الخروج من الحركة الاسلامية السودانية من بولاد الى خليل ابراهيم

الخروج من الحركة الاسلامية السودانية من بولاد الى خليل ابراهيم

الهادي عيسى الحسين
[email protected]

(1/2)
منذ اعلان مقتل (المجاهد) الرفيق خليل ابراهيم تساوني الافكار في الكتابة عن تجربة الرجل مع الحركة الاسلامية التي انتمى لها منذ ان كان طالبا وقاتل معها في جنوب السودان ابان الحرب الجهادية ضد الجيش الشعبي الكافر في مفهوم الحركة الاسلامية السودانية. وما ان بدات اكتب حتى استحضرت الشهيد داود يحيا بولاد احد اعمدة الحركة الاسلامية والتي فسق عنها وقاتلها حتى اسر وقتل بذات الطريقة الانتقامية التي قتل بها خليل.
استفادت الحركة الاسلامية السودانية من الارث التاريخي لسطنات دارفور الاسلامية بدء من مملكة وداي التي امتدت من شرق تشاد الى دارفور ومملكة التنجر الاسلامية التي حكمت دارفور في القرن الرابع عشر مرورا بمملكة الفور والتي امتد حكمها الى كردفان. انتهاء بالمهدية والتي ارتكزت اساسا على شعوب غرب السودان والذين ينتمون الطريقة الانصارية المهدية الى وقت قريب. هذا الارث التاريخي جعل من اقليم دارفور الاقليم الوحيد في السودان (القديم) الذي فيه نسبة الاسلام 100% حيث ان كل اقاليم السودان الاخري يتواجد بها من السكان الاصليون من يدينون بالديانات الافريقية (الكجور) او بالمسيحية او حتى اليهودية .

تزايد استقطاب الحركة الاسلامية لابناء دارفور بعد المصالحة الوطنية مع نظام نميري بعدما فشلت عملية 76 او ما تعرف بالمرتزقة حيث كان معظم الجيش الذي دحل الخرطوم من ابناء غرب السودان ودارفور تحديدا. فقررت الحركة الاسلامية الدخول في مجال الدعوة واستقطاب كوادر لها وسط طلاب المدارس بدارفور وبالجامعات وكان ذلك احد اهم ركائز الصلح مع النميري حيث لم تبدي الحركة الاسلامية اهتماما للمشاركة في السلطة بقدر ما ركزت على الدعوة الى الله وهو ما اسال لعاب سدنة نميري وجعلهم يشجعون الحركة في ذلك طالما هم بعيدين عن كراسي الحكم ومتواجدون في المساجد ودور العبادة
بدات الحركة الاسلامية الدعوة الى الله ليس زهدا عن الحكم بل مسلكا جديد الى العمل السياسي والحكم وهو ما لم يخطر في بال مهندسي الاتحاد الاشتراكي انذاك بل لم يرو خطرا عليه من تلك الحركة التي هي اقرب الى التصوف وانصار السنة المحمدية في نظرهم. فامتد مجال الدعوة للاسلام (وسط المسلمين) بصورة ملفته مستفيدين من وجود كوادر لهم في اوساط المعلمين والخريجين. وكان نصيب دارفور في تمدد الحركة هو الاكبر نظرا لذلك الارث التاريخي والاستعداد النفسي والذهني فالكاتب لم يسلم من محاولات الاستقطاب نظرا لخلفيته الابوبة الدينية (ود الفكي).

يحيا بولاد الشرارة الاولى:

