الجوائز والضوضاء

أمير تاج السر

كنت قد تابعت في الأيام الماضية، ذلك الجدل الكبير الذي أعقب إعلان القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، المسماة البوكر العربي. وهو ليس جدلا جديدا، إنما اعتدنا عليه كل عام، عقب إعلان قوائم تلك الجائزة، التي ليست الوحيدة في الوطن العربي، وليست الأعلى من ناحية القيمة المادية، ولكنها الأكثر لفتا للنظر، والتي يمكنها في لحظة أن تنتشل كاتبا أو نصا معينا، من أكثر بقعة صامتة ومعتمة في عالم الكتابة، إلى أكثرها ضوضاء ولمعانا، تماما مثلما تفعل جائزة مان بوكر البريطانية، وكما هو معروف، فتلك الجائزة هي الأم التي ترعى جوائز بوكر متفرقة، ومنها البوكر العربية، ولعل ما يحضر للذهن لمعان أسماء مثل الهندية آراندوي، بنصها، «إله الأشياء الصغيرة»، والهندي أيضا آرافيندا أديغا، بنصه: «النمر الأبيض»، والكندي يان مارتل بنصه: «حياة باي»، وكل واحد من هؤلاء أصبح الآن كاتبا مرموقا، متفرغا للكتابة، وكل ما ينتجه يعد جواهر، حتى لو لم يكن كذلك. ولدينا في بلاد العرب أمثلة جيدة، انتقتها الجائزة منذ ظهورها، والآن أيضا تأتيهم حلوى الكتابة إما بعيدا عن مر لها عاشوه سنوات، أو حلوى سريعة في بداية مشوار لم يتذوقوا مرارته.
كان الجدل ولا يزال حول تلك النصوص التي كرمتها القائمة الطويلة هذا العام، وأفسحت لها مجالا فيها، كثيرون تحدثوا عن ضعف القائمة، كثيرون تحدثوا عن أعمال قوية داخلها تستحق بالفعل، وكثيرون من الذين قدموا أعمالهم وحلموا بدخول القائمة الطويلة على الأقل للفت نظر القراء، كانوا غاضبين من عدم اختيار نصوصهم، خاصة أن موسم البوكر، هو موسم القراءة الأقوى، حيث ينتظر الناس إعلان القائمة الطويلة ليبدأوا قراءاتهم للعام، من تلك الروايات التي دخلت، والدليل على ذلك هو إعادة طبع كثير من الأعمال البوكرية، مرات عدة، بعكس أعمال ربما تكون أجود لكنها بلا حظ.
ولأن ثمة قائمة أعلنت، وهناك عشرة أعمال ستجهض أحلام أصحابها قريبا، فلا بد أن يبدأ التخمين، أي عمل سيدخل في القصيرة، وأي عمل سيحصد الجائزة الكبرى، وكلها في النهاية مجرد تكنهات قد يصيب بعضها الحقيقة، وستأتي الجائزة الكبرى في النهاية للنص المحظوظ، أكثر من النص المستحق، ولطالما تحدثت في هذا الموضوع، موضحا مسألة التذوق الخاص بالمحكمين، التذوق الذي لن يستطيع أي محكم مهما كان نزيها، أن يلغيه، وهو يختار رواية معينة ولا يختار أخرى. وشخصيا عملت في تحكيم الجوائز من قبل ورأيت كيف تكون قسوة المسألة، حين تكون مضطرا لاختيار نصوص دون أخرى.
لقد علقت على الفرح والإحباط والغضب، تلك المشاعر التي صاحبت إطلاق قائمة البوكر الطويلة التي ضمت أسماء أعرفها وقرأت لها، وأسماء أسمع بها لأول مرة، واسما أعرفه أكاديميا وفاجأني بأنه كتب رواية، هو التونسي المبخوت: بأننا وبعد أن ازداد عدد كتاب الرواية في الوطن العربي، نحتاج إلى أكثر من بوكر، لأن بوكرا واحدة لم تعد تكفي.
لقد عنيت هنا وبناء على رؤيتي للأحلام الكثيرة، إننا بحاجة لجائزة أخرى توازي البوكر في ضوضائها، وتستطيع أن تخلق جوا من التوتر كل عام، وأيضا تشغل القراء وتجعلهم يترصدون القوائم، ويتكهنون بالنص الفائز، جائزة مزعجة ومطلوبة رغم إزعاجها، وكلنا يعرف إزعاج البوكر، الذي لن يستغني عنه أحد، ولدرجة أن كتابا كثيرين كانوا قد غضوا الطرف مرة، وأقسموا ألا يترشحوا مرة أخرى لهذه الجائزة التي وصفوها بأوصاف كثيرة مؤلمة، عادوا ورشحوا أنفسهم، ومن المؤكد أن أحلامهم باقتناصها ازدادت، بعد أن حرموا نصوصهم من السباق داخلها عامين أو ثلاثة أعوام.
العالم العربي الآن مليء بالجوائز الأدبية ذات القيمة المادية التي تتيح للذي يحصد إحداها، بعض الترف، وأن يكرم نفسه بشيء من متع الدنيا، إنها جوائز يترصدها المبدعون أيضا ويسعون لها راكضين، وتغطي الصحف فوز الفائزين بها، في أحبار كثيرة، فقط لم تستطع تلك الجوائز أن تخلق كاريزما البوكر، أو صوتها الجهوري الذي ينادي الناس في كل جحر، وحتى الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، ولا ماذا تعني الرواية، باتوا يعرفون ما هي جائزة البوكر، وماذا ستفعل للذي يفوز بها أو يدخل قائمتها القصيرة، على أقل تقدير.
مؤخرا أنشأت مؤسسة الحي الثقافي- كتارا، في دولة قطر، جائزة تبدو ذات شخصية قوية، منذ بداية انطلاقها، جائزة واحدة شاملة لمجموعة من الجوائز ذات القيمة المادية العالية، إضافة لحوافز أخرى، مثل ترجمة النصوص المحظوظة التي ستفوز إلى عدة لغات أجنبية، وإمكانية تحويل بعضها إلى دراما، وأيضا أدخلت نظام النص المخطوط، أي النص الذي كتب ولم ير النور بعد، وهذا إن فاز فستتم طباعته بواسطة الجائزة.
هذه جائزة كاملة المواصفات ومغرية جدا بالطبع، ومؤكد أن الكثيرين من كتاب الرواية في الوطن العربي، الآن داخلها بنصوصهم، وفي غاية التوتر، ينتظرون لحظة فرح، أو لحظة إحباط.
