لنحمي الزعيم من المطاردة الدولية.. كيف ضاع نصف السودان في سكرة الهتاف للجنرال البشير.؟

ضاعت فلسطين كلها يوم تمسكنا بشعارات النضال على حساب الواقعية السياسية ورفضنا قرار التقسيم، واليوم يرفض بعضنا انفصال جنوب السودان عن شماله، رغم أننا نعرف أنه وفي المدى البعيد لن يكون لنا لا جنوب السودان ولا شماله. مهم أن نعرف كيف ضاع نصف السودان في سكرة الهتاف للجنرال عمر البشير، وانطلاق حناجرنا في الفضائيات منافحة عن حكم فاشل، فقط لنحمي الزعيم من المطاردة الدولية. وبينما قنواتنا الفضائية وصحفنا تبث كميات الكلام الفارغ على الهواء، ضاع نصف السودان الغني.

والسؤال الأكبر الذي يتجاوز السودان هو: كيف لمن لا يستطيع الحفاظ على أراض محررة، أن يطالب بتحرير أرض تحت الاحتلال؟ عرب عمر البشير ممن يهمهم كرامة الزعيم على حساب خسارة الأوطان، تلك الجماعات التي تدخن حشيشة النضال، وتسيطر على شاشاتنا وصحفنا، هي التي أوصلت السودان إلى ما وصل إليه اليوم، وبعده دول أخرى ستصل إلى ذات المصير. العرب مغرمون بسكرة الشعارات اللحظية حتى لو كان الثمن هو خسارة بلد بأكمله.

الجماعة التي ناضلت من أجل إنقاذ البشير، هي التي ناضلت من أجل تحرير فلسطين، بالأقوال لا الأفعال. والسودان هو عرض لمرض عربي أكبر، هذا المرض يتمثل في تلك الفجوة بين الشعار والواقع، بين الحقيقة والوهم، بين الأقوال والأفعال. تلخيص حالة الوهم التي نعيشها هو أننا جميعا نناضل على الشاشات من أجل تحرير فلسطين، بينما الأرض تتآكل من تحت أقدامنا يوما بعد يوم. في عام 1948 كان أمامنا التقسيم، أي اقتسام فلسطين بين العرب وإسرائيل، ورفضنا القرار، وناضلنا منذ عام 1948 حتى عام 1967 فخسرنا سيناء والجولان.

وناضلنا أكثر حتى انقسمت الأرض الفلسطينية المحتلة إلى إمارة إسلامية في غزة، وشبه إقطاعية في رام الله، وانتهت القضية الفلسطينية إلى غير رجعة. نفس الأسلوب مارسه المناضلون مع الجنرال عمر البشير، فخسر البشير نصف السودان، ودخلنا على قصة الانفصال بين الشمال والجنوب.. أتمنى ألا نعارض تقسيم السودان اليوم مثلما عارضنا قرار تقسيم فلسطين، فنخسر السودان كله بشماله وجنوبه.

بالطبع هذا ليس بمستبعد، لأنه وبينما معظمنا يتكلم عن حل الدولتين في السودان، شماله وجنوبه، ننسى أن هناك دارفور، تلك الدولة المستقلة القادمة، وبعدها ندخل في الصراع حول المناطق الغنية بالبترول في أبيي، وغيرها، ويدخل السودان الجديد في صراع آخر ممتد إلى خمسين عاما أخرى، تتقاسم فيه القبائل ما تبقى من شمال السودان، ولتهنأ جماعة البشير من المناضلين العرب. مشكلة السودان تلخص الواقع العربي الذي يفضل الهروب إلى عالم النضال الفضائي والشعارات كبديل للتعامل مع الواقع، وهذا مرض يحتاج إلى علاج نفسي.

