أخبار السودان

مطعم سوداني في القاهرة: ليس للأكل وحده يأتي هؤلاء

عندما توقفت حركة الطيران من جوبا عاصمة جنوب السودان وإليها، لم تجد فلورا وصديقتاها خلال فترة الانتظار في القاهرة سوى المطعم السوداني قرب ميدان الأوبرا العريق في العاصمة المصرية لتناول الطعام الذي يفضّلنه. هناك وجدن طاولة وسط تجار ومقيمين سودانيين يتخذون أماكنهم حول الطاولات المغطاة بمفارش بلاستيكية تحمل أيضاً إعلانات لشركات سياحة ونقل إلى السودان ودول شرق أفريقيا.

منذ بدأوا الهجرة، احتفظ السودانيون بعاداتهم وتقاليدهم، وفي مقدمها الطعام المميز. وفي القاهرة حيث بدأ التوافد السوداني منذ السبعينات في عهد جعفر النميري، أقام أبناء الجالية مطاعم تخصهم يعتمد نشاطها على صنع مأكولات يصعب طهوها منزلياً في شقق القاهرة الضيقة وتسليمها إلى طالبيها، أو استقبال زبائن لتناول الطعام والتسامر.

مطعم «الخرطوم»، أقامته السيدة بتول مع زوجها وشقيقه. وتقول المالكة إن المطعم فتح أبوابه في القاهرة عام 1986 حين كان الزوج في زيارة طالت قليلاً واشتاق إلى وجبة «الكسرة» التي يتطلب إعدادها طريقة خاصة على صاج ناري. واختمرت الفكرة في ذهنه، ثم وُلد المطعم في منطقة درب المناصرة الشعبية. وبالإضافة إلى الهدف التجاري، فإن صلاح وأفراد عائلته فكروا في مكان يجمع السودانيين الذين لم تخل منهم مصر يوماً منذ كان البلدان دولة واحدة تحت العرش الملكي، وارتفعت أعدادهم في نهايات عهد النميري الذي أطاحته ثورة شعبية، وقبلها هناك الآلاف من الدارسين والمهنيين الذين كانوا يتوافدون على القاهرة ومحافظات مصرية أخرى، خصوصاً الإسكندرية والشرقية.

ومن رواد المكان، عادل الذي يعمل في مجال الاستشارات السياحية، وزوجته نصف أوروبية، ولا تجيد طهو الطعام السوداني. يقول إنه يمر أحياناً بالمطعم لتناول وجبة، أو لشراء وجبات لضيوفه الآتين من السودان، بعد أن يطلبها هاتفياً.

أما علي فهو عازب ويعيش خارج السودان منذ وصل عمر البشير إلى الحكم عام 1989، وهذا المطعم هو المفضل بالنسبة إليه خصوصاً أن تشكيلة أطباقه تتفاوت في أسعارها بما يناسب حالته المادية، بخاصة في نهاية الشهر.

ويمكن مرتادي المكان مشاهدة الفضائيات السودانية ومعرفة أخبار الحفلات الغنائية التي يحييها فنانون سودانيون في مصر ويشترون تذاكر لها من المطعم نفسه، كما يشترون تذاكر السفر عبر حلفا المنفذ الشمالي النهري، وأحياناً يتفقون مع بائعي البخور والعطور والسلع التقليدية ورسّامة الحناء عندما تحتاج إليها الزوجات. ويباع في مطعم «الخرطوم» أيضاً حليب الإبل، وأكياس «الدَكوَة» وهي الفول السوداني المطحون، وبعض حبوب التسالي. كما أن مرتادي المكان يتفاوتون من حيث انتماؤهم الطبقي والمهني، ويمكن أن تجد سفيراً أو أستاذاً جامعياً مع عامل إلى طاولة واحدة. كما أن صور الرئيس السوداني عمر البشير ظهرت لفترة وأضيفت إليها صور الزعيم الراحل جون قرنق بعد اتفاقَي السلام في 2005 ثم صورة سلفاكير، ولاحقاً رفعت الصور كلها لتبقى فقط بعض صحون مشغولة من سعف النخيل ورسوم من مناطق سودانية مختلفة.

