرحِهم بعيدِ استقلالهم، بُعيَّد أن تعذَّر أن نؤوب معاً لوطن واحد في زمن جميل، بسبب اصرار المؤتمر الوطني على فرض رؤيته الأُحادية والإقصائية للدين الإسلامي الحنيف.
ولا يسعني في هذا المُقام إلا أن أُقدم تهنئة خالصة لأخواني وأخواتي في جنوب السودان بميلاد دولتهم الفتية؛ حيث يصدح الغناء عالياً “اليوم نرفع راية استقلالنا..ويُسطِّرُ التاريخ مولد شعبنا”. هنيئاً لأهل الجنوب نجاتهم من الرئيس البشير (ود أب زهانا) الذي جعل شغله الشاغل إبادة شعبه وتبديد موارده، هنيئاً لهم دولتهم المستقلة. أما وقد آل الحال إلى ما هو عليه من سوءٍ يُفرِّح العِدا ويغيظ الصديق، فقد صار من اللزوميات أن يحجِّر عليه أهله بمثل ما فُعِّل بضريبه (ود أب زهانا) في عهد الدولة السنارية. لا يفوتني في هذا المقام أيضاً إزجاء آيات الشُكر والتقدير والعرفان لموقف الحركة الشعبية الأبلج في التأكيد على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية بين شمال وجنوب السودان، الأمر الذي برز في دعوتها لتمتع مواطني شمال وجنوب السودان بحريات في التنقل والتملك والعمل والإقامة، لا سيما، إعطاء حق الجنسية المزدوجة للشماليين وإعلان السيد/باقان أموم، عن تعاطفهم مع حلفاءهم السابقين في المعارضة الشمالية. بموازاة ذلك عبرَّ المؤتمر الوطني عن موقف لجلجٍ بخصوص نفس القضايا.
وبين انقسام دولة واحدة لدولتين وتداعيات ذلك على المنطقتين الأفريقية والعربية، فإن مربط الفرس لا جدال يتعلق بطبيعة العلاقات التي سوف تسود بين الدولتين الجارتين. هذا يتصل بمُعطيات ذات علاقة بأن الحدود بينهما ستكون أكبر حدود بين دولتين جارتين في أفريقيا، وأن المصالح المشتركة بينهما هي أكبر مما يجمع بين أي دولتين أُخريين في كل أفريقيا، وأن المجال الحيوي البشري المتداخل بينهما يُمثِّل حوالي ربع سكان السودان؛ لذا سوف تكون تلك المُعطيات في تقديري (على الأقل) الأكثر تأثيراً على مجريات الأمور في المسقبل القريب مقارنةً بتأثير مُعطيات وعوامل أُخرى. احتمالات توسع النزاعات الشمالية/الشمالية المسلحة، والجنوبية/الجنوبية المسلحة، أو حنى الشمالية/الجنوبية المسلحة بشكلٍ كبير تبدو غير مؤكدة. لأنها سوف تكون نزاعات محدودة لن تتحول لحرب أهلية شاملة. هشاشة الدولة والمجتمع السودانيين قد تؤدي في حالة استمرار هذه النزاعات إما إلى: سقوط نظام البشير، أو انهيار وتفتت الدولة السودانية. القراءة السطحية والكلاسيكية للواقع السوداني ومعطياته والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة عليه قد تقود لهكذا نظرة تشاؤمية. لكنني حسب معرفتي المتواضعة بالشخصية والمجتمع السودانيان، أعتقد بأن سقوط نظام الرئيس البشير بدون انهيار للدولة السودانية أمرُ مرجحُ للغاية.
 علاء الدين علي أبومدين محمد، كاتب ولاجئ سياسي سوداني بالقاهرة.

تعليق واحد

  1. قاتل الله الكيزان والترابي الذي كان سببا في الحرب 1983 وايضا قام بانقلاب 1989 التي كرست للانفصال وبالتالي فقدنا وطنا عزيزا لطالما كنا نحلم به وتغنينا له (وطن حدادي مدادي ما بنبنيه فرادي ولا بالضجة في الرادي ولا الخطب الحماسية)
    وايضا تغنينا لجوبا كثيرا كواحدة من اجمل مدننا في جنوب البلاد وهاهي نفتقدها بسذاجة هذا النظام وغبائه.
    ولكن هل لنا ان نحلم ثانيا بان يلتم شملنا ام سيصير هذا الطلاق بائنا بينونة كبرى
    هذا يعتمد على سعينا في اسقاط هذا النظام واستبداله بحكومة ديمقراطية عريضة ترقع ما انفتق من الثوب وفي كل اجزائه.
    اهـ اهـ هل سنغني ثانية كل اجزائه لنا وطن اذ نباهي به ونفتتن
    ياليت يكون

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..