عودة للتكنوقراط

دكتور هاشم حسين بابكر
يناقشني الكثيرون في مطالبتي بتكوين حكومة تكنوقراط ما بين معارض ومؤيد للفكرة، وتجارب السودان في الحكم مرت بأنواع مختلفة من الحكم، وأكثر هذه التجارب النظام العسكري الذي حكم السودان منذ الاستقلال وحتى اليوم لمدة سبعة وأربعين عاماً، بينما حكمت الأحزاب ديمقراطياً ثماني سنوات فقط، ولم تكمل أية حكومة ديمقراطية فترتها المحددة، بل انقلب عليها العسكر في دوامة لا تنتهي من التغيرات السياسية التي نتجت عن المصالح الشخصية للسياسيين وأحزابهم.
مفهوم الحكومة القومية مرفوض تماماً لدى الأحزاب السياسية الكبرى، وقد تناوبت حكومات السيدين وتناقلت من الأجداد إلى الأحفاد، في صورة أقرب ما تكون إلى الوراثة منها إلى الديمقراطية. مفهوم الحكومة القومية ضعيف للغاية في عقول ساستنا الذين لا يرون غير أنفسهم حكاماً، ولم تتشكل في تاريخ السودان حكومة قومية بل كانت ما تسمى حكومة السيدين، وتحولت من السيدين إلى حكومة ائتلافية أهم عناصرها ذات السيدين. وقد أثبتت التجارب السياسية منذ الاستقلال وحتى اليوم فشل كل الحكومات عسكرية كانت أم حزبية، فأية نتيجة نرجو من تكرار ذات الخطأ الذي جربناه طوال أكثر من نصف قرن من الزمان؟ ورغم ذلك نرجو من تجربة المجرب نتيجة مختلفة.
القرآن الكريم جاء إلينا بقصص عظيمة لو تدبرناها ودرسناها لخرجنا بنتائج باهرة، فعندما أراد المولى عز وجل استخلاف آدم عليه السلام في الأرض جمع الملائكة وعرض عليهم ذلك، ولكن الملائكة دخلوا في حوار مع المولى عزَّ وجلَّ «أتجعل فيها من يسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك».
ولكن المولى عزَّ وجلَّ أعجزهم بأن «علَّم آدم الاسماء كلها».. وسأل الملائكة عنها، فقالوا: «سبحانك لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا».
ما هي الاسماء التي علمها المولى عزَّ وجلَّ لآدم عليه السلام؟… البعض يقول انها البحار والانهار والاشجار وهذ معروفة لآدم عليه السلام والملائكة، فالجنة التي كان يعيش فيها آدم عليه السلام والملائكة مكونة من هذه الأشياء، أما الاسماء المقصودة فهي علوم الأرض التي اراد المولى عزَّ وجلَّ ان يستخلفه فيها، وهي علوم مختلفة تماماً عن تلك التي عرفتها الملائكة.
فآدم عليه السلام كان مدججاً بعلوم الأرض، لذلك عندما نزل إلى الأرض كان يعرف طبيعتها وبيئتها وعلومها التي تختلف تماماً عن الجنة. والسياسي عندنا يتنقل من وزارة لأخرى دون علم بعلوم الوزارة التي تركها لوزارة أخرى يكون أجهل بعلومها. نستخلص من قصة آدم عليه السلام أنه كان أول تكنوقراط ينزل على الأرض، وكان خليفة الله فيها بعد أن علمه كل علومها التي اعجزت الملائكة. ونتناول قصة قرآنية أخرى وهي قصة نوح عليه السلام ويطلق عليه ابو البشرية الثاني. وكان عليه السلام تكنوقراط من الدرجة الأولى حيث كان مهندساً بارعاً صمم سفينة احتوت من كائنات الأرض من حيوان ونبات من كل زوجين اثنين ومن البشر كما ورد في التفاسير عشرين فرداً فقط، ولنتصور حجم سفينة مثل هذه كم كانت ابعادها وكيف تحملت طوفاناً جارفاً جرف كلما سواها.. أليست هذه السفينة الاضخم في العالم حتى اليوم؟! انها من صنع رسول مرسل من عند الله كان مهندساً بارعاً عرف قوانين الطفو وصناعة السفن ما عجز عنه مصممو تايتانك التي باهوا بها الامم وغرقت في اول رحلة لها لم تكتمل رغم انها لم تواجه ذلك الطوفان الذي لم تشهد البشرية مثله حتى اليوم.
نخلص من هذه القصص القرآنية إلى أن آباء البشر الأول والثاني كانوا من التكنوقراط، وندلف إلى عيسى عليه السلام الذي كان طبيباً يعالج الأعمى والابرص ويحيي بإذن الله، فقد زوده المولى عز وجل بعلوم الطب الإلهي، وكان معجزة علمية بهرت العالم حتى يومنا هذا.
