مقالات سياسية

ثم ماذا بعد رفع الدعم عن المحروقات؟

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: سعيد أبو كمبال

المقصود بالدعم الذي سوف اتحدث عنه في هذا المقال دعم اسعار المشتقات النفطية مثل البنزين والجازلين وغيرها عن طريق بيعها للمستهلك باسعار تقل عن الاسعار العالمية ولكن كيف ذلك؟

كيف كانت الحكومة تدعم اسعار المحروقات؟
تقول الارقام الرسمية الصادرة عن الاجهزة الرسمية في الدولة ان السودان ينتج حوالي (130) الف برميل من النفط الخام في اليوم تؤول (40%) منها الى الشركات المنتجة للنفط لاسترداد الاموال التي قامت بإنفاقها لتشييد الاصول الانتاجية والحصول على بعض الربح وتؤول(60%) من الكمية المنتجة اي (78000)برميل في اليوم تؤول الى حكومة السودان. وبوسع حكومة السودان تصدير تلك الكمية وبيعها بالسعر العالمي للنفط السوداني الذي يتراوح بين (100) دولار و(117) دولار للبرميل الواحد. ولكن الحكومة لاتفعل ذلك بل تقوم ببيع النفط المنتج محليا إلى المصافي التي تقوم بتكريره وبيع المشتقات من بنزين وجازلين وغيرها الى محطات توزيع المحروقات التي تقوم بدورها للبيع للمستهلك. ولكن الحكومة كانت تبيع النفط الى المصافي ليس بالسعر العالمي المشار اليه اعلاه وهو مائة دولار للبرميل بل تبيعه بسعر (49) دولار للبرميل وتتنازل عن (51) دولار في كل برميل لكي يباع البنزين والجازلين وغيرها باسعار تقل كثيرا عن الاسعار العالمية.

سياسة خاطئة وباطلة لعدة اسباب:
وقد كتبت حول ذلك الموضوع عدد من المقالات قلت فيها ان دعم اسعار المحروقات سياسة خاطئة من عدة اوجه ولايوجد لها تبرير اقتصادي او اخلاقي مقبول لان في ذلك الدعم فساد وظلم واهدار للموارد وتشجيع للتبزير بدل ترشيد الاستهلاك وتشجيع للتهريب. فهو فساد لان القصد من الدعم هو رشوة واسترضاء سكان المدن وخاصة العاصمة لانهم الاقرب الى موقع السلطة والاقدر على التنظيم والتحرك لاسقاط الحكومات . وهو ظلم لان اكثر المستهلكين استفادة من دعم اسعار البنزين والجازولين هم اصحاب السيارات الخاصة وسكان المدن وليس فقراء الريف الذين يشكلون اغلبية سكان السودان. وفي الدعم اهدار لاموال كان يمكن ان توجه الي الصرف على خدمات التعليم والصحة والاستثمار في تشييد الطرق ومواعين تخزين المياه وتدريب الايدى العاملة وغيرها من اوجه الاستثمار وتقول بعض التقديرات الرسمية إن رفع الدعم يتوقع أن يدر (24) مليار جنيه في العام في الخزنة العامة . كما ان في تخفيض اسعار البنزين والجازولين وغيرها من المشتقات تشجيع لارتفاع الطلب عليها وتشجيع لتهريبها الي الدول المجاورة حيث تباع بأسعار عالية. وكانت الحكومة تتنازل عن إيرادات مضمونة وتلجأ إلى طباعة العملة لتمويل الإنفاق الحكومي وتصب المزيد من الزيت علي نار ارتفاع الأسعار.

قرارات صائبة وشجاعة ولكن معيبة:
وللاسباب التى ذكرتها اعلاه فاننى اعتقد ان القرارات التي صدرت عن الحكومة في الاسبوع الاخير من شهر سبتمبر 2013م وقضت برفع او تخفيض دعم المحروقات قرارات صائبة وشجاعة رغم بعض افرازاتها السالبة والتى كان يمكن تفاديها عن طريق شرح تلك القرارات بمنطق اقتصادي رصين ومصاحبتها بقرارات تقضى بتخفيض الانفاق الحكومى وخاصة الانفاق الذى يرى فيه المواطنون فساد صريح واهدار للمال العام مثل اعداد الدستوريين الكبيرة ومخصصاتهم العالية والشركات الحكومية والشركات التى تمتلكها بعض اجهزة الدولة والشركات الرمادية التي تعمل لمصلحة المؤتمر الوطني ويقدر عددها بـ ( 413) شركة حسب ما جاء في كتاب ” سنوات النفط في السودان” للكاتب الاستاذ/ السر سيد احمد ( وهو كتاب ممتع وغنى بالمعلومات وانصح القارئ الكريم بشرائه وقراءته). ولكن اكبر عيوب تلك القرارات هو انها قرارات معزولة ولا تشكل جزءً من رؤية متكاملة لادارة الاقتصاد السوداني للمدى القريب والمتوسط دعك من المدى البعيد ( اكثر من عشر سنوات ) وذلك لان الحكومة الحالية لا تملك ايه مقاصد اقتصادية ذات علاقة قوية بهموم وتطلعات الناس وتريد الوصول اليها بتطبيق سياسات واضحة ومحددة وفي مدى زمنى محدد. والبرنامج الثلاثى الذى تتحدث عنه الحكومة يركز على ثمان سلع اربع منها لاحلال الواردات وهى السكر والزيوت والقمح والادوية والاربع الأخرى هى تصدير الصمغ العربي والقطن والانتاج الحيواني والمعادن في حين ان المطلوب في تقديري هو محاربة الفقر ومحاولة القضاء عليه لان ذلك هو التحدى الحقيقي الذى يواجه السودان اليوم . وتقول المعلومات الصادرة عن الاجهزة الحكومية ان (46%) من السكان يعيشون تحت خط الفقر ويعاني (13) مليون سوداني من سوء التغذية الامر الذى ادى الى ارتفاع معدلات الاصابه بمرض السل وغيره من الامراض المرتبطة بسوء التغذية.

