عبلة الرويني: هشاشة المثقف العربي وضعفه في مواجهة السلطة .. حديث مسكوت عنه

الكاتبة المصرية خاضت رحلة شاقة في مواجهة فاشية الاخوان، وتنتظر قرار المجلس الأعلى للصحافة لتصحيح مسار الاعلام.

بقلم: خالد حماد

جماعة أصوات لم تضف جملة شعرية على ما قدمه أمل دنقل

سلسلة من المعارك خاضتها الكاتبة عبلة الرويني حول النشر في قضايا أخونة الدولة والصحافة المصرية جاءت نتيجتها باستبعادها من رئاسة تحرير أخبار الأدب ومن ثم منعت بشكل نهائي من الكتابة بمؤسسة أخبار اليوم وحاليا هي متوقفة عن الكتابة حتى يبت المجلس الأعلى للصحافة، ويتم تعديل أوضاع المؤسسات الصحافية في مصر، وتعديل حقوق النشر وحرية الرأي والتعبير، حتى لا يمكن منع كاتب لمجرد أنه مختلف فكريا مع فصيل ما.

ما أسعدني أن الرويني جاءت أول رئيس تحرير منتخب في الصحافة المصرية، هذا مغاير لما كان موجودا في الصحافة المصرية، فكل رؤساء التحرير في تاريخ الصحافة المصرية جاؤوا بالتعيين في الغالب بقرارات فوقية، من مجلس شورى مرة، أو رئيس حكومة مرة أخرى، فهي أول سيدة يتم انتخابها من قبل الصحفيين على منصب رئيس التحرير.

هذه نقطة جوهرية، فقد كانت أول من يعين بالانتخاب ولهذا لم يتم سؤالها في الرقابة الإدارية، والتي دائما تسأل عن الموائمة مع النظام، ولهذا كانت الوحيدة التي عبرت إلى رئاسة تحرير صحيفة “قومية” دون جواز مرور الرقابة، فقد سبقت إرادة الصحفيين بانتخابهم للرويني أي جوازات للمرور.

بهذا المعنى كان نتاج معركة خاضها محررو أخبار الأدب في اختيار رئيس تحرير صحيفتهم انتصر فيها أصحاب الأمر، وهذا تأكيد على أن للصحافة دورها التنويري والتثقيفي، وتؤكد الرويني أن قضايا الإخوان، كانت قضايا جوهرية تخص حرية التعبير وحرية الفكر، وهنا أستحضر كلمات سبارتاكوس الأخيرة للشاعر أمل دنقل حينما قال:

“المجد للشيطان معبود الرياح”

“من قال لا في وجه من قالوا نعم”

وعن رحلتها في مواجهة فاشية سلطة الإخوان، تؤكد الرويني أن هذا البيت الشعري يرنو إلى حق الاختلاف، إلى الحرية وحقيقة أن كل شعر يحمل هذه السمة وقائم عليها، ولو تستحضر كلمات سبارتكوس الأخيرة الآن فهي أكيد جاءت للدفاع عن حرية الاختلاف الموجودة والمتجذرة في شعر أمل، وبالطبع لا بد أن تكون تلك القيمة موجودة عن كاتب وأن تكتب وتدافع عن حريتك في التعبير.

? المثقف والسلطة

الحديث عن هشاشة وضعف المثقف العربي في مواجهة السلطة قد يكون حديثا مسكوتا عنه ولكنه أمر قائم، فكيف ترى هذا الرويني؟ العلاقة مع السلطة غير موجودة في مكانها الصحيح، هناك من يقترب إلى السلطة أكثر مما يجب وهناك من يبتعد أكثر أيضا، ثمة خلل قائم في العلاقة ما بين المثقف والسلطة والمسافة بينهما، وثمة مثقفون يرتمون في أحضان السلطة وآخرون يحدثون قطيعة كاملة معها، ثمة خلل كبير وقع في المسافة ما بين السلطة والمثقف على مر العصور الفائتة.

