حماقة الاحياء..اا

صدي

حماقة الاحياء!!

امال عباس

٭ الموت والدمار والتفجيرات في شغل شاغل هذه الايام على صعيد العالم.. الفضائيات والاذاعات والصحف كلها تتحدث عن التوترات.. وعن قرب الحرب.. وعن.. وعن.. وكل هذا يجعل الموت والدمار والتفجيرات وانهر الدماء على استعداد للحلول والاقامة.
٭ تذكرت ايام حرب بيروت.. كانت غادة السمان تحرر الصفحة الاخيرة بمجلة الاسبوع العربي.. كتبت في عدد التاسع من مارس عام 6791 ذكريات من بيروت احتفظت بما كتبت ضمن ما احتفظ به بصورة خاصة.. وعندما طاردتني انباء الحرب والتفجيرات والتمرد والتحديات لجأت لما كتبت غادة.. ادعوكم معي لهذا الاستدعاء وربنا يكفينا بشاعة الحرب والتفجيرات على الصعيد الداخلي والعالمي..
كتبت غادة:
«تعب حفار القبور فشرب نصف بطحة عرق ونام وخرج الموتى من قبورهم كما في كل ليلة يجلسون على سور المقبرة ويتفرجون على ما يدور في بيروت عبر نيران الشوارع والحرائق ويضحكون لحماقة اكثر الاحياء ثم يذهبون الى جيرانهم الجدد في القبور الحديثة فيخرجونهم ويسألونهم عن احوالهم وحكاياتهم ويتسامرون تماما كما يفعل الاحياء حينما يسكن في الحي جار جديد.
٭ ذلك المساء صرخ احدهم وهو يقترب من احد القبور هذا ليس منا.. تجمعوا حول القبر وعرفوا فورا بفضل حاستهم السابعة ان الرجل الذي يضمه هذا القبر هو «غريب» عنهم.
٭ صرخت جثة نصف متآكلة انه حي.. انه ما زال حيا لا يرزق. اخرجوه من القبر.
قال هيكل عظمي سنحاكمه واذا كان بريئا حكمنا عليه بنعمة الموت واذا كان مجرما طردناه من ملكوتنا وعافيناه بالسجن داخل ملكوت الاحياء.. اي عافيناه بالحياة.. لكن الميت الحي كان مثخنا بالجراح وفي غيبوبة كاملة وهكذا كان امر محاكمته مستحيلا.. ودفاعه عن نفسه مستحيلا.. هكذا قرر احد وجهاء المقبرة.
٭ ردت جمجمة فوضوى مات صغيرا.. سنعدمه اولا ثم نحاكمه كما كنا نفعل هناك.. تدخل آخر.. عالمنا ليس قذرا لا نستطيع ان نقرر مصير انسان لا نعرف عنه شيئا لا يمكن محاكمته محاكمة عادلة اذا لم يكن صاحياً.. وما يدرينا ربما كان مجرما لا يستحق بالتالي رحمه الموت والانضمام الينا.
٭ قال هيكل عظمي عار من اللحم تماما اقترح اعادته الى المدينة ما دام ليس منا.. هناك يعالجونه على طريقتهم او يعيدونه الينا بعد ان يستكمل جميع شروط الانضمام الى مدينتنا الهادئة.
٭ واخيرا تقرر طرح الامر على التصويت.. صاح هيكل عظمي مهيب الطول من يوافق على اعادته الى مدينة الجنون فليرفع جمجمته على اصبعه ومن لا يوافق فليترك جمجمته في مكانها وارتفعت جماجم كثيرة على الاصابع وتقررت اعادة الغريب الى بيروت. ووقفت الهياكل العظمية في صف طويل مهيب وحملوه في تابوت ولفوه بكفن وعلقوا على القبور اوراق نعوته وهو المأسوف على شبابه الذي اختطفته يد الحياة الى عذابها ومشى موكب الاموات الى بيروت مشيعين الحي في جنازة مهيبة مرددين من اجله احر الصلوات والدعوات.
٭ وحين واروه مقره غير الاخير على باب احد المستشفيات اهالوا الليل عليه وودعوه بالدموع الحارة اما الحارس المناوب على باب المستشفى فقد قال حين وجد جريحا مثخنا امام الباب وبدأ حمله الى مدخل غرفة الاسعاف حيث تكوم عشرات الجرحى بانتظار اسعافهم.. يا الهي كم هو ثقيل وسيموت طبعا كالآخرين.. لماذا لا يحملونهم الى المقبرة مباشرة «انتهى ما كتبته غادة».
٭ لعن الله زمانا يصير فيه الموت نعمة ولعن الله الذين يقيمون للموت وللدمار والخراب اعراسا.
هذا مع تحياتي وشكري

الصحافة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..