المطاليق (2)

المطاليق(2)

أحمد ضحية
[email protected]

الجبال المتفرِّقة تحيط وادي الذهب كأسورة على جانبي النهر, الذي يشق الوادي إلى نصفين. هذا النٍّهر الذي يتغذَّى من الأمطار الغزِّيرة, التي تحملها وديان “قلول” و”خيران ساورا” إلى سهول “قبانيت” وغابات مارتجلو الواسعة, إلى أقصى دار الرِّيح والسافل ودار صباح, متخللة أشجار الحرَّاز والأراك, وكذلك النخيل والدوم والتبلدي والدليب والسِّدِرْ والهِجْلِيْجْ والعرديب, والأشجار الأخرى غير المثمرة, التي راجت بسببها تجارة الأخشاب والأثاثات والأدوية ومستحضرات التجميل, إذ ليس الأشجار وحدها ك”القرض” ما يميز وادي الذهب, بل أعشاب السناسنا والمحرِّيب واليانسون, وجذور السِّعْدَّة الجرفية. والأعشاب والجذّور الأخرى النادرة, التي تنتشر في كل مكان: “قَيْفْ” النّهر, ضفاف الوديان والخيران والحفائر والتُرّع, والسهول ماوراء النّهر في صعوده.
إختار “الروح العظيمة” هذا المكان ل”عِيَاِلِهِ” بعناية فائقة, أراد لهم هذه الغّابَة الكثيفة من الشجر, الذي تختبيء خلفه حتى الجبال الشاهقة, أن تكون ملاذا وحضنا دافئا, تلجأ إليه حتى الطيور الهاربة من جور الطبيعة, وغضب الطقس.. تلجأ إليه من مشارق الأرض ومغاربها, بألوانها وأشكالها وأحجامها المختلفة, لتوحد أنغامها في نغم واحد يخلخل فضاء “الوازا” العريض, ويقض مضجع “الربابات والدلاليك وأم كيكي”..
نغم واحد, متوحد ووحيد, تطرب له كواسر الغابات والجبال, والزواحف والقرود والغزلان و”جِدَادْ” الخلا, فيتحول كل ما هو كاسر وقاتل, إلى أليف ووديع, مسحورا بهذه الموسيقى المحملّة بروح السماوات البعيدة.
هكذا كان المشردون يتصورون وادي الذهب, الذي تضخمت مياه نهره, بفعل الأمطار الغزيرة في “أقصى الصعيد ودار صباح” حيث المنابع الإلهية الغامضة, التي تتدفق من أعالي الهضاب, إلى الوديان العميقة, وحيث الشلالات الهادرة, التي تتوحد مياهها في مجرى النّهر, الذي يتفرع ليتوحد. ويتوحد ليتفرع, فيسمع المزارعين والرعاة “جَلبغة” الماء الذي يحمل “عُشبة معونة النيل” ونباتات المستنقعات الضحلة, في إحتكاكها بالزّبد والرّغوة كنغمٍ مهيب.
ففي وادي الذهب تنتهي الحياة.. لتبدأ مرة أخرى من جديد.. في طمِّي النّهر وفيضاناته, التي تطفيء حرائق كل لعنات التاريخ القديمة والجديدة, حيث تنطبع صورة الطبيعة على جدار الذاكرة, سرمدية كالأزل..
ربما يختفي وادي الذهب حينا من الدهر, ولكن النّهر الذي يشقه نصفين دائما يبقى خالدا, إلى أبد الآبدين, ليلهم الأقوام الجدد الذين يتعاقبون على وراثة الوادي, الحكايات الأزلية, التي تتضمن تفاصيل ما كان وما سيكون, فوادي الذهب كالعنقاء يخرج من الموت ليحيا من جديد, أشد فتوة وصبا.. يتجدد في رماد الحرائق التي دائما يشعلها المطاليق عبر التاريخ.
فالأهالي الذين قضى عليهم التنين والخرتيت والعنقاء في الدمار الثاني قبل عشرات السنوات, إثر سرقة الدود أبوحجل لشعلة المعرفة, وإغتصاب وقتل البِنَيَة الجميلة قطع الشك. تهيمن على أحفاد الناجين منهم عقيدة قوية, تتمثل في أن “هذا المكان خلق للتجدد الدائم الذي لا ينتهي, فهو ليس وعاء لوحدة أهالي الوادي فحسب, بل هو نواة لوحدة الجنس البشري مرة أخرى, كما أراد “الروح العظيمة” في البدء” وهو ما ظل التاريخ يثبته عبر حيله وطرقه الغامضة, فبعد عشرات السنوات من كل خراب, يعود أحفاد الناجون مرة أخرى لتعمير الوادي, بكل ما أكتسبوه من خبرات ومعارف في ترحالهم الأبدي, تعينهم ذاكرة الأسلاف المتناقلة عبر الأجيال, للبداية من جديد.
على وادي الذهب تعاقب أقوام وأقوام, بدءً بسكان أطلانتيس الذين أدمنو عشق العلوم, فالأغاريق الذين تتيموا بالتجارة.. وإنتهاء بالألبان والمصريين والمستعربين من سكان الشرق السعيد, الذين تفتقت مواهبهم عن تجارة الرقيق. دائما يتوافد الناس من كل مكان إلى وادي الذهب, حينا كتجار وحينا كمبشرين بالديانات والعقائد والمعتقدات, وحينا آخر كغزاة ومحتلين أو مطاليق من سدّنة السلطان.
ولطالما عشق أهالي الوادي موسيقى “الوازا” و”الربابة” و”أم كيكي” و”الدلوكة”, في مناسباتهم المختلفة, سواء التي ترتبط بالحصاد أو الأفراح الإجتماعية والمناسبات السعيدة, أوحتى في أحزانهم المنسية وطقوسهم الروحية التي “يجدعون فيها النّار”.
في وادي الذهب تصدح الموسيقى في كل الأوقات والأماكن, تؤجج حلقات الرقص الجماعي, في كرنفالات غائرة في قلب طفولة الإنسان وجراحاته الأزلية. فالموسيقى التي في الدروب والطرقات والشوارع, تمتزج في خرير الجداول وحفيف النّال والنباتات الشائكة المزهرة وغير المزهرة, التي تلونها بمذاق خاص, يتوحد مع موسيقى الطيور, التي يطرب لها حتى الحجر والشجر, والأرض القردود المخددة بالشقوق.
أهالي الوادي ورثوا عن أسلافهم زراعة “أم بحتي”, في المغمورات والمنخفضات في “جرتتي وتمبسكو”, فهم يزرعون قريبا من مساكنهم”جبراكات” وبعيدا عنها “حواشات”. لكن الحبوب والبذور والموالح و”القُوّارْ” والمحاصيل النّادرة الأخرى, في عالم تهدده المجاعات, فتحت شهية الشركات المصرية والصينية والماليزية وغيرها. أصبحت كاللعنة على الوادي بسبب التقاطر عليه من كل فجاج الأرض, وتحميله فوق طاقته, كوادي رغم ثراءه منهار تنمويا ! فالأهالي بحكم ريفيتهم لا يستطيعون حصاد محاصيلهم الغنية كلها, لذا يتركون معظمها طعاما للطيور والمواشي, التي هي حيوانات مقدسة “خصوصا الأبقار”, التي لا يستثمرونها لإرتباطها بمواقعهم في المجتمع. وأوضاعهم الإعتبارية في تراتبية السلطنة!.