وأن غياب ضبط لتلك المسافة من الحوار والعلاقة هو ما جعل تلك الإشكالية قائمة، أنا لا أؤمن بقطيعة مع سلطة ثقافية لمجرد أنها سلطة، وأعتقد أن تصريحات “فاروق حسني” حول تدجين المثقفين وحظيرة وزارة الثقافة كانت من أبرز التصريحات التي صارت وصمة عار في تاريخه، زلة اللسان تلك كشفت عن منهجية مؤسسات وزارة الثقافة مع المثقفين في جذبهم وشرائهم ومحاولة السيطرة عليهم، ثم ممارسة هذا بأشكال مختلفة للاستحواذ عليهم، فمحاولة الهيمنة على الجماعة الثقافية في مصر.

وقد نجحت تلك المؤسسات إلى حد كبير في هذا، وكثير من المثقفين خضعوا لهذا الاستحواذ، لكن لا يمكن إنكار أن ثمة مواقف بارزة لبعض المثقفين كشفت وجه تلك المؤسسات، وقد حدث هذا بشكل فردي من قبل بعض المثقفين، وعلى رأسهم صنع الله إبراهيم بموقفه الأبرز ورفضه لجائزة الدولة علانية، وكذلك موقف الناقد فاروق عبد القادر المعلن تجاه وزارة الثقافة، بالتأكيد في كل وقت تجد من يدافع ويؤكد أن ثمة أناسا لا يباعون ولا يُشترون.

وعن المثقف والتنوير تضيف الرويني أن ثمة مشروعا فكريا وتنويريا بدأ تدشينه مع جيل الستينيات، هذا المشروع واكب مشروعا قوميا وفكريا جاء واضحا جدا بانعكاساته في مجالات مختلفة، وهذا انعكس بدوره على الثقافة. لكن ثمة تحولات اجتماعية واقتصادية حدثت خلال فترة السبعينيات والثمانينيات كانت نتيجتها انحدار ثقافي وأخلاقي واجتماعي، فثمة تجريف وخراب متواصل جاء لكل قيمة إبداعية مصرية، كل هذا كان لا بد أن ينتهي بانفجار ويحدث ثورة 25 يناير، تلك الثورة التي لا يحتكرها أحد ولا يمكن أن تحسب على فصيل بعينه.

? تصحيح المفاهيم

ثورة يناير أعادت تصحيح المفاهيم، أصبح من الممكن الحديث عن كلمة شعب ووطن دون أن تشعر بالسخرية أو أنك تتحدث عن قرن فائت، أذكر أننا قدمنا تحقيقا صحفيا في منتصف التسعينيات عن “معنى كلمة وطن” كانت النتيجة لا مكان للوطن، غياب الوطن المعنى والكلمة، وكأن مفردات شعب ووطن وجماهير صارت مفردات بالية وكانت محل سخرية، وجاءت ثورة يناير لتصحيح المفاهيم، أعادت للمفردات معناها وبهاءها وحسها ووجعها وألمها وفرحها، أعادت لها دورها في الوعي الجمعي لدى المصريين وقضت على ردة المعاني.

تضيف الرويني، وجاء 30 يونيو الثورة أو الموجة سميها كما شئت، استئنافا لدور الثورة، تلك التي جاءت بالرغبة في التعبير، ليست نقطة ومن أول السطر، تلك الثورة المستمرة.

? العسكر والإخوان

لا أحد منا ينكر امتنانه واحترامه لدور القوات المسلحة وهذا شيء طبيعي لا يمكن لأحد أن يزايد عليه، ولكن لا يمكن أن نضع ما حدث من أخطاء وسلبيات لدور المجلس العسكري عقب ثورة يناير أمام ما حدث في 30 يونيو، إنها مقارنة ظالمة خاصة أن المشهد في يناير ظل مرتبكا فور تولي المجلس العسكري قيادة البلاد.

وقد ساهم وجوده في زيادة ارتباك المشهد السياسي وهذا بدوره ساهم في وصول الإخوان إلى الحكم. تقول الرويني: “أرفض إطلاق مفردة العسكر فهي تحتوي على نوع من الرفض والاحتجاج وفيها قيمة سلبية لا يمكن استخدامها وإلصاقها بمن حمى وطننا ولبى رغبة المصريين وأمنيتهم في أن ينهضوا ببلادهم وأن يعتز بشعبه ويلبي رغبته.