فجذور المشكلة عندنا هي تلك الفجوة بين الشعار والواقع في عالمنا العربي، وهي مشكلة تكمن جزئيا في ما قاله المستشرقون عن مجتمعاتنا ورفضناه. ملخص المقولة هو أننا مجتمعات خجل لا مجتمعات إحساس بالذنب، أي أننا نخجل من أن يرانا أحد نقوم بعمل مشين ما.. سلوكنا مرتبط بالآخرين لا بدوافع وضوابط ذاتية.. نقوم بالكثير من الأمور من أجل أن يرانا الآخرون نقوم بها ونمتنع عن الكثير من الأمور خوفا من أن يرانا الآخرون نفعلها. المجتمع الغربي في المقابل هو مجتمع الإحساس بالذنب، فالغربي بغض النظر عن رضا الآخرين يهمه إرضاء نفسه.

الغرب يعترف بأن كل إنسان به عيوب، فهو بذلك يخلق مساحات واسعة للفرد لكي يعبر عن ذاته كما هي، أما نحن فنعيش في عالم يدعي أنه كامل مكمل، ومن هنا يأتي النفاق الاجتماعي وما يصاحبه من حالات ازدواجية بين ادعائنا بأننا كاملون أمام الآخرين لأننا نخجل من عيوبنا، وحقيقتنا التي نخفيها كبشر فيهم عيوب ونواقص. ثقافة الخجل هي الخلفية الطبيعية لثقافة تستبدل، وهذا ما حدث في موضوع السودان، حيث رفضنا التعامل مع مشكلة الجنوب، ونرفض التعامل مع مشكلة دارفور حتى ينتهي السودان إلى ما نراه في فلسطين اليوم.

مأمون فندي

"الشرق الأوسط" اللندنية.

تعليق واحد

  1. كيف لمن لا يستطيع الحفاظ على أراض محررة، أن يطالب بتحرير أرض تحت الاحتلال؟
    كيف لمن لا يستطيع الحفاظ على أراض محررة، أن يطالب بتحرير أرض تحت الاحتلال؟
    كيف لمن لا يستطيع الحفاظ على أراض محررة، أن يطالب بتحرير أرض تحت الاحتلال؟

  2. يا عزيزي قضية السودان و قضية العالم العربي هي قضية انعدام ضمير الحاكمين و هي قضية انعدام العدالة و الديكتاتورية و قهر المواطن و تدجينه ليظل الحاكم حاكما مدي الدهر و ان يحمي عرشه بكل السبل. المواطن مغيب تماما و مقهور و مضطهد و الحكام يعملون علي تثبيت عروشهم و لو علي حساب الوطن لا يهم المهم ان يبقوا حكاما… فتحولت الامة الي تنابلة و جيش جرار من الجبناء المقهورين بسلاح السلطان و القمع الامني و سجون النظم الديكتاتورية!
    البشير مثلا و زمرته الحاكمة لا يهمهم ان يبيعوا كل ارض السودان و تنفيذ كل مخططات الصهيونية من اجل ان ينجوا من سيف العدالة الدولية المسلط علي اعناقهم

  3. ارجوا ان انبه الى عدم نسيان زيادة الاسعار وتوقيته لصرف النس وتوزيع الغبن مابين الانفصال استغلال حالة العواطف التي تغيب العقل عن الحاصل وحتى لا يكون الناس غير مشغولين وينتبهوا الى الحاصل -الزيادة دي من المفترض تعلن وتنفذ بعد عدة اشهر من الآن ولكن هذا هو تفكير الاباليس شياطين الانس اشقاء اليهود والملحدين سفلة الجبهة الاسلامية القومية الكيزان المخرومة – لاتغفلوا عن ذلك بغيره – تذكروا حتى تذكوا نار الثورة

  4. سلوكنا مرتبط بالاخرين لا بدوافع وروابط زاتية،نقوم بالكثير من الامور من اجل ان يرانا الاخرين نقوم بها ونمتنع عن الكثير من الامورخوفا من ان يرانا الاخرين نفعلها على عكس المجتمع الغربى فهو مجتمع الاحساس بالذنب فالغربى بغض النظر عن ارضاء الاخرين يهمه ارضاء نفسه ..والله لقد اصبت عين الحقيقةفمعظم الشعب السودانى يعانى من هذا النفاق ودا الودانا فى ستين الف دهية

