إختبار ..( أول الخريف)

الطاهر ساتي

** بالنوبية ( قُسيبة)، وبالعربية (مطمورة).. أوعية ذات سعات مختلفة، تقف شامخة بجوار بعضها بطول جدار الحوش..( المطمورة)، لم تكن ترمز للثراء ولا الإكتفاء الذاتي، إذ هي كانت تزين حيشان كل البيوتات ( الثرية والفقيرة)، ولكنها كانت ترمز للأمن الغذائي والمخزون الإستراتيجي للأسرة.. أي، بالمطامير كانت عبقرية البسطاء تسبق موسم شح المحاصيل.. ولذلك، لم يكن موسم الجفاف يفاجئ الناس بمخاطر الجوع لحد الموت والمرض.. فالمطمورة – بكل بساطتها – كانت بمثابة تفكير إستباقي لكيفية مواجهة أزمة مرتقبة ..!!

:: وبكردفان الكبرى، على سبيل مثال آخر، لاتعرف أجيال اليوم كيف تم تجويف أشجار التبلدي ( الوفية والأمينة)،لتحتفظ بمياه فصل الخريف في جوفها طوال فصل الصيف ؟..لا يتغير لونها ولا رائحتها ولا طعمها، بل تزداد عذوبة ونقاء لتروي عطش الأهل..بهذا التفكير الإيجابي كانت الفرقان والوديان والأرياف – بكل كثافتها السكانية – تتجاوز أزمة العطش بلا موت أو مرض أو إرتباك يوحي أن بالناس جنون.. ولحظة تجويف سواعد البسطاء لتلك الأشجار العظيمة هي لحظة التفكير الإستباقي لكيفية تجاوز أزمة مرتقبة..!!

:: وبالجزيرة و القضارف وغيرها.. عندما تنثر أيدي الزراع بذور الذرة و(أب سبعين)، تكون أيدي الأبناء مشغولة في ذات اللحظة في تنصيب منصات خشبية تحيط بها أسوار من الأشواك أو الأسلاك الشائكة، بحيث يصبح المكان آمناً لحفظ حزم سيقان الذرة بعد حصادها أو حزم أب سبعين بعد تجفيفها.. وبهذا التفكير الإيجابي تحظى الأنعام بفضيلة الأمن الغذائي والمخزون الإستراتيجي – الكائنة في تلك الأسوار ومنصاتها الخشبية – طوال موسم الجفاف.. ولحظة تشييد المنصات والأسوار – بغرض تخزين القصب الجاف ? هي لحظة التفكير الإستباقي لكيفية إدارة أزمة مرتقبة..!!

:: وكثيرة هي النماذج التي تعكس أن العقل الشعبي بالسودان كان – ولايزال – يتجاوز مخاطر أزمنة وأزمات مرتقبة بالتفكير الإيجابي، وهو المسمى في مراجع الإدارة ب( التفكير الإستباقي)..وهذا النوع من التفكير هو المفقود في عقول أجهزة وسلطات الدولة، ولذلك تتجلى – على سبيل المثال – في مثل هذا الخريف من مشاهد وأحوال الناس والبلد ما تبكيك دماً ودموعاً.. فالخريف لم يكن في موسم من المواسم، ولا في بلد من البلاد، رمزاً للخراب والموت ..بل، كان – وسيظل – هذا الخريف رمزاً للخير والنماء..ولكن هنا – حيث موطن عقول السلطان التي لاتتقن التفكير الاستباقي – صار الخريف رمزاً للكوارث..وليس في الأمر عجب، هكذا دائما الحال بالدول ذات الأجهزة العاجزة عن ( التفكير الإستباقي)..!!