وتتطلب محاربة الفقر والقضاء عليه المحاربة في ثلاث جبهات هى اولاً التضخم او الارتفاع المتواصل لاسعار السلع والخدمات لانه يؤدى الي تآكل الدخول وانخفاض قيمتها الشرائية. وقد وصل التضخم الي (46%) خلال العام 2012م. والجبهة الثانية هي جبهة البطاله التى وصلت الي ( 18.8%) من السكان و ( 35.5%) وسط الشباب حسب الإحصاءات الرسمية. وكما يعرف القارئ الكريم لا يملك الشخص العاطل عن العمل ما يشتري به ( صحن فول). والجبهة الثالثة هى جبهة التنمية وارتفاع الناتج المحلى الاجمالى بمعدلات اعلى من معدل الزيادة السنوية في السكان التى تقدر حالياً بحوالى ( 2.8%) في العام.
خطة اقتصادية لمدة عشر سنوات:-

قلت اعلاه ان التحدى الرئيسى الذى يواجه السودان اليوم هو تحدى محاربة الفقر والقضاء عليه بمواجهته في ثلاث جبهات هى التضخم والبطاله ونمو الناتج المحلى الاجمالى ولهذا اعتقد بضرورة ان تكون لنا خطة لتحقيق الاهداف التالية خلال السنوات العشر القادمة ( 2014 الي 2023)بإذن الله وهي:
اولاً: تخفيض المعدل السنوى لارتفاع الاسعار الي اقل من 3% في العام وابقائه على ذلك المستوى وذلك بالتوقف الكامل عن طباعة العملة لتمويل العجز في موازنة الدولة .وهذا هدف مهم جداً للحيلولة دون تآكل الدخول.
وثانياً: تحريك الاقتصاد لتوفير فرص العمل المنتج لكل السكان خاصة الشباب وتخفيض معدل البطالة الى اقل من 5% من عدد السكان القادرين والراغبين في العمل.
وثالثاً: تحقيق معدل نمو للناتج المحلى الاجمالى لا يقل عن 8% في العام في المتوسط .وذلك معدل نمو سهل التحقيق وتحققه اليوم دول افقر كثيراً من السودان من حيث الموارد الطبيعية.

ويتطلب تحقيق الاهداف الثلاثة المذكورة اعلاه اتخاذ وانفاذ سياسات مهمه يأتى في مقدمتها:
أولاً: توزيع واضح للادوار بين القطاع الحكومى والقطاع الخاص بأن تركز الحكومة على الاستثمار في الطرق ومواعين تخزين المياه وتمويل برنامج كبير وطموح للتدريب المهنى وتترك كل الانشطة التجارية للقطاع الخاص.
وثانياً: تحريك القطاع الخاص واطلاق طاقاته ليقوم راس المال المحلى والاجنبي بالاستثمار في قطاعات النقل بالسكة حديد والنقل الجوى والنهرى والاتصالات وقطاعات الزراعة والصناعة والخدمات وذلك بتوفير الامن والبنيات التحتية القوية والاطر القانونية التى توفر حماية الحقوق وسهولة وسرعة وانخفاض تكلفة حسم النزاعات وابتعاد الحكومة عن تحديد اسعار السلع والخدمات التي ينتجها القطاع الخاص لكى يحصل كل منتج على السعر المجزي الذى يمكنه من تغطية التكاليف وتحقيق ربح معقول يكون حافزاً له للاستمرار في مواصلة نشاطه والتوسع فيه وحافزاً للآخرين للدخول. ومراجعة قوانين واجراءات الضرائب والجبايات التى صارت طاردة وقاتلة لكل الانشطة الانتاجية.