جائزة بهذا الحجم، تبدو أكبر كثيرا من البوكر، ومنطقيا أن صوتها سيكون أعلى، ووصول صداها من المفترض أن يكون إلى أبعد مستوى، عشاق للكتابة والفن والدراما، ولا أعتقد أنها أنشئت لمنافسة البوكر كما يعتقد البعض، فلا شيء فيها يبدو قريبا من البوكر، فهي جائزة ذات شخصية مستقلة كما ذكرت.
إذن، لو نظرنا إلى هذه الجائزة الكبرى من جميع نواحيها، فهي بلا شك البوكر الأخرى التي عنيتها في تعليقي، الضوضاء والصيت المقبل إن صحت توقعاتي، حتى يخف توتر كتاب الرواية القدامى، والذين سيأتون في الأيام المقبلة، لأننا لسنا في عصر الرواية فقط، بل في عصر وجود روائي أو أكثر في أي أسرة عربية.

كاتب سوداني

أمير تاج السر
القدس العربي

تعليق واحد

  1. .. تسهى ” ذات الدمـاء الزرقــاء”
    أو( أنآ ريكـــــــــــو) الاخرى ..

    الفتاة الحوراء ذات العشرين ربيعاً ، الممشوقة القد والقوام ، تسكن وسط “أديس اببا ” نفسها , وفى القصورالعريقة الفخمة المطلة على المدينة من هضاب وجبال “أنتوتوا ” ، هذة الفتاة أجزم بانها ومن دون , كل جميلات أحياء بياسا ومركاتو ومكسيكو, هى وحدها التى كان يعنيها المايو “, فى أغنيتة الشهيرة “أديس أببا.. بيتى ” والتى تشنف الان وبجنون أسماع كل ” الرستا “.. حول العالم .
    هذة الفتاة ذات العشرين ربيعا , كانت تتصل بنسب أمهرى رفيع بملك ملوك شواء العظام , وجمال ساحرآخاذ أذهب بعقول الكثيرين ، فالعمة
    بزونيش ” تفاخر دائما ببنت أخيها , وتمجدها وتدللها فى كل مناسبة” أوأخرى , وتقول دائما وبأعلى صوتها :ـ ” دى البنت الجمالها ما قشروبة .. دا وأرثاة يا ناس .. من حبوبة لحبوبة ” , بل وتجزم بأن أحد أولئك الحبوبات الجميلات , تسببت فى ذاك الزمان الغابر فى أشعال , فتن وحروب لا تزر ولا تبقى بين , الراس منقشا ” والراس ” كاسا ” ، ولانها تنتسب مباشرة لارومة بنات اثيوبيا الماجدات ، فقد احببتها وتشبثت بها ومن أول نظرة وهى لا تدرى , كان من الصعب عليك أذا عرفتها أن تتخطاها بسهولة , لاسباب وكما يقولون مرئية وغير مرئية , أما هى فقد كانت مهيئة وبتركيبتها الحركية الحربائية , ذاك الوقت أن تجعل من الالتقاء بك , ثم فراقك مرتاحة البال والى غير رجعة امرا سهلا وممكنا .
    هذة الفتاة الحوراء الممشوقة القوام , كانت رقما صعبا عند أبناء جلدتها ، تعرفت عليها فى موطنها , وأنا مكلف من الرئاسة للعمل كخبير أمن ذاتى وتكتيك مضاد , دائم بجبهة ” تقراى ” للحماية وتقديم النصح والمشورة للقادة الميدانين الكبار المستهدفين للافلات من القتل والتصفيات الغامضة أئنذاك ، فكان عملنا سوياً يمتد لساعات طوال نهاراً أوليلاً , ولانفترق الا نادرا .., واذا حدث ولو لسويعات معدودة فقط , تقع الكوارث الوخيمة لهذا كانت هى تكملنى وأنا اكملها فى كل شيئ تقريبا , , .., أذا أصبنا كتبت لنا الحياة وأذ أخطانا كتب لنا الموت , وكما هو واضح أصبح قدرنا وحتى مصيرنا وأحد ,,
    ولان أيامنا معدودة وافق القادة الصغار على زواجنا , كشيئ طبيعى فنحن نسكن الاهوال والاحراش والغابات, وفى عداد المفقودين ولن نكلفهم الشيى الكثير فى ذلك , ولن يضار حتى مناخ العالم بتاتا من أرتباطنا ببعض ، مع الضمانات الكافية والتاكيدات دوماً على حفظ كامل الرتب والمقامات , وهذا ليس بجديد ويحدث دائماً وفى أرق غابات , وأحراش العالم المتمدين هكذا كنا نظن , ولا ندرى بأن الايام حبالة بالمزيد والموجع حقا .
    كانت هى المفوضة والرتبة الاعلى , ولم يكن لمثلى وفى مثل تلك الايام أو أى أحد كان من أن يجروا على تجاوزها أو تخطيها , أما أنا فبطبعى المشاكس كنت كثيراً ما أشذ بتجاوزها , رغم أنها كانت صندوق أسود للاسرنا جميعا , فقد كانت بحق متنفذة وسلطاتها مطلقة , تحكم حتى بالاعدام ولم تستخدمة فى الواقع , الا ضدى أنا وحدى زوجها فيما بعد , كانت بارة بوطنها أولا ودائما , وفى أحلك الظروف وما أستطاعت لذلك سبيلا , ثم منحازة بكلياتها لبيتها كزوجة لايشق لها غبار , ولاننى تنازلت عن رغبتها طوعاً ً بعدم الانجاب ,وملكتها عصمتها بيدها وأنا مكرة , أمام جبروت جمالها الطاغى وسطوتها ، لهذا أجد نفسى وهى حلالى وفى آحايين كثيرة , أتسولها الانجاب مجبر وعاطفة الابوة الجياشة تغالبنى, وفى عقر دارى لتثور ثأرتها فى وجهى ذات يوم وتصدنى , لتختار بعدها وأنا غير مصدق الفراق بعيداً عنى , فى صمت وهدوء عجيبين وبدون وداع , لانها تفلسف الامور ببساطة شديدة وتقول بأنها , لا تحب فى مثل هذة المواقف يالذات وداع من تعزهم , وأنا فى غربة سنين بعيدا عن بلادى واهلى , وفى مسيس الحاجة اليها بالطبع وفى كل شيئ .
