ضحايا سوق المواسير .. مصير مجهول ! ..متضررون : هناك تسويف واغتيال للقضية بالمماطلات المستمرة..

تراجعت أزمة سوق المواسير بالرغم من تصدرها اهتمامات الأجهزة الاعلامية المحلية والأجنبية وشغلها الرأي العام السوداني كثيراً وتزايد المخاوف من انتقالها إلى مناطق اخرى بالبلاد ، إلاّ انها تراجعت من بعد واصبحت في طي النسيان أو بالاحرى مصيرها مجهولاً بينما لاتزال تداعياتها مستمرة وافرزت الكثير من التساؤلات عن ضعف رقابة الأجهزة الرسمية المعنية وعن كيفية ايجاد الحلول لقضية السوق والمتضررين منه وضمان حصولهم على حقوقهم المسلوبة ومحاسبة الضالعين في القضية.. حاولنا في (الرأي العام) إعادة هذه القضية إلى دائرة الضوء والبحث عن حلول للمشكلة قبل ان يطويها النسيان معاً نقف على الحقائق….
وكانت الأوساط الاقتصادية بالبلاد فوجئت في نهاية أبريل الماضي بـ(أزمة سوق المواسير بالفاشر) والتي شغلت كافة الأوساط والدوائر بالتصاعد السريع لتداعيات الأزمة بعد أن وصلت إلى درجة الاشتباكات بين القوات النظامية وضحايا التعاملين مع السوق في مطلع مايو الماضى، حيث سير المتضررون مسيرات تطالب برد الحقوق والمظالم،
—-
تفاصيل الأزمة
تعود تفاصيل قضية سوق المواسير إلى منتصف العام الماضي 2009 عندما افتتح كل من آدم اسماعيل وصديق موسى معرضاً للسيارات بالقرب من شرطة ولاية شمال دارفور التي كان (آدم) ينتمي لها قبل ان يتم لاحقاً فصله منها، ورويدا رويدا بدأ المعرض يتوسع بعد ان عمل اصحاب المعرض على رفع قيمة شراء السيارات بصورة كبيرة تصل إلى أكثر من (100%) من القيمة الحقيقة للسيارة، وتسارع رواج فكرة المعرض والتي تعتمد على البيع بالدفع الآجل بايصالات الأمانة والشيكات المؤجلة والبيع بـ(الكسر)، حيث عمل اصحاب المعرض على توسعة نطاق نشاطه بإفتتاح عدد من الافرع في مدينة الفاشر بجانب ادخال كافة انواع السلع والممتلكات والأصول من عقارات إلى المواشي والأثاثات وحتى المبالغ النقدية، وبعدها انتشرت سمعة السوق وسط المدينة لاسيما بعد استلام العديد من المتعاملين مع السوق المبالغ المستحقة تجاه اصحاب المعرض مما أعطى السوق ثقة كبيرة من قبل المواطنين ليدخل التعامل فيه كبار التجار والرأسماليين في الولاية بمبالغ مالية ضخمة وصلت إلى أكثر من (600) مليار (بالجنيه القديم) بعد افتتاح أكثر من ( 50) فرعاً للمعرض بمدينة الفاشر فقط ودخول الكثير من مناطق مختلفة من داخل وخارج البلاد.
ظهور الأزمة
قبل فترة من الانتخابات التي جرت بالبلاد في ابريل الماضي تقدم المؤسسون للسوق بالترشح للمجالس التشريعية الولائية ما أضفى نوعاً من الضمانات في رد الحقوق فضلاً عن الدعم السخي الذي قدمه كل من (آدم اسماعيل وموسى صديق) في الحملات الانتخابية للوالي، ولكن مع تسارع الأيام ظهرت بوادر دخول اصحاب ملاك المعرض في ضائقة مالية قيل حينها بسبب سحب أموال كبيرة من السوق واستطاع الرجلان استغلال ظروف الانتخابات في تهدئة الأمور وذلك بالكثير من الوعود المربوطة بفوزهم في الانتخابات لضمان الحقوق، ولكن مع انتهاء الانتخابات تفاقمت الأزمة بعد عجزهم عن تسديد المستحقات نتيجة لتفاقم هذه المستحقات المالية (الاصول) مما خلق فجوة كبيرة بين المديونيات والقيمة السوقية للاصول المملوكة لهم.
