ظاهرة (النز) بالبرقيق وكرمة .. كارثة تهدد بتدمير اقدم حضارة وتشريد السكان

[COLOR=#FF0008]تحقيق: علي ميرغني[/COLOR]

قبل سنتين تقريباً ظهرت على بعض مناطق كرمة والبرقيق بقع ظن الاهالي انها ربما تكون مؤشر على وجود البترول داخل ارضهم، ثم تطور الامر واصبحت المياه تنبع من الارض، وظهرت شقوق على الارض واصاب الحيطان نحر وتآكل من اساسها. وبمرور الايام تحول النحر الى دمار قضى على قرى كاملة اصبح اهلها يفترشون الارض ويلتحفون السماء. ولم تقف مأساتهم في مبانيهم فقط، اصابت المياه السطحية اشجارهم وقتلتها، والاشجار عند المزارع في منزلة الابناء.
تحقيق: علي ميرغني
تقع البرقيق شمالي مدينة دنقلا حاضرة الولاية الشمالية ، وجنوب كرمة البلد، وكرمة النزل، والدفوفة الأثرية،وشمال أرقو، وشرق آرتقاشة، إنشيء مشروعها الزراعي في عام 1942م بواسطة الادارة البريطانية قبل نيل السودان لاستقلاله بهدف زراعة القمح، لملائمة المناخ هناك.
وتطور المشروع تطوراً ملحوظاً وزادت مساحة أراضيها الزراعية الخصبة، وأصبح من كبريات المشروعات الزراعية بشمال السودان اذ يتمدد في مساحة طولها (15) كلم وعرضها يزيد على (2.5) كلم ويتكون المشروع من أربعة قطاعات (حارات) تضم ما يربو عن (700) حواشة فى مساحة أكثر من (10) آلاف فدان.
والمشروع ينتج محاصيل كثيرة اهمها القمح والفول المصري والخضروات والفواكة والتمور، وظلت المنطقة هكذا دواليك بين موسمين شتوي وصيفي حتى قيام مشروع الدفوفة فى مساحة (24) الف فدان قبل ثلاث سنوات، وبعد ان كان نظام الري على السحب من الآبار الجوفية، وبعد تحويل الرى من (المترات) الى ترعة نيلية اصبحت المنطقة تعانى بطريقة لافتة من تشبع التربة بالمياه، واخذ الطفح المائى (الجمام) او(النز) يظهر تدريجيا ليحدث أضراراً بالغة تهدد وجود الاهالى بتلك المنطقة حيث لم تصبح الارض صالحة للسكن ولا الزراعة بصورتها الحالية ان لم تجد المعالجات السريعة والناجعة بعد ان يتم الغور والبحث فى اصل المشكلة ويكون الحل وفقاً للطرق العلمية حتى يكون حلاً جذرياً. مع الاخذ في الاعتبار ان تلك المنطقة تحتضن اثارا لواحدة من اقدم الحضارات الانسانية على وجه الارض.
اعطني حلاً.. ودعك عن السبب
المهم كما هو ديدن صحيفتنا في تتبع هموم المواطنين في كل بقاع البلاد ذهبت الى الولاية الشمالية، شددت الرحال وذهبت الى المنطقة لاقف ميدانياً على المشكلة واستمعت للمواطنين.
وفي مستهل جولتي الشاقة جلست الى محمد المصطفى عبد المجيد، رئيس لجنة المتضررين من ارتفاع المياه السطحية بالمنطقة، وهو معلم متقاعد، عندما سألته عن جذور المشكلة، كانت اجابته انهم كمواطنين لا يهمهم معرفة السبب خاصة بعد ان اختلفت الجهات المسؤولة في تحديد السبب. ربما اجابته رد احتجاجي على تداخل العلم بالاجندة الخاصة بكل جهة علمية يناط بها البحث في اسباب الارتفاع الغريب في مستوى المياه السطحية بالمنطقة وقتل انسان منطقة كرمة والبرقيق.
الرضى بالهم
والمتضررين يشتكون ايضاً من ضعف استجابة المركز والولاية لانقاذهم، يقولون ان الامر اقتصر على (150) خيمة والمتضررين عددهم اكثر بكثير، بالاضافة الى تخصيص قرية تبرعت بها مجموعة الراجحي، مكونة من (100) منزل بكل منزل غرفة وحوش، بلا خدمات تعليم او صحة، وحتى مقولة ان المضطر يركب الصعب لم تفلح هنا لان عدد المتضررين (460)تهدمت منازلهم تماما فيما هناك (780) آخرون منازلهم آيلة للسقوط، المقيم فيها مفقود والفار منها مولود.
القرية المذكورة تقع على بعد عشرين كيلومترا من طريق السليم وادي حلفا، فيما يطالب المتضررين بتخصيص اربع قرى جديدة مباشرة شرق هذا الطريق.
الشئ المدهش حقاً ان المتضررين يطالبون بمعينات بسيطة لا تتعدى تكلفتها الستين الف جنيه للاسرة لواحدة تنحصر تقريبا في بضع شيكارات اسمنت والواح زنك لاعادة بناء قراهم التي هدمتها المياه السطحية.