    أذكر كل ذلك كان ذات مساء يوم مشمس , غير عادى جئيت مرهقا ومشيا على الاقدام الاف الاميال من غرب ” قجام ” , بعد أيام وليالى طويلة ماطرة , والانتهاء للتوة من مشروع تدريبى خلوى قاسى ومناورات وأسعة و بالذخيرة الحية , لتفاجئنى على حين غرة المراة العجوزة صاحبة المنزل الذى نستاجرة الجدة ” اللميتوا ” قائلة فى تحسر وبامتعاض :
    ـ أخذت يا أبنى .. حاجياتها ورحلت باكراً الى مكان ما فى الجبهة … لم أعد أذكرة الان بالضبط هل هو فى ” أقلاقوزاى ” أو” دك أمحرى ” , لتواصل حديثها وهى تصف لى ربما مؤاسية , وبحزن دراما مغادرتها الموجعة لى شخصياً , منذ سكنى هنا وهذة العجوز الشمطاء لا تكف أبدا من أن تلهبنى دائما , بسياط ثرثرتها ولدرجة لاتحتمل أبدا, كما أنها لاتبشر عادة بأخبار سارة الا نادراً جدا ، أخبارها كلها مفجعة وسليطة لسان والكل يتجنبها الا أنا , كانت تعجبنى دائما بثرثرتها البانورامية للاحداث, وتعلياقتها اللازعة والموغلة فى الغرائبية واللامعقول, بل وطريقة وصفها للاشياء المستحيلة التصديق , بتهكم متصنع قالت لى:
    ـ كأنت فى عجلة من أمرها والعربة تنتظرها .. لم تترك ياكافى المحن أى رسالة أو شيئ من هذا القبيل .. ولكن وأحقاقا للحق كانت بنت بلد أصيلة .. لم تأخذ أى شيئ معها … ” , كنت لحظتها أتندر داخلى وبغبن :
    ـ ” يكفى أنها أخذت معها .. قلبى وعمرى .. ” , بل الذى يبدوا لى الان بأن هذة العجوز قد وجدت الان ضالتها لتنفس , هى الاخرى عن كوامنها بطريقة أو ما لهذة لم تتركنى لشأنى , غير أن تؤاسينى وربما بطيبتها وأنا لا أدرى , ولتقول لى بعدها مستبشرة :
    ـ ذهبت على ما يبدوا .. وتركت لك يا أبنى …الجمل بما حمل فأنت فى هذة الحالة بالذات المنتصر عليها .. , هكذا يفكر أمهرة الشمال دائما… ولكننى قلت داخلى :
    ـ “.. أنتصارى عليك يا ” تسهى ” .. وبكل المقاييس هزيمة فادحة … ” , بدورى شرعت ، فى فك الارتباط باثيوبيا كلها وطلبت النقل لجهات معسكر ” أتيانق “أو” البيبور” , لاستشف بعيدا عن كل هذة البلاد المسحورة ، بالطبع لم أنتظر أجابة من أحد كان كما أننى لم أتحمس لفكرة البحث عنها , لارجاعها لاننى أعرف بانها ستتخفى عنى بعيداً فى يوما ما لانها مسيرة , ولم تختار لى شخصيا مثل هذا الفراق الهادى والداؤى والمحزن حقيقة , ولكن هناك أناس بعينهم من المستحيل تسميتهم ,الان وأخلصت فى خدمتهم والتضحية من أجلهم ، لن يتركونى وشانى هكذا لاعيش هنياً وأسعد معها , ولكنهم خيفة عقدوا العزم أن يجازونى ذات يوم بحجم جزاء سينمار واكثر , ولكن متى وأين .. وكيف ؟؟ فهذا ما لم أستطع أنا نفسى , خبير التكتيك الملهم حتى معرفتة , ولان قلب المؤمن دائماً دليلة كما يقول المثل ، فقد أستشفيت بعض من مبررات هجرها الغير مستثاغة أبداً , بالنسبة لى أبدا والتى تمت على نار هادئية كما يبدوا وباكثر مما اتصور , فقلت داخلى بحرقة :
    ـ ” على أى حال .. لا عزاء دائما للغرباء … وبالطبع فأن من خرج من دارة صحيح قل مقدارة ومهما كان … وهكذا الدهر يا سعد .. ” والكثير .. الكثير والموجع , بل وأنا أحلف صادقا وحتى الان بانها لم تختار لى هذا الفراق , ولكن هناك من يغير على مجرد حبى وارتباطى بها , بل كيف يسمح مثل هذا لنفسة كائن من كان , وهى زوجتى مجرد الغيرة والغبن
    المستتر فى كل ذلك , وعدم رضائهم لمثل هذة الزيجة الغير متكافئة فى نظرهم هم على الاقل , وشططهم لرفيق كفاح طويل ومرير , أنة بالتأكيد شعورغير سوى بتضخم الأنأ , وغير مقبول ووحشى وحاجز نفسى عالى بالغبن للآخر ، ورغم أخلاصى وتضحياتى بالدم من أجلهم , الا انة غير مقبول أطلاقا ومهما كنت أنا الغريب , وهى سليلة الدماء الزرقاء فى أساطيرهم الشعبية القديمة , وهذا فى حد ذاتة خط أحمر عندهم , فشتأن حتى ولو أن تذهب الى قبرها ودونى , أن أمسس .. وأنا حتى زوجها شعرة من رأسها , هذة هى دوما الكبرياء والشوفينية الانسانية الممقوتة , والضحلة التفكير والى يوم ولحظة , النفخ فى الصور والاعلان الداؤى والاكبر ,.. اليوم لا أنساب بينكم .
