أنا مسلم ولكنني علماني !ا

أنا مسلم ولكنني علماني !

رائد قاسم
[email protected]

في حوار على إحدى الفضائيات سال الضيف الأول ( وكان رجل دين ) الضيف الثاني (وكان مثقف ) هل أنت مسلم ؟ فأجابه: بالطبع أنا مسلم ! . فقال له كيف يكون ذلك ؟ إما إنك مسلم وإما إنك علماني ، واني لأخشى عليك غضب الله وعقابه في الدنيا قبل الآخرة لاعتناقك العلمانية وتركك للإسلام فتب إلى رشدك وتمسك بالدين الحق !!
من وجهة نظري فان العتب ليس على رجل الدين وإنما على صاحبنا الأفندي الذي لم يقدم له وللمشاهدين فكرة واضحة ومبسطة عن ماهية العلمانية وأسسها الفلسفية والتاريخية ، فالكثير من أبناء المجتمع العربي يعتقدون بان العلمانية العدو الأول للدين ، لذلك فان إشكالية العلمانية في العالم العربي أتت كنتيجة لسوء الفهم وفشل تطبيق لنظام اتخذ أبعادا فلسفية وفكرية وثقافية وسياسية واجتماعية ، أصبحت جزء لا يتجزأ من مكونات النهضة الحضارية المعاصرة.
إن صاحبنا رجل الدين وقع في خطا فادح ? وهو نموذج لشريحة واسطة جدا من رجال الدين في المجتمعات العربية – فالعلمانية ليست دين لكي يناقض الدين أو يخير المرء ما بينها وبين دينه، نعم إذا ما وضعت البوذية أو المسيحية أو الهندوسية أو اليهودية في مقابل الإسلام فإنها جميعا قرنائه وأشباهه ولصح السؤال حينئذ، فلا بد للمرء أن يختار إذا ما كان يريد اعتناق دين ما بين هذه الأديان إذ لا يمكن أن يعتنقها جميعا أو بعض منها، ولكن العلمانية ليست دين لكي يناقض الدين أو يتعارض معه! أنها بكل بساطة ” منظومة علاقة ما بين الأنظمة المركزية المسيرة للبيئة الإنسانية ” بمعنى آخر منظومة تؤدي إلى وضع كل نظام في مسار مستقل عن الأخر مع وجود رابطة بينها ” ومن هنا يقال إن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة ، أي أن النظام السياسي مستقل عن النظام الديني ، والنظام الاقتصادي مستقل عن النظام الاجتماعي…. وهكذا ، ولكن كما في كافة الحقول الإنسانية والطبيعية لا بد من وجود ثمة علاقة ما بينها كحقول علمية وأنظمة مركزية تكون في مجملها البيئة الإنسانية ، ومن هنا أيضا ظهرت العلمانية الاستبدادية التي أقصت الدين والقيم الروحية والأخلاقية من ساحة المعرفة والتطبيق والإنتاج ، وجعلت النظام السياسي القائم على الطغيان والشمولية والمركزية الحاكم والمسيطر والموجه الوحيد ، وهمشت بقية الأنظمة المركزية بل وسخرتها لصالح النظام السياسي الذي تستأثر بإدارته الطبقة الحاكمة ، بكل ما تحمله من ثقافة قائمة على الاستهانة بالنظم الدينية والأخلاقية والقيمية في بلادها.
أما الليبرالية فلا تعدو كونها ” منظومة الحريات العامة في المجتمع ” لذا يمكن القول بان كل ليبرالي هو علماني، لان الليبرالية لا تنسجم إلا مع العلمانية باعتبارها نظام يوفر الاستقلال لكل نظام ، فلا يطغى نظام على الآخر ، وتأتي الليبرالية لتمنح المساحة الواسعة من هامش الحركة والتطبيق والإنتاج لكل منها فتزدهر الحياة وتنتعش .
ولكن ليس كل علماني ليبرالي! لان العلمانية من الممكن أن تتحول إلى كيان قمعي ، ويصبح بموجبها النظام السياسي نظام شمولي دكتاتوري يلغى دور الأنظمة المركزية الأخرى ، ويحارب مؤسساتها المختلفة ، كما في كثير من الدول في آسيا وأفريقيا، ويمكن إطلاق مصطلح ” الليبروعلمانيبة ” على تكامل كل من دور الليبرالية والعلمانية في الحضارة البشرية المعاصرة.
إن العلمانية ليست ضد النظام الديني والاجتماعي والاقتصادي وتراث المجتمع وقيمه ونظمه وكافة مكونات شخصيته الحضارية والإنسانية إذا ما اتحدت مع الليبرالية وكونت “الليبروعلمانية ” لأنها في الأصل والتكوين ليست أيدلوجية شمولية كالشيوعية ولا تعرض وجهة نظر شاملة لوجود الإنسان ولا تتبنى وجهة نظر مركزية من قضايا الإنسان المعاصرة.
والعلمانية ليست عقيدة الحادية ترفض التفسير الديني للوجود البشري، لذلك فانه من الملاحظ أن معظم التيارات الإلحادية تمتلك رؤية شاملة للإنسان ، نظر لها الكثير من كبار دعاة الإلحاد ومفكري النظرية المادية ،إلا إن العلمانية تقف موقف محايدا من كافة الرؤى المطروحة ، وتوكل أمر اعتناقها للإنسان ، بحيث لا يكون للعلمانية كتيار ونظام ومكون حضاري وجهة نظر مركزية للوجود البشري.
والعلمانية لا تنكر الأخلاق كجزء من الحضارة البشرية ولكنها تؤمن في نفس الوقت بنسبية الأخلاق وتعدد النظم والقيم الأخلاقية وضرورة احترام تعددها وحتمية تشييد منظومة انسجام فيما بينها.
إن علمانية الدولة لا يعني عدم وجود دور للدين في الحياة، تشهد بذلك دول أوربا العلمانية فمعظم الرؤساء الأمريكيين اقسموا قسم الرئاسة على الإنجيل، وفي بريطانيا والولايات المتحدة محاكم دينية للأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين واليهود، وعطلة أعياد الميلاد هي مناسبة دينية في المقام الأول، وللمجتمعات الغربية العديد من المناسبات الدينية التي تحتفل بها كعيد الفصح مثلا ، وتمارس الكنيسة والجمعيات والتيارات الدينية نشاطا كبيرا ، وتنتشر مظاهر التدين في الكثير من جوانب الحياة. والحرية مفهوم نسبي فليس كل هامش حرية في البلاد المتقدمة يجب أن نستنسخه لكي نفي بالمعايير العالمية للحرية كقيمة إنسانية وقانونية ، من ناحية أخرى فان حصر الحرية في الجانب الجنسي، يعني بأننا نعترف علانية بأننا نفتقر إلى الحرية كمفهوم وممارسة ونظم، ونبرر ذلك بالانحرافات الجنسية التي سوف تحدث بسببها ، بينما في حقيقة الأمر تعاني المجتمعات العربية ? كغيرها- بنسب مختلفة من الانحرافات والمشاكل الجنسية، ولعل بعضها يفوق بعض المجتمعات الأوربية والأمريكية، فالمعضلة ليست في ممارسة الحقوق والحريات بل في استخدامها الغير شرعي ، لان الحرية والحقوق أمانة ومسئولية .
إن هامش الحرية المطلوب في أي مجتمع هو الذي يشمل كافة طبقاته وشرائحه وفئاته دون استثناء، ويتحرك فيه الفرد من دون شك أو ريبة أو ظن أو مراقبة ، ويتمكن من خلاله من الإنتاج والإبداع والتطور ، ويتسع هذا الهامش بناء على المصالح الفعلية للمجتمع .
من ناحية أخرى فان في حياتنا الثقافية بعض المصطلحات الخادعة، كمصطلح القانون الوضعي والقانون الديني وتنافرها في الوعي والممارسة، وارى أن كل قانون ديني هو قانون وضعي ، فالقانون الديني مبني على القواعد والأصول الفقهية والتي هي في الأصل اختراع بشري وليست إلهية! فتسمية قانون ما بأنه ديني ليست سوى تسمية عرفية مجازية وليست حقيقية ، والحقيقة انه قانون أيدلوجي ، والقوانين الأيدلوجية تصنع عادة في المجتمعات الغير ديمقراطية، ومن ابرز الإشكاليات المثارة حوله أن ينطلق من اجتهادات ملزمة بفهم متوارث للنصوص ، ومقيدة بقواعد فقهية الصارمة، بينما صناعة القوانين الدستورية تتم بناء على قواعد مرنة وبنود سلسلة تراعي احتياجات المجتمع ومصالحه السياسية والاقتصادية.
لذلك فانه لا تعارض بتاتا بين كون الإنسان مسلما وبين كونه علمانيا، فانا مسلم وأنا علماني ، تماما مثلما أنا أب لأبنائي وابن لوالدي، ومثلما أنا قارئا وكاتب في نفس الوقت ، ومثلما أنا قائدا في أسرتي ومرؤوسا في عملي، تماما مثلما أنا موظفا تارة وعميلا تارة أخرى، مثلما أنا طبيب في حين ومريضا في حين آخر ، فالإنسان يمارس كافة هذه الأدوار من دون تناقض أو ازدواجية لأنها في نهاية الأمر تعبير عن ارداته وحيويته وحريته.