  5. البشير مثل شيخه الترابي يهمه سماع الاشادة به من الخارج ولا يهم إن تقسم السودان أو جاع فترابي كان موهوم بأنه سيكون القائد للشعوب العربية والاسلامية واثبتوا بهذا أنهم أجهل خلق الله وهم الآن صحوا من سكرتهم ولم يستطيعوا الحفاظ على السودان الذي يتسرب من بين ايديهم ،،، ليتك يالترابي ما انقذتنا وليتك تركتنا لصفوف الخبز والبنزين فقد كنا نعاني نعم ولكن كنا فرحين بالحرية والديمقراطية والله إنا في شوق لتلك الايام رغم المعاناة والمبيت في الافران ،، أما اليوم فلا امن ولا امان وجوع وفقر اشد من ايام الديمقراطية المؤودة والمستقبل مظلم والحرب والفوضى عمت السودان

  6. اقراء هذا المقال ولم ننسى ان هناك دول عربية باعت العراق كاملا بل ان فلسطين بيعت اصلا قبل ذلك وهذا هو حال العرب التلاعب بمفردات اللغة العربية وكتابة المقالات والشعارات
    لماذا لم يكن للشمال حق فى التصويط للاستفتاء وكنتم سترون العجب العجاب
    لا نرغب فى هذا الجنوب لا نرغب فى هذا الجنوب والذى كان معضلة منذ عام 1955 من قبل استقلال السودان اصلا
    نحن نرغب فى ان يكون السودان الشمالى افريقى وليس عربى بل نرغب ايضا فى تغير العلم من الالوان ذات الصبغة العربية

  7. كيف لحزب جل عضويتة من اللصوص والكذابين والافاكين والمنافقين دينياوالمعقدين نفسيا والمتخلفين عقليا والشواذ جنسيا ان يحافظ علي وطن

  8. مشكلتنا ياعزيزى في هؤلاء الفراعنة اللذين يحكموننا وهم متشبسون بالسلطة حتي الممات.. وقبل ان يذهبوا يريدون ان يورثوها لابنائهم.. هؤلاء عمرهم الافتراضي انتهي…

  9. عندنا مثل يا مأمون أفندى سوداني أصيل يقول " قالوا ليه تور قال أحلبوه" ولقد تحقق فى حالات وشخصيات عدة ومن هؤلاء أمثلة عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر أفندي وثروت وراشد وغيرهم بنظريات لا توجد إلا فى بعض الأخيلة التى تعاني من تعتيم فى الرؤية وضبابية فى التفكير بالإضافة إلى مؤثرات أخرى لا داعي لذكرها ولم يقل لنا كل هؤلاء كيف يمكن الإمساك بذنب القرد دون أن تطلقه أو يعضك؟ الجنوب حرب دامت لأكثر من خمسين عاماً عاصرتها كل أنواع الحكومات من عسكرية وحزبية وإنتقالية وحكومات ظل وشمس إستوائية ولكنها فشلت كلها فى حلها أو وجدت من العراقيل ما جعلها تعجز عن الوصول حتى إلى نقطة تفاهم نتيجة تعنت الطرف الثاني الذى وجد من الدول والمنظمات الخيرية ذات المصلحة فى حالة عدم الإستقرار من يدعمه مادياً وسياسياً وعسكرياً وأولها أمريكا التى تبنت هذا التمرد وخصصت له بنداً فى ميزانيتها العامة هذا فضلاً عن الدعم الصهيوني ومجمع الكنائس العالمي ومنظمات يهودية لا تخفى هويتها على كل من له قلب أو ألقى السمع ولذلك وجب التنويه يا ايها الأفندي وإن كان غاب عنك ذلك أو تم تغييبه فإن الأيام القادمة ستثبت له مجانبة ما كتبت للحقيقة ولكن بعد فوات الآوان وهذه مصيبة مثقفينا قبل حكامنا وهنا مربط الفرس.
    ألم تستمع إلى تصريحات مسؤولي الحركة الشعبية وهم يسبقون الحوادث "الإنفصال" وكأنه حقيقة واقعة بأنهم موعود ون بتدفق الدعم والمساعدة الأمريكية وبفتح الجنوب أمام سفارة الصهاينة ويصفون دولتهم بالديمقراطية وأن إسرائيل ليس لديها مشكلة معهم لأن مشكلتها مع العرب !!! هل سمعت شئ من هذا القبيل؟