    كانت بالطبع قد أختارت بطريقة أو ما , أن تمارس مجبرة مع سبق الاصرار النزوح والانزواء بعيدًا , وفى دور آخر مختلف ومرحلة أن تهرب وتعيش منطوية أو لاجئة بلا هوية , ولاقول لنفس تب لك أيتها التضحيات .. والمجاهدات …, ثم أستصرخ وأكرر وأقول بعناد لهيئة القيادة المصغرة فى ” جوبا ” و” فشلا ” :
    ـ أرجوكم أن تخرجونى من هذة الاحراش الظالم أهلها .. ” , فاستجابوا لنقلى أخيرً جدًا وبعيداً منفياً أو مغضوب على , وللخرطوم نفسها وأنا لا أعلم ولسخريات القدر بأنها هى نفسها , وبكامل حضورها تتقاسمنى العيش فى الخرطوم نفسها , ولايفصلنا باكاد غير شارع أفريقيا فقط , بل وهى تعلم كل ذلك وأنا يومها مدير شعبة عمليات الخرطوم , الكبرى نفسها ووريث أصيل لمكوين باشا واللواء ضيف اللة , أخر من يعلم ولكننى تفهمت بعد ذلك حيثيات عيشها متخفية بالخرطوم , وعملها كنادلة باحد منتدياتها الحديثة والراقية , تحزق ببرمكية فنون القهوة الاثيوبية وطقوسها الموغلة , فى الاصالة والتراث العريض .. ، كانت مختلفة ومدهشة فى كل شئى وتسحر أنظار الرواد , من الهائمين حولها حدثنى ذات يوما عنها أحد شباب شارع كترينا والخور, باستعجاب يحسد علية وقال لى مبهوت :
    ـ ” أمسك الخشب يا صحبى انها ” آنا ريكو الاخرى ” ، ما كنت أعرفة عنة أنة كان متزن كليا وزاهدا , وقلبة معروف بعصية ولكن عندما تحدث لى عنها بشقف ولهفة , وأعترف لى بكامل حضورة بأعجابة بها ومن الحظة الاولى , قلت لة :
    ـ ” أكيد أنها ربما تكون ” تسهى ” التى أبحث عنها .. ” ، بل أندهشت ووقفت مبهوتاً عندما وأجهتها وجة لوجة , وهى بعد كل ذلك تنكرنى ومن حولى فى حيرة وحرج شديدين , بل وأنا السهل الممتنع أعزرها وعندما أتنازل واقول لها :
    ـ ” أخيراً مرحباً بك فى بلدك الثانى السودان .. ورغم أنكارك لى أين ستهربين منى بعد اليوم ؟ , لاوأصل القول وهى مستعجبة :
    ـ ” كما أننى وبطريقة أو أخرى ومنذ اليوم .. لن افرط فيك مرة أخرى أبداً أبدا ..” , أنتبهتوا لنفسى وهى ما زالت مشدوهة لبرهة ولتستعيد فى ثوانى ثباتها , وهى الحديدية الاصل والثبات وسيف لحاظها مجرب ولتعيدنى ,وأنا الملتبس على مضض لتودعنى فقط أمانيها العذبة الان للهجرة والمغادرة بعيدا الى عوالم أفضل ً تنتظر كالكثيرين كرت زيارة لملاذ أوربى أمن , كما أشاعت بذلك ولم أصدقها ، كنت فى الحدود مسئول الارتباط الاول والان معروف بينهم جميعا بالمهنية والتجرد والنزاهة .,

    تجمعنا الان أمسية شاتية على أنغام ” الماسنغوا ” ورقص الاسكستا “, فى مقهى “درق بنا بيت ” الشهير للجالية بنمرة ثلاثة ، تزامنت ذلك مع طقوس أحتفائية شعبية طويلة بعيد ” الماسكل ” الاثيوبى العريق ، وحرصى أن كون دوماً بقربها ومن باب الفضول لاغير ,كانت متزية بزى شعبى رصين يعجبنى ، وكانت تحرص فى الماضى التزيؤ بة فى المناسبات والاعياد , وكان لا يكلفنى كثيراً تلك الايام سواء مشوار لضواحى ” عدى خالا ” , لشراءة ثم العودة راجلا لمدة اسبوع وما أتكبدة , من أهوال الصدام مع شفتة ” أرمجو “و “ولكايت ” العتأة ، وهى التى كانت تفاخر بى بطلاً لايبأرى , تكف الان حتى عن مصافحتى والحديث معى وفى بلدى ، وهى فى أخرى تقول لى :
    ـ “حقيقى لم أعد أصلح لك .. وضررى بك أكيد أكثر من نفعى وأسال غيرى .. كما أن أهلك لن يغفروا لى تضحيتك بسببى المرهقة والمكلفة جداً لى ولك .. ولانك تحبنى وأنا كذلك .. فمن مصلحتنا الاثنين صراحة أن نفترق .. فهكذا يكون فى نظرى معنى الوفاء .. وأنت الان بالطبع لن تفهم ذلك الا بعد فوات الاوآن وللة درك ..” , بالطبع أفرط فى حبى وتشبثى بها لدرجة الهوس , حتى أن جهات العمل المتعاطفة معى تخيرنى بين العودة اليها والتنحى لوظيفة مدنية بديلة , أو نقلى الى الجنوب فورا وأمى قبل والدى تستعجب فى كل ذلك , بل وتحلف بأغلظ الايمان ممتعظة بأننى فعلا مسحور فى كل ذلك , ومن أجلى تزور أهلها الصلاح والفلاح وأهل الكرامات , فهى سليلة الهميم وأولاد عجيب وحبوبة المك لزم ومن بيت ملك ودين , وأهل سجادة وتختار لى بنفوذها الطاغى من أعز بيوت ” ألمانجيل ” الكبير وهى تقول دائما وبكثير من الادعاء والخيلاء :
    ـ ” .. ونحن معروفين أسياد نحاس ونجدة .. وما بنرضى الحقارة وما بنضام وبنسدها ونقدها .. ” ولتضيف بوجع قائلة :
    ـ ” وحبوبتى قالت جد جدها ” السميح ” قال لشيخ أبوة فى العلم … دايرك يا أبونا الشيخ تسال لى اللة .. يدينى دار ابوى … قال لية ود ” العقيل ” حى ما بتلاقاة بعدة تجيك .. يا طويل العمر ….عشرة تعدلها وعشرة تخربها فكان كما قال .. أه أنت ياولدى حتما مسحور, وخوفى أن تخربها وتفارقك وجاهتك ورتبتك .. ” , أما تلك التى كانت تعاندنى بتحدى وفى شكل عصيان لا هوادة فية , وأنا الذى بيدى الان سلطات متنفذة لاحيل حياتها الى جحيم لايطاق , أمسك وأحجم لانها لم تعاملنى بالمثل فى أهوال بلادها , والتى لايستطيع العيش فيها الا الاسود وباحتيال , ولامجال حتى للنمور المرقطة وطوبى لك , وتلك الايام نداولها .
