أحمد بسيوني.. شهيد الثورة المبدع

"عندي الكثير من الأمل إذا استمرينا على ذلك المنوال. شرطة مكافحة الشغب "ضربتني" كثيراً ومع ذلك هنزل تانى بكره وإذا كانوا عايزين حرب فاحنا عايزين السلام. أنا بس بحاول أستعيد شوية من كرامة أمتي".
هذه هي إحدى الجمل الأخيرة للشهيد أحمد بسيوني والتي كتبها في الساعة العاشرة مساء يوم الأربعاء 26 يناير على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ألحقها بكلمات أخرى في اليوم التالي 27 يناير ونشرها في الساعة الثانية عشر و9 دقائق قال فيها:

"من الضروري أن تكون مجهزاً تجهيزاً كاملاً أثناء مشارك في الثورة: زجاجة من الخل للتغلب على الغاز المسيل للدموع، الأقنعة الواقية والأنسجة تساعد على الاحتفاظ بالخل لاستنشاقه، سبراى للدفاع عن النفس، أحذية رياضية، أقراص Pradoral والمواد الغذائية والمشروبات….. ويحظر استخدام العنف ضد رجال الأمن وإهانتهم. التخريب أيضا ممنوع فهذا هو بلدنا. احضر الكاميرا معك ولا تكن خائفاً أو ضعيفاً".

ولم يتصور أحمد بسيوني أن هذه الكلمات التي رفض فيها العنف ضد رجال الأمن ستكون الأخيرة بعد أن استهدفته القناصة في ميدان التحرير يوم 28 يناير ليلقى ربه شهيدا تاركاً وراءه زوجه شابة وطفلين (6 و 1 سنة).

الشهيد الفنان

تخرج أحمد بسيوني من كلية التربية الفنية في جامعة حلوان عام 2000، حيث عمل بعد ذلك مدرساً مساعداً في قسم الرسم والتصوير. بعد حصوله على درجة الماجستير في القدرات الإبداعية لفن الصوت الرقمي، وكان يعمل على رسالة الدكتوراه الخاصة بموضوع الجانب المرئي من برمجة المصدر المفتوح بالنسبة لمفاهيم الفن الرقمي.
ويعتبر أحمد بسيونى واحداً من أهم فناني الجيل الجديد. اختلفت ممارساته إلى حد كبير وتطورت بسرعة في السنوات العشر الماضية. لوحاته التعبيرية الأولى واسعة النطاق فازت بالجائزة الأولى في الرسم في صالون الشباب 2001. ثم أخذ عمله منعطفاً في اتجاه مزيد من التجارب التي تنطوي على وسائل الإعلام الجديدة وإنشاءات الوسائط المتعددة بين عامي 2001 و 2005.

ركز بسيوني في دراسته الأكاديمية على فن الصوت الرقمي أثناء إعداده لرسالة الماجستير بين عامي 2002 و 2006. وفي الوقت نفسه، بدأ تنظيم ورشة عمل تجريبية مستقلة لفن الصوت الرقمي في كلية التربية الفنية في جامعة حلوان في عام 2006، باعتبارها واحدة من حلقات العمل التجريبية لوسائل الإعلام والإبداع يشرف عليها الفنان الدكتور محمد شادي النشوقاتى. وكان بسيوني قد بدأ بالفعل المشاركة عام 2000، عندما كان لا يزال طالباً.