ويؤكد الكثير من مواطني مدينة الفاشر علم السلطات الولائية بكافة ما يجري في (سوق المواسير) من بيع بالكسر واصدار أعداد كبيرة من الشيكات والايصالات المالية، لتبلغ الأزمة ذروتها باعلان الانهيار السوق ليتفجر الوضع الأمني بالولاية وتسيير مسيرات الاحتجاج الأمر الذى دفع سلطات الولاية إلى اصدار قرار بتولى النيابة العامة بالفاشر ملف التحقيقات في قضية سوق المواسير بجانب قرار وزارة العدل الاتحادية بتشكيل لجنة للتحقيق في قضية السوق وتشكيل محكمة عاجلة للبت في الأمر، حيث باشرت اللجنة والنيابة أعمالهما في فتح أكثر من (3700) بلاغ بجانب القبض على ما يزيد عن ( 58) من المتهمين في القضية، بينما تفيد المتابعات بقفل باب البلاغات مطلع هذا الاسبوع.
الكل ضحايا
وبعد بدء اللجنتين الاتحادية والولائية أعمالهما تم احتجاز الكثير من الاصول والممتلكات التي يعتقد انها ضمن تعاملات السوق مما فتح الباب أمام احتجاز أصول وأموال الكثير من المواطنين غير المتعاملين مع السوق أو الذين اشتروا بعض السلع من السوق بأموالهم ليصبح الكل ضحايا لهذه الأزمة من (المشترين والبائعين) بكافة قطاعات الولاية الاقتصادية.
ويقول عدلي محمد حسب الكريم أحد ضحايا سوق المواسير إن الأزمة وصلت إلى مرحلة خطيرة بسبب تأثيرها الشديد والمباشر على كافة فئات المجتمع بولاية شمال دارفورعلى خلفية تعامل نسبة كبيرة من مواطني الولاية مع السوق خاصة فئات محدودي الدخل الذين فقدوا كل ما يملكونه من منازل واثاثات مما ادى الى ظهوربعض المشاكل الاجتماعية وارتفاع حالات الطلاق بجانب تشريد كثير من الأسر.
قصة تجربة
وأضاف عدلي : تجربتي في التعامل بسوق المواسير بدأت ببيع سيارتي ماركة (كليك) التي اشتريتها بـ(37) ألف جنيه لأبيعها بـ(50) الف جنيه وعندما حل ميعاد استلام المبلغ كان السوق قد انهار، الى جانب التجربة الثانية في شراء قطعة أرض، وقال فيما يخص السيارة قمت بفتح بلاغ بالرقم (110) ضد آدم اسماعيل الذي كان حينها محبوساً في الحراسة، ومضى عدلي للقول: الآن الأمور اصبحت تسير إلى المجهول بسبب الضبابية التي تكتنف الإجراءات بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر من بداية التحقيق، ودعا عدلي الى خيار التسويات المنصفة غير المنحازة على الخيار القانوني الذي قد تستغرق عدة سنوات ولن يستطيع المتضررون انتظارها في ظل الحاجة والعوز الذي يعيشونه.
تطورات جديدة
في مرحلة لاحقة من الأزمة بعد ان فقد الضحايا الأمل في استعادة الحقوق برزت ظاهرة جديدة تتمثل في شراء (الايصالات والشيكات) بثلث القيمة ومع تطورات الأزمة وازدياد تعقيداتها دخل العديد من المتضررين والمتهمين في اعتصامات مفتوحة بسبب تأخر التحقيقات، فيما هددت مجموعة من المتضررين من من رعاة الإبل بخطوات لم تحددها في حالة عدم استجابة السلطات إلى طلباتهم في تسريع الحل، مما دفع حكومة الولاية إلى زيادة التعزيزات الأمنية في المراكز الحيوية بالولاية خلال هذا الأسبوع، حاولنا الاتصال بالنيابة الولائية المختصة بالقضية إلاّ أن مصدراً بالنيابة قال لـ(الرأي العام): إن هناك توجيهات من وزارة العدل بعدم التصريح لاي من وسائل الاعلام في قضية سوق المواسير.
ضبابية في الموقف
