تميز الشخصية السودانية …هجرة النوبيين نموذجاً..ملأ اهالي كسلا القطار بالقريب فروت والليمون والموز والخضروات

محمد سليمان دخيل الله:

إن الشخصية السودانية شخصية متميزة وتحمل صفات وملامح قل إن توجد في مساحة جغرافية اخرى وهي متسامحة مبتسمة وكريمة وحليمة وشجاعة ومقدامة ان دعا داعي لذلك نجد إن التنوع في السودان دلالة على الوحدة وهذا التنوع يدل على التعدد الثقافي وإنه يحمل عادات وتقاليد وفنون تعكس الشخصية السودانية.
ومن الشخصيات السودانية التي لها دور كبير في الحياة السودانية المفتشين والضباط الاداريين الذين يستوعبون تداخلات الحياة السودانية بكل تفاصيلها ويعرفون جيداً الدساكر والحضر وجغرافية السودان وتاريخه.
وقد اسهموا في بناء السودان كثيرا وكان لهم القدح المعلى في حركة الاقتصاد والبناء وما زالوا ومنهم واحداً سطر اسمه بالنور وهو حسن دفع الله خريج كلية غردون التذكارية وعمل في سلك الادارة في العديد من المناصب وفي مدن مختلفة في السودان وقد سجل أعظم الانجازات وأشرف على تهجير أهالي وادي حلفا إلى منطقة خشم القربة وقد كتب أعظم سفر عن هذه التجربة باللغة الانجليزية مسجلاً كتاب في شكل رواية بشخوصها وخطوطها واحداثها وقد ترجم هذا الكتاب في العام 1002م المستشار الإعلامي والمالي والاداري عبد الله حميدة خريج جامعة الخرطوم كلية الآداب و«هجرة النوبيين» هو عنوان الكتاب ويحمل قصة تهجير أهالي وادي حلفا.
ويشير الكاتب إلى أن قرية وادي حلفا تعتبر أعظم الأماكن شهرة في المنطقة الواقعة بين الشلالين الأول والثاني على طول ضفة النيل وهذا الوصف اخذ عن علي مبارك من كتابه «الخطط التوفيقية في العام 6991م».
ومدينة وادي حلفا سكانها النوبيون وهم من أكثر قبائل السودان مسالمة برغم قسوة الحياة وفقرها في المنطقة وهم كرماء ومهذبون مع الغرباء فالضيوف يلقون منهم حسن الرفادة والتقدير وهم أذكياء فالضيف النازل عند أحدهم فهو ضيف المدينة وهذه من صفات الشخصية السودانية، ومن صفات النوبيين النظافة وترتيب البيوت، ونجد أن زخرفة بوابات المنازل جميلة وبالوان مزركشة في حلفا القديمة حالياً وفي كل الأحياء كالمجراب نجد الفن النوبي تقوم برسمه النساء.
وقد بدأ الرحيل من وادي حلفا بالباخرة الثريا في أغسطس من عام 3691م وقد بدأت عملية التهجير فعلياً بالقطارات في «5» يناير 4691م في اتجاه خشم القربة الموطن الجديد وكانت أفواج المهاجرين من فرص وسره وأرقين وحلفا وصرص ودبيرة ودبروسة والتوفيقية واشكيت واتجه أول قطار جنوباً وعند وصوله لمحطة أبو حمد فإن قبيلة «الرباطاب» عن بكرة أبيها في ترحيب حار ومضياف وهذا من صفات الشخصية السودانية الكرم والضيافة وفي مدينة بربر جاء عباس التجاني الضابط الاداري للمدينة في مقدمة مستقبلي أهالي حلفا وقدموا لهم الشاي والطعام وفي عطبرة والدامر جاء الاهالي بمختلف سحناتهم لاستقبال ووداع اهالي حلفا في اتجاههم لموطنهم الجديد وقدموا لهم جوالات السكر ودقيق القمح والارز وصفائح الجبن والزيت والحلوى للاطفال وتمنوا لهم السعادة في مقرهم الجديد وعند محطة مسمار جاء الهدندوة يتلقون القطار باواني الشاي يقدموها ببشر وتراحاب، وقد وصل القطار إلى هيا في ساعة متأخرة من الليل وكان البرد قارس ورغم ذلك الا ان الشيخ بيرق أحد زعماء الهدندوة وأهله الهدندوة جاءوا يحملون الدقيق والسكر والزبد والعسل والتي بيرق كلمة بلهجة البجا رغم معرفته للعربية دليل مشاركة للنوبين وإننا «رطانة» مثلكم وأكد بيرق حجم التضحية التي قدمها أهالي وادي حلفا لصالح الأمة جمعاء وأكد لهم إنهم يعيشون معهم في سلام وحبور وفي «اروما» توافد الهدندوة للترحيب بجيرانهم الجدد وجاء الناظر محمد الأمين ترك على رأس المستقبلين ودق النحاس في «اروما» وغنت النساء بالدلوكة ورحبوا بأهليهم الجدد.