ومثلما أعطى وادي الذهب سكانه الخيرات, التي على سطحه. لم يبخل عليهم بما في باطنه من إحتياطيات جوفية, بدء بالماء وإنتهاء بالمعادن والغازات, التي لم يستفيدوا من أي منها, فهم لا يعدنون سوى الذهب بوسائلهم البدائية.

(9)
منذ تناهى إلى مسامع الشايب “الجنزير التقيل”, أغنيات المطلوق الدود أبوحجل, وقصائده الطوال, التي جسدت تلك اللحظات الدامية, المخيفة لمقتل قطع الشك.. مضى ينذر الأهالي من الخراب والدمار القادم, عقابا لهم لأنهم صموا آذانهم عن الخطايا والفساد وصمتوا, وقتها كان “الروح العظيمة” قد أنهى خلق التنين والخرتيت والعنقاء..

وفي المحاولات الدؤوبة للجنزير التقيل, في إيجاد تفسير لسلوك الدود أبو حجل والمطاليق, ظلت أفكاره تلف وتدور حول فكرة محددة, تتمثل في أن السلطان وبطانته, يفتقرون لذلك التوازن الدقيق, في كيمياء أجسامهم وإحساساهم بالآخرين والطبيعة حولهم, ما يجعلهم ليسوا ثقلاء لا دم لهم فحسب, بل ومضادين لفكرة المجتمع الموحد.. حول فكرة وادي الذهب كوطن يسع الجميع.
ومع ذلك كان قلقا بشأنهم, إذ كانوا بنظره مخلوقات ضعيفة, بائسة ويائسة من رحمة “الروح العظيمة”وسعة صدره, التي بإمكانها أن تحتمل كل شيء. وفي الواقع كانت هذه الفكرة لا تهيمن عليه فقط, بل تزيد من حجم الشكوك داخله, في قدرة هؤلاء البؤساء اليائسين, الذين لا أمل لهم على الصمود, إذا ما تمت تعريتهم و مواجهتهم بأمراضهم غير الطبيعية المستفحلة, التي لا يمكن لأي محاليل أو أعشاب أو “محايات أو بخرات أو حجبات” من تخفيف أدوائها أو أعراضها, بحيث ليس من ثمة حل, سوى التخلص منهم نهائيا, وإلى الأبد ليرقدوا في نيران الحياة الآخرة دون سلام أو سكينة, تؤرقهم اللعنات الأبدية.
لكنه يخشى في هذه الحالة, تحولهم إلى ذكريات؟! فالذكريات طبيعتها الصمود بوجه عوامل تعرية أو تبديد الذاكرة, ومقاومة النسيان, بالتالي ربما يلهمون آخرين لديهم القابلية لنفس الأدواء البائدة, التي قد تؤدي إلى سلسلة من التغييرات تعتري مواقفهم ممن يعارضونهم, ومن فكرة وحدة وادي الذهب كموطن للجميع.. خصوصا الأهالي الذين رغم بساطة غالبيتهم, بإمكانهم أن يروا بوضوح: كم الألم والعذاب والشقاء, الذي يغلف الوادي, بسبب سياسات السلطان ومطاليقه. وبسبب أرواحهم العليلة البائسة, التي يمكن لأي كان إكتشافها بنظرة عابرة, مهما تضاءلت قدراته أو كان في عجلة من أمره, والتي لا يمكن شفائها!..
أنهم يمارسون ويعانون شقاءهم الأبدي.. كوابيسهم الوجودية, لأنهم يفتقرون للأمل, ويعوزهم بالتالي الإحساس بالتفاؤل والحرية.. بالتالي إرادة الحياة الطبيعية, بعد أن تمكن منهم الإنحراف والفساد والجنون المزمن, الذي حوّل أي شيء جميل يمكن أن يولد داخلهم, إلى “هبود” أو “سكن” أو “هباب”, كهباب شرار “الأندراب”..
والآن عندما يختلي الشايب جقندي بنفسه, بعد عشرات السنوات, ليستعيد تأملات جده الأكبر الشايب الجنزير التقيل, ويتأمل سيرته وسيرة ما مضى, لا يملك سوى أن يقول أن: التاريخ يعيد نفسه بطرق وحيل ملتوية! فمثلما أغتصب المطاليق قطع الشك وقتلوها, ها هم أحفادهم الآن يغتصبون سوميت ويقتلونها!
(10)
فبعد أن خطب الشايب جقندي في الأهالي, يحرضهم ويعبئهم ويحذرهم, وقام المشردون بتهريبه وتأمينه بعيدا عن عيون المطاليق, تمكنوا بعدها في صبيحة اليوم التالي, الذي سلم فيه المطاليق جثمان سوميت للأهالي, من حشد الأهالي الذين تجمهروا بشكل مفاجيء وغير مسبوق, أمام قلعة السلطان, التي كانت موصدة الأبواب, ومحاطة من كل الجهات بالمتاريس, التي صنعت من أشجار الطلح والكِتِرْ والهشاب والسِّدِّرْ الشوكية.
كانت أصوات الأهالي المسلحين بالحجارة و “السفاريك”, تتعالى مستنكرة ما حدث, وهم يحاولون إختراق المتاريس, التي إنتشر المطاليق خلفها “بشوتالاتهم” وحرابهم و”نشاباتهم” وسيوفهم المعقوفة. في البدء تراجعوا أمام حجارة وسفاريك الأهالي التي أخذت تهطل من كل مكان. ثم بدأو بعد ذلك يطلقون الحراب والسهام, فأخذ الأهالي يتراجعون, بعد أن وقعت إصابات قاتلة عديدة في صفوفهم.
في اليوم التالي كانت حالة الهرج والمرج, التي سادت بندر الوادي, قد إنقشعت وتبددت تماما, كأن شيئا لم يكن. وكان المطاليق وقتها قد إنتشروا في الشوارع والدروب, يداهمون بيوت الأهالي العزل, حتى لم يعد ثمة كهف أو سرداب في بندر الوادي, لم يمتليء عن آخره بالمعتقلين الواقعين تحت تأثير التعذيب. الذين لأيام عديدة ظلت صرخاتهم تخترق الكهوف والسراديب المعتمة, لتملأ بأنينها الملتاع فضاء الوادي, الذي توشح بالوحشة والكآبة. لقد كان الشايب الجنزير التقيل ومن بعده جقندي محقان تماما في إعتقاداتهما حول المطاليق, ذوي الرؤوس المتعفنة التي تمتليء بصديد الكراهية والأحقاد والضغائن.
وليس من المصادفة أن يكون من بعض الأهالي العاديين مطاليق, يعذبون ربما جيرانهم في “الحلة” أو يقتلونهم.. ليس من المصادفة أن يجند المطاليق بعض الخونة من أوساط الأهالي, الذين بالإمكان أن تجدهم في أي مكان “لشدة عاديتهم”, فدائما ما يبدو عليهم أن “لا ناقة ولا جمل لهم فيما يجري”, بينما هم الناقة والجمل ذات نفسيهما!..