وفي ورش عمله المستقلة، قدم بسيوني أول برنامج أكاديمي في تجربة فن الصوت في مصر. لقد خلق هذا البرنامج الذي يعطي الطلاب فرصة لاكتساب المهارات الإبداعية التي تعتبر هامة لإدراك الصوت كمادة خام متعلقة بالخيال، فضلاً عن منهجية دمج المواد المسموعة مع الصور الافتراضية التي يستطيع الطلاب التلاعب بحالتها وطبيعتها كما يمكنهم تغيرها، باستخدام معدات سمعية رقمية وبرمجيات.
اعتمد بسيوني على أدائه الشخصي لاجتذاب عدد كبير من الطلاب لهذه الوسط الجديد في مصر. وكان عاملاً مساعداً في تطور مفهوم فن الصوت في كل ورشة عمل جديدة تتضمن أداء صوت حي في صيف عام 2009 و 2010. خلال تلك الورشتين كان بسيونى يدرس للطلاب قوة الأصوات الطبيعية المجمعة وكيفية تحويل الأصوات البيئية المحيطة إلى أشكال مجردة وأشكال في ذهن الجمهور، والتي من شأنها عادة أن تكتسب الطابع المعماري المبنى في الأداء الحي المباشر أمام الجمهور الحي مستفيدة من جميع التكنولوجيات المتاحة للأداء الصوتي الحي "المباشر".
لقد أعار الانتباه لقوة المجموعة المتعلمة، أهمية التفاعل ودمج الخبرات فضلاً عن التجريب في تنفيذ الأفكار. وقد كانت معظم الأفكار نتيجة مباشرة لتبادل الأفكار المتطورة من خلال تفاعل المجموعة مع قطعة الصوت التي تأخذ الحواس والعقل عندما سماعها في أستوديو الأداء الحي.

وفي موازاة ذلك، أدى إنتاج بسيوني الإبداعي إلى سلسلة من الأعمال الفنية التي تعتمد أساساً على لغة الفن التفاعلي، وقد ظهر هذا في مشروعه الأول المشترك مع زميله الفنان مجدي مصطفى، بعنوان "المدينة" في مارس 2007. هذا المشروع قد ضمن لهم الفوز بالجائزة الكبرى من صالون الشباب الثالث عشر. وقد عرض العمل في قاعة متحف محمود مختار. وشمل المشروع عدة مستويات من الوسائط المتعددة، بدءاً من العروض في إطار الإنشاء التي يغذيها الأداء التفاعلي الحي بين الزوار والفنانين طوال فترة المعرض.

و "المدينة" هي رحلة سمعية بصرية تنقل التجربة الحقيقية للوجود في شوارع القاهرة إلى العالم الافتراضي داخل مساحة المعرض. كل جزء من خريطة القاهرة الحقيقية التوبوغرافية تتم ترجمته على الجدران من خلال أصوات بيئية مسجلة قادمة من مكبرات الصوت بمواقع إستراتيجية على الخريطة الواقعية.

ودعا المشاهدين للتفاعل في حوار مسموع مع الفنانين. حيث يتم التقاط الحوار بالميكروفونات ومعالجتها رقمياً من قبل الفنانين. في وسط الغرفة يجلس مؤدى حي يخيط أجزاء وقطع من خريطة المدينة، خالقاً مدينة جديدة. والخلاصة، أن العمل الفني هو تجربة يجب أن ينظر إليها من خلال جميع الحواس وإعادة بنائها بواسطة تجارب ذاتية المشاهد.
في عام 2007، أنتج بسيوني أول تجربة وسائط رقمية تفاعلية في مشروعه المستقل، الذي كان جزءاً من تجربة "التمتمة التفاعلية"، وهو المشروع الذي نظمته مجموعة شادي النشوقاتى لمعرض الاستغراب، برعاية كريم فرنسيس. في هذا المشروع، قدم (عرض) بسيوني فكرة تعتمد على تفاعل الزائرين مع الصور الشخصية الخاصة بهم كما التقطت بواسطة كاميرا مراقبة والمعروضة على مئات المصابيح الغير مضاءة. بمجرد أن يدخل الزوار القاعة، يصبحون قادرون على التحكم في كمية الإضاءة الصادرة من المصابيح الكهربائية عن طريق حجم صوتهم. إذا كانوا يتحدثون بصوت عالي، تضيء المصابيح بزهو، وبالتالي يغطى صورتهم المعروضة على المصابيح نفسها.

وعلى المشاهدين إذن أن يختاروا إما أن يبقوا صامتين ويسمحوا لصورهم الشخصية أن تظهر أو لإصدار أي صوت، مما يجعل صورتهم تختفي في سطوع كبير من المصابيح.