لا يمكن أن نغفل دور “السيسي” في حماية الوطن ومازال يلعب هذا الدور في مواجهة عصابة إجرامية “الإخوان” لا يمكن أن أنسى يوما أن أبناء القوات المسلحة بفضهم لاعتصام رابعة قد فكوا ذلك الحصار على سكان رابعة، وكنت واحدة من رهائن رابعة تم تقييد حريتي بوجودهم.

ماذا لو خلع السيسي زيه العسكري وجاء لحكم مصر؟ قالت الرويني، أنا ضد إرهاب السؤال وضد هذا الرعب من فكرة أن يترشح السيسي لتولي الحكم، فكل المصريين يحبون هذا الرجل الذي تحول إلى رمز وبطل قومي، وقف في لحظة تاريخية ضد إرهاب جماعة الإخوان وضد طواغيت الأميركان، ليس من السهل إعادة الشعور بالكرامة التي وجدناها مع السيسي، ودوره في 30 يونيو كان صفعة على وجه أميركا، ما فعله السيسي يقدره المصريون، والآن مهمته استكمال بنيان القوات المسلحة، وأعتقد سيفشل كل من يحاول أن يخترع معركة و”شو” إعلاميا، لا تضعوا العربة أمام الحصان، يجب علينا ألا نخترع معارك لأننا أمام كوارث ومعارك على الأرض مازالت قائمة.

? الرويني والجنوبي

ما يزيد على عامين بعد رحيل أمل دنقل خرج كتاب الرويني “الجنوبي” الذي ظل ملتصقا باسم الرويني طوال الوقت، فحينما تُذكر عبلة الرويني نذكر الجنوبي والعكس صحيح، عن هذا الكتاب السيرة والمسيرة والحياة تقول: “كتبت الجنوبي في أيام وعشت سنوات قبل أن أكتب في صراع وألم ودموع وتجربة عنيفة وقوية جدا فوق الاحتمال، كنت ممتلئة بأشياء قد فاضت وكان لا بد أن تخرج في كتاب الجنوبي، لم أضع بنيانا.

لم أكتب خريطة لتفاصيل فصول، كتبته ولم تدمع عيناي وقتها لأنني بكيت أعواما قبل أن أشرع في كتابته، ولم يكن يوما الجنوبي كتابا للبكاء أو الحزن، هو في رأيي كتاب للفرح، فيه معان جوهرية وكبيرة آخرها الحزن، هذا الرجل “أمل دنقل” كان يواجه الموت بالقصيدة”.

? جماعة أصوات

تؤكد عبلة إن جماعة أصوات الأدبية خرجت على أمل دنقل، ولكن لم يضف أي منهم جملة شعرية على أمل، كان في البدء خروجهم ونقدهم وهجومهم على شعر أمل، ثم تراجعهم، وقال الراحل حلمي سالم كانت رؤيتنا ضيقة إلى شعر أمل، ومن ثم اتسعت رؤيتنا إلى الشعر بصورة مختلفة “هذه أمور خاصة بهم وبثقافاتهم وبرؤيتهم، وهذا ليس له علاقة بشعر أمل، فهم لهم حضورهم القوي، ولكن ليس لهم تأثير.

? شعراء انقلابيون

وعن كتابها “الشعراء الخوارج” أشارت إلى أن أسماء كثيرة تضمنها هذا الكتاب، لكن لا يمكن أن أقول إنه تضمن كل الشعراء الخوارج، فقد قدمت رؤيتي لمن عاصرتهم واقتربت منهم وحاورتهم، لذا جاء هذا الكتاب وعلى رأس هؤلاء الشعراء كان أمل دنقل أمير الشعراء الخوارج، في رأيي هؤلاء الشعراء كانوا خوارج وانقلابيين، كان الخروج والانقلاب والرفض هو القاسم المشترك في شعرهم.

ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..