لأجل الوحدة ..أما من منطقةٍ وسطى بين العلمنة والدين؟(1-2)اا

رأي

لأجل الوحدة ..أما من منطقةٍ وسطى بين العلمنة والدين؟(1-2)

خليفة السمري – المحامي

لاحظت على الكتابات والمقالات التي كتبت في الآونة الأخيرة،فيما يتعلق بإشكالات الوحدة والانفصال،أن جلها، قد صب في باب التلاوم، والبحث في تاريخ المشكلة، بغرض تحميل جريرة تمزيق الوطن لطرف، دون آخر، ولم يكن كاتب هذا المقال بمنجاة من ذلك،وعلى النقيض من ذلك ،لاحظت أن الكتابات الجادة ،التي تقترح حلولاً ،ولو متواضعة لإشكالية الوحدة والانفصال، تكاد تكون في حكم القليل النادر، وهذا ما حفزني إلى محاولة الفكاك من ذلك النهج -الذي لا يتناسب مع المرحلة – والولوج إلى محيط الأفكار التي تبحث عن الحلول الناجحة،أملاً في أن يكون مقالي هذا قطرة غيثٍ في هذا الباب،أو خربشة متفائل يحاول إحداث ثقب في جدار الجمود والإحباط الذي ضرب بأطنابه علينا جميعاً بسبب هول صدمة التمزق التي لاحت في أفق البلاد،والسلخ المتوقع لجزء غالٍ من وطن الجدود، وكأني – من هول هذا الخطب الجلل- بإرادة الأغلبية منا قد أصابها العجز والشلل،وكأني بلسان حال الجميع يقول : وهيهات أن يأتي من الدهر فائتٌ ..فدع عنك هذا الأمرَ،فقد قضي الأمرُ.
مع حالة الإحباط هذه نحمد للسيد الصادق المهدي أن جفنه لم ينم، وذهنه لم يتكدر أو يشوش،ولم يغش عقله الشلل والإعياء، وهذا هو المؤمل من القيادة دوماً، أن تبعث الحياة في العظم النخر، وأن تجلب الفأل والأمل،وتجدد روح الفعل فيمن خارت منهم القوى،وانقطعت بهم السبل،عن بلوغ الغاية والمقصد،لقد اقترح حكيم أهل السودان ،كما يحلو للبعض أن يناديه ،حلاً لإشكال الوحدة والانفصال، تضمن من بين ما تضمن أن يكون بترول الجنوب كله لأهل الجنوب،وأن تؤسس دولة بنظامين، أحدهما علماني في الجنوب، والآخر إسلامي في الشمال،تحكم كل منهما حكومة نظيرة للأخرى،على أن تدار العاصمة بطريقة مدنية، أو علمانية بإدارة مشتركة من الطرفين،لتكون العاصمة بذلك بمثابة قاسم مشترك بين النظامين،لكن للأسف حتى الآن لم نر قبولاً لهذه الفكرة ولا حواراً جاداً حولها،من الأطراف الفاعلة ” المؤتمر الوطني والحركة الشعبية”،وظلت رؤية الطرفين لأمر الدولة تراوح مكانها ،وتتخذ من المانوية ديناً لها،فلا تشوف منزلة بين المنزلتين،ولا ترى بين الأبيض والأسود تدرج ألوان،فإما علمانية سافرة،تشمل كل مظاهر الدولة والحياة،على نحو ما تحلق بنا صقور الحركة الشعبية،دون مراعاة لمشاعر الغالبية المسلمة ،وإما أن مجرد قبول مناقشة فكرة العلمانية،يعتبر خوضاً في الممنوع والمحظور،على نحو ما أنذرتنا صقور المؤتمر الوطني ،ولا شك أن عقيدة ماني هذه ستنتهي بأمر الوطن إلى جحيمٍِ لا يرحم، ونارٍ لا تبرد حممها،ولا ينطفئ لهيبها.ولكن يظل الدأب دوماً أنه عند وقوع الإحن والورطات أن الشعوب تركن إلى قيادتها وإلى أهل الفكر والنظر فيها،ليفكوا لها طلاسم الألغاز، ويحلوا لها عويص المشكلات،فأنى لنا بقيادات فكرية على قدر هذا التحدي ،تطرح حلولا،وتثير نقاشاً،على نحو ما فعل السيد المهدي،وأنى لنا بهادٍ في هذه الغبرة التي علا عجاجها ينجو بنا من الانتهاء إلى صيرورة “إن حتفها أعماها”؟،
وبدلاً من الاستسلام لحالة الإحباط هذه،فالأجدر بالجميع أن يوقدوا شمعة في الظلام،عسى أن يكفينا ومضها الواهن شرور التعثر في الحفر، على أمل إدراك خيوط الفجر وأنوار الصباح.
إن اتفاقية السلام الشامل بالفعل كما سبق أن قال الدكتور غازي العتباني،لم تستصحب النصوص الذمية التي يتحدث عنها بعض قادة الحركة الشعبية،ولم تجعل،لا هي، ولا الدستور الانتقالي من المواطن الجنوبي مواطناً من الدرجة الثانية،على النحو الذي يتذرع به بعض قيادات الحركة الشعبية،للتحلل من واجباتهم تجاه شعبهم،والتي من أخصها بناء السودان الموحد، فعلى المستوى الدستوري ،واقعاً، وقانونا،فإن النائب الأول لرئيس الجمهورية من أهل الجنوب الذين لا يدينون بدين الإسلام،وكذلك غالبية وزراء الحركة في الوزارة الاتحادية، فأين ذلك من أوضاع أهل الذمة ،التي يتحدث عنها البعض، ليبرر حالة الرحيل العاطفي