سرية وخصوصية..عطاء يقابله جحود.. تصفية دار النشر..تشريد عمالة.. تشريد كِتاب!..

هيئة التربية للطباعة والنشر مؤسسة ارتبطت في أذهان كُل المُهتمين بتوفير الكتاب المدرسي لكل السودان، وكذا طباعة امتحانات الشهادة السودانية، لكن في العام 2007م تمت تصفية هذه الهيئة ضاربين بعرض الحائط عملية توفير الكتاب وسرية وخصوصية ما تقوم به..

وفوق هذا كله فالمطبعة بها ما لا يقل عن (200) عامل لا يعرفون مصيرهم.. تابعوا التحقيق التالي..

العاملون بالهيئة: القرار مفاجئ وغير مدروس! والضحية الكتاب المدرسي وسرية طباعة امتحانات السودان!

المادة (60) من قانون التأمينات توجب بمنح مقابل 36 شهرا من الخدمة والعمال قبضوا مقابل شهرين فقط!

تحقيق: صفية الصديق

(قرار مفاجئ)..

العاملون بهيئة التربية للطباعة والنشر هم الجزء الثاني أو الشريحة الأكثر تأثراً بعد الكتاب المدرسي بقرار تصفية هيئة التربية للطباعة والنشر، والذي يعني تصفية كل العاملين وتشريدهم، مما يفرز العديد من المشاكل. (الأخبار) استطلعت العاملين للوقوف على رأيهم، فالتقينا صلاح أحمد حسين، موظف بالإدارة المالية للهيئة سابقاً، وهو الآن يعمل مع لجنة التصفية، قال إن هذه الهيئة أُنشئت في أواخر السبعينات لتوفير احتياجات وزارة التربية والتعليم العام وعلى رأسها الكتاب المدرسي، ثُم الأعمال السرية، حيث كانت تقوم بطباعة كل امتحانات السودان في هذه الفترة، ولكن في الفترات الأخيرة اتجهت سياسة الدولة إلى أن تعتمد الولايات على نفسها، وأن تنشئ كل ولاية مطبعتها الخاصة لطباعة الكتاب المدرسي وكل ما تحتاجه، ثم كان القرار المفاجئ غير المدروس بتصفية الهيئة، حيث تمت في وقت غير مناسب حين كنا نقوم بإعداد الكتاب استعداداً لعام دراسي جديد، وهي بداية سحب الكتب للمدارس، وقتها كانت مخازننا مليئة بالكتب، فقاموا بإيقاف الهيئة لمدة ثمانية أشهر، ولم يصرف لنا سوى شهري يونيو ويوليو من فترة التوقيف هذه، بدون أدنى امتيازات، وبعدها بدأ تقليص العمالة تمهيداً لتصفيتها كلياً، رغم قرار رئيس الجمهورية بعدم تشريد العاملين، وعلى الرغم من الوعود فقد أصبحنا مشردين تماماً.

(أخلاق مهنية)..

ويستأنف الأستاذ صلاح إفادته ويشير إلى أنه في سبتمبر 2008م تمَ إيقاف (166) عاملا وموظف، وبدأ التجهيز لصرف حقوقهم الفورية، وهنا كانت الطامة الكبرى حيث ظلمنا ظلم الحسن والحسين، وعوملنا بقانون التأمين الاجتماعي قلنا (يمكن) أن يكون به إنصاف لنا، فقاموا بصرف حقوقنا وتمت معاملة أكثر من (70) عامل بقانون التأمينات على أن يمنحوا معاشات شهرية، فإن المادة (60) من قانون التأمينات تقول أن يمنح المشترك في التأمين (36) شهرا عند نهاية الخدمة، لكنهم فوجئوا بمنحهم شهرين فقط بالإضافة إلى الحقوق الفورية والتي لا تساوي شيئا لعمال يقومون بالأعمال السرية وطباعة الكتاب المدرسي، ويطبعون الامتحانات في وقت يرسب فيه أبناؤهم في أخلاقياتهم التي لا توجد إلا لدى الملائكة. ويواصل.. في رأيي أن هنالك صراعات صاحبت هذه التصفية كما سمعنا، حيث حولوا الطباعة إلى جهات أخرى خاصة، وبذلك تم تشريدنا وكلنا مسئولين عن أُسر وبيوت، وأطفالنا بالمدارس، بالإضافة إلى إيجار المنازل، فبعض زملائنا صارت حالتهم مأساوية، فكثير منهم عرضوا أثاثهم المنزلي للبيع لمقابلة ظروف الحياة الصعبة، فعبركم نناشد رئيس الجمهورية إنفاذ قراره وإنقاذ ما تبقى من حطامنا..

(عطاء يقابله جحود)..

