البرنامج الإقتصادي الُثلاثي الإسعافي بين المصداقية والتزلف

البرنامج الإقتصادي الُثلاثي الإسعافي بين المصداقية والتزلف (1/3)

مهدي إسماعيل مهدي/بريتوريا
[email protected]

إستضاف برنامج “في الواجهة” الذي يُقدمه الصحفي/ أحمد البلال الطيب، عبر القناة الفضائية السودانية، وزير المالية/ على محمود، في حلقة أولى قبل حوالي أكثر من شهر، ثُم استضاف معه في الحلقة التي تلتها بعد أسبوع/ د. محمد خير الزبير (مُحافظ البنك المركزي – وزير مالية سابق)، وقد تحدث المسئولان المُكلفان بإدارة إقتصاد البلاد في هذه المرحلة المفصلية الدقيقة، عن الأزمة الإقتصادية الناتجة عن الإنفصال وفقدان عائدات النفط والإجراءات اللازمة لتخفيف آثار هذا الزلزال، وأكد المُتحدثان أن الفريق الإقتصادي بادر بوضع خُطة مُحكمة لمواجهة هذه التداعيات المتوقعة، تمثلت في (البرنامج الإقتصادي الإسعافي الثُلاثي- 2012-2014)، والذي يقوم على أربعة محاور أساسية، هي:-
1. محور السياسة النقدية (Monetary Policy): وتعريفها “تنظيم وضبط عملية حركة النقود، وتحديد أسعار الفائدة وسعر صرف العُملة الوطنية، بهدف السيطرة على التضخم وإستقرار سعر الصرف”. والمعروف أن السياسة النقدية تقوم على التحكم في النقد عبر مُراقبة مؤشرات أداء الإقتصاد الكُلي (Macro-Economic Indicators)- وعلى رأسها مؤشر أسعار المُستهلك (Consumer Price Index- CPIX)- الذي يُعتبر عُنصراً أساسياً في حساب مُعدل التضخم- بالإضافة إلى تحديد ومُراقبة سعر صرف العُملة الوطنية، وتحديد ومُراقبة سعر الفائدة الأساسي (أي سعر الإقراض من البنك المركزي للبنوك التجارية ومؤسسات التمويل “Repo-Rate”، وسعر فائدة الإقراض من البنوك للجمهور “Prime Rate”). ولا أدري كيف يُمكن لمُحافظ بنك السودان ووزير المالية السيطرة على سعري الصرف والفائدة في نظام إقتصاد إسلامي لا يعترف ولا يسمح بالفوائد – بل يُحرِم تحديد أي سعر للفائدة مُسبقاً!.
لقد كان الأحرى بمحافظ بنك السودان أن يُطالب بالكف عن المُزايدة بإسم الشريعة الغراء ويشترط عودة النظام المصرفي التقليدي المُتعارف عليه (وهو نظام مصرفي مُباح شرعاً بشهادة بن باز ورجب أردوغان والغنوشي، وبرلمان ودالطاهر) حيث يُعمل بالنظامين في السعودية (مهبط الوحي) وتُركيا (مقر آخر خلافة إسلامية) ومعظم الدول العربية والإسلامية، وكما هو معلوم فإن النظام المصرفي المزدوج يُبيح ويُتيح للمواطن الحق في إختيار النظام الذي يرغب في التعامل به (فكُل شاة مُعلقة من عصبتها) و “الدين يسُسر وليس عُسر” و “أنتم أدرى بشئون دنياكم”، فغاية أي مشروع حضاري أو إقتصادي أو سياسي هو إشباع الحاجات المادية والمعنوية للبشر وجعل الحياة أكثر يُسراً ومُتعة، ومنح الإنسان حُرية أكبر في الإختيار (Freedom of choice) بين بدائل عدة، لا التضييق عليه.
وبمناسبة الحديث عن الحُرية فقد أجمع الإقتصاديون أنه لا يمكن أن تكون هُنالك حُرية أو تحرير إقتصادي بدون حُرية سياسية، ولعل أبرز علل الإقتصاد السوداني، التظاهر بالدعوة إلى التحرير والحُرية الإقتصادية في ظل شمولية سياسية إقصائية (وفي هذا جمع بين نقيضين، لا يستقيم وطبائع الأشياء)، وقد أدى هذا التنافض إلى تشوهات هيكلية وتخبط مابين الإقتصاد المركزي القابض (كالنظام الإشتراكي) وما بين الإقتصاد الحُر. ويزيد طين التخبط بللاً أن يتم كُل ذلك في إطار تجربة إسلامية وليدة وفطيرة ويشوبها فساد سارت بذكره الرُكبان، فمن أتحفه أو أتعسه الحظ بالإستماع إلى رائد تجربة البنوك الإسلامية في السودان، السيد/ علي عبد الله يعقوب، وهو يفتخر في برنامج “أسماء في حياتنا” بكيفية التخطيط لإنشاء أول بنك إسلامي بالسودان “بنك فيصل الإسلامي” وكيف كانوا يتبخرون ويحوقلون في حي الصافية ويتمسحون ببركات الشريف الخاتم، ويحتمون بـ “سر نار” يوسف المقبول، والشيخ قريب الله، بدلاً عن إقامة ورش العمل العلمية، لأدرك تماماً سبب فشل التجربة. وثمة ملاحظة هامة وهي أن وزير المال ومحافظ البنك المركزي ظلا يوردان الأرقام مرة بالجنيه القديم وتارة بالجنيه الجديد وأحياناً بالدولار كأنما يتعمدان إدخال المُستمعين في متاهة ودغمسة الحساب الما ولد!.
