ماذا يفعل الشعب السوداني ( الفَضَلْ ).؟ا

ماذا يفعل الشعب السوداني ( الفَضَلْ ) !!؟

عمر موسي عمر – المحامي
[email protected]

باديء الأمر أستميح أستاذنا الرائع ( فتحي الضو ) لأقتبس من مقاله الرائع ( الشعب السوداني الفَضَلْ) والذي نشر علي موقع (سودانيات ) وربما نشر في مواقع أخري ليكون عنوان هذا المقال ( إستفهاماً ) جديراً بالبحث والتقصي وحرياً بالإجابة عليه ..كان المقال المشار إليه وكما علق بذاكرتي وخالطت كلماته شغاف القلوب مقالاً رائعاً جاء متسلسلاً كحبات العقد النضيد ولم تكن تلك الروعة غريبة علي الكاتب ولا في عقولنا وعيوننا تلتهم سطوره في نهم محبب .
وحيث أن المقال المعني قد بدأه كاتبه بالشرح ( للقراء الكرام من غير السودانيين معنى كلمة (الفَضَل) في اللغة الدارجة السودانية والتي تعني ما تبقى. أي الشعب السوداني الذي بقيّ على قيد الحياة في ظل حكم العُصبة ذوي البأس. مضيفاً أن الكلمة تحوير ساخر لمصطلح (البطل) والتي كان يُوصف بها الشعب السوداني أيضاً. وهي الصفة التي أقبلت عليها الأنظمة الشمولية والديكتاتورية ونهشتها كما تنهش الكلاب المسعورة السابلة والسوام. وظلت تفعل ذلك بغرض إفراغها من محتواها تحت سيوف الشعار النازي المعروف بــ (إعادة صياغة الإنسان السوداني) وتحديداً فقد شاع المصطلح في بواكير عهد العصبة، يوم أن كان الناس يُصبِحون على صوت ناعق كالبوم، اشتهر بثراء قاموسه في البذاءة والدناءة وساقط القول.) ..( إنتهي الإقتباس ) .
وكان لا بد لي وأستميح القراء عذراً من التنويه أن كلمة ( الفَضَلْ) في اللغة العامية تعني أيضاً ما تبقي من الشيء وهو نفس المعني في اللغة الفصحي كما جاء في القرآن الكريم : (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) ? النور وفي تفسير إبن كثير : (قول تعالى: { وَلا يَأْتَلِ } من الأليَّة، [وهي: الحلف] (1) أي: لا يحلف { أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ } أي: الطَّول والصدقة والإحسان { وَالسَّعَة } أي: الجِدَةَ { أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أي: لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين. وفي معناه ذوي السعة وما يفيض عن حاجتهم من الأموال وهي في معني ( ما يبقي من الأموال ) وفي الحديث الصحيح : ( ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ..إلي آخر الحديث) أي (ما فاض وما تبقي من أموالهم ..).
حقيقة ماثلة للعيان أن الشعب السوداني الذي إستقبل علي مضض هذه الطغمة الحاكمة قبل أكثر من إثنين وعشرين عاماً ليس هو نفس الشعب بعد إنقضاء هذه الحقبة من الزمان ..فقد ذهب ثلث هذا الشعب في صفقة الذلة والهوان والإنكسار والتي سميت بغياً وعدواً ( إتفاقية نيفاشا ) ومن تبقي من الثلثين كان ضحية هذا النظام الذي أعمل فيه إبادة وقتلاً وإغتيالاً وتشريداً في فجاج الأرض حتي بلغ عدد السودانيين الهاربين من أوطانهم ( تسعة ملايين ) ومن آثر البقاء مكرهاً ولم تسلب روحه رصاصة مسافرة مات جوعاً ومرضاً وهماً وكمداً.
في زمان غير بعيد وهذه العصبة الحاكمة قد تملكها الشعور بأنها وصية علي الشعب السوداني ولها القوامة الشرعية علي كل من يمشي علي قدمين في ما تبقي من وطن الجدود بدا لرموز النظام وحزبه الحاكم أن ممارسة القتل بغير الحق في هذا الشعب ضرورة تمليها غريزة حبهم للسلطة وربما عزوا ذلك ظلماً وبهتاناً كما قال ذلك رئيس جمهوريتهم في ( الكرمك) إلي (مشيئة الله )…سبحان الله وتعالي عما يصفون ومن حلم عن ( الحجاج بن يوسف الثقفي ) رغم إجتراء من ذكر علي الله وحدوده لن يضير سلطانه وينقص من ملكوته أن يحلم عن إجتراء هذه العصبة علي حدود الله وإنتهاكهم للحرمات ولا يستحون أن تزين لقاءاتهم العمائم واللحى وترتفع حناجرهم نفاقاً بالتكبير والتهليل .
