المعتمد الذي قرر الاعتماد على النفس

لم يسمع كثير من السودانيين بالمطرب الشعبي الشايقي أحمد فرح، لأنه ? في ما أذكر ? سجل أغنية واحدة في إذاعة أم درمان، ثم خرج ولم يعد حتى الآن، وكانت أغنيته تلك ?يا حليك يا بلدنا?، تحية الوداع للوطن الصغير والكبير، ثم هجر التاج مكي حبيبته كسلا، واستقر في الإمارات، وشد الكابلي الرحال الى السعودية، وحاول الاعتذار والتبرير ?غريب والغربة أقسى نضال?، ثم استدرك ?غريب والغربة سترة حال?، ثم هاجر هاشم ميرغني وغيره من المطربين الأفذاذ والواعدين، فرغم حناجرهم المغردة وقدراتهم العجيبة في التلحين والأداء، كانوا ينتمون إلى عصر، لم يكن فيه الغناء الجميل ?يوكل عيش?.
وكان أول وزير سوداني من الوزن الثقيل يهاجر طلباً للرزق، هو الدكتور محمد أبو حريرة (وزير التجارة في حكومة ما بعد انتفاضة إبريل)، وفي سنوات لاحقة هاجر العديد من الوزراء من مختلف الأوزان، فلم ينتبه إلى ذلك أحد، لأن بلادنا ? بدون فخر ? في طليعة الدول المنتجة للوزراء، ولدينا اليوم نحو ألف شخص على قيد الحياة، يحملون لقب ?وزير سابق/ أسبق?، وبعضهم ما زال يحلم باستعادة لقب ?الوزير الحالي?.
سألني زبون قديم لجريدة الرأي العام، دللته مؤخرا على النسخة الالكترونية للصحيفة: فتح الرحمن شبارقة دا كان في البوليس أو النيابة العامة؟ ولما قلت له: حسب معلوماتي هو كان في ال ?سي. آي. إيه? الأمريكية، ومكلفاً باستجواب المعتقلين في غوانتنامو. صاح: عليك نور. أنت تستخف بسؤالي، ولكنك أجبت عليه بما يوحي بأنك أيضاً تحس بأن خلفية شبارقة بوليسية!
ثم قدم ذلك الصديق، وهو قارئ نهم واسع الاطلاع شهادة ? أوافقه عليها ? في حق شبارقة: لا يطرح في حواراته أسئلة البكش، بل يسعى للحصول على معلومات يعرف أنها تهم القارئ، و?فقري?، لا يترك من يحاورهم يتهربون من الأسئلة الصعبة، بل يلاحقهم برشقات متواصلة، ويعني بذلك أنه يقاطع المراوغين بأسئلة قصيرة تعيدهم إلى النقطة التي ?زاغوا? منها (بالمناسبة قرأت في كثير من صحفنا حوارات، تتخللها مفردة ?مقاطعة?، كي يدرك القارئ أن من أجرى الحوار قاطع ضيفه، وكلمة ?مقاطعة? في نص الحوار حشو ولغو، لإن إيراد الكلام الذي قاطع به الصحفي من يحاوره، يجعل القارئ يدرك أن ?المقاطعة? حدثت).
قرأت قبل أيام حواراً أجراه شبارقة مع د. بابكر وقيع الله، معتمد الحصاحيصا الذي استقال من ذلك المنصب الذي أُسند إليه قبل أشهر قليلة، ليعمل محاضرا في جامعة طيبة السعودية، ولأن الرجل ليس مسؤولا تنفيذيا فئة خمس نجوم، ولأن الهجرة ?مطلب شعبي?، فقد تعجبت لماذا اختار شبارقة محاورة الرجل، وزال عجبي عندما أدركت أن استقالته أثارت ضجة وجدلاً ساخناً في المنتديات
كان د. بابكر أميناً مع نفسه ومعنا، عندما قال إن راتبه كمعتمد 6300 جنيه، لا تفي بالتزاماته المالية، وأنه عندما قرر الهجرة فكّر في تأمين مستقبل عياله وأمر تعليمهم الجامعي، (مما يدل على أنه قرر أن يعلمهم في جامعات خارج السودان بالعملة الصعبة كي ينالوا تعليماً عليه القيمة.. عين العقل يا دكتور).
كبر د. بابكر في نظري لأنه يرفض الوجاهة، وليس مثل كثيرين يرفعون لواء ?الصيت ولا الغنى?، وعفيف، ولو أراد استغلال منصبه لاغترب في الحصاحيصا، وتذكرت مغتربين كثيرين أعضاء في أحزاب كانت معارضة، وما أن صار لها نصيب من كعكة السلطة، حتى عادوا الى السودان من المهاجر، وهم يحلمون بالوجاهة المتأتية من السلطان، ثم سفوا التراب ومد كل واحد منهم قرعته: فيزا/ عقد عمل لله يا محسنين.
الراي العام
الشئ الذى لم يفطن له الناس فى استقالة معتمد الحصاحيصا هو ان الرجل امين وعايز يربى أولاده من مال حلال ولو كان غير ذلك لقبل بأقل من المنصب وسوف يتم الباقى من الفساد . وما اسهل الفساد فى هذه الأماكن . تحية له
*د. بابكر ده يا ابو الجعافر هو:
– من تخرج من الجامعه فى 1993, و دوغرى على الوظيفه فى عز “التمكين”!!