العاملون بهيئة التربية للطباعة والنشر هم الجزء الثاني أو الشريحة الأكثر تأثراً بقرار تصفية الهيئة، والذي يعني تصفية كل العاملين وتشريدهم، مما يفرز العديد من المشاكل. (الأخبار) استطلعت عاملي الهيئة للوقوف على رأيهم، فالتقت الأستاذ حسن أبو بكر شريف، رئيس الهيئة العامة للنقابة الفرعية لهيئة الطباعة والنشر، فقال إن من ناحية طباعة الكتاب المدرسي الذي كانوا يقومون بطباعته، فقد استلمته غرفة الطباعة، إحدى هيئات وزارة الصناعة، وهنالك احتجاجات كثيرة على أنه ليس بالمواصفات المطلوبة. أما بالنسبة للعاملين فإنه على حسب قرار التصفية كان هنالك اتفاق بالا يشرد أي عامل، وأن التصفية هي قرار دولة، والتزمت لنا بإعطائنا حقوقنا، مع العلم بأن هذه الهيئة قامت على أكتافنا، وكنا نرجو من أن يرد جميلنا لأفضل من ذلك، لكن منذ أن نفذ قرار التصفية في يونيو 2008م، لم تصرف لنا حقوقنا وليس لدينا مرتبات ولم يتم تعويض العاملين بالقدر المطلوب…

(هيئة … مدينة)..

أحد العاملين بلجنة تصفية هيئة التربية للطباعة والنشر، قال إن من الأسباب التي أدعوا بها للتصفية أن الهيئة مدينة بـ(7) مليار، لكن هذا إدعاء غير صحيح، فنحن قمنا بتسديد كل المبلغ المطلوب منا، عدا مليارين فقط، علماً بأن مخازننا كانت وقتها مليئة بالكتب، حيث بها مخزون كتب يساوي مبلغ الـ(7) مليارات. وفي نفس وقت بداية العام الدراسي حينها، جاءنا خطاب بإغلاق المخازن، فلا ندري لمصلحة من تم إيقاف توزيع الكتاب على الولايات؟!. هل تم إيقاف التوزيع حتى يريدون تولية الكتاب لجهة أخرى لكي تبيع، فلماذا لا تتركنا نقوم بتوزيع ما بمخازننا حتى نسدد المديونيات التي علينا؟، ومن ثم (يعملوا ما بدا لهم)، فهذه الهيئة تأسست من مجهودانا، فالأصول والأراضي تم بيعها ولم ترجع عوائدها علينا، ولم تصبح تحت التوزيع غير ذلك. لم يحفظ لنا أي جميل وتم تشريدنا جميعاً وصرنا بلا عمل وترتب على ذلك الكثير من الأضرار أبرزها (المادية)، وتشريد الكتاب المدرسي والذي لم يثبت على حال منذ إصدار قرارا الخصخصة، غير أن حقوقنا ذاتها لم تتم تسويتها لنا بطريقة مُرضية، وهنالك حديث عن إرجاعنا للعمل وإعادة تعييننا لكن يبدو أنه ذهب أدراج الريح..

(مسئولية ومتابعة)..

ويواصل أحد العاملين بالمطابع ليقول، إن تنفيذ طباعة الكتاب عندما تقوم به مطابع تجارية فهي لا تعبأ بجودته. فإذا قامت مطابع بطبع الكتاب المدرسي بدون الرجوع إلى غرفة الطباعة وتقوم بتسويقه عبر السماسرة على الجهة المسئولة محاسبتهم، ولا يتم ذلك إلا عندما تعجز غرفة الطباعة عن تسديد قيمة الكتاب، ففي هذه الحالة تلجأ المطابع إلى ذلك التصرف. أما عن تأمين الأخطاء فهي ليست مسؤوليتهم. وفي السابق وعلى الرغم من أنها لم تكن من مسئولية الهيئة، على الرغم من ذلك، كنا مستعدين لتفاديها، لكن المهم هو شكل المتابعة من غرفة الطباعة (نوع الورق – التصميم بالألوان) لأن من يقومون بجمع الكتاب هم عمال، فمن المفترض تكوين لجنة لمتابعة وتصميم الكتاب، وألا يكون الاعتماد على (المخزنجية) لأن هذا لا يخدم الكتاب كما أنه هدر للوقت، ويعوق من توطين الطباعة بالسودان، فالمراقبة واجبة من إدارة المناهج وغرفة الطباعة لتفادي الأخطاء التي تطرأ على الكتاب، ففي السابق كانت إدارة المناهج مسئولة عنه بشكل مباشر، فنحن تربويون قبل أن نكون عمالا، وحديثنا عن حقوقنا واهتمامنا بها لا يقل عن اهتمامنا بجودة الكتاب ..