مواطن سوري يقطن في الفندق الملحق بالمطعم يقول إنه معجب بتلاقي السودانيين في الغربة والسهولة التي يتعارفون بها بعضهم إلى بعض، وإنه يلاحظ أن الوقت الذي يمضونه في تناول الطعام ربما أقل مما يمر في حواراتهم الاجتماعية وربما السياسية، على عكس التخوف الذي يسري بين السوريين في الخارج، فليس من السهل التواصل من دون حيطة واقتصاد في سرد المعلومات والتوجهات.

تقول بتول إنهم يقدمون أطعمة مصرية أيضاً خصوصاً للعائلات المختلطة أو الذي طال بها المقام في مصر، وأن بعض المصريين الذين عاشوا في السودان يأتون إلى المطعم أيضاً، كذلك بعض العرب من المشرق العربي أو الأجانب الذين يرغبون في التجديد وبعض طلاب الجامعة الأميركية في القاهرة.

يقدم المطعم تشكيلة من الأطباق والمقبلات المشتركة مع بعض التجديد، فسلطة «البابا غنوج» تعرف في السودان بـ «الأسود» وتختلف قليلاً عن النسخة المصرية، وهناك الحساء بأنواعه. ويقتصر تقديم العصيدة (أشبه بالبودينغ) على يوم الجمعة حين تقدم ساخنة، أما القُـرَّاصة (فطائر ثخينة) فيحتاج إعدادها إلى وقت، وتتطلب أن تكون «الطاوة /المقلاة» ساخنة للغاية. ويفضَّل السمك النهري هنا مطهواً في الزيت، ويأتي مصريون أيضاً لتناوله أو جلبه إلى بيوتهم.

وفي رمضان تقدم بتول مشروب «الحلو مُر» المميز في السودان، كما أن سلطة اللبن (الزبادي) مع الخيار المفروم حاضرة دائماً. والمؤكد أن المكان يقدم ما هو أكثر من الطعام، فـ «الخرطوم» يوفر الدفء والتواصل وأحياناً حل المشاكل أو إيصال رسائل وأمانات، بالإضافة إلى الاستشارات لمن يريد مستشفى أو مكاناً للدراسة أو استئجار شقة للإقامة أو تمضية شهر العسل مثلاً.

وعلى رغم الاضطرابات التي تشهدها مصر فإن السودانيين ما زالوا موجودين فيها بكثافة، خصوصاً أنهم لا يتدخلون في الشؤون السياسية للبلد المضيف. وعلى مدخل المطعم يمكن البعض فقط احتساء الشاي أو «الجَبَنة»، وهي القهوة السودانية المميزة بالبهارات الحارة، والتي تحضرها فتاة هادئة، يعاملها الجلوس باحترام… بضعة أمتار هي مساحة المكان لكنه وطن بالنسبة إلى كثيرين هنا.
الحياه

تعليق واحد

  1. ارجو ان يتعلم صحفيونا كيفية اعداد التقارير من هذا التقرير المحترف

    تقرير ممتع و شيق و رشيق لا يمل من قراءته

    اما غن سهولة تعارف السودانيين ببعضهم فياهو دا السودان و السودانيين اطيب من مشى على الارض

  2. التقرير في هذا التوقيت و العنوان يحمل رسائل خفيه ؟؟؟؟
    مع العلم ان المطعم موجود منذ سبعينات القرن المنصرم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  3. لم يذكر لنا التقرير الجوانب السيئة لبعض السودانيين من رواد هذا المطعم الذيً احرص علي تناول وجباتي فيه حين اهب الي القاهرة مستريحا،،،،

  4. 1) من ايجابيات المجتمع السوداني وقد رأيتهم في كثير من المهاجر تجدهم كالجسد الواحد..تجد فيهم أريحية التعامل وحسن الخلق والاخلاق.. ذوبان الفوارق فيما بينهم.. لا جهوية او عنصرية لا عرقية أو دينية… كما تذوب الفوارق الاجتماعية…المدير، العامل، التاجر، الخفير…يكفي فقط انهم سودانيون!

