أخبار السودان

الخوف أن تدمر مصانع السكر كمصانع الغزل والكناف والمدابغ والأحذية التي بيعت…؟!!

د. أحمد شريف عثمان

في الأسبوعين الأخيرين زاد ايقاع نوبات الصحيان بالاخطار العديدة المتوقعة من بيع أو حتى ادخال شركاء في مصانع السكر العامة الأربعة…؟!! فلقد نشرت العديد من الصحف وعلى رأسها الصحافة العديد من المقالات المحذرة من خطورة ذلك وآمل ان تكون الجهة المكلفة قانونياً بالتخلص من المرافق العامة قد قرأتها ووجدت فيها ما يفيد حتى لا تتكرر التجارب المؤسفة التي حدثت في بيع بعض المرافق العامة كمسلخ الكدرو الذي بيع عدة مرات…؟!!
حتى يكون الحوار مفيداً فلنبدأ بالمرجعية القانونية وهي قانون التصرف في مرافق القطاع العام لسنة 1990 الصادر بموجب أحكام المرسوم الدستوري الثالث لعام 1989 من مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني وبموجب المادة (3-1) منه شكلت اللجنة العليا للتصرف في مرافق القطاع العام كالآتي:-
٭ وزير المالية والتخطيط الاقتصادي – رئيساً
٭ وزير العدل – عضواً
٭ الوزير المختص – عضواً
٭ رئيس الهيئة العامة للاستثمار – عضواً ومقرراً
٭ المراجع العام – مستشاراً
ولقد حددت المادة (أ) من قانون التصرف ثلاثة طرق للكيفية التي يتم بها التصرف وهي كالآتي:-
– البيع لأطراف غير الدولة.
– اشراك أطراف من غير الدولة بأي صورة من صور المشاركة.
– التصفية النهائية.
كما قررت لجنة التصرف منذ اجتماعاتها الأولى محورين أساسيين يرتكز عليهما التصرف بالنسبة للمؤسسات أو الهيئة المراد التصرف فيها وهما كالآتي:-
٭ فعالية الأداء المالي.
٭ الأهمية الاستراتيجية.
كما حددت اللجنة منذ اجتماعاتها الأولى ثلاث مراحل للتصرف حددتها بسنوات الآتي:-
– مرافق يتم التصرف فيها فوراً خلال سنة واحدة.
– مرافق يتم التصرف فيها على المدى المتوسط في سنتين إلى ثلاث سنوات.
– مرافق يتم التصرف فيها على المدى البعيد بعد ثلاث سنوات إلى عشر.
هذه المعلومات وردت في تقرير المراجع العام في برنامج الخصخصة الصادر في يونيو 1994 وقدم للمجلس الوطني الانتقالي وللأسف الشديد لم يبت فيه ذلك المجلس حتى انتهاء فترته ثم مات سريرياً أثناء مناقشته في المجلس الوطني الأول برئاسة زعيم الحركة الإسلامية السودانية…؟!!

قصدت من ابراز خطط عمل اللجنة الأولى للتصرف في مرافق القطاع العام توضيح وابراز مدى ذكاء المجموعة التي وقفت وراء صدور ذلك القانون والغطاء القانوني الذي صاغوه لحمايتهم في تصرفاتهم كافة حول مؤسسات وهيئات القطاع العام المملوكة لأهل السودان بعضها منذ العهد التركي كمؤسسات البريد والبرق وبعضها منذ عهد الحكم الثنائي كالفنادق والخطوط الجوية السودانية والمشاريع الزراعية والآخر خلال عهود الحكم الوطني خلال الـ(33) الثلاثة وثلاثين عاماً التي سبقت عهد الانقاذ الحالي الذي جاء في نهاية يونيو 1989؟!!