اين ذهبت المليارات
بحسب اقوال المتضررين تم جمع ملياري جنيه لانقاذهم من الوضع الذي يعيشون فيه ببناء وحدات سكنية جديدة، لكن الواقع يقول انها وعود لم تبارح (اسمع جعجعة ولا ارى طحناً). لكنهم يثمنون موقف معتمد المحلية (مبارك محمد شمة)، حتى ولو على طريقة ( فليسعد النطق ان لم يسعد الحال).
سد مروي… المتهم الاول
يتحدث رئيس لجنة المتضررين بكرمة والبرقيق، محمد المصطفى عبد المجيد، عن ان قسم الجيولوجيا بجامعة الخرطوم، اجرى دراسة خلص منها الى ان سد مروي هو السبب في الظاهرة بنسبة (70%)، يشرحون ذلك على لسان مدير القسم، بروفسيور عبد الله فردة، ان المياه الخارجة من ابوب تصريف الطمي من بحيرة سد مروي والتي توجد اسفل السد، تخرد بسرعة عالية جدا (سرعة الطلقة من البندقية) بسبب ضغط مياه البحيرة، وهذا الاندفاع يخلق ثغرات في الصخور الرملية الموجودة على عمق كبير، وبذلك تتسرب المياه في هذه الصخور الرملية شمال غرب حتى منطقة (تميس) حيث توجد صخور صلبة تمنع تسرب المياه وتردها راجعة بالتالي تتجه نحو سطح الارض في منطقتي كرمة والبرقيق.
ويؤكد ظهور شقوق على سطح الارض بطول اربعة سنتمترات وهو مؤشر قوي على خطورة الموقف وازدياد احتمالية تطورات سالبة في كل المنطقة.
سد مروي… برأة!
لكن هناك تقرير آخر منسوب للهلال الاحمر السوداني ووحدة السدود ينفي التهمة عن سد مروي، ويرجعها الى طريقة الريّ بمشروع البرقيق، وانعدام الرقابة عليه. يذكر ان مشروع البرقيق تم انشاؤه في عام 1942وظل يروى بنفس الطريقة بدون ظهور اي تشققات في الارض او ارتفاع المياه الجوفية.
ويعضد هذه النظرية شهادة بعض المزارعين الذين إلتقيتهم داخل الحواشات بكرمة. احمد، يملك اكثر من حواشتين احداهما كانت ملكاً لوزير الدفاع الحالي، احتج بقوة ضد إدارة مشروع البرقيق وبخاصة اهمال ضبط الريّ والفوضوية في توجيه المياه بجدول ريّ منتظم، بالتالي تسرب كميات من المياه خارج الاراضي الزراعية، واكد مزارع آخر ان المياه السطحية تنبع الى سطح الارض بالتزامن مع وصول المياه الى الترع الرئيسة في كل منطقة.
وللأزمة اكثر من وجه
ولمواطني منطقتي البرقيق وكرمة شكوى اخرى تسببت فيها ارتفاع المياه السطحية، او ربما تزامنت معها وارتبطت بها، ظهور حشائش غريبة على المنطقة لم يرونها سابقاً، كما انها غير مستساغة لمواشيهم وحيواناتهم الصغيرى.
يضاف الى ذلك ظاهرة موت الاشجار والنخيل وذبولها بوتيرة عالية يرون فيها خطر وشيك على انتاج التمور والموالح التي اشتهر بها مشروع البرقيق. والمزارع عندما يحكي لك عن موت شجره وحواشته تكاد تظن انه يبكي موت احد اطفاله، فهوي اجتهد ويجتهد في تربية ونمو الاثنين حتى ولو بطرق مختلفة.
مقترحات لحل المشكلة
مشكلة المناطق التي تأثرت بارتفاع منسوب المياه السطحية بمشروع البرقيق تظهر ازمة اشد سلبية، هي فقدان الثقة ولغة التواصل والتفاهم بين المواطن والمسؤول. رغم انهما ضلعي الحل. المواطن يرى في المسؤول (حداث ما سوايّ)، بينما المسؤول يعتقد ان المواطن يضخم كل حدث ويحاول ابتذاذ الحكومة به.
وبدون الخوض في الحلول التي طرحها المواطنين الذين التقيتهم في البرقيق وكرمة، استطيع ان اقول ان جلوس الجهات الرسمية، حكومة الولاية الشمالية المحلية، مع المتضررين بوجود خبراء في الجيولوجيا يمكن بكل بساطة ايجاد حل يرضي جميع الاطراف، ويخلق نموذج جيد للتعامل بين السلطات الحاكمة والمواطنين.
والى ذلك الحين يكون المشهد ان (460) اسرة فقدت مساكنها، بينما تنتظر (780) اسرة اخرى نفس المصير، وفقط شهران يفصلاننا عن موسم الشتاء، وما ادراك ما موسم الشتاء في الشمالية. وساعة ونصف هي المسافة الزمنية بين دنقلا مقر الحكومة، وكرمة والبرقيق المكان الذي تتعث فيه بغلة المواطنين بسبب ارتفاع معدل المياه السطحية. والمسافة قطعا اقصر بكثير لمن يركب ذوات الدفع الرباعي واخواتها.