إختراق المطاليق للأهالي بتجنيد بعض الناس العاديين والبسطاء, ساهم في نشر أفكارهم العنصرية الهدّامة التي يعتقد فيها السلطان وبطانته, هذه الأفكار المستمدة من قصائد الدود التي عُثر عليها في معبد كهف كارناسي المقدس.. أخذت هذه الأفكار البغيضة تنتشر في الوادي إنتشار النار في الهشيم, إلى الحد الذي قررت فيه حاضرة الصعيد ودار الريح ودار صباح , وحواضر أخرى,الإنفصال تماما عن وادي الذهب, وبناء سلطناتهم المستقلة؟!
فالبسطاء الذين جندهم المطاليق, كانوا أشد خطرا من المطاليق أنفسهم, فالمطاليق معروفون ولكن هؤلاء يعملون لحساب المطاليق خفية؟!. يقومون بما يطلبه منهم المطاليق. يرشدون عن أماكن تواجد المشردين, الذين كانت تقودهم سوميت, والتي كانت تعمل في سرية تامة, وياتون بأخبار الشايب جقندي وكل من يلتقيه من الأهالي. بل كانوا يزورون المعتقلات ملثمين ليصنفون مدى خطورة هذا أو ذاك. أو يشاركون في التعذيب والإغتصاب والقتل إذا لزم الأمر. يفعلون كل ذلك دون أن يفهموا حقيقة نفوسهم المتهرئة, التي تفتقر للضمير, ودون أن يفهموا حقيقة ما يجري حولهم في الوادي, فقد تركوا لأكاذيب السلطان وبطانته من المطاليق, أن “تعشعش” في رؤوسهم المتعفنة ووجداناتهم الخربة, دون أن يتريثوا ليدركوا حقيقة كون أن كل ما لُقنوه, لا علاقة له بالعِرق أو القداسة أو رسائل السماء, فما لقنوه لا يتعدى كونه محض أكاذيب وهراءات وأوهام!..
لذلك عندما يختلي الشايب جقندي بنفسه, أول ما يطفر إلى سطح ذاكرته هو تلك الليلة البعيدة, شديدة الحلكة, من ليال صيف غابر, فيشعر بقشعريرة تسري في جسده كله, فينتفض كفرخ طائر بللته مياه المطر, وتنتابه حالة من الهذيان والإرتعاش, فيهتز كالمقرور الذي يقف على أهداب”صرعة” تعصف بأوصاله الناحلة, التي هدّتها سنوات الترحال والتجوال, فيتصبب جسمه بعرق غزير يروي الأرض القردود, التي أنهكتها ظهيرات الصيف “القيطوني” الحارقة, بحرّها السموم.
أنه الصيف إذن ما يشعل في النفس الذكريات البعيدة, ففي أمسيات الصيف المتقلبة, عادة ما يختلي جقندي آخر أحفاد الجنزير التقيل, الناجين من الدّمار الأول بنفسه, فتستعيد ذاكرته وقائع وأحداث منصرمة, بحساسية المشردون الذين نقشوا على جدران معبد جبل كارناسي, أياقينهم المضادة للنسيان والتلف..
ظل جقندي طوال عمره يحلم بوادي آخر للذهب. وادي أجمل, يعشق ناسه الحياة.. وادي بإستطاعته نسيان الحروب والإنقسامات والتشظي وحكاية الدود أبوحجل وقطع الشك. وتكرار قصة الناجين من الحروبات, التي تدمر المكان والناس والأشياء والذاكرة, وكل العواطف النبيلة .
ظلت ذاكرة جقندي المتقدّة نفسها تقاوم النسيان بعد مقتل سوميت.. نسيان الأحقاد والضغائن والصلف والغرور, الذي لطالما جابه به المطاليق الأهالي البسطاء, الذين لا حيلة ولا حول ولا قوة لهم!هذه الصفات التي لطالما توقعوا عبر تاريخ أسلافهم المديد, منذ أطلقوا على يوم الهزيمة إسم”الإستقلال” إندثارها .. فلم تندثر بل تولدت عنها صفات أخرى أشد مقتا وسوءاً..
والآن , وبعد كل هذه السنوات.. تم إغتيال بذرة الحلم, وروح والتفاؤل والأمل نهائيا, بل تم تقطيع أوصالها والتمثيل بجسدها, حتى لا تقوم لها قائمة مرة أخرى, فإستحال وادي الذهب إلى مكان لا يصلح للعيش البشري.. مكان مشبع بالخوف والقمع والدم والدموع.. مكان ثرواته المتنوعة محض ريع للسلطان وبطانته.. للمطاليق.. الذين يديرونه على هواهم.
كم يلزمهم من الوقت ليعرفوا كيف يحبون بعضهم البعض ويعشقون الحياة. كم يلزمهم من وقت ليكفوا عن إيذاء بعضهم وإيذاء الأهالي. أنهم يغتالون”هُوِّيتهم”.. ذكرياتهم.. ذّاكرة أسلافهم…
(11)
مسح الشايب جقندي من على وجهه حبات العرق المتفصد. كان الماضي كل الماضي يتقدم لينغرس في ملامح وجهه, فتنكفيء عيناه المتعبتان على طيوف التاريخ, لتغسله من خطاياه الرهيبة.. تفتحه على قلوب الأهالي الطيبين: راعشا كنبض الحب, ودافئا كطقس “جدع النار”.. مؤرقا كالحنين.. وغزيرا كمطر “العِيْنّة” في تلك الليلة البعيدة, التي إحترق فيها وادي الذهب, وتحول لكتلة من اللهب الكلي ,الذي يتغذى من دماء قطع الشك. كانت ألسنة اللهب ترفرف عالية, وأشجار القمبيل والقنا و”قش النَّال” يتحول إلى “هَبود” دامي..
نعم, غزيرا كمطر”العينة” في تلك الليلة التي في رحم الغيب, التي لا محالة ستأتي لتغسل عار المطاليق وهم يدسون مزيدا من السم للأطفال المشردين:
“لكنهم لم يموتوا!”..
أسر الشايب جقندي لنفسه..
كان الأطفال المشردون قد فقدوا عائلاتهم في حروب العشيرة الملكية, ضد بطون وأفخاذ وعشائر الوادي, ففقدو دفء الأسرة والماوى, وأفترشوا الطرقات الكئيبة, الخارجة لتوها من الحروبات والإنقسامات الداخلية, لتتهيأ لحروبات وإنقسامات جديدة. كانوا يعانون الجوع والحرمان, وبكل الإنهاك الذي إعتراهم, دفعهم يقين خفي,غامض لإعتقاد كاذب بأنهم يوما ما سيحصلون على طعام شهي, عندما جاءهم المطاليق في غمرة هذا اليقين المضلل, ودعوهم لوليمة فاخرة, في تلك الأمسية المتفردة بظلمتها المبكرة, وبعد أن غادروا الوليمة بوقت ليس قصير, بدأوا يتساقطون موتى واحدا تلو الآخر, على الممرات الطينية الضيقة, التي تشق وادي الذهب طولا وعرضا!.
همهم الشايب جقندي وهو يسر لنفسه:
“يظنون أنها الوسيلة المثلى للتخلص منهم!, في الحقيقة التخلص من سؤتهم هم, لكنهم لم يقتلوهم.. لم يموتوا فقد كسروا حاجز الصمت.. قتلهم “كسر ضهر السلطان ومطاليقه كسرا لا ينجبر”..