٭ عشرات المرافق العامة جرى التخلص منها بموجب ذلك القانون بعضها بالبيع بعطاءات والأخرى بدون عطاءات مقابل ديون لبعض أثرياء العرب الذين مولوا أول موسم زراعي للاكتفاء من القمح وهو الموسم الذي بحق وحقيقة جعلنا لا نأكل مما نزرع ولا نلبس مما نصنع مع الاعتذار لمعارض صنع في السودان…؟!! حيث نتيجة لتلك القروض التجارية خرجنا من أسواق القطن طويلة التيلة العالمية من أجل الاكتفاء الذاتي في القمح الذي تحولنا اليوم إلى اننا أصبحنا نستورد (90%) تسعين في المائة من استهلاكنا المحلي…؟!! ومع خروجنا من زراعة القطن حطمنا صناعة الغزل والنسيج بطاقات وصلت إلى (365) ثلثمائة خمسة وستين مليون ياردة و(72) واثنين وسبعبن ألف طن غزول في العام وقبل كل هذا وذاك هي الصناعة التي قدمت لبلادنا قيادات سياسية واقتصادية من مختلف التخصصات اشرفوا على ادارة شؤون البلاد باقتدار قبل أربعين عاماً وكل هذا بسبب عبقريات الثلاثي الذي أدار شأن التخلص من المرافق العامة التي ذهبت مع الريح…؟!!

وقد شمل تقرير ديوان المراجع العام الذي سبق أن أشرت إليه كيفية خصخصة المؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية (سابقاً) والقرار الذي صدر في ديسمبر 1990 والذي بموجبه جرى تقييم أصولها على النحو التالي:-
٭ قيمة الأراضي والمباني والمخازن (1.227.287.168) واحد مليار ومائتين سبعة وعشرون ومائتين سبعة وثمانون ألف ومائة وثمانية عشر جنيه. وبما أن الدولار في السوق الرسمي والحر في ذلك التاريخ كان يعادل (12) اثني عشر جنيهاً فان هذا المبلغ كان يعادل مائة مليون دولار امريكي…؟!!

٭ قيمة المعدات وتشمل المقاسم الرئيسة في المدن وكبانية الربط ووسائل نقل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية ووصلات المايكرويف والشبكات الأرضية وهذه قدرت قيمتها بمبلغ (116.404.162) مائة وستة عشر مليون وأربعمائة وأربعة ألف ومائة اثنين وستين دولارا.
٭ وبالتالي صارت قيمة أصول هذه المؤسسة حوالي (216) مائتين وستة عشر مليون دولار؟!! وحسب ذلك التقرير جرى تكليف شركة امريكية للاتفاق على أسس التقييم مع الشركاء المستثمرين في هذا القطاع حيث قامت بتخفيض ذلك التقييم إلى (60) ستين مليون دولار فقط حوالي (22%) اثنين وعشرين في المائة من التقييم الأول لأصول أهل السودان في مؤسسة اتصالاتهم القومية…؟!!

٭ ودون شك فان أي مدع يرجع تطور الاتصالات بالسودان لعملية الخصخصة فهو دون شك مخطئ لأن ثورة الاتصالات العالمية التي حدثت خلال العقود الثلاثة الأخيرة كان لابد أن تصل للسودان حتى في وجود المؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية التي بخسناها للربع وفي الأخير بعنا أغلب نصيب أهل السودان في هذا القطاع للأجانب وصار علينا لزاماً أن نحول لهم أرباحهم المقدرة بأكثر من ثلاثة مليار دولار سنوياً للخارج كواحد من السلبيات التي أوقع فيها السودان عباقرة الخصخصة؟!!
بعد كل هذا السرد التاريخي لعمليات الخصخصة بالسودان ندخل في موضوع الساعة وهو الإعلان عن بيع مصانع السكر ثم مرة أخرى التراجع في تصريحات بادخال شركاء لتوفير حوالي (200) مائتين مليون دولار لاعادة تأهيل مصانع السكر بدءاً بمصانع سنار وعسلاية..؟!!

حقيقة هذا الموضوع فتح كل جروح ومآسي بيع مصانع القطاع العام بأبخس الأثمان والتي للأسف عندما بيعت بعطاءات أو بدونها بشرتنا اللجنة ان انتاجها سوف يرتفع ويتطور مثل مصانع كناف أبي نعامة وغزل البحر الأحمر ومدابغ الخرطوم والنيل الأبيض والبحر الأحمر والجزيرة ومصنع ساتا للأحذية وان قيمة بيعها سوف تقلل من عجز الموازنات العامة وللأسف الشديد جداً ان كل هذه المرافق الصناعية التي كانت عاملة ومنتجة قبل عشرين عاماً توقفت نهائياً فور بيعها وشرد العاملون بها وهذا ما نخشى حدوثه لمصانع السكر العاملة حالياً وينوي بعض العباقرة التخلص منها وتضييع جهد الرجال الذين خططوا لها وفكروا فيها وسعوا من أجل تمويلها وتنفيذها بصدق ووطنية؟!!

