أبكيتنا يا وردي فأنت السودان و السودان هو أنت

أبكيتنا يا وردي فأنت السودان و السودان هو أنت
محمد عثمان محمد – مستشار قانوني
[email protected]
ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى
أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ
اليوم يبكى السودان الوطن, بخارطته القديمة , قبل السودانيين ,على وردي.. ففنان في قامة وردي يذكر حين يذكر الوطن و النيل و التاريخ وأبطال السودان و نخلات حلفا و وادي الباوقة و الغابات وراء تركاكا … تلخص شخصية وردي الكاريزمية عبارة كتبها الطيب صالح نوردها بتصرف «هو من طراز مبدعين يظهرون في حياة الأمم خلال فترات متباعدة كان فناناً في أمة أحبها وأحبه كثيرون… وكان أمة في فنان ».إن وردي هو السودان، و السودان هو وردي ، لأنه جمع في إبداعاته الوطنية بين قدرات وإبداعات فنان عملاق، راقي الإحساس، و عميق الفكر و الإنتقاء ، بمستوى رفيع قل أن يجود الزمان بمثيل له.
قبل رقدة وردي الأبدية تحت سماء السودان الوطن التي تعج و تتلألأ بالنجوم(كما كتب الطيب صالح في وصفها : صافية زي العجب والقمر يلهلج زي صحن الفضة.. ) فقد همهم المشيعون «جنازة رجل» قبل دفنه . لكن، أي رجل واروه الثرى، إنه الرجل الذي شدي للوطن بشدو لم يسبقه أحد إليه (ها هنا يبتسم النهر القديم لبعانخي و لطهراقا لعلي عبد اللطيف و لعبد القادر الحبوبة , للقرشي ) و نحن نضيف إلى هذا البيت الخالد من أناشيد وردي إسم و ردي (ها هنا يبتسم النهر القديم لوردي و لبعانخي و لطهراقا, لعلي عبد اللطيف و لعبد القادر الحبوبة , للقرشي… )
وفي هذه اللحظة التي تطفح بالمشاعر نقول أن كل السودانيين , جنوباً و شمالاً , الذين وحدهم الراحل العظيم في حب الوطن بأناشيده الخالدة قد ماجت مشاعرهم و ماجت وفاضت في وحدة وطنية حزناً عليه بل وتنادوا للإلتقاء بمشاعرهم في رحاب الوطن و كأنهم يلبون نداء وردي (نلتقيك اليوم يا وطني ..لقاء الأوفياء .. قد تنادينا خفافاً كخيول الريح في جوف العتامير تنادينا .. لك يا أرض البطولات و ميراث الحضارات … ) يا لعمري كم هي رائعة تلك الكلمات في محراب الوطن و كم جعلها لحنها اروع . ، لقد مرت على الوطن و علينا ساعات و ساعات ستظل باقية والوطن و نحن في حالة ذهول وفجيعة، وسط بحور دموع تغرق بحور الشعر فما أعمق الحزن وما أفقر الكلمات. كان وردي في حياته أكبر من الحياة وسيظل الطيب صالح في موته أكبر من الموت.
تبكيك يا وردي جروف النيل مع الموجة الصباحية يا أجمل و احلى (زول في الدنيا ) .. فالحزن الجديد بوفاتك صار متأصلاً كما الحزن القديم .. بل و إن حزننا عليك ينبعث فينا متجددا مع كل نسمة جاية من الوطن يا وردي تقول لنا (أيام زمان ما برجعن..) ..بعد أن نعاك الناعي لم تعد النسمة التي تأتي من الوطن (تعود عبر المستحيل نديانة زي صدف البحر )كما علمنا فنك الرفيع .. بوفاتك يا وردي توقفت خيول الريح في جوف العتامير .. حزنت غابات الوطن .. تنكست راية إستقلاله .. إمتلأت شجناً وديانه ..قمم جباله … بكى خلوده … حزن النيل و لا شك ارتجف .. ارتعشت اهرامات الوطن .. و هيبة رجاله و صفاء عيون بناته .. إنتحبت السواقى وخيوط الطواقى وسلام التلاقى ودموع الفراق انحدرت حرى من أشجا ر النخيل فى الشمال وغا با ت الأ بنوس فى الجنوب وجبا ل التا كا فى الشرق وجبل مرة فى الغرب … إن فنك يا وردي مثل نهر النيل المعطاء يشق أرض الوطن و يرويها …حاملاً معه الترا ث والخير والبشا ئر … تبحر مراكب ريدنا معه نحو (أفق بعيد ) ترفرف عليه غيوم تمطر حنانا و مودة و ألفة علي نخيل بلادنا لتقول له سلام !!!!!!
? سلام علىك يا وطني السودان فأنت اليوم يوم وفاة فنانك الكبير وردي كما غنى لك شامخ وكلك جــروح ،،، وممكون بهمك صابـر ساكت ونفسك تبـوح ،،، والسـر خافي وظاهـر يا روح غريب مسـتهام يا نجمة وســط الظلام مني عليك الســــلام … .
و يا وردي :
لما تغيب عن الميعاد
بفتش ليك في التاريخ
واسأل عنك الاجداد
واسأل عنك المستقبل
اللسع سنينو بعاد
وفي أحزان عيون الناس
وفي الضل الوقف ما زاد
بناديك
هو السودان قبل التقسيم و التجريح و الشعوذة ..
هو حر كحال اهل هذه الارض منذ ما قبل التاريخ ..
هو من لا يبكى عليه .. لانه حاضر في التاريخ خرج من الكتاب ليرؤى لنا التاريخ في انشودة و يعود في صفحته التى خرج منها .. فلا ادرى انقلب الصفحة ام نردد الانشودة ام .. نرتقى للتاريخ و نعود شوامخ من هذا الخذلان و التعب و الفساد …
نصفى لنكون كما في صفحة التاريخ انقياء اتقياء احرار .. فزاعين للخير و للمحتاج و للملهوف و للمحتاج ( و هم كثر في هذا الزمان ) صحابة في غير زمن الصحابة و بلا زمن النبوة
.. مات السودانى كما في التاريخ القديم .. و لكن دفن في التاريخ المعاصر … ترى ما الحكمة ان يعود !!!
اسال الله ان العلى القدير ان يرحم ابو الورد كما قدم للاجيال و للسودان و للتاريخ .. رمزا من صفحة ناصعة من تاريخ هذه الارض …
لم يعمل انقلاب عسكرى في جنح الليل و لم يتولى حقيبة وزارية و لا والى في ولاية و لا رجل من الراسمالية في السودان ببره و إحسانه .. و لكن رجل بصدق كلمة تغنى بها للسودان الكبير الما مقسم و لا مجروج و لا مبعثر .. سودان لام أكول و سيلفاكير و جون قرنق الشيخ البرعى و شيخ أبوزيد و اولاد أمدرمان كلهم من نميرى لحدى الشيخ البكرى …
عظيم عشت … أغفر لنا خذلناك في الزمن الصعب …
;(