لكن المتضررين يرون ان هناك تسويفاً من قبل بعض الجهات لتخدير المتضررين واغتيال القضية بالمماطلات المستمرة. ويقول اسماعيل كتر عبد الكريم نائب رئيس لجنة المتضررين وممثل الدفاع: ان القضية تكتنفها الكثير من الضبابية بسبب التعتيم الذي تفرضه الجهات التي تتولى القضية، واضاف: اصبحنا لا ندري شيئا عن ما يجري في القضية وتحقيقاتها بالرغم من اننا معنيون بأمر المتضررين ووكلاء عنهم،واشار إلى ان القضية بها العديد من الجوانب (سياسي واجتماعي واقتصادي ) يجب الاعتراف بها، ومن ثم تحمل كافة الأطراف لمسؤولياتها، وقال كتر: ان هناك حديثاً عن التسوية من قبل الكثير من الأطراف مشيرا إلى ان زمن التسوية لم يحن بعد مؤكدا حدوث بعد التجاوزات القانونية في الاجراءات، وقال ان أمر الاعتقال تم بموجب قانون الطوارئ الذي يعطي الوالي صلاحيات في اتخاذ أمر الاعتقال، مبيناً أن الاجراء القانوني ينص على حبسهم وفق القانون الجنائي ومن ثم التحري معهم ،وتساءل كيف للجنة القضائية التحري معهم وهم معتقلون بقانون الطوارئ …؟
بطء الاجراءات
وانتقد كتر بطء الاجراءات واصفا اياها بالسلحفائية التي جعلت المتضررين هائمين على وجوههم لا يدرون إلى أين تسير الأمور، مع العلم بأن كافة المتضررين من الضعفاء، وتابع: ( قبل أيام تم اعتقال أحد المتهمين بعد ان وجدت بحوزته مبالغ مالية ضخمة إلاّ اننا فوجئنا باطلاق سراحه بعد أيام).
وأشار كتر إلى أن الأموال المحتجزة في ذمة التحقيق ضعيفة جداً مقارنة بحقوق المتضررين الضائعة، فالأموال المفقودة تقدر بأكثر من (600) مليار جنيه بـ(القديم) فيما لم يتم استرداد واحد على آلاف من الأموال المنهوبة، مبيناً ان الطريقة التي تدار بها العملية حتى من القانونيين أنفسهم فيها نوع من التمويه الاجرائي- حسب قوله – ولا يتبع الأسس القانونية المعروفة، مضيفا ان الاجراءات التي تسير ليست سوى (اجراءات إدارية) لا تقدم ولا تؤخر، فحتى المجموعة التي شكلها اتحاد المحامين لم تستطع ان تقدم شيئاً، مشيرا إلى ان العملية منذ بدايتها كانت برعاية قيادات نافذة في الولاية وبمباركة المسؤول الأول بالولاية في أيام الحملات الانتخابية وتسميته للسوق بـ(سوق الرحمة) حينها وما ان انتهت العملية الانتخابية تبرأ منها، وقال إن الأزمة تمثل كارثة قومية بالبلاد مثلها والكوارث الأخرى التي تستوجب تعويضاً من الدولة، وطالب القيادات العليا بالبلاد بالتدخل وتحديد مسؤولية كافة الأطراف مهما كانت صفتها والعمل على تعويض المتضررين، مؤكداً ان القضية لا تموت مهما طال الأمد. واضاف: كان يتم العمل حسب الاجراءات القانونية (القانون الجنائي) المادة (179) ، (178) و(5) المعنية بالاحتيال والثراء الحرام، ولكن تغير الوضع الآن وأصبحنا لا نعرف ما يدور.
تأخير التحقيق
وحاولنا في (الرأي العام) الاتصال باللجنة الاتحادية التي كونها وزير العدل بقرار للنظر والتحقيق في قضية سوق المواسير، إلاّ أن رئيس اللجنة تحفظ عن الادلاء بأي أقوال عن مراحل التحري والتحقيق إلى حين اطلاع اللجنة على كافة التقارير الميدانية من خلال زيارتها المرتقبة لمدينة الفاشر هذا الأسبوع.
وكانت مصادر مطلعة ذكرت نهاية الأسبوع الماضي ان وزارة العدل أرسلت لجنة مكونة من (5) وكلاء نيابة إلى الفاشر للتحقيق مع (57) متهماً في القضية بعد اضرابهم عن الطعام بسبب تأخير التحقيق معهم، وأكدت المصادر ان اللجنة بأشرت أعمالها منذ السبت الماضي بالتحقيق مع المتهمين في سجن (شالا ) غرب الفاشر.

الرأي العام


كاريكاتير الفنان : عمر دفع الله

تعليق واحد

  1. الطمع ودر ما جمع هذه واحدة والثانية هي ان القانون لا يحمي المغفلين براهم الناس ركبوا المواسير وعايزين الحكومة تعوضهم الحكومة تعوض منو وتخلي منو؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..