2. محور السياسة المالية (Fiscal Policy): والمقصود بها (الإجراءات التي تتخذها الحكومة بُغية إستقرار وتحفيز الوضع الإقتصادي، وذلك من خلال زيادة الإيرادات كالضرائب والرسوم، وخفض النفقات/المصروفات الحكومية)، وفي هذا المحور المالي فقد هدف البرنامج الثلاثي إلى:-
أ‌- خفض المصروفات بالعملة الصعبة؛ من خلال تمزيق فاتورة إستيراد أربعة سلع أساسية هي؛ دقيق القمح، السُكر، زيوت الطعام، الأدوية، علماً بأن هذا الشعار رفعته الإنقاذ منذ عقدين من الزمان “نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع- ونضحك مما نسمع” ولم تفلح سوى في الجزء الأخير من الشعار. فالواقع يقول حسب إفادة الوزير بعضمة لسانه أن السودان ينتج 20% فقط من دقيق القمح ويستورد 80% (بتكلفة 800 مليون دولار) فهل من المنطقي أن يتمكن العاجزين عن إدارة مشروع الجزيرة من زيادة إنتاج القمح بنسبة 400% خلال ثلاث سنوات فقط (هذا في حال ثبات الإستهلاك على ما هو عليه) وقد فشلوا السودان في ذلك خلال عشرين عاماً، تدنى فيها إنتاج أقل المشاريع الزراعية تكلفةً في العالم “أي مشروع الجزيرة” إلى حوالي 10% فقط مُقارنة بإنتاجه قبل أربعة عقود من الزمان (في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي) نتيجة الفساد المالي وسوء الإدارة، وحتى لا نلقي القول على عواهنه نستشهد بقول خبير الري، البروفيسور/ حسين آدم أبوالحسن (مشروع الجزيرة يُعتبر تحفة فنية، خاصةً في مجال شبكة الري الممتدة من سنار إلى الخرطوم، لقد حبانا الله بأرض مثالية للري السطحي، فلدينا أعلى كفاءة ري في العالم، فالتُربة الطينية للمشروع لا تسمح بالرشح والتسرب وهي أحسن من الأسمنت في هذا المضمار، فهنالك مياه نيل عذبة وخصبة جداً وأرض مثالية الإستواء والإنحدار التدريجي، وهذا أفضل ما يُمكن أن يتوفر لمشروع زراعي). فإذا فشلنا في الحفاظ على هذا المشروع “دعك عن تطويره” فلا أظن أنه يحق لنا الحديث عن الإستثمار الزراعي والإكتفاء الذاتي، خاصةً وأن ولاة أمرنا ظلوا خلال عشرة أعوام ونيف، يهدرون نعمة أموال البترول بسفه يستوجب الحجر عليهم.
أما بالنسبة للسُكر فيُبشرنا الوزير بدخول مصنع سُكر النيل الأبيض دورة الإنتاج بنهاية نوفمبر 2011، وبالتالي تحقيق الإكتفاء الذاتي من هذه السلعة وتوفير 400 مليون دولار تذهب حالياً للإستيراد لسد الفجوة بين الإنتاج والإستهلاك، وحتى ولو حدث هذا وصدقت البُشرى بدوران ماكينات مصنع سُكر النيل الابيض في الموعد المُحدد وبالإنتاجية المُفترضة، فإن صناعة السُكر في السودان تُعاني من إرتفاع التكلفة وبالتالي إرتفاع الأسعار مُقارنة بالأسعار العالمية، ووفقاً لقول الوزير (ذات نفسه) إنهم يبيعون جوال السُكر زنة 50 كيلوجرام لتاجر الجُملة بحوالي 150 جنيه (أي حوالي 50 دولار/جوال بالسعر الرسمي) أي 1000 (ألف دولار للطن) مُقارنة بالأسعار العالمية الأقل من ذلك بكثير، وبحوزة بعض الوسطاء السودانيين في بريتوريا الآن عرضاً لتوريد سُكر للسودان، تسليم ميناء بورتسودان بسعر 640 دولار فقط للطن “CIF”!! (أها شن قولكم؟!). وذات الأمر ينطبق على زيوت الطعام التي تُستخرج من المحاصيل الزيتية (الفول السوداني، زهرة الشمس، السمسم، بذرة القطن) وقد تدنى إنتاج كُل هذه المحاصيل سواءً في المشاريع المروية (الجزيرة والرهد) أو بمناطق الزراعة المطرية في الولايات الغربية والشرقية والنيل الأزرق، إما نتيجة للجفاف وشُح الأمطار أو نتيجة عدم إستقرار الاوضاع الأمنية والحروب الأهلية التي لا مُبرر لها، ولهذا فإن الزيوت المستوردة من عتامير الخليج بالرُبع الخالي أو الصحراء السعودية (مثل زيت الأولين) أقل سعراً من الزيوت النباتية المُنتجة محلياً في سودان الجن!!.