وفي كسلا جاء البني عامر والرشايدة وكان الاستقبال لاهالي وادي حلفا استقبالاً اسطورياً وقد كان اهالي كسلا ودودين ومتدفقين بالحنان والغناء والهتاف ترحيباً بالنوبة في ارض خشم القربة وملأ اهالي كسلا القطار بالقريب فروت والليمون والموز والخضروات ووصل القطار واطلق السائق صافرات تعبيراً عن ترحيبه بالسكان الجدد في موطنهم.
ونجد ان رحلة هذا القطار دلت دلالات واضحة على عظم الشخصية السودانية في اي اتجاه من اتجاهات هذا الوطن وجاء الشكرية بناظرهم في خشم القربة وارض البطانة لاستقبال اهلهم واخوانهم في الوطن في مشهد يجسد ان هذا السودان مواطنه صاحب بصمة في الحياة السودانية وكما يقول الشاعر علي عكير زرقة نجمة ساعة النهمة ما بتوانى.. وقد دخل الناس الى مساكنهم وسجلوا تاريخ في التضحية من اجل الوطن والمصلحة العليا.. وفي هذا التهجير عظات عظيمة تمثلت في اخراج اجساد العظماء من مراقدها وكان ذلك اثناء تهجير الاحياء ومن هؤلاء العظماء الامير عثمان دقنة «امير الشرق» وقد خاض معاك في تلال البحر الاحمر فالحق الهزيمة بطاهر باشا في معركة التب ودحر الجنرال بيكر في معركة طوكر ونازل سريا الجيش البريطاني في واقعة هندوب وعثمان دقنة احد ابطالنا القوميين العظماء وقد كان قبر عثمان دقنة خلف ضريح السيد إبراهيم الميرغني وتقدير للكاتب حسن دفع الله الذي أصر في العام 3691م على ان يتم ترحيل جثمان البطل عثمان دقنة للشرق لان المنطقة مهددة بالغرق وأتصل الإمام الهادي المهدي والسيد الصادق المهدي لينقل الجثمان إلى قبة المهدي واتصل مجلس بورتسودان النذير حمد بأن يرحل الجثمان الى سواكن، وانتدب من بورتسودان سليمان عثمان فقير لحضور عملية إخراج الجثمان وجهز عربة سكة حديد وتابوت ولفافات من القماش والعطور والمطهرات واكاليل زهور وديباجات مؤرخ عليها معارك البطل عثمان دقنة وكان ذلك بعد سبع وثلاثون عاما ًمن رحيله عن هذه الدنيا الفانية ليزيح الحفارون الحجارة ليجدوا الكفن بجدته وكانت في القبر رائحة طيبة وجسد البطل «عثمان دقنة» كما هو وجسده الطاهر لم يتحلل كما تحدث حسن دفع الله وكان شاهد عيان ودفن في أركويت نقطة مراقبة غاراته وتم دفنه في موكب رهيب يليق بشخصيته وبسالته وتقدم موكب التشييع ضباط وجنود حامية جبيت والحاكم العسكري من بورتسودان والاعيان والاهالي والموظفين وجاء من سنكات السيد سر الختم جعفر الميرغني وحمل جثمان لامير عثمان دقنة على أكتاف ضباط الجيش كبطل قومي دافع عن السودان ومثل الشخصية السودانية في جسارتها ومنعتها وقوتها وظهر وجهه الكريم بعد سبعة وثلاثون عاماً وكأن قد ارتحل عن هذه الدنيا قبل لحظات. وبعد نقل جثمان الأمير عثمان دقنة جاء إلى حلفا وفد من الختمية لنقل جثمان السيد إبراهيم الميرغني وجاء وفد إلى حلفا بقيادة إبراهيم صالح سور الذهب وجاء الناس للضريح والخلفاء وعلت أصوات المدائح وتحدث الخليفة علي محمد عثمان مالك عن السيد إبراهيم الميرغني وأنشد قصيدة البراق وظهر الجثمان وكان الكفن أبيض ناصع البياض وجسده بحالة طيبة رغم مضي أكثر من ستة وخمسون عاماً على رحيله وكان السيد علي الميرغني يرغب في نقله إلى الخرطوم بحري ليدفن في ضريح السيد المحجوب الا أن إلحاح النوبيين على دفنه في وطنهم الجديد حلفا لجديدة ووافق على ذلك، إنها الشخصية السودانية ذات الابعاد المعرفية ذات الصفات القيادية والجسارة والتسامح والشهامة والاقدام فقد كان أهالي حلفا القديمة اصحاب تاريخ عريق وتنازل من أجل الوطن وقد كان ساكني قبورهم اجسادهم طاهرة برغم عشرات السنين وهي مقبورة ومثالاً لذلك الأمير عثمان دقنة والسيد إبراهيم الميرغني، فتَحيّة لكل النوبيين في السودان وفي حلفا القديمة والجديدة وللاستاذ حسن دفع الله المغفرة بقدر ما قدم لهذا الوطن ومتع الله الاستاذ عبد الله حميدة بالصحة والعافية لترجمته للكتاب وان الشخصية السودانية ستظل تحمل الوطن في حدقات العيون.