وبالفعل كان الوادي وقتها يتململ.. بكل غموض جراحاته, نازفا في خوفه وهلعه, مرتاعا من فكرة”التفتيش” في دواخل سكانه المنهوبين, الذين لطالما صموا آذانهم وأغلقوا عليهم أبواب بيوتهم, بعد أن أغلقوا عيونهم وأفواههم, وفتحوا كل الغرف المغلقة لكوابيس المطاليق!..
قبلها كان جقندي مشبعا بالخيبة, وهو يحمل رسالة “الجنزير التقيل”, التي لا يريد أحد سماعها.. كان يحملها كتهمة أو لعنة أزلية.. حملها وحده وقرر المغادرة إلى السهل الفسيح, في أطراف الوادي. لم يكن ثمة خيار أمامه سوى الرحيل, فمنذ تعرض الأهالي لكل ذاك القمع والتقتيل, الذي سبق وتلى مقتل “سوميت” أغلقت كل الأبواب بوجهه!..
مضى دون أن يأبه للأهالي الذين جعلهم الخوف من بطش المطاليق, يتراجعون عن فتح أبوابهم المغلقة كي تضيء النار المقدسة بيوتهم.. كانوا يخشون “شعلة المعرفة”, وربما يتصورون”محقين” أنها قد تحرقهم وتحرق بيوتهم, كما فعلت ببيت الدود أبو حجل قبل عشرات السنوات..
كان الدود أبو حجل الجد الأكبر لأبو شوتال, المغرم بتقطيع الأوصال, عندما يخلد للنوم يظل يفكر في”قطع الشك” وما بين فخذيه ينتفخ, حتى ليكاد يتفجر مع تصاعد النبضات المتسارعة, في كل عروق جسمه, لكنه كان يجهل تماما ما عليه القيام به. بعد ذلك يغوص في نوم عميق, فتدهم قطع الشك أحلامه: يرى نفسه يحاول رؤيتها.. تخرج إليه متلفعة بشفق المغيب, تتبعثر الكلمات في فمه. تدهشه هالة الضوء التي تكلل رأسها, تنعكس على وجهه, تبدد قتامة المكان والعباءة السوداء, فيلوح جسدها خلف ستار رقيق شفاف يرى خلاله كل شيء, حتى الأرض الموحشة المقفرة, خلف دارها المتدثرة في صمت وعزلة الوادي, فلا يجد شيئا ليقوله لها, فينسحب, وعندما يفيق يجد نفسه مبتلا بللا غزيرا. منذها قرر سرقة شعلة المعرفة. ليهرب فيما بعد إلى السهول الواسعة.
هذه السهول التي يهرب إليها جقندي الآن, مختليا بنفسه عندما تتناهشه الهموم.. حيث لا تصل إلى مسامعه في السهل الممتد الأصوات العالية للأطفال, وهم يلعبون “الشليل” على ضوء القمر, أو يركضون خلف “المرافعين” عندما تغطي سحابة هاربة, كتلك السحب التي أغتصبت قطع الشك في ظلمتها, بعيدا عن البدر المنير وحفيف سبيط النخل, أو أنين السواقي التي كانت لا تزال تجهش بالبكاء الحار, الذي يثير أشجان الأرض, ويشعل فيها اللهفة بكل ظمأ الجفاف والقحط الأزليين للحنان الدفاق. أرض “الروح العظيمة” الواسعة, التي خلقها لِعِيَاِلِهِ الرُّحَلْ, الذين خلفوا الشايب جقندي وراءهم لعدة مواسم تلبية لرغبته في إيصال رسالة “الجنزير التقيل”, إلى هذا العالم الكئيب والحزين حد الفوضى والجنون.
الخالق الآن غاضب جدا على عِيَالِهِ, غضبا أشد من غضبه في ذلك الوقت السحيق, إثر إغتصاب الدود لقطع الشك. كان غاضبا من النزاعات حول أرض الذهب, وإنقسام الناس دون سبب. وكان جقندي لكل ذلك حزينا جدا.. كان مرتاعا ومروعا, يشعر بأن ثمة كارثة تلوح في أفق الوادي الحزين, فقرر الرحيل لا يمنعه شيء, سوى إنتظار عودة قومه المراحيل, الذين كانوا وقتها يعبرون شوك القتاد, لا يأبهون لزفيف رياح الخماسين.. أو عجاج القبلي, ولا يتجنبون في مسيرهم مسارات الرعي, و”هبوب العِيْنَة” البعيدة, وهي تبشرهم بخرائف مثمرة, ومطر يغسل غباش الأرض.. والريح .. ريح “الهبباي” الرطبة التي تلسع الوجه والقفا .. لم يكن ثمة شيء بإمكانه إيقافهم.. يثنيهم أو يعوق مسيرهم: لا البرق “العبادي” ولا أعاصير الشيطان.. مضوا في رحلتهم الأبدية, من أقصى السافل إلى أقصى الصعيد, ومن أقصى الصعيد إلى أقصى دار الريح. وهاهم الآن في طريقهم إلى دارصباح, يغذّون المسير بإتجاه النّهر, الذي لطالما عبروا إلى منبعه, وهم يحيوّن أسراب الأوز والعصافير البريئة !..
هكذا يعاودون ترحالهم الأبدي, من أقصى دار صباح إلى أقصى دار الريح , حيث لا نهر يعومون فيه سوى تلك الوديان, التي يغتسلون من “مشيشها وجمامها”, كما تغتسل غزالات وادي الذهب والصبايا العذراوات..
يظلون يتغنون ب”القش والسعية” وخرير “السباليق” في المدن القديمة المنسية, ببيوتها الواطئة التي يمرون بها في طريقهم. فلا يخلو غنائهم العذب الأسيان, من حزن مقيم على ضياع الوادي, الذي تجيء بأخباره المراسيل, التي تؤكد أنه يوشك على نهايته الفظيعة والمريعة !.
وقتها كانت مسارات الرعي, والطرقات والدروب المؤدية إلى وادي الذهب, ملفوفة في الضباب الذي غلّف حتى الأبواب والشبابيك والأشجار, التي أمام البيوت. ووسم “وجويج” الطير و”قوقاي الحمام والقماري” بالألم, إذ تتسربه أغنية الدود وقطع الشك, في مناحة ملؤها الحزن والأسى واللوعة.. يتخللها طيف الجنزير التقيل, في كل شطر بكل عنفوان الجرح الأزلي, وهو يُودع حشرجاته الأخيرة روح ريح الخماسين الضّارِية, التي تسكن الوادي. في محاولاتها الدؤوبة للإنعتاق والإفلات, إلى طريق يفضي إلى بلاد أخرى لا تعرف الخوف, ولا تشوبها شوائب الماضي الحزين, وفي محاولة أخيرة لبعثرة أسرار ظلال الحاضر, الذي تراكم عليه غبار الجشع والجبن والأحقاد, لتذروه في الفراغ اللانهائي. مسقط رأسه الأول, حيث الرّحم اليابس كغيمة عقيمة, لا تمطر سوى “العجاج والكتاحة” وعصار الشيطان والبروق الكاذبة!..
