نال جائزة طاغور العالمية للسلام بعد نصف قرن مع الأدب: الأديب الإماراتي شهاب غانم: الصدق أهم عناصر الكتابة

دبي ـ حوار: حمزة قناوي

من الصعوبة بمكان أن تُقدِّم لشاعرٍ له في درب الشعر بضع سنين، واستقامت رؤيته على ذلك الدرب، يصعب الأمر أكثر حين نتطرق إلى شاعرٍ له مع دروب الشعر ما يزيد على نصف القرن، وكان من أعتى مجدديه في قرننا الماضي، ومازال إلى الآن قابضاً على جمر الإبداع. إنه شهاب غانم، الشاعر والمترجم للشعر والكاتب الإماراتي الذي ولد عام 1940وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من كارديف، وبدأ نشر الشعر في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وله أكثر من أربعين كتابا منها عشرة دواوين شعرية، ومنها سبع مجموعات من الشعر الأجنبي مترجما إلى العربية، وسوى ذلك من الإبداعات الفكرية، في مسيرته الشعرية العديد من الجوائز، التي توِّجت مؤخراً بجائزة (طاغور العالمية للسلام) ليصبح أول عربي ينالها.
■ نصف قرنٍ لكَ مع الشعر أصدرت فيها الكثير من الأعمال، بدءاً من «بين شطٍّ وآخر» وصولاً إلى الأعمال الكاملة، ثم «مِئة قصيدة وقصيدة»، التي تُعدُّ اختياراتٍ ذاتية أجملت فيها تجربتك من بين الأعمال الكاملة. هل لدى الشاعر ما هو أبعد من ذورة الأعمال الكاملة ومنجزه الشعري؟ ما الذي ترنو إليه الآن بعد قطعك كل هذه الرحلة مع الشعر؟
□ نشرت بعد صدور «الأعمال الكاملة» و»مئة قصيدة وقصيدة» ديواناً صغيراً بعنوان «الدروب الخضر» يحوي نحو ثلاثين قصيدة روحانية، بعضها جديد، كما نشرت ديواناً بعنوان «معاني الهوى عندي» يحوي ثمانين قصيدة حب، بعضها مما لم يرد في الأعمال الكاملة، وديواناً صغيراً بعنوان «انعتاق»، معظمه من القصائد التي لم يسبق نشرها، ولم يعد لديَّ من القصائد العربية الجديدة التي لم تنشر في دواوين سوى قصائد بعدد أصابع اليد الواحدة أو أقل. كما نشرت مجموعة باللغة الإنكليزية بعنوان «في وادي صبايا الشعر» تحوي ترجمة لخمس وسبعين قصيدة من شعري، وقمت بالترجمة بنفسي، وقد أترجم المزيد من قصائدي إذا وجدت الوقت. الرحلة مع الشعر لا تنتهي بصدور أعمال كاملة أو مختارات، فهي حياةٌ وحدها.
■ تنوعت توجُّهات قصائدك بين الشعر الديني والعاطفي والفلسفي، وغير ذلك من اتجاهات، هل ترى أن ذلك يمنح الشاعر قدرةً إضافيةً على الكِتابة في مناحٍ متعددة، أم أنه يجعله غير مُصنَّفٍ في تيارٍ شِعري أو أدبي بعينه، كالتيار الوجداني أو السياسي أو سواه من روَّاد هذه الاتجاهات؟
□ التصنيف غير مهم في نظري، ولكن المهم أن يعبِّر الشاعر عن نفسه بصدق عميق وشاعرية وإجادة، وأنا عموماً لي اهتمامات متنوعة حتى في الموضوعات العلمية التي تخصصت فيها، كالهندسة الميكانيكية والكهربائية وموارد المياه والإدارة الصناعية وإدارة الموارد البشرية والاقتصاد. أما في الشعر فأكثر ما يهمني القيم الإنسانية والروحانية وطبعاً الحب والحق الجمال.
■ كيف «تموقع» قصيدة النثر في رؤيتك الفنية وإنتاجك الأدبي؟ ما تقييمك لهذا الشكل من ضروب الشعر؟ لا أعتقد أنك كتبت قصيدة النثر من قبل.. فهل كنت على تماس آخر معها؟