الصحافة

تعليق واحد

  1. الشكر للاستاذ محمد على إنصافه لاهلنا النوبيين ووصفهم بما هم اهل له … ولكن هل يتفق معى أن تضحياتهم من اجل الوطن قوبل بالجحود والنكران من كل الحكومات التى اتت على السودان ,,,, حيث ان الذين تم تهجيرهم من وادي حلفا الى حلفا الجديدة يعانون الأمرين فى حلفا الجديدة جراء الأمراض المتفشية الملاريا والبلهارسيا و السرطانات بسبب الإسبستو س اللعين الذى كان سبباً فى وفاة الكثيرين وما زال يتربص بالباقين … وعن مشروع حلفا والذى سميّ بالمشروع الإعاشى تدهور الى درجة كبيرة حتى لم يعد هناك مكان حتي درجة واحدة للتدهور .. تخيل ان المساحات المزروعة تقلصت الى اقل من النصف بكثير بسبب تراكمات الأطماء امام الخزان وعدم وفرة مياه الري والمسكيت الذى لولا رحمة الله ومجهودات الراحل العميد محمد صالحين لكانت منطقة حلفا منطقة مقفولة لصالح المسكيت (كما الدعايات الإنتخابية ) …. وحلفا التى كانت خضراء من بداية المشروع وحتى نهايته اصبحت الآن كما الصحراء جردااااااااااااااااااااء قاحلة … نأمل ان تجد منطقة حلفا العناية والإهتمام … واكرر لك شكرى وتقديري