لماذا هكذا هو وادي الذهب ؟! كلما رغبت ريح الخماسين في تحريره, زاد تجبرا وجحودا ونكرانا.. كأنه لم يكن يوما تلك الفكرة الوادعة, التي كانت في خاطر “الروح العظيمة” يوما!..
إذن إختلى جقندي بنفسه دون أن يأبه لتقلبات أمسيات الصيف, وهو يستعيد ذكرى خراب قديم: عندما رأى المطلوق الدود أبو حجل, الجميلة قطع الشك للمرة الأولى, عندما كانت تملأ “قِربتها” من الغدير..
لم يخطر على بال الدود قبلها أن”الروح العظيمة” من الممكن أن تخلق من هو أجمل منه, هو الذي لطالما أدمن تمعن صورة وجهه المنعكسة على سطح الماء, يتأمل جمال صورته ويتغنى بها, في القصائد التي يحملها العابرون إلى “مالحة” حيث وادي الملح في أقاصي دار الريح, لتعود عابرة حدود دنقلا العجوز وتمضي عبر حدود السافل, وتعود لتصعد مع النهر, تتخلل جبل “موية”, متجهة إلى حيث الهضاب العالية, حيث أودع الخالق الجبال والكهوف أسرار الحياة..
لكن طيف عينا قطع الشك الفاتنتان, يقمع الآن إفتتانه بنفسه. يلوح على سطح النهر مموجا وجهه, الذي يتبدد في الدوامات الصغيرة لعينيها. فيغضب الدود. يحاول إقتلاع عيني قطع الشك من صفحة الماء, الذي ما أن تتبدد دواماته المتموجة, حتى تعاود مرة أخرى تبديد صورته, فيشتد غضبه أكثر فأكثر .
وقطع الشك مولودة الحمام, التي تأكل لبن الطير من مناقير الحمام, كانت لا تمضي في الظهيرات الغائظة إلى أي مكان, إلا والحمام يتقدمها ويحفها بأجنحته, من حر الصيف “القيطوني والعجاج وشكشاكة” المطر, ولا يفارقها إلا عندما تتسحب الشمس, خلف الأفق الغربي البعيد, لتلفظ آخر أنفاسها وتتهشم في مقبرة الأتون الأزلي.
عندما كمن لها الدود في المرة الأولى,عند إحدى منعرجات الوادي, ذات ظهيرة غائظة, سارع الحمام لإخفائها عن عيون الدود المنحرفة.. لم يكن الدود يرى سوى الحمام.. حاول إختراق أسرابه.. حملها الحمام على أجنجته وطار بها بعيدا.. بعيدا طار بها الحمام.. إلى قلب بندر الوادي المحاصر بالجبال والسهول, وقتها كانت قطع الشك “بِنَيّة” صغيرة لم تكتمل أنوثتها بعد, فظل الدود أبوحجل يخطط ويدبر, والأيام والشهور تمضي ببطء, كأن كل شيء في الوادي قد توقف, دون أن تلوح له بارقة أمل للإنفراد بقطع الشك, إلى أن كانت تلك الليلة المظلمة ,عندما خرجت قطع الشك دون أن يتبعها الحمام الغارق في الوسن.
عندما تستعيد سوميت الآن حكاية جدتها حجب النور, التي هربت في ذلك الزمان لبعيد مع أحد الرُّحَلْ, عندما كان الوادي وقتها خارجا للتو من الجفاف والتصحر, الذي أهلك الزرع والضرع, ولم ينج فيه من الأهالي سوى القليلون,ممن تشبثوا في إستماتة بالحياة.. عندما تستعيد ذلك تترى على ذاكرتها صورة “حبوبتها” كاكا ووالدتها أم كوراك.. فتهيمن على خواطرها تلك العشيات, التي كانت وأطفال الوادي يلتفون فيها حولهما لسماع الأحجيات..
كانت كاكا تتكيء في عنقريبها في قلب “الحوش”, بينما أم كوراك تجلس متحكرة على “البنبر” وحولهما الأطفال يفترشون البرش على الأرض, بعد أن تكون أم كوراك قد أوقدت النار بين “اللدايات”, وهي تتشبث بعباءتها السوداء, التي لا تظهر منها سوى عينيها الواسعتين.. وتبدأ “حبوبتها” كاكا تحكي عن الرُّحل الذين تحن إليهم وعن الوادي العذاب وعن والدتها حجب النور, ثم تبكي كأنها تتذكر حبيبا بعيدا. لم تكن تحاول إخفاء دموعها أو تحاول مسحها بأصابعها المعروقة أبدا..
كانت سوميت فتاة مرحة وحيوية, قضت كل حياتها في الوادي. تعلمت من حياته القاسية الصبر, وأكتسبت مناعة ضد شقاوة الصبيان.. كانت كاكا تضفر لها شعرها الأجعد في جدائل كبيرة تشبكها إلى الخلف. لم تكن تخشى طيلة حياتها سوى شيئا واحدا: أن يختطفها المطاليق خفية, فلا يعرف مكانها أحد, فقد كانت فتيات كثيرات في مثل سنها قد إختفين بطريقة غامضة, دون أن يعثر عليهن على أثر, فمن قائل أن المطاليق هم من إختطفوهن, ومن قائل أنهن هربن يتبعن رجل من المطاليق أحببنه, كما كانت جداتهن تفعلن.
كانت سوميت تختلف عن جدتها حجب النور إختلافها عن قريناتها فيما يخص شأن القلب, إذ لم تحلم أبدا مثلهن بفارس يأتي على ظهر فرس أبيض, أو بعير من سلالة النوق العصافير, ليختطفها ويتنقل بها في مضارب الرُّحَلْ, من مكان إلى مكان. ولم يخطر على بالها أبدا أن تحط رحالها مع حبيب يقذف إليها برسن بعيره, لتربطه في شباكها العالي وتتدلى إلى ظهر البعير, الذي يخب بهما الصحارى والوديان, إلى أن يصلا إلى شاطيء البحر الكبير, فيركبا مركب أو “طوف” أحد الصيادين ويبحران عميقا, حيث جزيرة نائية. يعيشان فيها وحدهما لا يؤانسهما سوى كائنات البر والماء والطير..
لم تكن تحلم مثل هذه الأحلام أبدا. ولذلك لم يكن لديها تصورا محددا لفارس حياتها, الذي لم تفكر فيه على الإطلاق.. فقد كان كل تفكيرها منشغل بهذا البؤس, الذي ينضح في وجوه أهالي الوادي..
كان المشردون الذين أصبح جقندي وسوميت وست البنات وعاشميق يرعونهم, لا يقيمون في مكان واحد, فعاشميق الذي كان قد تجاوز سن المراهقة,وبإعتباره أكبر المشردون سنا, كان يقيم وحده, في طلل لبقايا دار قديمة, قرب “كِتراية أم مواكح”, التي توسطت “قوز المطيرق”, بإتجاه الطرف الغربي لبندر الوادي. بينما ست البنات المراهقة الصغيرة أقامت مع سوميت, وأقام أقرانها وقريناتها من الأطفال المشردين والمشردات, في مكانان: “حفاير المطاليق وأرض المطمورة” المتجاورتان, قريبا من المدخل الجنوبي لبندر الوادي, حيث تنهض شجرة “التومات العجوز”.