:: وعندما تؤمن أُسر بالأرياف قوت عامها بالمطامير، كتفكير إستباقي، يكون المخزون الاستراتيجي الحكومي عاجزاً حتى عن إطعام المنكوبين بالسيول، لتستقبل البلاد ( طائرات الإغاثة)، لأن عقول السلطات الإقتصادية لا تعرف معنى التحسب للأزمات، وهذا ما سيحدث خلال الأسابيع المرتقبة.. وعلى ذلك ( قس)..( نبصم بالعشرة)، لم تبادر أية سلطة حكومية ? طوال اشهر الصيف والشتاء الفائتة – في تقديم نموذج واحد من نماذج التعامل الجيد مع مخاطر أمطار وسيول هذا الخريف.. كل السلطات – كالعهد بها دائماً – جمدت عقولها وإنتظرت الأمطار والسيول لتتعامل مع مخاطرها ب ( الصراخ و الإستجداء)..ولذلك، أي لأن العقل الرسمي في بلادنا لم يعد يتقن نهج التفكير الإستباقي، لم يعد مُدهشاً أن تجرف السيول بيوت الناس التي تم تخطيطها وتوزيعها في ( مجرى السيول)، وكذلك لم يعد مُدهشاً أن تمتلئ صالات مطار الخرطوم وعنابر المشافي وأنفاق الطرق بالمياه في ( أول مطرة)..!!
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هذا يخدث فقط عندنا يحكمك عساكر وتجار دين لايملكون تخطيط وكل شي فشل منسوب الي ( القضاء والقدر والابتلاءت) وغيرها من اشياء دينيه يبررون بها غباءهم وفشلهم وسوء تخطيطهم
    احد عساكر الدفاع المدني المغفلين سئل في برنامج تلفزيوني قبل عاميين ماذا انتم فاعلون لمساعدة المنكوبيين من السيول والامطار؟ ماذا كانت اجابة هذا الحمار!
    قال هم السكنن جنب مجري المويه شنو؟ قهمتوا ليه ياعساكر انكم غير صالحين للحكم؟

  2. لن يكون الامر مدهش لنا ولهم أن تتمتلئ اروقة القصر او مجلس الوزراء لسبب بسيط جدا أن هؤلاء اعداء العقل والتفكير (بوكو حرام السودان), فكل الاضرار التي تلحق بالسودان من كوارث طبيعية لا يستطيعون التفكير الاستباقي فيها فهم لا يعيش واقعهم انما يعيشون احلام شيخهم بان تسود فكرة المشروع الحضاري جميع انحاء العالم فهل يعقل -هذه الجزئية تخص عموم الشعب دون بوكو حرام الانقاذ-أن تقسم البلاد ويحل بالسودان الدمار والجوع والمرض وهم على سدة الحكم 25 عام !! وهم (بوكو حرام الانقاذ) يعتقدون انما ينقص الوطن هو فقط مسألةالحريات والديمقراطية لكن للاسف السبب هو نحن فضلنا الهروب خارج الوطن سواء في الخليج او اوروبا وتركنا لهم الوطن يعيثون فيه فسادا وتدميرا

  3. القسيبة كانت تحفظ فيها البلح والذرة والقمح وان مر علي تخزينه عشر سنوات ما يجيها ضرر من تسوس وخلافه لان المال كان حلال قد زكي زكاة الزرع فاليوم حكومتنا ربوية مطعمها حرام وملبسها حرام وغذي بالحرام فاني يستجاب له وهم رعاة يتطاولون في البنيان يتاجرون باسم الدين ومن هنا جاء الفرق بين الثري والثريا

  4. التفكير الإستباقي محصور لديهم في كيفية المحافظة على حكم هذا البلد التفكير الإستباقي في كيفية تجنيب الأمول والتفكير الإستباقي محصور لديهم في كيفية تغطية وحماية المفسدين منهم وفي كيفية معاقبة ومحاربة كل من يفكر في إزالة هذا النظام أو تعريته وكشف بؤر الفساد والتي تعددت مواقعها
    يا ناس أصحو بالله وشوفوا ديل جابين ليهم مجرمين عشان يحرسوهم ويحرسوا نظامهم هل ترجوا منهم خير للبلد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..