  2. مصلحة عليا وتنازل من اجل الوطن ، ماذا استفاد الوطن من تهجير اهلنا من وادي حلفا الذي استفاد هو مصر الذي خدع الفريق عبود بقليل من المبالغ وخدعه بانهم سيوصلون الكهرباء من السد العالي لجميع مناطق الولاية الشمالية ، حتى التعويض البسيط من مصر لم يستلم كاملا .
    والله خدع ذلك الرجل العبود الشعب النوبي المسكين ، وايضا ذلك الشخص الذي يكتب عن هجرة الحلفاوين بيخدع في الشعب النوبي بانهم هاجروا لمصلحة الوطن ، ماذا فعل الوطن للنوبيين ، كل مورادهم بالعون الذاتي مستشفيات ومدارس وماء وكهرباء من مواردهم الشخصية منذ استقلال السودان ،
    وبالامس يقول الرئيس اللاوطني عمر الغير مبشر بانه سيبني سد كجبار لعمل هجرة ثانية للنوبيين من مناطقهم من المستفيد من بناء هذا السد ولماذا كل هذه السدود في الولاية الشمالية ( اذا كان عشان الزراعة فسد مروي يكفي الولاية الشمالية كلها ويفيض ويوزع الباقي لبقية السودان بعد نيل الولاية من نصيبها ) فنحن ابناء النوبة لانريد اي سدود واي تهجير ثانية والكلام دة موثق بدم شهدائنا الابرار في كدن تكار كجبار

  3. كنت في زيارة لمصر عدة مرات كنت أمر بمناطق النوبة .. ومن ضمنها حلفا الجديدة حيث الميناء والعبور .. وصراحة الوضع هناك مزري جداً مقارنة بحلفا الجديدة التي تعتبر جنة بالنسبة لتلك المنطقة .. فعليكم أيها النوبة بحمد الله والثناء عليه ولا تجحدوا النعمة التي أنتم فيها والتي لم تحلموا بها في بقية عمركم .. فكلمكم متغربون وهاون للهجرة ففيها ايه لما تهاجروا داخل الوطن .. وإذا ما عاجبكم روحوا أسوان ..

  4. المرحوم صالحين هو الانسان الةحيد الخدم حلفا ولكن هنالك اشخاص وراء اغتيالية
    مثل عبدالمعز الجزمة وغيرهم
    هولاء لايريدون خدمة المنطقة هم اصحاب المنفعة

  5. والغريب في الامر تلقي اهلنا النوبيين والحلفاوين بصوره خاصه بيحبوا المصرين ويقدسوهم عدييييل كده مع انهم سبب نكبتهم ( يحلفاويييين اصحو )

  6. الحلم الجميل

    يافرحة عشتها فى الحلم الجميل …..
    رأيت الماء ينزل رويدا رويدا
    عن مئزنة المسجد
    وعن اشجار النخيل ……
    ورأيت معبد بوهين شامخا
    يكشف عن الارث الاصيل….
    والمراكب تجرى فوق صفحة النهر
    والاشرعة مع الرياح تميل…..
    ورأيت منازل حلفا الجميلة
    تلوح فى الافق مثل القناديل ….
    وسمعت اجراس المدارس
    تنادى التلاميذ
    وتحثهم على التعجيل ….
    وشممت رائحة النهر الذكية
    ورايت الفتيات يملأن الجرار بالماء
    العذب السلسبيل ….
    وذاك القطار يملأ المحطة صخبا
    فيصفر ويصفر معلنا ساعة
    الرحيل ….
    والشمس تشرق فى الحقول خيوط
    من ذهب وتحت الاشجار
    يحلو المقيل …..
    ثم صحوت من حلمى الجميل
    فوجدت ثغرى باسما
    ودمعى يسيل ……

    بالامس القريب سلبوا مننا حلفا
    واليوم نقسم بان نسترجعها ولن
    نرضى بغيرها بديل …..
    ياشباب هيا نبنى موطننا ولنقل
    تبا
    تبا
    تبا ليد المستحيل ….
    يافرحة عشتها فى الحلم الجميل …..

  7. السلام عليكم ….

    الشعب النوبي الشعب الاصيل الذي ضحي وما زال يضحي من اجل غيره …..جزء من هذا الشعب يعيش في مصر وجزء منه في السودان,,,ولاكنيي اتمنتي يوم من الايام ان نجتمع معا مرة اخري بجانب نيل واحد في ضفة واحد ….ونعيد المملكة النوبية القديمه العظيمه الي مجدها السابق
    ………………………..
    ونحن هنا بالخارج ان شاء الله ستندرس ونتعلم كل صغيرة وكبيرة ونرجع مرة اخري لي نبني بلدنا ونعيد حضارتنا……..وهذا ليس بخيال وسترون هذا في المستقبل ان شاء الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..