أخبار السودان

هجرة العقول العلمية .. نزيف الكوادر البشرية

تحقيق: إنتصار السماني خالد
يعود تاريخ هجرة العقول العلمية في السودان إلى منتصف القرن الماضي وكانت البداية إلى المملكة العربية السعودية وليبيا في مطلع الستينيات من القرن الماضي كظاهرة نوعية ذات طابع خاص، ثم أخذت في التوسعة وأخذت طابعاً سياسياً إبان عهد مايو وفي 71ـ 1975م حيث أصبح مؤشر الهجرة في حالة ارتفاع ملحوظ وبنهاية العام 1985كثرت الهجرة إلى دول الخليج العربي التي استحوزت على النصيب الأعظم من الكفاءات والعقول العلمية التي تعد نزفاً قومياً مستمرًا، حيث قدرت بعض الأوساط أن الخسائر من جَراء هجرة هذه الكفاءات تقدر بملايين الدولارات. وأبرزت دراسة أعدتها وزارة العمل والتنمية البشرية مغادرة 94 ألف شخص السودان في 2012 ليلتحقوا بوظائف في دول أخرى مقارنة بعشرة آلاف عام 2008.. وأبرزت الدراسة أرقام المغادرين من العاملين في الحقل الطبي والأكاديميين والفنيين والذين يعملون في حقل التعليم وإن كانوا لا يزالون يمثلون أقلية في أعداد المغادرين. وتفيد دراسة وزارة العمل أن 1620 طبيباً غادروا السودان العام الماضي مقارنة مع 338 في عام 2008، كما يقدر عدد الذين لا يجدون فرص عمل بحوالى 40% من جملة القادرين على العمل في البلاد.