تعليق واحد

  1. الأخ العزيز علي ميرغني

    تحياتي

    أعتقد انني يكم ان اساهم علمياً في حل المشكلة وقد سبق لي ان تعاملت مع اكثر من حالة مثل التي حصلت لأهلنا في البرقيق
    يمكن التواصل معي عن طريق البريد الإلكتروني او الجوال رقم 002499554946660

    ساكون في السودان لمدة شهرين اعتبارا من 25/9/2014 ورقمي في السودان 0915814714

    كل ما اقوم به من مشورة علمية القصد منه الأجر و تقديم القليل للأهل وبدون اي اتعاب او تكلفه للأهلنا في البرقيق

    اخوكم
    عبدالله الصديق حاج الأمين
    استاذ علوم المياة بجامعة الملك فهد للبترول و المعادن
    الظهران
    المملكة العربية السعودية

  2. الشيء المعهود أن تشكو الأراضي الزراعية من العطش وشح الماء ولكن لأول مرة نسمع أرضي زراعية تشكو من الإتراع والإرتواء أنا لست مزارع ولكن حسب علمي البسيط وما درسته في علم الجغرافيا أن بعض المزروعات تحتاج إلى كميات وفيرة من الماء كالأرز وقصب السكر والموز علاوة على أوراق الموز تساعد على تبخر المياه وطبعاً أكيد تكون في معالجات تانية مثل حفر حفائر متفرقة يتجمع فيها الماء لتجف باق المناطق والمسألة تحتاج إلى دراسة.
    وين أولادكم المتعلمين؟؟؟ طبعا في السعودية والخليج وأمريكا.
    وأكان راجين حكومة الكرور تحل ليكم المشكلة وطاتكم أصبحت.

  3. خطر النز ناجم من ترعة الدفوف الجديده ونظام ري البرقيق
    والان مدينة ابوحمد مهددة وخاصة الاحياء الشرقية بسبب ترعة مشروع كحيلة
    مع العلم ان ابوحمد اعلى سد مروي لذا تقرير ناس جامعة الخرطوم يبلوا ويشربوا مويتو

  4. الأخ علي ميرغني
    اسف للخطاء غير المتعمد في رقم تلفون السعوديه
    الرقم الصحيح
    هو 00966554946660

  5. و كذلك ألاحظ ان النز يحدث بفعل فيضان النيل عندما يكون الفيضان عالياً, إذ تخضر الأشجار البعيدة عن النيل و يقولون يحدث هذا بفعل النز و ليس هناك خطورة اللهم إلا الهدام الذي يحدث عقب الفيضان. لكن يبدو أن الهدام تحول طبيعي في مجري النهر عبر السنين, إذ يحمل الماء هذا الطين و تقوم الجزر في وسط النيل و هكذا. إنها من تحولات الطبيعة, لكن يبدو أن النز الذي حدث في البرقيق و غيره بسبب طبيعة التربة في هذه المناطق و الله أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..