تعليق واحد

  1. ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم … )
    ( من لم يحكم بما انزل اللة فأولئك هم الكافرون )
    ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض )
    ( أفحكم الجاهلية يبغون )

    على المسلم ان يهب حياته لتطبيق الشريعة التي تنادي بالحرية والعدالة والتنمية وكل جوانب الخير والحق .. وانا على يقين تام بان المؤتمر الوطني لن يطبق الشريعة اطلاقا .. لأن الشريعة تدعوا الى الشورى واسترداد الموال المنهوبة وعليه سيكون الرئيس ومعاونيه اول ضحايا الشريعة

  2. نحن بحاجة لمثل هذه المقالات
    ففي العادة عند مجرد ذكر كلمة علمانية….لا تستطيع إلتقاط أنفاسك من الصراخ والعويل والذي ينتهي عادةً بالتفكير والتهديد والوعيد
    شكراً يا رائد على مقالك الدسم
    لكن، لو أتحفتنا بمقارنات عملية في مقالاتك القادمة سيكون الأمر في غاية الروعة

  3. الاسلام منظومه حكم متكامله ولا يحتاج لعلمانيه ويوخذ بالكليهولايحتمل تعديل اما العلمانيه فهي نظام حكم يفصل الدين عن الدول والدين الاسلام ممارسه حياه سواء كانت فرديه او سياسيه فلايجوز ان نقدم القوانين الدوليه علي الاحكام الاسلاميه وذلك لانها تتنافي مع القانون الدولي الوضعي

  4. أساسا الدين ليس به أى خطة واضحة لتنظيم حياة عصرنا الحالى المعقدة فهو قد صمم الحياة بدوية بسييطة لأقلية متجانسة خالية من أى تعقيد تقنى وفكرى وعلمى لدلك من المستحيل تطبيق مفاهيم أموات القرن السادس على اللألفية الثالثة!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..