    بعدها تقول لى صديقتنا المشتركة التى تجمعنا الان على خير ” نغستى ” :
    ـ بالهداوة والاقناع دعونا نحل دائما .. مشاكلنا برؤوس باردة وأياكم والتعصب والانفعال … فلحظات السعادة أقصر من ما تتصورون جميعا ..” , تلك الامسية تقول لى ” أماندا ” و” قدى “:
    ـ أنت حقيقة وفى شخصها كنت تشملنا نحن .. ذوى الارومة الامهرية .. بعنايتك وكرمك الذى لاتخطية العين … أنك انساناً متفق عليك تحفظ الوداد والعشرة .. وهى تخاف عليك من نفسها فهذة قمة التضحية لك .. بل والسفر حقيقة من بلادكم أصبح عدم كلبن الطير .. ومن رابع المستحيلات لولا مساعداتك لنا …” , لتنتحى بى صديقتها ” أسناكش ” وتسالنى :
    ـ ..أانت تعرفها؟ يعنى أاصحيح بينكم سابق معرفة ؟ قلت لها وهى تسمعنى :
    ـ كنت أعرفها فى ماضى الايام .. عندما كان أسمها ” تسهى “وليس كما يدعوها الان بـ ” مولوا ” وكانت زوجتى .. أما الان فمنفصلين بامر منها او من جهة ما لا أعلمها .. ” عقدت الدهشة لسانها وقالت لى :
    ـ أذن هى قصة وحكاية .. قلت لها :
    ـ أقول لك صادقاً وهى الان تسمعنى جيدا , وهى تعرف مع كل ذلك أننى لا أكذب أو أتجنى عليها ابداً , ولا أحسن حتى تزويق أو تزيف الحقائق , كان ذلك على أيام ” منغستوا ” والرعب الاحمر، يستشرى هنا وهناك تركت دراسة الهندسة بجامعة اديس اببا , مرقمة للانضمام ” لملس ” فى غابات تقراى ، وأختها الفنانة الشهيرة “وينا سبسبى ” تبحث عنها بجنون, ما تركت حجر الا ورفعتة وفى يدها عفواً , من ” منغستوا ” نفسة ولانها تعرف طبيعة الاحقاد هناك فانها ، لم تعد تصدق أحدا كان ، وتتدخل جهات عدة ويفشلون ودونك يا ” سهى ” , وتموت اختها كمدا عليها ولسانها يلهج , قلبى على أخى وقلب أخى على حجر , كانت بطيبتها تريد لها مستقبل آخر مشرق ومختلف , ولاتدرى بانها أصبحت زوجة تملك زمام أمرها وعصمتها كما أرادت , وتعيش معى شظف العيش بعيدا عن رفاهية المدن والحضر , فى مكان ما على حدود جبهة ” مغلى ” الملتهبة .
    كانت جميلة فى كبر وعنيدة وشرسة فى تواضع , التقيتها لاول مرة ونحن على أبواب دخول الثوار منتصرين لـ ” أديس أببا ” , المدينة الحلم والتى لا أريد دخلوها دخول الفاتحين , فهذا محرم فى الشرائع الاثيوبية كلها أبتداً من الامبراطور تادرس , وحتى منليك ملك شوا نفسها , والذين ماتوا دونها والتراب الاثيوبى معروف محرم ومقدس , وهم أهل ذمة و” النجاسى ” نفسة كان ملك معظم لا يظلم عندة أحد أبدا .. .
    كانت هى دليلنا الوحيد لدخولها , كانت برتبة رائد ” شلكا ” وأنا نقيب ضليع بفنون القتال الليلى بالكتائب الخاصة ، أماهى فقد أعتدل مزاجها فجاة للحديث وأخذت تكمل بالامهرية البقية ، وهى تقول لمن كانت تجلس كحاجز صد عاتى بيننا ، أنة يتقن الامهرية أكثر منى ومنك ، فانا أستاذتة وهو كان حقا تلميذ نجيب يطلب المستحيل ، نظرت بعيد ثم أخذت تنفس من سجارتها وكانها تكسر حاجز الصمت لتقول :
    ـ أذكر القائد ” ود الحسين ” قائد الكتيبة السودانية , يصرخ فى جنود الكتيبة محزراً بالانتبأة , والجميع متحفزين لدخول ” أديس أببا ” المدينة السهل الممتنع , وفى وثبات تكتيكية كما فى تنوير القائد الثانى ” كجو كرتكيلا “, وهو يشرح كيف تكون الوثبات التكتيكية لتفادى جرزان الصحراء الانجليز , المتشبثين بحماية قصر منليك القديم , … ثم بضجر يقول وبعد أن نفذ صبرة :
    ـ ” يا ناس الكتيبة الا ترونا كيف أولاد القائد ” ملس ” منضبطين ومؤدبين الا أنتم ..اا ” ,
    ثم بخنق يردف قائلاً وقد بلغ بة الصبر مداة :
    ـ أولاد الكتيبة دى فوضجية ومجرمين .. خالص حيحرجونا … عايز لى ضابط كارب و” صعلوك ” من أولاد ” الموردة ” أمسكها لية , ليطلب من التعلمجى ” أبوالبشر ” , أن يحضر أمامة جميع ضباط الكتيبة ، ثم أخترتك أنت بالذات ولم تسالنى فى الماضى , لما أخترتينى دونهم كلهم ومن المفترض أن لاتسالنى الان , ثم عملنا سويا ولفترات طويلة وبجهات ومواقع عديدة , وتزوجنا عن حب وقناعة فأنت منذ عرفناك متدين , وأنا مؤمنة ولا حرج فى ذلك ، ..
    ثم أنفصلنا سريعا ولاسباب معروفة لى ولك , وفى سرية وهدؤا تامين وتفهمت بالطبع واقعى الجديد , وضرورات المرحلة والسرية وترقيتى الى مواقع حساسة كما يدعون , ليعودوا ليجردونى بنفس السرية منك أنت كزوج , ومن وظائفى كلها لاسباب غير معروفة فيحيلونى للاستيداع , وأنا فى شرخ الشباب والعطاء واتهمونى بعدم الثقة , والموالة لك فى يوم من الايام نسوا كل ما ضحيت انا وأنت من أجلة , ولكن الان جاءت نشؤة النصر وهيلمان الدولة النأشئية الجديدة , فليس هناك مصغى لاحد كان كما أن قرارت الدوائر العليا عادة غير قابلة للنقاش ، فرغم تضحياتى جردت من رتبى كلها وأصبحت موضع تهم , ولا حماية لى وأنا الصندوق الاسود ومستودع الاسرار لما كان وما سيكون , بالطبع وضعونى أمام خياريت لاثالث لهم كعادتهم ، فأخترت الهرب كلاجئية لالوز بعدها بالمهاجر البعيدة , منفية لاننى أصبحت وانا فى شرخ الشباب غريبة الاطوار وعديمة الجدوى , ثم ألتفتت لى ولتقول لها :
    ـ أنا بالصدق ربما الوم الظروف …, ولا الومة شخصياً لانة أخلص لى .. وثانيا أنة أحب اثيوبيا فى شخصى فهذا عندى يكفى … فهو بحق مبارك فى الارض والسماء .. ولن انسأة ماحييت , وهو قد يقول بداخلة مستهجناً :
    ـ .. البنت دى عاملة من الحبة قبة .. الاترجع الى صوابها .. وتعود معى الى بيت زوجيتها ؟؟ .. ” , أننى أقول لة الان وبصراحة شديدة :
    ـ بسببك كان فقدى لكل شيئ هناك … وما أخشاة أن تفقد أنت الاخر كل شيى بسببى هنا .. فهذا بالطبع منطقهم الان جميعاً .. رغم ما يغلفونة من زيف ورياء ؟ , بل وأمعانا فى أغاظتى بعد ذلك سافرت حتى ولم تودعنى .