باتجاه الجفوة والانفصال، لكن من جانب آخر،فإن المؤتمر الوطني، ظل يدغدغ عاطفة جماهيره بقضية الشريعة ،ويطرحها بصورة فضفاضة، تداري على مخالفته لها، على مستوى البناء الدستوري للدولة،وتثير خوف الجنوبيين ،الذين يرون بشأن الشريعة ما لا نرى،على الرغم من الضمانات الدستورية، والقانونية، التي وفرتها نيفاشا،وكان أجدر به ? أي المؤتمر الوطني- أن يصارح النفس،وينور جماهيره، ويطلعهم على الحقيقة الغائبة عن كثيرين منهم،ممن لا علم لهم بفقه الشريعة ،وما أكثرهم، فتبني الشريعة الإسلامية،على مستوى التشريعات العادية ،لا يصبغ الدولة بالإسلامية ،إذا ما كانت هذه الدولة على مستواها الدستوري،غير متقيدة بنصوص الشريعة، فحسب وجهة النظر السلفية ،فإنه ليس من حق من يتجاوز شروط الإمامة ،أو شروط الذمة ،في دولته أن يحتج أو يزايد باسم الشريعة على من يتجاوز هو الآخر في دولته النصوص الشرعية المتعلقة بالشرب والردة والسرقة،حال كون ،هذا، وذاك،في باب مخالفة النصوص الشرعية سيان،هذا إذا علمنا أنه ليس في نصوص الشريعة فاضل ومفضول، لذلك كان لا بد من مواجهة النفس، والتصالح معها، لأن في هذا التصالح أمانٌ للآخر، وإقناعٌ له للتعامل معنا على نحو وثوق،وفي سبيل الوصول إلى هذا التصالح ،لا بد من إبداع التأويل المقنع، الذي يجد سنده في الدين نفسه،وفي أصول الفقه الإسلامي، وما جرى عليه العمل في دولة الإسلام، في شتى مراحلها،وفي جميع البقاع التي حكمتها،وما الخلاف، وأدب الخلاف في المذاهب الإسلامية ،إلا دليلاً على مرونة الشريعة،واستجابتها لمعالجة مشكلات الواقع ،إذا ما تصدى لأمرها ذووا الطاقات المبدعة ،الذين لا يركنون إلى ظواهر النصوص،ولا يقنعون بالقشر دون اللباب، والذي نأسف له بصدد ما نكتب فيه الآن،أن الإسلاميين السودانيين،أيام كانوا بعيدين عن سدة الحكم والسلطان، كانوا أكثر تفكراً،وتأملاً، وإنتاجاً لأدوات حلول المشكلات المفترضة ،فلما اعتلوا الملك، وتمكنوا من السلطة ،أصابهم الشلل ،والجمود،مع أن الأصل،أن من هو في موضع السلطة،والسياسة التنفيذية،عادةً ما يكون أكثر مرونةً من ذلك الذي لم يلج بابها بعد،وهذا ما نستغرب معه تصريحات بعض الذين زايدوا على قضية الشريعة،عند اقتراح بعض قادة الحركة الشعبية لمسألة علمانية الدولة كشرط للبقاء في الدولة الموحدة،وللأسف كانت مزايدتهم عاطفية فجةٌ ومنفرة،لم يهديها نور العقل ولا حكم الوقت والمرحلة،إلى قبول الحوار ،للوصول إلى منطقةٍ وسطى، نضمن معها عدم استفزاز الأغلبية المسلمة ،وفي ذات الوقت، نضمن معها عدم استثارة السودانيين من غير المسلمين ،في هذا الظرف الحساس الدقيق،وقد نوه البروفيسور العلامة الطيب زين العابدين،في ما له علاقة بحديثنا هذا، في مقال له نشرته صحيفة الصحافة في 2/8/2010م،نوه إلى مفارقة الحركة الإسلامية عملياً لخطها الفكري ،بشأن قضية الجنوب، فكتب ما نصه ” وفي عام 1987م أصدرت الجبهة الإسلامية القومية وثيقة مهمة باسم «ميثاق السودان» حاولت فيها تأصيل موقف الجبهة من قضية الجنوب وهي التي نصّت صراحة على أن الحقوق والواجبات تقوم على المواطنة المتساوية بين المسلمين وغير المسلمين قياساً على وثيقة المدينة التي عقدها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار والعرب المشركين واليهود، وعلى النظام الفيدرالي بين الشمال والجنوب، وعلى استثناء أهل الجنوب من الأحكام ذات الطبيعة الدينية، وعلى حرية المعتقدات والثقافات. وكان الميثاق بمثابة قفزة متقدمة مقارنة بتراث الفقه الإسلامي التقليدي مما حدا بالسيد الصادق المهدي رئيس الوزراء الاحتفاء به كما أشاد به عدد من القادة الجنوبيين، وقام مركز دراسات الإسلام والعلاقات المسيحية-الإسلامية التابع لكليات سلي أووك الكنسية في مدينة بيرمنجهام بترجمة الميثاق ونشره باللغة الانجليزية. وشكل الميثاق مرجعية الحركة الإسلامية النظرية في التعامل مع قضية غير المسلمين في دولة إسلامية،ولكن التطبيق العملي لسياسات حكومة الإنقاذ تجاه الجنوب اختلف تماماً عن منظورها الفكري والسياسي الذي اختطته لنفسها قبل عقد من الزمان” أ.هـ