كان من بين الذين انتموا الى الحركة الاسلامية في السبعينيات داود يحيا بولاد من قبيلة الفور بجبل مره فكان احد نشطاء الحركة الاسلامية بجامعة الخرطوم و اصبح رئيسا لاتحاد طلابها وعضو في المجلس الاربعيني في منتصف السبعينيات.
كان داؤود يحيا بولاد من المتعصبين لفكر للحركة الاسلامية وكان يرى فيه حلا لمشكلات دارفور بل السودان الاجتماعية والاقتصادية بل والدينية حيث ان الفكي في دارفور يمكن ان يشرب المريسة ويصلي بالناس ولا يرى في ذلك حرجا لان المريسة في قناعته ليست خمراً لان النص القراني يقول ” ان الخمر والميسر والاذلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه” ولم يأت ذكر للمريسة نصاً هذا ما يعتقده الفكي في دارفور ومنهم من يذهب ابعد من ذلك بان الاجتناب المذكور في الاية للخمر ليس تحريماً، لان المولى عز وجل يقول “اجتنبوا كثيرا من الظن” ولو ان الله اراد تحريم الخمر لذكر كلمة التحريم كما ذكرها في تحريم القتل والزنا.
لم يكن يدري يحيا بولاد بأن الحركة الاسلامية لم تسلم من الجهوية والعنصرية البغيضة وهي غطاء بل معبراً للسلطة والنفوذ. فإن كثيراً ممن دخلوا الحركة الاسلامية فُتنوا بالدنيا في دينهم. ففي الوقت الذي كان يصارعُ فيه بولاد من اجل الاسلام في الجامعات هو وزمرة من اخوته في الله كان آخرون يكنزون الذهب والفضة ويتعاونون مع الشياطين من اقربائهم في الكيانات الاخرى بدافع الدم والجهوية. وكانوا يتآمرون في التوظيف بالخدمة المدنية والبعثات الخارجية. وما ان جاءوا الى السلطة في عام 1989 حتى وجد بولاد ان اخوة الاسلام صاروا انقلابيين, انقلبوا على القيم والتعاليم الاسلامية بعد الوصول الى السلطة بالانقلاب. فتغيرت المفاهيم لان السلطة تحتاج الى قدرات اخرى غير أركان النقاش بالجامعات وان الالتزام الديني والانتماء للحركة لا يكفي وحده للدخول في السلطة. فالحركة بحاجة الى كل من يدعمها وينافق من اجل تثبيت أركانها في السلطة ويمكن للحركة ان تمارس كل الممارسات المخالفة للدين والعرف من اجل الضرورة اللازمة للبقاء في السلطة وهو ما عرف بالابتلاء.
اختلف الرجل اختلافا مبينا مع حركته وانقلب 180 درجة وقرر محاربة الحركة الاسلامية متمثلة في ثورة الانقاذ. فها هو رجل الحركة الاسلامية سَهُل عليه إعلان القتال على الحركة الاسلامية بالتحالف مع حركة متمردة تعد عدوة للاسلام والعروبة من وجهة نظر الاسلاميين، ألا وهي الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان. قطع الرجل المسافات الطويلة من اثيوبيا الى معاقل الجيش الشعبي في مجاهل جنوب السودان لمقابلة الزعيم الدكتور جون قرنق دي مبيور. ولم تكن مقابلة الرجل بتلك السهولة بل عبر وساطات كثيرة اوصلت بولاد الى دكتور جون الذي استشار رجالاً من حوله عن امكانية وجدوى مقابلة داود يحيا بولاد ، فاشار له الكثيرون بعدم مقابلته لظنهم بانه احد جواسيس نظام الخرطوم بناء على خلفيته الطلابية الحركة الاسلامية بالجامعات وانه احد اعضاء المجلس الاربعيني خاصة وان ابناء دارفور انذاك هم عماد الجيش السوداني الذي يقاتل الجيش الشعبي.
غير ان دكتور جون رجل ذو رؤية ثاقبة وبصيرة يرى بها ابعد مما يراه عامة الناس ويتسم بالشجاعة ويحب منازلة الاعداء بالفكر قبل البندقية بل يرى لزاما عليه محاورة الاعداء وزعزعة قناعاتهم وتغيير مفاهيمهم عنه وعن حركته اقل تقدير. قابل دكتور جون داود بولاد وتحاورا عدة مرات حتى اقنع بولاد دكتور جون بضرورة مقاتلة نظام الحركة عبر حملة من دارفور وهو امر يتماشى مع رؤية دكتور جون بضرورة ان تقاتل العدو من ارضك ومع اهلك وهي استراتيجية حرب الغوريلا والمليشيات والتي تجيد القتال في ارضها وتجد الدعم اللوجستي في ذلك. غير ان هناك عوامل عدة كان لهما تاثيرا سالبا على حملة بولاد الى دارفور:
1) انشقاق الناصر في صفوف الحركة الشعبية وما صاحبه من اقتتال داخلي اثر صفوف الجيش خصوصا ان بعض المقاتلين من ابناء قبيلة الدينكا.
2) انعدام الاعلام الداخلي نتيجة لتأخر وصول الرفاق المكلفين للقيام بعملية التوعية والتبشير بالحملة في المناطق التي يتمر بها الحركة.
3) دخول الحملة في معارك طوال الحركة في بحر الغزال الكبرى مما انهك الجيش.
4) عدم وجود اتصال بين الحملة وقيادة الحركة التي اصبحت منشغلة بالانشقاق الداخلي وما صاحبه من حرب داخلية تغذيها الحكومة.
5) طول المسافة حيث قطعت الحركة المسافة في ثمانية اشهر تقريبا مع قلة الدعم اللوجيستي.
6) استغلال الحكومة للنعرة العنصرية والدينية ضد الحملة.
كل هذه العوامل ساعدت في فشل الحملة وتشتيت جيش بولاد وانتهت بالقبض على بولاد ثم اعدامه بعد تعرضة لانواع من التعذيب. للتاريخ تم اسر 216 اسير من الحركة الشعبية بقي منهم احياء حوالى 5 اشخاص فقط مات الاخرون في الاسر تحت التعذيب باسم الدين.

اصبح داؤد يحيا بولاد الشرارة الاولى لاهل دارفور بتمرده على الحركة الاسلامية وصار الطريق سالكاً من بعد بولاد للانضمام الى صفوف الجيش الشعبي لازالة التهميش من المناطق المهمشة في اطراف السودان وللتمرد على السلطة المركزية باعتبارها لا تمثل الاسلام كما كان يظن اهل دارفور بل عرف الناس ان هناك ما يعرف بالاسلام السياسي.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..