    بالصدفة وحدها وبعد عدة أعوام التقيت فى ” بنا بيت أديس وركو” بالديم وسط بـ ” أسناكش” نفسها صديقتنا المشتركة لتسالنى بالطبع عن أخبار تلك المتماهية أبداً ، قلت لها أنها مغرورة ومزعجة بامتياز لم تودعنى متمنعة , ثم وهى والم تقول لى أمامك:
    ” لن انساك أبدا .. اا”, فقد عت لا أصدقها من جديد , ورغم أنها تعرف حساسية عملى ورتبتى الان ، ومع كل ذلك أرسلت لى كرت معايدة باعياد الكرسميس وراس السنة, ليخترق وبأعجوبة حتى أجواء “جوبا ” نفسها , وأنا ملحوق بالفرقة الاولى ولحسن الحظ يستلمة الكماندر” دوت موق ” , فهو يعرفنى ويعرفها فقد عمنا لسنوات بالقوات المدمجة” بفشلا” و” كافاكفنجى” , ولولاة لكنت قى خبر كان , بل و بطريقة أخوية جاء شخصيا ليسلمنى الرسالة , ثم يتطوع بقراتها أمامنا جميعاٍ حتى لا يحدث أى لبس أو تأويل, فأولاد” الانواك” معروفين باتقان الامهرية ، وهو يضحك: قال لى
    ” أتدرى يا صاحبى من مين .. ؟ … ثم يتلفت فى ريبة ويهمس للكل
    ـ ” أنها من ” تسهى ” المتماهية دوما ,ثم تتنحنح وقال :
    ـ ” وأنها من القدس.. “, وأنا أقول بداخلى “وأ نها أن شاء اللة باسم الله الرحمن الرحيم وهى تقول :
    ـ “أرقد الان مستشفية ومنذ عدة شهور , بمستشفى فى القدس الغربية لا تتخيلونة أشبة بهلتون الخرطوم , لاستشف من وجعى منك , ولجوئى المستجعل لبلادكم ..” ثم تستدرك هفوتها لتقول وبحصافتها المطبوعة ” .. بالطبع حتى أعود اليكم أكثر شوقا ولهفة , بل وقف الكثيرين من حولى أمام عبارتها المتهكمة ليعلق ” كجل ” قائلا:
    ـ “تعجبنى شفتة بتعرف تمرق من المغارز دى ..ا ؟” , ثم أردف ” موق ” قائلا :
    ـ ” أنت فى كدا ..ولا شوفوا سلاطة لسانها المجبولة عليها …. بتتفسح قالت ليكم :
    ـ ” كيف عاملين مع أجواء ” جوبا ” الحارة .. والنكات الباردة .. وشوفوها ..هنا بتقلب فى المواجع كيف… قالت بلكنتها المحببة:
    ـ ” ٍسلام بلونجا ” .. أى سلم على كل من يسال عنى .. خصوصا البرقدير ” أكيج ” و ” دوت نيال نيال ” … قالت :
    ـ ” لاتنسى ” ود الحاجة ” .. وأهمس لة فى أذنة .. كتبت .. لك .. وأذا لم ترد لن أكتب لك مرة أخرى … فهذا مبدئى الذى تعرفة جيداً .. تعليمات أخرى .. أنتهى ..
    ثم أردف بعدها قائلا ومستنكرًا :
    ـ كمان أنتوا يا أولاد ” العباسية ” .. ما قصرتوا أبدا علمتوها كل شيئ .. شوفوها بتقول شنوا ؟ , ” مررت أمس بشارع السينمات رايتها مكتظ بالرواد من الجنسيين , تذكرت ميز كسلا و” ود الحسين ” الذى يصنفها من الموبقات , وهو يصرخ :
    ـ ” .. ها ناس كلامنا القلناة كلة .. طلع فشوش ساكت اا ” ليردف قائلا موجها حديثة لمن يجأورة :
    ـ ” سمعت يا شيخ ” قدالة ” .. ” كجل ” قال شنوا ؟؟
    . ” كجل ” .. قال ماشى السينما ..اا “.ـ ”
    .. عندها فقط .. , تفرقعت الضحكات الى ما لا نهاية .. .
    تمــت ,,,
    فتحى عبد العزيز محمد
    الخرطــوم ? حديقة أوزون
    10 /1/2013م

  2. الشهد والمـر ..

    -1-

    بالصدفة وحدها هى الان تجاورة ، هجرت عملها كمذيعة تلفزيونية لامعة ، لتتفرغ لدراسة الفنون والتشكيل ، هو مثلها ترك الاشتغال بالهندسة , ليجد نفسة منجذبا للرسم والديكور ، رغم أنحيازة حد الهوس , لفن البورتيرى والمجثمات الهندسية الضخمة .
    جاءت متاخرة , فى أول يوم دراسى بكلية الفنون , ولم تجد مقعد الا بجوارة هو .. ، أسمها ” شهد ” وكان لها من أسمها نصيب ، يسبئ العقول والالباب , منذ الوهلة الاولى تماسك داخلة بشدة .. ومازال , بل كان دائما مستمع جيد لارائيها , وتنظيراتها الفلسفية المختلفة , فهى مع كياستها فى أدارة فن الحوار, متبحرة بطريقة أو ما , فى دروب الثقافة والفنون وفلسفاتها الشائكة , بحكم نشأتها , فابويها قامأت أعلامية سامقة فى أمبراطورية الاعلام والميديا الثقافية ، ويديرون بحنكة يحسدون عليها , أعتى الفضائيات والمراكز الاعلامية , وأكيد أبن الوز ….