وشارك بسيوني في معرض بعنوان الجسد الخفى الذي قدمه في ديسمبر 2009 في قصر مولاويه مع أداء مفاهيمي بعنوان نظام التماثل، وفيه غطى مساحة كبيرة من أرض المسرح بمادة المطاط السائل مختلطة مع أصباغ لمحاكاة الجلد البشري. وظهر بسيوني على خشبة المسرح مرتدياً زياً أزرق كالذي يرتديه العاملون في المجازر، إلى جانب أداء أنثى ترتدي فستان غامق مزخرف مع وجود تفاصيل معقدة للغاية. بدأ بسيوني بتطوير حوار سريالي مع سطح المطاط. أحيانا كان التفاعل محسوب بدقة، وفي أوقات أخرى أصبح تعبيرياً محضاً كما لو كان جسده يحاول إعادة بناء نفسه ليصبح متحداً مع السطح، مستوحى من الطبيعة المعمارية للمسرح التي كانت مقصود تخصيصها للراقصين المتصوفين القدامى.

من ناحية أخرى، كان هناك توتر في العلاقة مع المؤدية، والتي تحركت ببطء مثل دمية من حوله، محاولة غزو فراغه بعناية. ألمح العمل إلى طبيعة العلاقة المتناقضة بين مجالين مختلفين الذين قد يرغبان في التوحد سراً لاكتشاف لغة مشتركة من خلال الجسد الواقعى.

أصبح بسيوني مهتماً أكثر وأكثر بدراسة وسائل الإعلام التفاعلية الرقمية، ليصبح بذلك واحداً من القلائل الذين يعملون في هذا المجال في المشهد الفني المعاصر في مصر. ويرجع ذلك إلى ندرة أي برامج أكاديمية تدرس هذا المجال المتخصص من الفن والكم الهائل من معلومات السوفت ويير والهاردويير اللازمة لممارسة الفن التفاعلي.
شارك في أول ورشة فنية تفاعلية مصرية /اسبانية ، ثم في ورش عمل "مصر معمل" بالتعاون مع مدرار مؤسسة الفن المعاصر في مصر ومؤسسة هانجر للإنتاج التكنولوجي في برشلونة في الفترة 2008-2009. وركزت حلقات العمل هذه على الوسائط المتعددة التفاعلية من خلال استخدام البرامج مفتوحة المصدر مثل البيانات البحتة وتكامل دوائر الهاردويير الخارجية مثل اردوينو بلاتفورم الإلكترونية. وتستند البرمجة المفتوحة المصدر على مشاركة الخبرات بين مختلف المبرمجين لتطوير سوفتويير معفى من الرسوم في محاولة للتصدي للتأثير الضخم لشركات إنتاج السوفت ويير"البرامج". هذه البرامج لها مرونة هائلة في السيطرة وخلط أنواع مختلفة من أجهزة الاستشعار والمعدات السمعية والبصرية واللمسية.

المشروع الأخير

أنتج بسيوني اثنين من مشاريعه الفنية الكبرى باستخدام البرمجة مفتوحة المصدر. وكان الأول "ثلاثين يوماً من الجرى فى المكان" ، الذي قدم في معرض لما لا في يناير 2010 في غرفة بنيت خصيصا خارج قصر الفنون في حديقة دار الأوبرا في القاهرة. كانت مغطاه بصفائح بلاستيكية شفافة.
أدى فيها بسيوني يوميا لمدة ساعة واحدة مرتدياً بدلة من البلاستيك، صممت خصيصا لهذا المشروع ، الذي غطته تماماً مع مجسات رقمية لحساب كمية العرق المنتجة وعدد الخطوات التي اتخذت في حين هرولته في جميع أنحاء الغرفة. ثم نقل البيانات لاسلكياً إلى جهاز الكمبيوتر الذي عرض تلك البيانات على شاشة كبيرة بواسطة شبكة جرافيك والأشكال الهندسية الملونة المتغيرة وفقاً للتغيرات فسيولوجية في جسمه، وهو يتحرك،خالقة علاقة تفاعلية بين الجسم الحي والنظام الرقمي في مظاهر جمالية اللون والشكل.

محيط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..