وثالثاً: تخفيض الانفاق الحكومى الاستهلاكي تخفيضاً كبيراً جداً عن طريق اطفاء نيران الحروب في كردفان والنيل الازرق ودارفور وغيرها من اجزاء السودان لتخفيض الصرف العسكري. والتوصل الى توافق سياسي يساعد على تخفيض الصرف على الامن .ومراجعة الهياكل الحكومية في المركز والولايات وذلك لتوفير اموال لتصرف على الخدمات الاجتماعية الاساسية وهي التعليم والصحة وللصرف على الاستثمار في تشييد البنيات التحتية.

ورابعاً: مراجعة القوانين واللوائح التى تحكم القطاع المصرفي حتى يكون لدينا قطاع مصرفى قادر على الحركة وقادر على استقطاب المدخرات واتاحتها لتمويل الاستثمار والانشطة التجارية.
وخامساً: تكامل وتناغم كل من السياسة المالية fiscal policy ( ايرادات الدولة واوجه صرفها ) والسياسة النقدية monetary policy ( عرض النقود وسعر الصرف ومعدلات الفائدة على الودائع والقروض) .
وسادساً: الاخذ بسياسة حوافز لتشجيع الاستثمار في المناطق الطرفية في اقصى غرب السودان وشرقه وجنوبه وشماله وهي سياسة ضرورية جداً لمحاربة تركيز الانشطة الاقتصادية في العاصمة الخرطوم والمناطق القريبة منها.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اخي العزيز سعيد ، طالما الأمر كذلك لماذا تتخبط الدولة اقتصاديا ، اعلم واتفق معك لما جئت به من نقاط يجب على دولتنا المترهلة والفاشلة في مناحي الحياة والحمد لله تطبيقها بحزافيرها ما المانع يا وزير ماليتنا الفاشل وياوزارة المالية الفاشية آلا تروا كيف سيارات البلدان من حولنا ، حتى ارتريا نحن اصبحنا بعدها اقتصاديا بسبب من حل بنا ما حل هل رسالتكم تدمير البلاد يا رجال الاقتصاد وفقر الشعب السوداني باكمله ، لمتى سيظل حالنا الاقتصادي المتردي يوما بعد يوم ، اليس فيكم رجل رشيد هل الذين يمسكون بمفاصل القرار بيدهم السير هكذا نحو دمار العباد والبلاد ، ام جهل وتلك مصيبة لو كنتم جهلاء يا وزير المالية وياوزارة المالية ، طبعا نعلم بان كل رجل اقتصادي غيور على البلد نظام المؤتمر الوثني فصله يا ابعده فهؤلاء ليس لديهم غيره على تطوير البلد فعليهم ان يغادروا كراسيهم بوزارة المالية واولهم وزير المالية الفاشل بل يجب تغيير كل طاقم وزارو المالية الفاشلين إن كان للنظام عقل يفكر به لمصلحة الوطن المواطن لكن يبدو ان النظام يريد عذاب الشعب السوداني عذبه الله وعذب كل فرد في النظام الفاشي هذا نظام المؤتمر الوثني الفاشل .

    آلا يخجل اهل المؤتمر الوثني اين وصلت الحال السيئة باهلنا داخل وخارج السودان
    نسأل الله ان يرينا فيكم عجائب قدرته وان يجعلكم نسيا منسيا البشير وزمرته وان لا يطيل في اعماركم البتة .

  2. الشركات المنتجة مفترض ان تكون استردت الاموال التى انفقتها فى تشييد الاصوال الانتاجية منذ مدة فتصدير البترول له اكثر من 15 عام ونسبة الحكومة الان اكثر من 60% بكثير و لكن نسبة لسرية العقودات فلا يوجد معلومات دقيقة عن عائدات البترول و نسب الحكومة و الشركات وعدم الشفافية المقصود دليل على وجود غرض او نية سيئة و فساد

  3. والاهم من كل ما زكر الكاتب هو انتشار الفساد المحمى من الحكومة واغلب اموال السودان تزهب لجيوب التماسيح وتلاحظ ذلك فى النبت الخرصانى من مجىء الانقاذ فى تطور مستمر من اين لهم هذا

  4. ماذا بعد؟
    رفع الدعم مرة اخرى عن المحروقات الحزمة الثالثة وهي الاكبر والاخطر
    رفع الدعم عن الدقيق والسكر والصلصة
    رفع الدعم عن اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض
    رفع الدعم عن الكهرباء والماء وبيع الهواء مدعوما
    رفع الدعم عن الويكة والكول والهوت دوغ
    رفع الدعم عن الزيوت والسجائر وودعماري
    رفع الدعم عن السير في الطرقات والجلوس عند ستات الشاي
    رفع الدعم عن الغناء الهابط والجاد
    ومازالت الايام حبلى

  5. ما بحصل اييييي شي ان شاء الله السؤ في محلو والغلاء والجوع والشعب السوداني المناضل بحضر في اغاني واغاني وخلاص ….. اللهم ارحم كل من سقط برصاص النظام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..