نزيف بشري
حذّر إبراهيم الحسن الخبير في مجال الهجرة في حديثه لـ «الإنتباهة»: من هجرة العقول أو الكوادر البشرية المؤهلة للخارج واصفاً ما حدث خلال العام الماضي من هجرة بأنه كان نزيفاً بشرياً مؤكدًا أن هجرة هؤلاء لها أثر سلبي على المؤسسات وأوصى بضرورة تبني سياسات شاملة ومتوازنة لإدارة هجرة الكوادر الوطنية بجانب مراجعة القوانين واللوائح المنظمة للهجرة وضبطها بما يخدم الأهداف العامة للدولة وضرورة إنشاء ملحقية عمالية بسفارات بلادنا الجاذبة للعمالة لتساعد في تنظيمها وتوجيهها وإحكام التنسيق مع الأجهزة ذات الصلة بقضايا الهجرة المتمثّلة في وزارة الخارجية ووزارة الداخلية وجهاز المغتربين، وقال إن آخر إحصائيات رسمية في السودان عن تواصل هجرة الكفاءات والخبرات العلمية للعمل بالخارج بلغت نسب مخيفة للغاية. وإن وزارة التعليم العالي فقدت نحو ألف من أميز أساتذة التعليم العالي بالجامعات الذين غادروا البلاد.
بيئة طاردة
وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي بروفيسور خميس كجو كندة، إن أكثر من 1000 أستاذ جامعي حتى الآن هاجروا لخارج البلاد من جملة 12 ألفاً يعملون بالجامعات الوطنية، بنسبة اقتربت من الـ 10% ورأى أن الكوادر المهاجرة من أميز أساتذة التعليم الجامعي في البلاد، وقال إن كثيراً من الجامعات أصبحت بيئتها غير جاذبة بسبب الحروبات والنزاعات، وكشف عن وجود إقبال خارجي لإنشاء جامعات في البلاد بهدف تعليم طلاب الدول المجاورة. ودعا الجامعات للشروع في مشروعات استثمارية تتبع لها لسد النقص الأكاديمي وما تحتاجه من تمويل للعملية التعليمية.
تدمير للبنى التحتية
أستاذ الدراسات الاجتماعية عبد الرحيم بلال قال للصحيفة: إن هجرة الكوادر السودانية امتداد للأوضاع الداخلية والسياسات الاجتماعية والاقتصادية الطاردة. وواصل حديثه إن الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه البلاد فتح، ويفتح الباب لهجرة كل الطامعين في إصلاح أوضاعهم الاقتصادية. ونبه إلى عدم وجود جهود لتحديث البرامج الاقتصادية الجاذبة للعمالة السودانية بكافة مجالاتها، مشيرًا إلى فشل الدولة في معالجة أزمة الروابط التفضيلية المؤثرة، عازياً هجرة الكوادر المدربة والمؤهلة لتدمير البنى التحتية للمشروعات القومية الرئيسة. ويرى أن ارتفاع درجة الإعالة بين المواطنين وانخفاض معدل الاهتمام الحكومي «فتح الأبواب أمام الرغبة في تغيير الأوضاع ولو بالهجرة خارج البلاد».
لاتوجد إحصائيات
دكتور كرار التهامي الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج أكد أن (66) ألف كادر بشري مؤهل حصلوا على عقد عمل العام الماضي، لافتًا إلى أنهم يفتقدون إلى حقائق وإحصائيات عن الهجرة، وأوضح أن هجرة العقول هجرة إيجابية ويجب أن نعمل على تحفيزهم وجذبهم، وطالب المؤسسات الصحية والتعليمية من عدم التخوف من الهجرة بل عليهم أن يعملوا من أجل تعويض الفاقد بالتدريب والتأهيل.
أرقام خرافية
بينما كشف علي أحمد دقاش مدير الإدارة العامة للموارد البشرية وممثل وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل للصحيفة عن أن عدد المهاجرين لأغراض العمل لعام (2012) بلغ حوالى (94230) مهاجرًا، وأوضح أن المهاجرين إلى المملكة العربية السعودية حوالى (86553) مهاجرًا وقال إن أعداد المهاجرين مقارنة بعام (2008) يمثلوا ثمانية أضعاف عام (2012) وأشار إلى أن هجرة الكوادر الفنية والحرفية تمثل العليا بين القطاعات الأخرى خلال الأعوام الخمسة الماضية حيث وصل أعداد الحرفيين (62818)، وعمال الزراعة والرعي (60838)، وأضاف أن أعداد المهاجرين خلال الأعوام الخمسة الماضية بلغ حوالى (189856) مهاجرًا، أما بالنسبة لهجرة الأطباء فأرجع أسباب هجرتهم إلى ضيق فرص العمل للخريجين بالإضافة إلى ضعف الأجور الشيء الذي دفع عدد كبير منهم إلى التوجه إلى الخارج خاصة إلى المملكة العربية السعودية وليبيا وأوضح أن أكبر هجرة للأطباء تمت إلى المملكة العربية السعودية وبلغت (4430) طبيباً تليها ليبيا (426) حيث هاجر خلال العام الماضي حوالى (1620) طبيباً وبلغ عدد الأطباء المهاجرين خلال الأعوام الخمسة الماضية (5028) طبيباً و(1002) أستاذ جامعي، وأكد أنه خلال العام الماضي فقدت عدد كبير من الجامعات السودانية خيرة كوادرها المدربة وأجمل الآثار السالبة المترتبة على الهجرة في فقدان السودان للكوادر المؤهلة والمدربة بجانب تدهور الإنتاج العلمي وتدني الخدمات الصحية قلة الوظائف الطبية.
قلة وظائف
من جانبه أكد الدكتور الشيخ الصديق بدر المرصد القومي للموارد البشرية في إفاداته لنا: أن هنالك ندرة في معلومات الهجرة كما أنه ليس لدينا معلومات دقيقة للجهات التي تتوجه إليها، كما أن هجرة الأطباء في زيادة مستمرة وقال إن كل من يأتي لاستخراج شهادة خبرة من وزارة الصحة دليل على شروعه في الإجراءات الهجرية وكشف عن أن هنالك (30000) طبيب تم لهم استخراج شهادات خبرة خلال السنوات الماضية، وأكد أن (20000) منهم هاجروا وأشار إلى أن إحصائيات وكالات الاستخدام من عام (2006 إلى 2012) إلى المملكة العربية السعودية (6) آلاف، وأوضح أن وكالات الاستخدام الخارجي تعمل على تجنيد العنصر البشري، كما أنها تمارس عملها دون رقابة مأمونة، وأرجع أسباب هجرة الكوادر الطبية إلى قلة الوظائف كما أن الوظائف الموجودة لا تعبر عن طلبهم وحذّر من خطورة هجرة الكواد الطبية، مشيرًا إلى تقرير الأمم المتحدة الذي صنف السودان من ضمن (57) دولة تعاني من تدني مستوى الصحة.
دوافع علمية
بينما وافقهم في الرأي البروفيسور حسن محمد صالح مؤكدًا أن هجرة الأستاذ الجامعي أصبحت أزمة يعاني منها التعليم العالي وأرجع أسباب هجرتهم إلى تدني الرواتب والمستوى المعيشي لأساتذة الجامعات وفي بعض الأحيان تكون الهجرة بدوافع علمية وبحثية لا تتوفر في السودان وتتاح للباحثين في دول أخرى، رغم محاولتهم لتحسين البيئة الجامعية لكنه دون الطموح، وأجمع الحضور على أن هجرة العقول تعتبر نزيفاً للكوادر البشرية المؤهلة مطالبين بضرورة ترشيد هجرتهم وتحسين أوضاعهم.
لجنة معالجات
وبحسب مصادر لـ «الإنتباهة» أن وزارتي العلوم والاتصالات، والتعليم العالي والبحث العلمي بالسودان شكلتا لجنة للنظر في وضع معالجات تحد من هجرة العقول. وأعلنت الحكومة أنها فقدت 34% من كوادر العلماء والباحثين في المركز القومي للبحوث خلال الأشهر الستة الأخيرة، وأكدت وزيرة العلوم والاتصالات، تهاني عبد الله عطية تكوين لجنة من وزارتها (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)، للنظر في وضع معالجات لهجرة العقول بتوفير الحد الأدنى من الظروف، التي تحافظ على استمرار بقاء العقول لخدمة جهود البحث بالبلاد وأشارت إلى أن المركز القومي للبحوث التابع للوزارة فقد خلال النصف الأخير من العام الجاري «34%» من كوادره من العلماء والباحثين بسبب الهجرة. وأن هجرة الكوادر تمثل أعظم التحديات التي تواجه الوزارة، ودعت لضرورة الاستفادة من كل خبرات وتجارب العلماء والباحثين الوطنيين، عبر المجالس الاستشارية بعيداً عن أي تصنيفات سياسية وجهت الوزيرة القائمين على الهيئات والمراكز البحثية التابعة للوزارة، بتفعيل مجالس الإدارات والمجالس الاستشارية. وأمّنت على أهمية التزام مكونات الوزارة كافة في التعاقدات والاتفاقات والتعامل مع الجهات الخارجية، بموجهات وزارتي العدل والخارجية، ووجهت بضرورة الاهتمام بقضايا العاملين.