الصحافة

تعليق واحد

  1. ارجو ان تسمح لي الاخ ان اعلق بدون ان اقرا المقال، لدي انطباع من خلال العنوان فقط. العلمنة عرفناها و ليها حيرانها و مريديها ، لهم اخلاق او لم يكن فهم لا يدعون شئ لانفسهم، اما الدين من في رايك يمكن ان يكون المناسب عشان يلبس هذا الجلباب ان صح التعبير ، من !!!!!!!!!!!الكيزان، الصوفيه، انصار السنه ، الاخوان، اللصوص الرجعيين المنافقين البلداء من سيدي من هولاء. ما رايك لو يرجع الكان حاصل قبل مجئ هولاء و يسدو ابواب الدنيا علي الناس المغلوبة. كيف كان الدين قبل هولاء بل كيف كان محمد احمد السوداني

  2. العدل أساس الحكم،قال المولي عز وجل في محكم تنزيله(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذاحكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)فالانقأذ ظلمت المسلمين من أهل السودان بأسم الاسلام وجعلتهم لاجئين ومشردين فما بألك بالمسيحيين وأتباع المعتقدات ألاخري لذلك لايمكن لوم الجنوبيين في مايفعلون إذا إستصحبناء العذأبات والمرارات التي ألمت بهم منذ فجر الاستقلال والي يومنا هذا

  3. يا استاذي العزيز ان الذجاج لا يجبر بعد الكثر
    الحديث عن الوحدة الان قد فات اوانه منذ التوقيع علي اتفاقية السلام لان الانفصال الان اصبح حقامشروعا بنص القانون وحسب ما جاء في الاتفاقية بحق التصويت االاخوة في الجنوب كانوا يقاتلون لعدة سنوات وحينما حصلوا علي حق التصويت ظلوا منتظرين لمدة خمسة اعوام وطيلة هذه المدة لم يساءلوا عن اي بند في هذه الاتفاقية التي كتبت في اكثر من 280 صفحة وطيلة هذه المدة هم يعملون بكل جهد لترتيب اوضاعهم واخيرا اقول ان الذجاج لا يجبر بعد الكثر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..