معاش وحقوق..

العاملون بهيئة التربية تحدثوا عن عدم حصولهم على مستحقاتهم كاملة. بدورها توجهت (الأخبار) إلى صندوق التأمين الاجتماعي، لتعيينهم له، لنعرف ملابسات الموضوع. التقينا عبد العزيز مأمون أبشر، الناطق باسم الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي، فقال.. هيئة مطابع التربية للطباعة والنشر، هي إحدى فروع وزارة التربية والتعليم العام، وهي صاحب عمل بمعنى أنها تتبع للصندوق القومي للتأمين الاجتماعي. تمت تصفيتها بتاريخ 30/6/2008م وعدد العاملين بها (166) تمت استحقاقات كل العاملين، ما عدا حالتين الآن تحت المعالجة، وذلك وفقاً لقانون التأمين الاجتماعي، من هؤلاء العاملين (90) عاملا استحقوا معاشات شهرية، والبقية استحقوا تعويضات دفعة واحدة، فتسوية المعاشات يتم وفقاً لمعادلة نص عليها القانون من مفرداتها: متوسط الأجر الشهري للـ36 شهرا الأخيرة، بمعنى أن المعاش يحسب على أساس متوسط الأجر الشهري للـ3سنوات الأخيرة، أما قانون التعويض فعلى حسب نص القانون فهو عبارة عن الاشتراكات والتي تغطي إصابات العمل بالإضافة إلى التكلفة الإدارية، وبما أن قانون المعاشات في المادة (5/5) يقضي أن كل من أكمل (40) سنة خدمة فما فوق، يعطى مرتب شهرين مكافأة بالإضافة إلى المعاش الشهري، فقد راعى قانون التأمينات هذا الحق المكتسب للعاملين المعاشيين علماً بأن شهري المكافأة يقوم بدفعها صاحب العمل مباشرة إلى العامل وهذا حال عاملي هيئة التربية.

(إفرازات سالبة)..

ولأن تصفية هيئة التربية أفرزت العديد من المشاكل المتعلقة بالشأن النقابي أبرزها تصفية العاملين، ذهبنا إلى الاتحاد العام لنقابات عمال السودان. التقينا أمين الإعلام الأستاذ عمر الباشا، فقال إن النقابات العامة لعمال التعليم العام بالسودان لديها مساحات واسعة جدا َلمتابعة قضايا عمالها ومشاكلهم، باعتبار أنها الجسم النقابي الأقرب للشريحة المعنية بها، ولها الحق في استخدام كل الوسائل النقابية المتاحة والمنصوص عليها في قوانين العمل النقابي، بالتالي فإنها الجهة المسئولة عن مستحقات منسوبيها في كل أنحاء السودان، بالتنسيق مع هيكلها النقابي المنتشر في كل أنحاء البلاد، فمن وجهة نظرنا كإتحاد مسئول عن العاملين نرى أن تصفية هذه المطبعة أفرز كثيرا من الآثار السالبة، تشريد العاملين وزيادة نسبة البطالة بفقدان شريحة مقدرة لوظائفها ويسهم ذلك بصورة واضحة في توسيع دائرة العوز والفقر، كما أنَ هذه التصفية لها مردود اجتماعي سالب (الفقر الذي يؤدي إلى التفكك الأُسري والانحرافات الأخرى)، بالإضافة إلى الإشارة الخفية إلى أن العمالة الوطنية ليست على قدر المسؤولية، ونحن نؤكد أن عمالتنا صالحة لكل زمان ومكان…

سرية وخصوصية..

ويرى الخبير التربوي حسين الخليفة الحسن.. أن خصخصة دار التربية للطباعة والنشر، انعكست آثارها بشكل واضح ومن أول يوم على الكتاب المدرسي، حيث تم تشريده مثله مثل العاملين، وهو الضلع الذي لا تقوَم بدونه العملية التعليمية، وهذا يقودنا لسؤال أين تُطبع امتحانات السودان وتحت مسئولية من؟. ففي السابق كُنا نقبع بمطبعة الوزارة لأكثر من أسبوع لنراجع طباعة الامتحانات أكثر من مرة وكل مادة على حِدة، فلماذا لا تكون هنالك مطبعة سرية للامتحانات؟. فهم يقولون إنها تُطبع في مطبعة العملة أو مطابع أخرى تُطبع فيها العملة وكروت الأفراح وغيره، علماً بأن الكتاب المدرسي يجب أن تكون له خصوصيته، فلابد أن تكون هنالك مطبعة خاصة لطباعة الكتاب المدرسي والامتحانات العامة والمرحلية..

تحقيق: صفية الصديق
الاخبار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..