لا يختلف إثنان عن خروج هذه العصبة الحاكمة عن الطريق القويم والمحجة البيضاء والسياسات التي تلغي أي وجود للعقل أو الوجدان السليم لهذه الطغمة الحاكمة ..ففي الوقت الذي يصوب فيه النظام الحاكم فوهات البنادق في صدور أبناء شعبها الأعزل ومواطنيها الذين يطالبون بالحق في المساواة في حقوق المواطنة والعيش الكريم ..يجعل هذا النظام ( ذيله بين أرجله ) عند إعتداء أي دولة خارجية علي بيضته وسيادته علي أراضيه منطق يقوم علي مسامحة ( المعتدي القوي ) وإدارة الحرب ضد ( المواطن الأعزل) كما حدث في ( دارفور ) منذ العام (2003) ومجزرة ( بورتسودان ) في العام (2005) ومجزر جنوب كردفان (مايو 2011م) وجنوب النيل الأزرق (سبتمبر 2011م) ..وهي ملاحظة جديرة بالملاحظة حقاً فمنذ إعتلاء هذه العصبة سدة الحكم في 30/6/1989م ورغم الإعتداءات المتكررة علي حدود البلاد من دول هي عضو في هيئة الأمم المتحدة لا يبدو هذا النظام راغباً في تحريك أي شكوي ضد أياً من تلك الدول ( إسرائيل ? مصر ? أثيوبيا ) ولكنها تنشط وتدب في عروقها الحياة لتقديم شكوي ضد حكومة جنوب السودان مدعية دعمها ( للحركات المتمردة ) داخل حدودها وهي شكوي تبني علي (الظن ) الذي لا يغني عن الحق شيئاً ..ولكنه منطق النظام الذي يقوم علي المرارات والضغائن ولا يكرس للعدالة ورد الظلم ومنع الإعتداء .
ماذا يفعل الشعب السوداني ( الفَضَلْ) وقد كرس هذا النظام للموت كما قال بذلك ( حجاجهم بن يوسف الثقفي ) : ((فيها شنو لو نصف الشعب ده إنقرض، عشان النصف الثاني يعيشوا مرتاحين) فأنشأ منظمة لترتيب موت الشعب وأسماها ( منظمة حسن الخاتمة ) ..وهي دعوة من النظام إلي ماتبقي من الشعب للموت صبراً كما دفعهم للموت قبلاً في ( أحراش ) الدولة المجاورة بعد أن نادي مناديهم للجهاد والحرب المقدسة .
يقول أستاذنا ( فتحي الضو ) في مقاله آنف الذكر عن هذه المنظمة : (اتساقاً مع التناقضات أعلاه تجد هذه المنظمة رعاية واهتماماً خاصاً من العصبة، وتنهال عليها تبرعات كثيرة بعضها فرض كفاية على أفراد، وأخرى فرض عين على شركات ومؤسسات ووزارات وهلمجرا. فلا تندهش يا عزيزي القاريء إن علمت إن لهذه المنظمة صحيفة تصدر منذ العام 2004 وحتى الأسبوع الماضي صدر منها 826 عدداً. وبحسب تقرير قبل سنوات (الشرق الأوسط 21/12/2005) إنها توزع آنذاك 6 آلاف نسخة في الخرطوم وحدها، وتنفد أعدادها بسرعة دلالة على أن الرعية زهدت في دنياها (ولا ندري كم توزع الآن، ولا شك أن العدد تضاعف) ولها مراسلون في جميع الولايات يمدونها بآخر أخبار المقابر والموتى. وللمنظمة موقع الكتروني (قيد الإنشاء) كما هو مشار إليه. وعلمنا من خلال ثقافة الموت التي تختص بها الصحيفة أن في العاصمة المثلثة أكثر من 236 مقبرة. وفيما يشبه الانتحار الجماعي، فمن بين هذا العدد المهول، هناك (مقبرة الأمير( التي تقع بجبل المرخيات (تستقبل 25 جثة يومياً) وفي العام 2009 عقدت المنظمة مؤتمرات بمحليات الولايات تحت شعار (أين ندفن موتانا وقد امتلأت قبورنا) قال عنها الأمين العام عبد القادر علي محمد أن تلك المؤتمرات (خلصت لتوصيات رُفعت للمسؤولين بوزارة التخطيط العمراني، وتلخّصت في عدم وجود مساحات كافية للدفن بالولاية، والحمد لله كل التوصيات ضُمّنت في الخارطة الهيكيلة لولاية الخرطوم وتم تخصيص 50 مقبرة جديدة للولاية، ونحن في حسن الخاتمة لم نستلم منها أي موقع حتى الآن) ونسبة لأن للمنظمة يداً طولى، لم تشأ انتظار تلكؤ الوزارة، فقامت بوضع اليد على مزرعة بمساحة 11,5 فدان من الأراضي الخصبة والمنبسطة على نهر النيل الأزرق بمنطقة الجريف غرب وحولتها لمقبرة بعد تسويرها وتجهيزها بشبكة مياه وإنارتها، وبالطبع لم تكترث لمواطنين أحياء يسكنون حولها في قبور من خيام ورواكيب عشوائية. منهم امرأة قالت لصحيفة الأخبار 11/8/2009 (ما بنقدر نتكلم لكن بيوتنا مظلمة والمقابر منورة) نتمنى ألا تكون القائلة في عداد الأربعين ألف امرأة، ممن طُبّق فيهن حد القذف) ? إنتهي الإقتباس .
ماذا يفعل الشعب السوداني (( الفَضَلْ)) قبل أن يسعي هذا النظام إلي تشييعه زرافات ووحداناً إلي أحد قبور هذه المنظمة التابعة للنظام ( التي تملأ الرحبة ) وقبل أن تتزاحم (رفاتهم ) وتزداد القبور عدداً … متي يغير الشعب طريق تعامله مع هذا النظام ؟؟ .. الذي يبدو أنه تعامل يقوم علي الطيبة والتسامح والأمل في غدٍ لن يأتي وصباح لن يشرق وأملل لن يتحقق ..وأنا لست ممن يوصمون هذا الشعب بالخوف فالشعب الذي واجه المستعمر حتي قال مؤرخهم : (( أنهم أشجع من في الأرض )) ..والشعب الذي أسقط أعتي الدكتاتوريات العسكرية لن تعوزه البسالة للنضال أو تنقصه الرغبة في التغيير .
بسم الله الرحمن الرحيم : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) ? (الرعد ) – صدق الله العظيم.

عمر موسي عمر – المحامي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..