    2) من سلبيات المجتمع السوداني بكل أسف في (الوطن) تجد بعض التنافر.. الهيمنة والتعالي واقصاء الاخر..العنجهية.. تجد ان تقييم الانسان يتم بمعايير العنصر..اللون..الجهة..القبيلة..الوظيفة
    …الحالة المادية… والكثير جدا من المعايير السالبة.

    لست أدري ان كنا نحمل (ازدواج الشخصية) أفتونا يا ناس علم النفس!!!!

  5. انا مشيت شهر عسل في القاهرة قبل عشرة سنوات ونفد ما معى من تمباك ولاننى مدمن صعوط أصبحت اسال عنه في القاهرة فارشدونى للمطعم السودانى فحل ضائقتى

  6. هذا الجانب المشرق للمطعم ولكن في الجانب المظلم هناك أيضا يتواجد تجار أعضاء البشر يستغلون الشباب الذين أنقطعت بهم السبل من الذين كان يفكرون في الهجرة إلى أوربا وأمريكا ولكن واجهتهم صعوبات يعرضون عليهم بيع الاعضاء من الكلية إلى قرنية العين وغيرها. هنالك في الجانب المظلم أيضا قوادين الدعارة وهناك النصابين والمحتالين.
    قصدت بهذه الاضافة السالبة لفت أنتباه أهلنا الطيبين حتى لا يقعوا فريسة للمجرمين.

  7. أحلى شيىء في هذا المطعم السمك المحمر نفس العندنا فى السودان لأن أسماك المصرين وطريقة طهيها لا تألفها نفسنا السودانية البتة …

  8. كان زمان لمن أجي القاهرة لازم آكل فيه لأنه الوحيد البعرف وجباته … لكن وين هسع بقيت أشيل معاي الهوت دوغ بتاعي من السودان …وكان كمل مني بشتري البتزا …عشان الكسرة بقت تعور حلقي الأعور … ويا حليلك يا أم رقيقة…

  9. معظم المطاعم والقهواي السودانية وبالذات في الخليج وسمعت عن مطاعم القاهرة وغيرها من بعض الذين عايشوها امكان لتجمع العطالة والعطلجنية والناس المكسرة وفيها صور سلبية ماسخة وكثيرة وبعدين حتى المطاعم والقهاوي في الخليج وبالذات في السعودية اصبح معظم مرتاديها الحبش وغيرهم

    فيها صور سالبة جدا جدا جدا أن لا أحب أن اذكرها هنا.. تواجد مطاعم لكل الجنسيات ولكنها ليست معاقل للونسة والتعارف والامور الفارغة ومقدودة.

    وكثيرا من التعارف الذي تم في مثل هذه الاماكن قاد بعض الناس للهلاك معرفة ليس منها خير ولا مكان للتعارف

    اعتقد أن المطاعم ممكن في قطر أو الامارات أو أوروبا قد تكون احسن حالاً من مطاعم وقهاوي السعودية لان هذه الفئة مشغولة ومعظمها متعاقد وناس يعملون معظمهم في الدوائر الحكومية وغير كدا اغلبية هذه الفئة بتقدم نفسها ووطنها بصورة احلى..

    امام بوابتها فراشة بتاعين صعوط وواحدين بتاعين جلاليبب وعراريق وحاجات تانية هذا المكان ليس لذكرها..

    وتوجد مطاعم في مصر تقدم (البوزة) بمسطلح المصرييين والمريسة بتاعت الزرعية بالمصطلح السوداني.. تعارف شنو وبوزة شنو .

  10. معقول يا (((عنقالى ))) يا اخوى كل هذه المصائب الذكرتها بتطلع من هذا المطعم ؟؟؟ سبحان الله … ونحن بنجى نأكل ونمشى ما جايبين أيى خبر … الله المستعان …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..