    بذهن متقد , كانت متفتحة ومقبلة على الحياة , بينما هو نقيضها تماما فى كل ذلك , حتى أن زملائية كانوا يصفونة بالمؤهوب تارة وبالمنكمش تارة أخرى ، ولكنهم يعترفون بأنة منفتح أكثر على فنة , يمزج ببراعة فائقة , بين الهندسة وبقية الفنون الاخرى , فى جراءة غير عادية , تبهر دائما أعين الاجانب ، فيبدون بالسؤال عنة , قبل أن تطأ أقدامهم أرض المعارض ، بالطبع كان مغرور وفى حدود , ومحسود وهو لا يعلم ومن أقرب الناس الية ، وفى كل شيئ , حتى على تلك الابتسامة الخارقة للعادة .. والتى ترتسم دائما على محياة , وتنم عن رضاء وثقة مفرطة بنفسة وبمن حولة , بل وفى كل ذلك يقولون شهم ومقتحم , ولا شيئاً تقريبا يستحيل على قلبة الشجاع , لذلك يلقبونة فى آحايين كثيرة , ” بالمر ” ولة فى ذلك صولات ….
    بفوقيتها الواضحة للعيان , حددت هى .. ومنذ البداية علاقتها بة , على أن لا تتعدى بالكاد حدود المجاملة والزمالة , بالطبع لم تقل لة ذلك صراحة ، ولكنة أستشف كل ذلك من أحساسة , الذى لا يخونة أبد”ا , بل أكد لة نفس الشعور ، ذات مرة وبشكل أيحائى , أحد زملائية المتماهين دائما , عندما أجزم لة ناصحاً وربما محزراً , بانها تبدو على وشك الارتباط بابن أحد المتنفذين الحزبيين , وهو مع حبة الشديد لها يغير عليها بشكل جنونى , حتى ولو غازل ياصديقى .. نسيم الصبح ضفائرها .
    وبالطبع فان مثل هؤلاء مصالحهم , مع والدها شائكة ومصيرية , ولو شعروا بك فسينفوك بلا جريرة ” للواق الواق ” , هذا اذا كان فى قلوبهم ذرة رحمة بك , ويومها لن ينفعك , كما يقولون لا أسمك ولا موهبتك , فهل نحن يا صديقى من الان منتهون , ومن كل ذلك الحلم اللذيذ .. , أم نكون بعدها بالضبط .. كما الذى يقف دائما فى الحساب ..محسور …!

    -2-

    الليل والنهار فى سباق مستمر ، ولان ” المر ” مازال يضعها وبتحدى فى بؤرة شعورة , ولم يلين أبدا فى كل ذلك أو يستكين , لذلك لم يستغرب ابداً عندما راى وبأم عينية , بان كل ما حزرة به المتماهى يحدث الان لة بصورة أو بأخرى .. بل أن أهلة وزملاءة يدعون دائما بان ما حدث ومايحدث لة من منقصات عويصة فى حياتة اليومية .. أنما يحدث بالصدفة المحضة وحدها .. وليس لاحد كائنا من كان يد فية , وهو فى كل ذلك يستعجب ، حتى أن يوم زفافها المعلن ، يتزامن بالصدفة …مع يوم سفرة الوشيك .. ومما أدهشة حقيقة حتى الان .. وشلة تفكيرة تماما , كيف تسللت هى خلسة , وصديقتها من بين ..أعين فريق الحماية الناعمة حولها .. لوداعك عنوة وبالمطار، يومها تاسفت لك بشدة والدموع تكاد تقطر من عينيها , لعدم دعوتك لحفل زواجها عمدا ودونهم كلهم , بل شكرتك بكل ميمونية على البورتريية الجميل المرسل منك .. وأعتزازها الحقيقى بة .
    لحظتها فقط باحت لك , بلواعج شوقها وحنينها اليك .. ولوباحت بكل ذلك من قبل , يا ” المر ” لجازفت بالطبع بعدم السفر بعيدا عنها .. ثم بدات ولاول مرة تفضفض لك عن شعورها الحقيقى تجاهك , وهى تصارحك قائلة بؤجل :
    ـ ” .. حقيقى أحسست بمشاعرك منذ اللحظة الاولى .. بل شعرت بك فعليا عندما أقتربت منك .. أكثر وأكثر .. أيام رسم الجدارية والبورترية بمنزلنا .. ” .. ثم قالت لك وبالحرف الواحد :
    ـ ” أبى تتبع عروضك بكل المعارض .. بالخارج والداخل خصوصا عروضك المنتظمة بغاليرى ” راشد” و ” شبرين ” .. ورغم أعجابة الغير محدود بموهبتك وعبقريتك الفذة .. الا أن أنحيازة الصارم وكما تدعى أمى .. كان ومازال للشكلانيين المغاربة لالغيرهم .. بحكم ثقافتة وفلسفتة الديكارتية .. حقيقى كان يتمنى رؤيتك …وعندما التقى بك لاول مرة لم يرتاح لك شخصياً .. بل تراجع سريعا من أشادتة الكبري بك .. وبدا وبكل أسف من يومها ينتقد بحدة أعمالك كلها .. بل ويصفك بالشطط تارة وأحيانا بالمروق .. ولا تستوعب أيحائياً القوالب المحلية .. وأنك بالطبع ظاهرة عابرة ولا مستقبل لك أطلاقا .. أما أمى فقد كانت فى صفى وصفك .. وقالت :
    ـ ” .. بالعكس أنة أستثنأئى وفى كل شيئى ، وحازق ومستقبلة مبهر .. نعم أنة مغمور بالداخل .. بينما أعمالة الملهمة تغزوا العالم , وتعرض جنبا الى جنب مع كل أساطين الفن , وفى أرقى صالات العالم المتقدم , لتواصل قائلة :
    ـ ” بل لا أدرى صراحة الان .. هل كانت أمى صادقة حقا عندما قالت يومها وبكامل وعيها :
    ـ ” .. كنت أتمنى يا ” شهد ” أن يكون من نصيبك .. وبالطبع فأن حظك سيكون .. مختلف تماماً من حظ أمك العاثر… ” , عندها أمتعظ أبى لانحيازنا لصفك وبتشفى أمى الذى أزهلة تماما ..” , ومن يومها بدأ هو الاخر على مايبدوا ، يكيد لك معهم كيداً يا ” المر ” , بل عندها فقط .. قلت لها أنت .. مازحاً ومعزياً وهى تغادرك مودعة :
    ـ ” .. أبدا لا عليك ” وحيدتى ” .. ونحن منذ أن خلقنا لا ندرى أين يكون النصيب حقيقة ؟ا” .. بل التفت لتقول اليها متحسرًاً :
    ـ ” ثم ثانيا … هى الاقدار بالطبع ” الشهد” و” المر ” يبدوا أنهما يا ” صغيرتى” خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً ” .. , مع توجدك وتحسرها .. تحينتها فرصة وهى تهمس لك مودعة :
    ـ ” .. أحبك بصمتك … أحبك بغموضك …أحبك كما أنت .. ” , كنت تؤد لو تفلسف الامور وتقول داخلك :
    ـ ” .. أخير وهى تبوح بكل هذا .. أنها حتماً كاذبة “.. ولانك تعرف بأنهاً لا تكذب ولا تمارى أبداً .. , أمسكت وأنت تؤدعها ساكتا .. ولكن ساكت فوق رأى …لم يتبين بعد ….