جانب آخر ان صناعة السكر لم يكن التخلص منها ضمن برامج لجنة التخلص في المراحل الثلاث على المدى القريب والمتوسط والبعيد وحسب ما ورد في بعض الصحف فان الذين يقفون وراء التخلص منها هم أنفسهم الذين عطلوا تنفيذ أكبر مصنع للسكر قبل (13) ثلاثة عشر عاماً وأصدروا القرارات الوزارية بتصفية شركته وتشريد قيادته العليا والعاملين به كافة فمادام طعم السكر حلوا لهذه الدرجة فلماذا عطلوا تنفيذ أكبر مصانعه الذي نفذ واكتمل العام الماضي…؟!!

من جانب آخر فان الاستثمار في قطاع صناعة السكر رغم تضحية أهل السودان بتأجير فدان الأرض لأكبر مصانعه بعشرة قروش للفدان في العام بعقودات سارية لمائة عام ومنحهم الماء بالمجان علماً بأن كيلو السكر الواحد يستهلك ري القصب الذي ينتجه ألف كيلو ماء ودون شك إذا ما حسبنا تكلفة هذه المياه بتعريفة هيئة مياه الخرطوم بالمقدم سوف نصل لأرقام عديدة مخيفة؟!! وبالرغم من كل هذه التضحيات من جانب أهل السودان فالأسف فان أكبر شركة صناعة سكر بالسودان صافي أرباحها السنوية التي بدأت بعد أكثر من ثلاثين عاماً خلال العشر سنوات الأخيرة لم تصل لأكثر من (4%) أربعة في المائة من حجم الاستثمار فيه ودعك من تقييم أصولها وبالرغم من ذلك تصدر لنا دعابات بأن أرباح هذا العام زادت عن العام الماضي بنسبة (154%) مائة وأربعة وخمسين في المائة عن العام الماضي دون توضيح كم كانت تبلغ في العام الماضي وبالتالي فان مثل هذه المعلومة غير مفيدة للمستثمر في هذا القطاع أو حتى للقارئ وتعتبر نوعاً من الدغمسة التي اشتهر بها مهندسو الدغمسة في هذه الأماكن نثرآً وشعراً…؟!!

من كل هذا يتضح لنا ان العائد من الاستثمار بقطاع صناعة السكر رغم تضحيات أهل السودان ومنحه الميزات الاستثمارية العديدة من اعفاءات جمركية وضرائبية وأراضي بمئات الآلاف من الأفدنة ومياه عذبة بالمجان من حصة في مياه النيل غير مجزية لأنها فعلاً أنشئت على أساس انها مشاريع تنمية زراعية صناعية لسلعة استراتيجية…؟!! إذن كيف نبيعها أو حتى ندخل شركاء فيها لكي نصبح ملزمين بتحويل أرباحها بالدولار كل عام كما حدث لنا في قطاع الاتصالات والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين؟!!
إذن فان موضوع بيع أو ادخال شركاء في مصانع السكر يجب أن يخضع لمزيد من الدراسة العميقة دون حماس أو استعجال كما فعلنا من قبل في بيع كل المصانع العامة التي توقفت للأسف كلها وكما حدث لنا في بيع الفنادق الكبرى وسودانير وفي مجالات أخرى جاءت بنتائج أكثر فظاعة من اتفاقية نيفاشا التي أضاعت ثلث السودان بدون مقابل سلام؟!!
– نواصل إن شاء الله –

الصحافة

تعليق واحد

  1. هذه اللجنة وغيرها من اللجان التي صاغت قوانين استباحة المال العام واراضي الدولة يجب ان يحاكموا بأقصى واردع العقوبات وتأميم هذه المشاريع والمصالح واعادتها للشعب مرة اخرى وليذهب من اشتراها الى البحر ومعظم المشترين من كلاب المؤتمر العفني وتجريدهم من جميع ممتلكاتهم واراضيهم وبيوتهم وسحب ارصدتهم بالخارج وتأديبهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..