    أخونا مأمون لو كنت تقرأ ما بين السطور لعلمت أن الراية التى رفعتها الحركة الشعبية عند محادثات نيفاشا بأن الوحدة خيار إستراتيجي كانت للتضليل وذر الرماد على العيون ولو كنت تستمع إلى تصريحات الفئة المسيطرة على القرار فى الحركة الشعبية طيلة الخمسة سنوات الماضية لعرفت أنهم كانوا يضمرون خلاف ما يظهرون وأن النزعة الإنفصالية لم تظهر على السطح إلا فى الأشهر القليلة الماضية التى سبقت الإستفتاء لعلمت أنهم تأبطوا شراً منذ البداية وعملوا على الوصول إلى غايتهم بالحيلة والخداع، إرجع إلى الأرشيف وأسمع الخيار الوحدوي الأول من فم جون قرنق ومن بعده سيلفا كير وكثير من المسؤولين وقل لى كيف تنصل منه معظمهم بعد أن آل الأمر إليهم؟؟ عليك أن تعلم وغيرك أن الإنفصال وليس الوحدة هو قرار سياسي فى يد الحركة الشعبية وسيكون له ردة فعل معاكسة لن تخطئها أنت وغيرك من الذين أساءوا الفهم ولا نقول تعمدوا لحسن الظن بالغير والليالي حبالى يلدن كل غريب وهنالك من الجنوبيين مثلهم مثل الشماليين من يعارض هذا التوجه،
    ألا زلت ترى بأن سكرة الهتافات هى التى أضاعت نصف السودان؟؟

  10. ;( ;( ;( كلام غير عاقل والله …. (ثلث ) السودان راح …..وليس النصف … ولكن لن يكون هناك جنوب بدون شمال والعكس ….. ولن نصل الى تشاؤم هذا الكاتب ونحن نعرف بلادنا يا هذا …

  11. مصيبتكم هو شعروكم بانكم خير امة اخرج للناس جعلكم جمعياً تعيش فى التواهم بانكم الافضل من الاخرين حتى فقدتم إحساس واصبحتُ تدور فى انفساكم ولم يصدقكم احد.

  12. بصراحة هنالك مشكلة فى مجتمع الاسلامى لكن الكل هاربين لم يستطيع مواجهة هذا المشكلة انظرو الى هذه الفتاوى من هو المسئول عن هولاء القوم،فتاوى من الداخل وخارج الحدود هل يستطيع هولاء قيادة انفسهم قبل الشعب؟ وهم مختلفين فى فتوايهم، كيف دولة يسير! ما هو مسئولية الدولة. وهل هولاء العلماء فوق الدستور. ومن هو المسئول عن هولاء العلماء داخل الحدود وخارج الحدود .

  13. عزيزى افندى انت لا تعرف السودان …ولا السودانيين…لاتشبه قضيتنا بالقضية الفلسطينية…فاوجه الشبه معدومة تماما…..اذا لم يكن لديك ماتقوله فاصمت وضع القلم…لاتزد احزاننا احزانا

  14. هل يستعمل صاحب هذين الردين مترجم قوقل الآلي؟ هل يفهم ما خطه يراع الأستاذ فندي؟ يا عزيزى ما قال صحيح لكن من المسبب فى هذا كلها اليس الثقافتكم ودينكم التى تقول الدين عند الله إسلام والمسلمين خير أمة اخرج للناس والكل غنائم ماذا تقول لمثل هذه الثقافة الرافض لاخر ماذا تتوقع من مثل هذه الثقافة فى التعايش ما الاخرين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..