في ذلك المساء البعيد وبعد أن أنهى المشردون بناء دارهم الكبيرة, التي سيعيشون فيها لأول مرة جميعا كأسرة واحدة, أشعل إكتمال بناءها خواطر عمسيب الدافئة, التي إنطلق عنانها لا يلوي على شيء, وهو يرسم صورة زاهية لحياته المقبلة مع ست البنات, التي تدنف بها عشقا.. فأخذ يتخيل ذلك اليوم الذي, سيحصد فيه حواشته الكبيرة ?التي لم يمتلكها بعد- والتي تتجاوز مساحتها الألف عود.. ويتزوج من ست البنات نوارة مشردات بندر الوادي.. التي يراها الآن تجلس على “البرش يكجر” لها إخوتها المشردون “الفركة”, بعد أن يزوجه جقندي إياها, ويسيرهما المشردون إلى النيل, ليغتسلان إتقاء لشر قطع الشك, التي تسكن قاعه, ليدخلان بعد “السيرة” إلى دارهما.. وقبل أن يخطيان بقدميهما اليمنتين باب دارهما, يلطخ المشردون بابها وجدرانها بأكفهم التي غمسوها في دم الذبائح..
دارهما وحدهما التي سيملآنها بالأطفال.. أطفال يأخذونهم إلى النهر في السبوع, بعدها يعرجان على جقندي لينالوا بركته, قال لست البنات ذات مرة:
سأشتري لك أرضا كبيرة , أكبر من “سهلة أم بطيخ ووادي الكليوة أم قجة”.. نزرعها معا, وسأبني لك فيها دارا كبيرة.. أكبر من “جنقل” السلطان, ياوي إليها أطفالنا الذين سندفن كل “سررهم” في قلب الدار حتى لا يفارقوننا أبدا..وبالطبع لن نختن البنات.. سنتركهن غلف, فهذا أفضل لهن.. وعندما أجيء متعبا من الزرع, أجدك قد أنهيت طحن الذرة في “المرحاكة”, وما أن تريني حتى تبدأين في “الشكوية” اليومية المعتادة: “حطب النار كمل,وجع الضهر.. العواسة …”
وكانت ست البنات تضحك بخجل طفولي..
كان عاشميق على الرغم من أنه للوهلة الأولى يبدو “كمطرطش”, إلا أنه كان ذكيا واسع الأحلام والخيال.. ومع ذلك لم يكن يخطر على باله أبدا ما تخبئه لهما الأيام..
ومثلما كانت قطع الشك هي إبنة الحمام, كان الدود هو إبن دماء العذراوات, فقد كان والده “بادي” الشقيق الأكبر للسلطان مطلوقا غريب الأطوار, إذ كان يتغذى على دماء العذراوات, ويحوِّل ما تبقى من دمائهن إلى سبائك ذهب.
بينما كان متوجها إلى داره عند أطراف حاضرة الوادي, في إحدى الأمسيات, عائدا من إحدى سفراته إلى دار الريح, رأى “البنية” الجميلة “ست الدار” وهي تحمل حزمة حطب.. كانت في البدء تمشي بتكاسل تغذيه رغبتها في الإستمتاع بنسائم ذلك الصيف الحميم, الذي أشعل في خواطرها منذ مقدمه, أغنيات الحب الهامسة بلمسات تتخيلها, تتشكل أمامها كطيف.. تحاول الإمساك بها فتتبدد في فراغ الوادي.. كانت “البنية” ست الدار في أوج مراهقتها, التي يقلقها حتى مجرد خرير الجدول, أو حفيف الأشجار, أو ذلك اللحن الموحد الذي تعزفه طيور الوادي, فيجعل كل التكورات البارزة في جسمها تنتفض بشدة.. حاولت الإسراع في الخطى وسماء الوادي تتلبد بالغيوم على حين غرة.
كانت السماء على وشك الإمطار. سقطت منها حزمة الحطب. إنحنت لترفعها, لكن كانت يد “بادي” أسرع. هكذا إنتصب أمامها فجأة على نحو مباغت, دون أن تشعر بخطواته, التي كانت تتبعها, وكانا قريبين من داره المحاطة بالأسوارالعالية. فدعاها للإحتماء,على أن يأخذها إلى دارها بعد أن يتوقف المطر عن الهطول. تمنعت في البدء, ثم وافقت بعد تردد ليس قصير, مدفوعة بأحاسيس غامضة. وعندما توقف المطر أرادت أن تغادر, فرفض. منعها من الخروج وحبسها بين جدران داره الحصينة. أدركت أنها تورطت. كان شعورها مزيج من الخوف والهلع والحزن, حاول تهدئة خواطرها لأيام وأسابيع, إلى أن تمكن منها اليأس فلاذت بالصمت, وأصبحت فقط تنفذ رغباته دون إحتجاج.. دون إستنكار.. دون كلام.. بصمت تام. إلى أن شعرت بأعراض الحمل, الأمر الذي أسعده كثيرا وشجعها على التخطيط للهرب.
عندما أصاب الوادي القحط والجفاف, لجأ الاهالي إلى السلطان, الذي حولهم بدوره إلى بادي شقيقه الأكبرورئيس مجلسه السلطاني, الذي كان وقتها قد تقدم للزواج من بنت وراق جدة ودالتويم التي كان والدها التويم الأكبر ذا حظوة عند السلطان, فرفضت بنت وراق الزواج من بادي لما كان يحيط بحياته من غموض وشائعات, فوجدها فرصة مواتية للحصول على بنت وراق أو قتلها فأخبر الأهالي أن هذا الأمر لن يفتي فيه سوى “معراقيي” دار الريح, وبالفعل جلب بعض مطاليقه هناك, و الذين كانوا قد تنكروا بهيئة المعراقيين, فأخبروا السلطان والأهالي أن المطر لن يهطل والنهر لن يفيض, مالم يعطى النهر قربانا: أجمل فتيات الوادي اللائي يتوجب أن تكون من علية القوم.. وكانت هذه المواصفات تنطبق على البِنَيَة بنت وراق صديقة العصافير والحراز..
بعد تردد وافق الجميع على هذه الفتوى. وقتها كان بادي قد تمكن من لقاء بنت وراق فجدد عرضه لها بالقبول به زوجا كي يتمكن من إنقاذها, لكنها فضلت أن تقدم قربانا للنّهر على الزواج منه. وفي اليوم الذي سيروها فيه إلى النّهر ليبتلعها في أعماقه السحيقة.. أمطرت السماء مطرا مالحا كالدمع, وفاض النيل بطمي أحمر قان كالدم وخرجت حورياته يبكين في حزن شديد, ويبست أشجار الحراز المخضرّة يباسا شديدا.. وكانت دموع بنت وراق التي زرفتها على الشاطيء قبل أن يبتلعها الموج في أحضانه, قد أنبتت زهورا بيضاء أكثر بياضا من الحليب. وكان بادي مكسور الخاطر حزينا وغاضبا. إمتلأت دواخله بالحقد والشرور, فأخذ يختطف عذراوات الوادي في خفية من أهلهن ويحبسهن في قصره الذي لا يستطيع أحد الإقتراب منه..