من المحرر
من خلال التحقيق تبيَّن لنا أن الظاهرة توسعت بعد العام 1985م وأخذت في ازدياد مطرد في الأعوام 1990ـ 200م بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية. والواقع يقول إن هجرة العقول السودانية قد بلغت خسائرها ملايين الدولارات في عقد السبعينيات وتفاقمت هذه الخسائر إلى مئات الملايين بعد عقد الثمانينيات، فكم تكون الخسائر بعد (الكم) الهائل للهجرة في السنوات الأخيرة من العام 200 م؟.
بلا شك أن الدول المعنية هي الرابح الأكبر من العقول السودانية المهاجرة، ترى ماذا يقول ذلك الصرح الشامخ المسمى بجهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج؟ أين إحصاءاتهم؟ أين خططهم المستقبلية ومشروعاته.؟ بل أين رؤيتهم الطموحة لهذا النزوح من العقول؟ أم أن المسألة فقط تحصيلات ضرائبية وزكاة ورسوم قدوم ومغادرة وخدمات.

الانتباهة

تعليق واحد

  1. الكوادر اصبحت عاله علي الوطن بعدين همهم مادي بحت لايرضون بالقليل والطب اصلح من يقوم به النساء ظريفات وصبورات وقنوعات الله يحفظهم ودورهن في الرعايه اكبر ومستواهن عالي من الذكاء شابكننا ليل نهار كوادر هاجرت لو قعدوا ماذا سيعملون هو لو في اصلا كوادر ومهن نادره دي حالنا فكوها سيره القاعد قاعد لنفسوا والمهاجر لنفسوا

  2. اذا كان راتب الدكتور الشهري في الجامعات السودانيه 3 مليون جنيه وفي السعوديه بيعادل 24 مليون جنيه سوداني يعني بمعدل زيادة 800% بالاضافة لانو لمن ينزل معاش بدرجة بروفسور حقوقه 18 مليون يعني ماتامه مرتب شهر واحد من قروش السعودية البقعدوا ليكم شنو!!!؟

  3. رمتنى خطاى ان اذهب لدار العاملين بالخارج بشارع محمد نجيب قبل عدة ايام…صفوف كثيرة وزحمة وشباب مافى راسو شعرة بيضاء…زحمة كزحمة العيد او اشد…الكل خارج برة…ومابقى يحلم بالخروج…ومن لايملك القروش يفكر فى التسلل…ارض المليون صارت اضيق من امارة عجمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..