وسليمان عليه السلام كان مهندساً معمارياً أتاه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فقد حكم الانس والجن بالعلم والهندسة، وقد بنى المسجد الأقصى في ذلك الزمان بمقدرة هندسية فائقة جعلته يقف كل تلك القرون شامخاً في هندسة عجزت عنها العلوم الحالية، ونأتي إلى سيد خلق الله عليه أفضل الصلاة واكمل التسليم، فقد كان في بداية حياته راعياً للغنم تعلم كيف يتعامل معها وعرف اسرارها، وانتقل بعد ذلك إلى التجارة فكان اعظم تاجر عرفته البشرية، عرف الاقتصاد وعرف الأمانة والتعامل التجاري النظيف، فكان ان اطلق عليه الناس اسم محمد الأمين، والتاجر الذي يعرف الاقتصاد ويطبقه بامانة هو ايضاً تكنوقراط. كان معلماً للبشرية ما عرفت له الدنيا مثيلاً رغم انه كان أمياً، ورغم ذلك نزل اول امر سماوي له بأن «اقرأ»، والمعلم تكنوقراط فما بالك بمعلم البشرية.. انه تكنوقراط البشرية الأول. لو أن السياسيين الذين حكموا البلاد والعسكريين تفهموا معاني القصص القرآنية وتفهموها، لما وصل السودان إلى هذا الدرك السحيق وبات على شفا الانهيار، فمثل السياسيين الذين أخذوا من السياسة مهنة يعيشون عليها يفسدون ويسفكون الدماء دون علم ودراية بعلم من علوم الارض التي يريدون حكمها ينتلقون من وزارة لأخرى، يفسدون في الارض.
[email][email protected][/email]
الذين يعارضون مبدآ التكنوقراط يتناسون كيف أن الانقاذ أسأت للحكم و العلماء بتوظيف الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب بدواعي التمكين و علو مبدأ الولاء علي الكفاءة .. للدرجة التي أوصلتنا لقاع الامم من جهة الفشل و الانهيار الاقتصادي و الاخلاقي في بلد كان يؤمل فيه أن يكون سلة غذاء العالم .. فاصبحنا سلة نفايات العالم .. انظر هداك الله لهذه التراجيديا السوداء :
طبيب اسنان وزيرآ للخارجية ثم مستشارآ .. ثم وزيرآ للاستثمار .. ( مصطفي اسماعيل )
طبيب عمومي وزيرآ للزراعة و رئيس لمجلس مشروع الجزيرة .. ( المتعافي )
طبيب ( قناة قلبي ) وزيرآ للاعلام .. ( أحمد بلال )
طبيب اسنان نقيبآ للعمال ثم مساعدآ للرئيس .. ( غندور )
طبيب مستثمر في التعليم و المستوصفات وزيرآ للصحة .. ( حميدة )
فني لحام طائرات وزيرآ للدفاع .. ( عبد الرحيم )
رجل أعمال ( ود بدر ) مديرآ لسودانير ثم مشروع الجزيرة .. حتي ذهب بالاثنين أدراج الرياح
دكتورة تمريض وزيرة للكهرباء .. ( تابيتا )
أخصائي كيمياء مديرآ للشرطة .. ( هاشم الحسين )
أخصائي زراعة مديرآ لجهاز الأمن ( نافع )
بروف فلسفة وزيرآ للتقانة !!! ثم واليآ لأكبر ولاية زراعية .. ( الزبير بشير )
و قد قيل قديمآ اذا ولي الأمر لغير أهله فانتظروا الطوفان .. و لكن من يتعظ ؟ ؟ ؟
أتفق معك بأن حكومة التكنو قراط ( غير الحزبية ) لفترة انتقالية معلومة هي المخرج الأمثل للخروج من عنق الزجاجة .. اذ تقتصر مهامها علي المساعدة لوقف الحروب الدائرة مع كتابة دستور يتراضي عليه الجميع ثم تتهي فترتها بانتخابات برلمانية و رئاسية بعيدآ عن هيمنة المؤتمر الوطني و برلمان النوام .
بل انقلب عليها العسكر في دوامة لا تنتهي من التغيرات السياسية التي نتجت عن المصالح الشخصية للسياسيين وأحزابهم.
اضافه لهذا الكلام الجميل كل الانقلابات العسكريه ضد الحكم االمدني حكم حزب الامه القومي في 1958 سلمها السيد عبدالله خليل للعسكر بقيادة الفريق عبود في 1969 انقلاب عسكري ضد حزب الامه بقيادة المرحوم نميري قي 1989 انقلاب عسكري ضد حرب الامه بقيادة الجبهه القوميه الاسلاميه يعني حزب الامه حزب ضعيف كل الانقلابات العسكريه في عهده