عرف بادي كثيرا من النساء والفتيات في حياته, لكن لم تمنحه أيا منهن الولد, الذي يمكن أن يعينه في مؤامراته ضد أخيه السلطان, الذي إنفرد بسلطة أبيهما وحده دون شريك. كان بادي من النوع الذي لا يقبل هامش أو فتات السلطة, التي يجود بها أخيه عليه. كان يريد السلطة كلها..
وهكذا تبدلت ست الدار قليلا, فهي من ستمنحه أخيرا الولد الذي يحلم به. هجرت الصمت وأخذت تحاول نيل ثقته. بدت له كأنها قبلت بحالها وأستكانت, وكأن ما يجري لها هو قدر مكتوب يجب القبول به. وكان هو قد إنشغل بحملها, الذي كرس له كل وقته, متناسيا مشاغله الأخرى, إلى أن دهمه ذات فجر شاحب متلفع بغسق صحراء دار الريح المغموسة في عجاج القبلي الساخن, “مرسال” من مطاليقه, الذين كان قد أهملهم في غمرّة إنشغاله بحمل ست الدار.
أسر له المرسال بكثير من التطورات وسط المطاليق, الذين كان يعتني بهم منتظرا اللحظة المناسبة للإنقضاض على الوادي, والإستيلاء على السلطة. وهكذا ترك “المرسال” للإعتناء بها في غيابه و قرر المضي إلى دار الريح, حيث مطاليقه الذين لأول مرة يغيب عنهم كل هذه المدة.
أعطى بادي لست الدار مفاتيح الغرف جميعها, وأبقى مفاتيح بوابات الدار الحصينة معه, وأوصاها أنها حرّة في أن تفعل ما تشاء, عدا شيء واحد هو الدخول إلى غرفته المغلقة.
وقتها كانت ست الدار في آخريات أيام حملها بالدود أبو حجل. وهكذا في غياب بادي ولد الدود أبو حجل, الذي لم يحصل مثل أقرانه المواليد على “مضغة البلح” من فم “شياب” الوادي الصالحين لينشأ حسن الأخلاق, وليأخذه أبويه إلى النهر في “السبوع”, كما ولم ترسم له ست الدار علامة “الأيقونة” على جبينه ب”الكحل” لتحميه من الشرور, وكما لم تجد هي نفسها من يأخذها إلى النّهر في “أربعين النفاس” للتطهر ملوحة بجريد النخل.
حدثتها نفسها ذات يوم أن تفتح تلك الغرفة, التي حظرها عليها بادي, لترى ما بداخلها, وفي خفية من المرسال ذات فجر مزق عذريته صياح الديكة المعتاد, فتحت الغرفة.. و..
وتسمرت قدماها على عتبة الباب لهول ما رأت.. كانت جثث لفتيات علقن من أياديهن إلى سقف الغرفة, والدماء التي سالت منهن, حملتها مجاري رفيعة, إلى أوعية كبيرة إرتبطت بدورها بشبكة من المواسير الرفيعة, التي تؤدي إلى إناء في فرن صغير, شيد ملتصقا بجدار الغرفة, تناثرت على سطحه سبائك الذهب!…
صرخت ست الدار صرخة مروعة, إنتزعت المرسال من أعماق كوابيسه المرعبة..
في ذلك الفجر كان قلب بادي قد إنقبض على نحو مباغت, فترك المطاليق ومضى يغذ المسير نحو الوادي, وعندما وصل أخبره المرسال بكل شيء. فدخل على ست الدار غرفتها. أخذ الدود من حضنها وأعطاه للمرسال, الذي كان يقف بخنوع عند عتبة الغرفة, منتظرا أوامر سيده. أخرج بادي شوتاله من جفيره وهوّى على ثمرة فؤاد ست الدار بطعنة واحدة. فعل كل ذلك في هدوء وبدم بارد, كأنه لا يفعل شيئا.صاحت فيه ست الدار في نزعها الأخير:
“تكتلني” يا عبد السافل .. أكال الضبابة.. يوم كتال السافل ما إتغتيت بشملة أمك, وإتدسيت تحت السدرات, وهربت لي دار الريح ..)..
“صرصر” بادي سنونه وطالت أنفه وأذنيه وأخذ”يقنِت”.. فأردفت بصوت واهن متحشرج:
(سويتها فيني يا أبوسيقان ..يا قراش سنونك.. يا أبو ركبين.. )..
فعاجلها بطعنة أخرى في القلب تماما, فصمتت إلى الأبد.. وبعد أن هدأ قليلا, مسح دمها على جلبابها, وأعاد الشوتال إلى الجفير. ثم أخذ الدود بين زراعيه وأخذ يقبله بلهفة.
هذه النشأة المأساوية, ربما هي ما جعلت الدود بهذه القسوة, التي لا مثيل لها. إذ كان لا يرى سوى نفسه, ولا يرغب في أن يكون هناك على وجه الأرض, من يفوقه جمالا, حتى لو كان أنثى. خصوصا أنه لم يكن يتوقع أن يتعرض للرفض من أي كان, سواء كان ذكر أو أنثى. لذا أزعجته سيرة قطع الشك التي سار بصيتها الركبان, فوصلت أركان القبل الأربعة.
فقد كان الجميع مفتونون بجمالها الذي لم يروه. جمالها الملائكي الساحر الذي تشي به عيناها الدعجاوان. فقد كان جسمها دائما مكسوا بعباءة فضفاضة, لا تظهر منه سوى تلكما العينين الساحرتين.الواسعتين كبحيرتين صافيتين.هاتان العينان ألهمتا الشعراء, وأطلقتا في أخيلتهم ملايين الطيوف الساحرة, التي تغني أعذب الكلمات وأصدقها في الحب والجمال.. وبالقدر نفسه أشعلتا في الدود نيرانا لا أول لها ولا آخر, كنيران التنين الذي أرسله”الروح العظيمة”فيما بعد لدمار عالم الوادي, موغل البؤس والوحشة والعذاب.
لم يستطع الدود مقاومة رغبته العارمة, في رؤية صاحبة هاتين العينين, فكمن لها للمرة الثانية في ذلك المساء الذي ألقى بظلاله مبكرا. هجم عليها ومطاليقه.
لحظتها كان الأهالي قد تقاطروا على الجنزير التقيل, ليتوسل لهم “الروح العظيمة” كي ينزل المطر. فالجفاف كان يهدد حياتهم وحياة أبقارهم,ويستعيد إلى ذاكرتهم “سنة النيل الَّلَّمّ الناس من نجعة أم لحم”, عندما أنفض الأهالي من حوله ودخل داره, أخذته سنة من النوم, إنتقلت خلالها روحه إلى السماء البعيدة, حيث وجد المطر محتجزا خلف سد جليدي ضخم, وفجأة ظهرت أمامه قطع الشك تتبعها حماماتها, التي تقدمت نحو السد الجليدي, تنقره برفق إلى أن أحدثت فيه ثقبا, أخذ شيئا فشيئا يتسع إلى أن إنهار السد تماما. وتدفقت المياه. لحظتها أفاق الجنزير من غفوته على وقع حبات المطر, التي تتساقط في الخارج, فنهض وخرج إلى قلب الساحة التي تتوسط الوادي, فوجد الأهالي يرقصون “الكمبلا” تحت المطر, وعلى رؤوسهم قرون الثيران الذبيحة. كان إحساسا خفيا يهيمن عليه ويقلقه. شعور غامض بأنها بداية النهاية للوادي كان يتحكم فيه.
