اغتيال التاريخ!!ا

اغتيال التاريخ!!

النور أحمد النور
[email protected]

أثار قرار ازالة مبنى أثري في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، يعود الى حقبة الاستعمار الانجليزي، موجة سخط في المدينة العريقة، وشيد المبنى التاريخي في بدايات القرن الماضي كمكتب للاستعلامات والعمل بالاقليم الشمالي، وانتقدت الأوساط الثقافية والاعلامية في عطبرة قرار بيع المبنى الذي كان يضم مجمع البجراوية الثقافي لصالح بنك أمدرمان الوطني الذي يعتزم بناء برج في مكانه.
لم استغرب ذلك الموقف من حكومة ولاية نهر النيل التي تتعاطى مع التاريخ والتراث كما تتعامل مع قضية المناصير الذين يحتشدون في وسط الدامر والوالي يدس رأسه في عطبرة، والخرطوم تتهرب من مسؤولية مواطنيها وليشربوا من البحر،ولكن حكومة نهر النيل ليست وحدها فقد سبقتها جهات أخرى اغتالت التاريخ وحولت مباني تاريخية الى مخازن او مسحتها من الوجود،فقد صارت مدرسة رفاعة رافع الطهطاوي في وسط الخرطوم مقرا لاحد البنوك،وازيلت من قربها مدرسة تاريخية أخرى والقائمة طويلة.
فالمبانى التاريخية والاثرية التى خلفتها الحضارات او تركتها الاجيال السابقة تشكل جزءا من المعالم التاريخية وتدل على عمل نحتى أو هندسي ، فهو ذو دلالة تاريخية وثقافية ومادية.
والمعالم التاريخية لا تقتصر على المنشآت الكبرى بل تتعداه الى النسيج العمرانى البسيط وليس بالضرورة أن تكون المبانى موقلة فى القدم حتى يتم ترميمها والاهتمام والعناية بها، و حتى وقت قريب كان عدد من الدول لا تعتبر المبنى التاريخى معلماً إلا اذا تعدى تاريخه الزمني مائتي عام، وهنالك الكثير من الاتفاقيات والتشريعات للحفاظ على المبانى التاريخية، باعتبارها تجسيدا نابضا للماضى، كما تعبر عن هوية المجتمعات وتدل على عراقتها وأصالتها وتميزها عن غيرها من المجتمعات، وهذ ما نحتاج اليه اليوم.
وثمة صحوة أخيرا في الاهتمام بترميم الآثار،وان كانت من مبادرة غير وطنية وتمويل خارجي، وبدأ ذلك بآثار الحكم التركي للسودان، والتي تعتبر الثانية من حيث الحجم، بعد الآثار النوبية في البلاد، ويشمل مواقع اثرية في الخرطوم (القصر الجمهوري وقباب مسؤولين أتراك حكموا البلاد وبعض الوزارات، وفي ولاية بحر الأحمر مدينة سواكن حيث قصر الشناوي وفي دارفور قصر السلطان علي دينار).
وقد شكل الجزء الشمالي من السودان مسرحا لمخزون أثري امتد لآلاف السنين لكنه مع ذلك يمثل تراثا مهملا هجره أهله بسبب اهمال الحكومات التي تعاقبت على البلاد، ويقف أكثر من 98 مبنى من الاهرامات في مناطق متفرقة على الشريط النيلي الضيق تحكي في سرد عن قصة تاريخ طويل تغلفه الروايات والاساطير الممتدة في شكل نسيج لحكايات شعبية وروايات اتصلت بالتاريخ الحديث.
وتربط الاهرامات في شمال السودان الحاضر بماضٍ امتد منذ عهد بنائها حتى الآن ،تحمل في داخلها اسرارا صامتة لم تكتشف قصتها بعد لكنها من ظاهرها تحكي عن تاريخ سوداني عميق.
وفي سواكن القديمة، سواكن التي صارت أطلالا أثرية تشير إلى عظمة المدينة التى كانت، كما يحكي متحف شيكان في الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان ،وقصر السلطان علي دينار تاريخا تليدا يحدث عن نفسه.
ولقد دفع عثور فريق العالم السويسري شارل بوني الذي عاش سنوات في السودان على آثار حياة بشرية غابرة يعود تاريخها إلى ما بين 50 ألف و250 ألف سنة، وعلى أقدم قرية على مستوى القارة الإفريقية، واكتشافه لمؤشرات حول وجود حياة بشرية بالمنطقة يعود تاريخها إلى مليون سنة، الجهات المعنية إلى التركيز على ضرورة مواصلة التنقيب والبحث، فالاكتشافات التي تم التوصل إليها وما وقع العثور عليه من آثار في السودان سيغير لا محالة فهم السودانيين لتاريخهم والتفكير في اعادة قراءته وادراكه.
والمطلوب استثمار الاكتشافات الأثرية من أجل تصحيح فهم تاريخ المنطقة، ومواصلة التنقيب للوقوف على حقيقة تطور الإنسانية انطلاقا من تلك الربوع،و ينبغي أن تعمل وزارة السياحة على توظيف تلك الاكتشافات من أجل جعل السودان وجهة سياحية لا تقل أهمية عن دول قريبة مثل مصر أو الأردن أو كينيا، خصوصا وأنه يجمع بين مقومات سياحة الاستجمام والسياحة الثقافية وسياحة التعرف على الحياة البرية، وان كنا نبحث عن موارد لسد العجز في الميزانية العامة فالسياحة مورد يجب عدم التفريط فيه.

الصحافة

تعليق واحد

  1. فاتك سهوا اخ النور نصب الجندى المجهول الى كان يقع امام السكة حديد اول شارع القصر –ازيل هذا المعلم البارز الذى يجسد تاريخ السودان البطولى وتضحيات جندة المجهولين فى سبيل حرية الشعب السودانى ازيل باعتبار انة حجر ومن شأنة ان يعيد عبادة الاصنام لكن الغريب فى الامر ان الذين اتوا بهذة الفعلة اعتادوا الذهاب للحج بصورة شبة دائمة ومن ضمن الشعائر التى يؤدونها تقبيل الحجر الاسود ( استغفر اللة العظيم )

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..