– و هو من عمل فى “منظمة الدعوه الاسلاميه”, البضاعه الرائجه وقتها!
– ثم إنتدب ليؤسس و يرأس “منظمة دعوه إسلاميه” فرعيه فى جزر القمر, لينشروا فيها” قيم الدين”!
– ثم نصب “عميدا لكلية” الهلاليه, دون ان يحصل على المؤهلات الضروريه!. و هذا لا يحدث ابدا فى العالم, إلآ عند المتمكنين طبعا!(و بالمناسبه, لم احظى بشرف تدريس هذا الدكتور!, فقد كنت فى المعتقل و قتها و فصلت من داخله!..و بالمناسبه ايضا, لم احلم ب”عمادة الكليه” فى عهد الديمقراطيه قبل إنقلاب “اخوان” د. بابكر, برغم اننى احمل مؤلاتها العلميه(1983) من اعظم و اعرق جامعات إنجلترا, و “العمليه و البحثيه” (حتى 1991)..فالمسأله لم تكن وقتها تمكين و محسوبيه و بطيخ)!
– و ما بين هذه و تلك, تقلد د. بابكر “وظائف” و مهام “شتى”!
– و اخيرا رسى الدكتور فى موقع متواضع, هو “منصب المعتمد”!, قبل ان يهجره بسبب قلة العائد الذى لا يتجاوز 6200ج. فى الشهر!( طبعا نضيفه, من السكن و العربه و الصيانه و الوقود و العلاج..إلخ!)..فى حين ان الحد الأدنى فى “دولة الخلافه”, لا يتعدى 450ج. فى الشهر(اى 5400ج. فى العام!, اى اقل من الراتب الشهرى للدكتور!)..كما ان متوسط مرتبات “قطاعات الخدمة المدنيه”, لا يتعدى 850ج. فى الشهر(اى 10200ج. فى العام!)!!
– بل ان هذا الدكتور كان يغطى الفرق بين “المعايش!”و “المرتب”, من “مدخراته” الخاصه(حسب روايته), و المدخرات الخاصه هذه, قد يكون ورثها من والده, إن “إنتقل” لا قدر الله, او من جده!, و ليس من دخل “الوظائف” المتعدده التى شغلها فى عهد التمكين طبعا!! قهجر الدكتور المنصب, و غادر “البلاد” فى تكتم شديد!..و عندما نما لعلمى ان “معتمدا” ما زال فى المنصب هاجر للسعوديه, ظننت لأول وهله “و بعض الظن إثم!”, ان الأجهزه “الأمنيه” تطارده!. او انه غادر “مغاضبا” كعادة الإسلامويين!!..أو انه إكتشف حجم الجرئم و المآسى و البلاوى التى إرتكبها “تنظيمهم الشرير”!..لكننى لم اتصور قط, ان هذا الدكتور “النظيف” قد “إغترب” طلبا للمزيد من الرزق!, أو لإعتبارات “ماليه و تعليم الأولاد”!..أو انه يرفض “الوجاهه”! التى بلا عائد “محترم”!
* لكن وضح “كبر د. بابكر فى نظر” ابوالجعافر!, و نظر آخرين, لأنه يرفض “الوجاهه”!, و لأنه يسعى لتحسين وضعه المادى!..و تأمين تعليم الأبناء على أعلا مستوى!(و ذلك حق مشروع لا انكره عليه فى الظروف العاديه, طبعا!)..كما كبر الدكتور فى نظر صحغين آخرين, بقامة فتح الرحمن شبارقه “العنيد!”, بتاع ال”CIA”, فسعى لإجراء مقابله مع الدكتور, لتوثيق هذا الحدث العظيم!
* و شخصيا, كان يسرنى جدا, لو ان الدكتور اكتشف خطل “فكره التنظيم الشيطانيه”, التى قادت “البلاد و العباد” للفقر و المسغبه, حد الانهيار!!, و لو بعد 22 سنه خدمه “كيزانيه خالصه و متواصله”!..كنت ساشد من أزره, لو ان الدكتور اعترف بما إقترفت “يد التنظيم!”, (و هو جزء منه) تحت ستار “الدين”!, من تقتيل و تشريد و ظلم و إفقار وإهانه للعباد, لاحقت اثارها حتى المواطنين خارج البلاد!!..
* كنت ساسعد جدا يا ابو الجعافر, لو ان هذا الدكتور العفيف النظيف, الذى كبر فى نظر ابو الجعافر تحديدا..لو انه ارسل و لو كلمة إعتذار “بسيطه” للشعب السودانى, و يعلن من خلالها تخليه نهائيا عن هذا “الفكر الشرير” الذى دمر الوطن..حتى و لو من مخبئه البعيد فى طيبه الآمنه!!..كنت سأقول حملة العلم ما زالوا بخير!!
* اما و انه لم يفعل, و لن يفعل, لأنه كوز من الطراز الأول!..و يصر على خطل “فكر الأخوان” المدمر, مهما كانت نتائجه و حجم جرائمه..و يغترب من اجل المزيد من المال, دون مبالاه ..فلا املك إلآ أن اتمنى له يبلغ ثراء “إخوته”!
++ فأنا أؤمن, أن المجرمين, كل بمكاسبه, دائما ما يتضامنون..و لا يختلفون حول ضحاياهم ابدا!..
و لك تقديرى.
ارجو الاكلاع على مقال مولانا / حمدنا الله لان وجهة النظر تختلف h