ومنذ حلقت روح قطع الشك إلى السماوات البعيدة, أصبح الدود كالمجذوب. هائما في البرِّية يتغنى بجمالها الفريد, وظلت روح قطع الشك الهائمة تعترض طريقه, وطريق المطاليق والسابلة, لتزيد جنونهم وجنون العالم جنون, إلى أن إنتشر غمام كثيف في إحدى الليالي المظلمة, التي تشبعت “بعجاج الهبباي” وهدر الرعد وأخذ البرق العبادي يحاول في إستماتة, تبديد الظلمة الكثيفة بين آن وآخر.
ليلتها نزل مطر كثيف “حزم البيوت” وهدمها, وبعد أن توقف “فجّ” طيف قطع الشك السماء ونزل. كانت قطع الشك حبلى, فولدت طفلا جميلا. وضعته على مهد من جريد النخل, وأخبرت الجميع أنه يحمل رسالة يريد أن يبلغها لهم, فالتفوا حوله تتآكلهم الدهشة البالغة.
كانت رسالة إبن قطع الشك, هي الرسالة نفسها التي لطالما حدثهم عنها الجنزير التقيل, الذي ما أن صمت الطفل, حتى لملم أطراف جلبابه ومضى بإتجاه داره. أخذ عياله وأقاربه ومضى إلى جبل كارناسي, مخلفا وادي الذهب وراءه. وقتها كان الأهالي المتحلقين حول قطع الشك, قد غابوا في سجدة طويلة, لم يرفعوا عنها إلا بعد وقت طويل.
(12)
الأهالي الذين لم تفارق الدهشة وجوههم منذها, لم يذبحو الثيران البيضاء ليقدموها قرابينا للفقراء والمشردين, كما أوصاهم طفل قطع الشك. لم يضعوا قرون الثيران على رؤوسهم ليغنوا ويرقصوا(الكمبلا) كما أعتادوا في المناسبات الخارقة, ليبلغ صوت غنائهم وضربات أقدامهم على الأرض,عنان السماء البعيدة, ولم يغرسوا قرون الثيران على أبواب بيوتهم لطرد الأرواح الشريرة, فقد كان المطاليق قد إنتشروا بينهم مكذبين كل شيء, ملوحين بالويل والثبور وعظائم الأمور.
كان شعور الأهالي إذن مزيج من الدهشة, التي زرعها الطفل في عيونهم, والخوف والرعب الذي زرعه المطاليق في قلوبهم. وعلى الرغم من أن المطاليق أمروهم بإخلاء المكان, لم يفعلو فقد كانت أقدامهم وأقدام المطاليق, قدتسمرت على الأرض لساعات طويلة, كان المطر خلالها يتوقف ليهطل مرة أخرى.
توقف المطر تماما وظهر البدر منيرا لوهلة بكامل بهاءه وجماله.. ناشرا ضوءه على الوادي شديد الحزن واللوعة, ثم لم يلبث أن غاب في ثقب أسود لاح في قبة السماء, وأخذ يدنو منه في سرعة خاطفة. أخذ القمر يتضاءل شيئا فشيئا, إلى أن أطبق عليه الثقب وغاب تماما..
وقتها كان الدود قد تمكن من إنتزاع قدميه, فأخذ يركض هائما تجاه البرِّية يتبعه المطاليق. كان قد إنجذب تماما. فأخذ يركض بسرعة خرافية, فلم يتمكن أحد من المطاليق من اللحاق به.. ركض وركض حتى توغل في مجاهيل دار الريح, ولم يتوقف إلا بعد أن نال منه الأعياء والتعب, والإحساس الشديد بالجوع والعطش. لمح شجيرة قضيم فأراد أن يقطف من ثمارها البيضاء ما يتقوت به. أخذ يلتهم ثمار القضيم البيضاء كاللبن, إلتهام من لم يذق طعاما لسنوات طويلة. وكان يتمتم بين الفينة والأخرى, بكلام غير مفهوم حول قطع الشك, كأنه يخاطب طيفا لها يختفي ويبين. طيفا لا يراه أحد سواه.. إلى أن غاب في غيبوبة طويلة قرب شجيرة القضيم, في اللحظة ذاتها كانت العنقاء تحلق فوقه..
كانت العنقاء كأن السماء إنشقت عنها ورمت بها تجاهه لتنهشه نهشا.. إنقضت عليه.. سالت دماءه تحت شجرة القضيم, تروي عروقها الظمأى, فأخذت ثمار القضيم تتحول شيئا فشيئا إلى اللون الأحمر..
وهناك في اللحظة ذاتها, حيث الأهالي الملتفين حول قطع الشك وطفلها, اللذان بدأا يرتفعان ويسبحان في بحر الهواء, إلى أن إختفيا تماما عن أنظار الأهالي, ليطلان على جبل كارناسي,الذي فرغت فيه العنقاء لتوها, من تعليق جثة الدود عاريا, وأخذت تنهش كبده, الذي كانت ما أن تفرغ من إلتهامه, حتى يخلق له “الروح العظيمة” كبد آخر.. حتى يدوم عذابه مع معاودتها النهش.. وهو يصرخ صرخات أليمة, فزعة ترتج لها أركان الوادي, بل إخترقت حتى جدران جبل كارناسي, الذي إختبأ فيه لحظتها الجنزير التقيل وأهله مع الأطفال المشردين وبعض الأهالي.
بعدها كانت مخلوقات “الروح العظيمة”: التنين والخرتيت في طريقهما إلى الوادي, يلحقان بالعنقاء التي كانت ما أن تنهي نهش أحد أكباد الدود المتجددة, حتى تمضي لتنهش الأهالي.. الذين كانوا يحاولون الهرب من طعنات الخرتيت.. كان الأهالي بين قتيل ومحتضرعندما نفث التنين من أحشاءه الفسفور, ثم تبعه بغاز الميثان, فاشتعلت النيران في كل أنحاء وادي الذهب.
وقتها كان الأهالي الناجين والمشردين, متقرفصين حول الجنزير في معبد كهف جبل كارناسي المقدس, والخوف يلتهمهم إلتهاما. كانوا يدركون أن العالم, الذي لطالما ألفوه يحترق في هذه اللحظة بالذات.

أحمد ضحية
سالسبري ? ميريلاند
أغسطس 2011
للكاتب:
مارتجلو ذاكرة الحراز – رواية
لانجور: مناخات التحفز(جزئين: كولاج – مذكرات الحب والحرب) رواية
لاوطن في الحنين(جزئين: المخطوطة السرية – تجاعيد ذاكرة البنجوس) رواية
أشجان البلدة القديمة: رواية
ثلاثية مملكة العزلة(رائحة الشعراء ? أرض النبوءات – شهرزاد غفوته المؤجلة) رواية
ثلاثية البلاد الكبيرة(المطاليق ? الرُّحَلْ – الوادي) رواية
أسرار: رواية
نافذة للحنين .. نافذة للشجن: قصص قصيرة.
في شرخ المشروح: قصص قصيرة.
السرد والرؤى(1)(قراءات في السرد السوداني)- نقد
السرد والرؤى(2)(قراءات في السرد العربي)- نقد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..