□ أكتب القصيدة البيتية العمودية الخليلية من مختلف الأوزان، والقصيدة التفعيلية التي تحافظ على البحور الصافية، لأنني أجد أن الوزن «يطاوعني» وأرى أن الوزن يضيف جمالاً للقصيدة، فلماذا أتعمد التخلي عنه؟ لكن ليس لي موقفٌ سلبيٌّ «مما يُسمَّى» قصيدة النثر ومعظم ترجماتي للشعر الأجنبي إلى العربية ? وهي كثيرة تجاوزت 12 مجموعة ? أظن أن معظم ما فيها يمكن أن يُصنَّف قصائدَ نثرٍ راقيةً.
■ في رحلتك بين الحياة والشعر كانت محطاتك العلمية الأهم في مشوارك التعليمي بين اسكتلندا وبريطانيا، ثم سافرت للهند أيضاً، في رحلة الدراسة الهندسية.. ألم تكن المسافة بعيدة بين الهندسة الكهربائية والشعر؟
□ قد يكون ذلك صحيحاً، وإن كان هناك في الشعر العربي نماذج معروفة- على ندرتها- لشعراء كانوا مهندسين أو أطباء أو علماء. الفكر التحليلي والخيال عندي متساويان، وأنا أحلق بهما بتوازن كطائرٍ بجناحين.
■ لا شك أن لمدينة عدن التي ولدت فيها دوراً كبيراً في خلق رؤاك الشعرية منذ البدايات وحتى قبل أن تبلورها الحياة أو تصقلها.. ماذا تبقى من عدن فيك بعد كل هذا العمر من الغياب عنها؟
□ عدن- المدينة التي نشأت فيها- كانت مدينة «فاضلة» تعيش نهضة حضارية متميزة على مستوى الجزيرة العربية، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي عشت فيها مرحلتي الطفولة والصبا. وكان من حسن حظي أن أنشأ تحت ظلال والدي العالم الشاعر الكبير د. محمد عبده غانم، أوَّلَ خِريج جامعي في الجزيرة العربية، ووالده السيد عبده غانم رئيس نادي الإصلاح في مدينة التواهي وجدي لأمي رجل النهضة الأول في عدن المحامي محمد علي لقمان مؤسس الصحافة العربية والإنكليزية ومؤلف أول رواية يمنية وصديق المهاتما غاندي، ورجال النهضة في العالم العربي. تأثير عدن والأسرة و»كلية عدن» وأساتذتها كان عميقاً وكبيراً في شخصيتي.
■ لك الكثير من الأعمال المُترجمة بين الشعر والمسرح، كيف ترى خصوصية الشعر عند ترجمته بما لا يجعل المترجم «خائنا» للنص الأصلي، بتغيُّر الحِس أو الذائقة أو خصوصية اللغة الأصلية إلى الأخرى المُترجم إليها. وقد قال الجاحظ قديماً إن الشعر لا يُقرأ بغير لغته؟
□ ليس كل الشعر يمكن أو تسهُل ترجمته. ولكن هناك بعض القصائد التي أعتبرها من النوع «العابر للغات» يبقى منها الكثير بعد الترجمة على يد مترجم شاعر متمكن من اللغتين، المترجم منها والمترجم إليها، وعميق الفهم للثقافتين والبيئتين، وعندئذٍ قد تبقى المعاني والصور والمشاعر بشكل عام.
■ في السياق نفسه الخاص بالترجمة.. ألا يحد المُترجِم بداخلك من تدفق الشاعر الحُر ورؤاه غير المقيدة باللغات؟
□ على العكس من ذلك، أرى أن قراءة الشعر الأجنبي وترجمته تثري تجربة الشاعر، كما تثريه قراءة النصوص الشعرية البديعة في لغته، اللغة الأم وتعمق ثقافته.
■ تعد في طليعة الشعراء الإماراتيين الذين يثرون المشهد بإبداعهم المتواتر، أين ترى موقع الشعر الإماراتي اليوم من المشهد العربي الإبداعي لهذا الفن؟
□ لست ناقداً مثلك، ولكن أرى أن الشعر في الإمارات مثل الشعر في الدول العربية الأخرى فيه الغث والسمين، ولا شك أن هناك بعض النماذج الجيدة من الشعر والقصائد الفصيحة لعدد من الشعراء، خلال نصف القرن الأخير على الأقل.

دبي ـ حوار: حمزة قناوي
القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..