أما الحديث عن السلعة الرابعة “الأدوية” فلا أظن أننا نمتلك ميزة نسبية في إنتاجها،إذ يتم إستيراد مكوناتها وتقنية تصنيعها من خارج البلاد، ثُم إن الأدوية والأمصال الوقائية (البشرية والحيوانية) يسهل الحصول عليها مجاناً (لدواعي إنسانية) عبر بروتوكولات التعاون الفني، ولم تُشكل أبداً عبئاً يرهق ميزان المدفوعات.
خُلاصة القول بشأن سياسة “إحلال سلع الواردات الرئيسية الأربعة” إنها غير مُمكنة وغير مُجدية إقتصادياً، ولو أن لدى خبراء إقتصاد نظام الإنقاذ ذرة من صدق وأمانة علمية ومهنية، لطالبوا قبل كُل شئ بتمزيق فاتورة إستيراد السلاح، لأنها تُمثل العبء الذي قصم ظهر الإقتصاد والعباد!. ولكن من يقدر يقول “البغلة في الإبريق” في هذا الزمن الردئ!!!.

كسرة يالفاتح جبرة:
إختفت المُذيعة التلفزيونية المتلألئة/ كوثر بيومي، عن شاشة التلفاز السوداني لفترة من الزمن، حتى أطلت مؤخراً (السبت 29/10/2011) بوجهها “الصبوح ومنور” عبر برنامج “عزيزي المُشاهد” لتُسهم في إصحاح مسيرة برنامج النهضة الزراعية و”زيادة إنتاج صمغ الهشاب” عبر موقعها الجديد (المدير التنفيذي لوحدة الإعلام الإستراتيجي ببرنامج النهضة الزراعية). ولكي تُثبت لنا أنها إعلامية زراعية فاهمة لدورها ومتسقة مع بيئة عملها، أرتدت توباً أخضراً زرعياً (شكًل كونتراستاً مُدهشاً مع الصفار العسجدي) يُذكرك بأولاد شمبات وهُم يشدون برائعة شاعر الحقيبة/ مُسعد حنفي (ويُقال ? تِحت تِحت- أنه اشتراها من أبوصلاح، والعُهدة على الراوي الفنان/ عباس تلودي) “”الناعسات عيونن نور جبينن هلا، ما بين تبري صافي وأخدراني التوب”. وبالتأكيد سوف ينجح برنامج النهضة الزراعية بعد أن تم تغيير إسمه التأصيلي من “النفرة الزراعية” إلى “النهضة الزراعية”، وبعد أن قامت الخبيرة الوطنية الإستراتيجية الرسالية الإعلامية الزراعية “الجماهيرية العُظمى!!” بإستهلال عملها بتغيير شعار البرنامج، حتى تنفعل به وتتفاعل معه المُزارعات (الأُميات/ الما عندهن تلفزيونات) في مناطق الزراعة المطرية بعد عودتهن من الحقل مساءً- وإنزال حزم قصب علف البهائم من على رءوسهن- والتمتع بمُشاهدة برنامج كوثر الرسالي على شاشة عرض بلوري سائل (LCD). وغايتو ومع عودة برنامج في ساحات الفدا (جنود الوطن)، ربنا يستر ما نسمع قريباً بمؤسسة الكوثر الخيرية أسوةً بمؤسسة السند الخيرية!؟. وحد يرفض الإستشهاد واللحاق بإبراهيم شمس الدين!!.
وحتى نلتقيكم في الحلقة القادمة لنستعرض محور “زيادة سلع الصادر الأربعة” ومحور “الإستقرار الإجتماعي” .. ثُم نختتم بما نراه بديلاً موضوعياً ميسوراً (إيقاف الحرب، تسريح برلمانات النفاق، فصل الحزب عن الدولة،، إلخ).
كُل عام وأنتم بعافية.. وتضحوا وتشووا “وتشربتوا” على خير.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..