    -3-
    ثم أفترقا ، وفى النفس حسرة , حتى هى التى تفرط فى التشبث بة لدرجة الولة , كما أحس والدها .. , يذهب بها سريعاً الى بيت زوجيتها نكاية بها ، أما أنت الضعيف والمقدور على أمرك .., والذى تجراءت وأحببتها بتجرد وأحببت ” أسبانيا ” فى شخصها.. , وتطلعك للارتباط بها والسفر سوياً للنهل من ثقافتها وفنها الاندلسى البديع , ها هم يجعلون من فكرة سفرك ” لاسبانيا ” نفسها معها أو بدونها , حقيقة ضرب أو شيئ من سابع المستحيلات , بل يلغون المنحة المرسلة لك بالاسم عنوة وبجرة قلم , ليسطؤ عليها بغيظ وبطريقة أو ما .. , أحد عديمة الموهبة من المتنطعيين أمثالهم , ثم بالترهيب تارة والترغيب يفتحون الان لك عن طوعية , وأنت لا تدرى .. باب الهجرة الى كندا على مصرعية , منفياً بعيدا ولتصدق وتكتمل نبوءة صديقك المتماهى أبد”ا.. عياناً بياناً , وها هو أيضا” أخوك الامام المربى الكبير يلتقط الطعم , ومدفوعاً بالضغوط ..التى بدأت تتحدف وتهوى علية , ومنذ أن عرفتها وهو يوافقهم الرأى ويقول لك مرغباً ..ومحببا لك فكرة السفر نفسها :
    ـ ” بالطبع أنها فرصة سانحة .. لاكمال دراستك الهندسية العليا … ثم أوصيك ياأخى دائما بالالتزام ..
    ـ وأياك ..وأياك والرسوم والمشبهات جميعها ” .. ثم فى أخرى يقول لك :
    ـ ” .. وكما تعلم فان فى السفر فوائد جمة يا أخى “… ثم يعددها لك وأعظا .. واحدة بعد أخرى.. .
    ثم فجاة يجد نفسة يودعهم جميعا , وعلى عجل مع دعواتهم لة كلهم بالتوفيق , ليجد نفسة بين عشية وضحاها.. بالطبع ببلاد وكما يسمع الان ويرى , تموت حقيقة حيتانها من البرد الذى لايرحم .., لكنة بجسارة وموهبة .. ومنذ اللحظة الاولى بدأ يقاوم ويتفوق على ذاتة , ليصبح فى عدة سنوات معدودة فقط أستاذ زائر , فى الانشاءات الهندسية الديكورية العملاقة .., وفى العديد من الجامعات , بل خمسة أعوام لايدرى كيف مرت وها هى سادسة أخرى مجللة , برياح ثلجية وأمطار ..ويا لعجبى , تقربة الان بشدة من ذكرى.. تلك النفوس الجميلة التى حيل بينة وبينها …
    كان بياض الثلوج يكسؤ ليل ” تورنتو ” , الحالم الطويل..والغارق يومها فى لجج من الغمام والالوان القزحية , والالعاب النارية الذاهية .. التى تهبط تماما , لتضئ المجسمات الهيكلية الديكورية العملاقة .. بينما تتوزع أقواس النصرالخرافية الحجم, ذات المسحة الافريكانية والفرانكفونية , هنا وهناك لتزين الساحات وهامات كل الابنية , والابراج والتى أضنى بالفعل الاسابيع الطوال , هو و” صوفى ” .. وفريق العمل الضخم المصاحب , فى زرعها فى مختلف أنحاء المدينة, بل ومزج مختلف الثقافات الانسانية , فى بوتقة وأحدة فى أحتفالية رأس السنة العالمية الطابع ,.. كان ليلتها يوصد الباب تماما ووحيداً , وهو يقضم مستانسا بالنارجيلة , معشوقتة المفضلة وبنكهتها المؤغلة فى الاصالة الشرقية ، التى يركن اليها دائما.. , وفى مثل هذة الاجواء الصاخبة بالذات .., الاضاءة الرومانسية الخافتة موزعة حولة .. , وهو يتابع عبر القنوات العالمية , كل المشاهد الاحتفالية الضاجة , ليحتفل منزوياً بعيدا لوحدة وبطريقتة الخاصة , وكما يحدث دائماً وبعفوية , وفى مثل هذة الاجواء الصاخبة .., أما ” صوفى ” زوجتة فهى الاخرى بالخارج ، تحتفل مع أفراد جاليتها من المهاجرين ، فى هرج ومرج عظيمين .
    لا يدرى لماذا يتلبسة الان , الحنين الى الوطن دفعة واحدة , .. ولماذا يتذكرها هى بالذات .. ؟ وكيف أن حياتها بعد أن كانت فى جذب ومد مع زوجها , .. قد أنتهت بانفصال داؤى , أطاح للابد بعنجهية وطموح أبيها .. لمدير بالمعاش بامتياز, وكما تنبأت أمها ، لحظتها فقط كأن يوازن بين ما وصل الية الان , من مكانة ورفعة وما كان علية فى الماضى من تواضع .. , ثم أخذ يضحك بخبث وهستيرية موجعة وهو يقول لنفسة :
    – ” .. الان لا ينقصنى شيئ .. فقد أصبحت يا عم ” عبد الجبار” .. شكلانى للنخاع بل .. وأكثر مما يتصورة أصحابك الشكلانيين المغاربة والروس مجتمعيين ” , ليواصل حديثة لنفسة :
    ـ “.. المشكلة الان .. ليس أبيها ..
    ـ ” .. أنما .. هى نفسها .. هل ستقبل أن تكون زوجة ثانية ؟ “.. ثم ” صوفى ” هى نفسها مع تضحياتها معى , هل ستقبل كل ذالك أم ستنهار ؟ ” .. ثم بوجع قال داخلة ”
    ـ ” هى تعلم باننى فعلاً ” المر ” .. ولكننى بالطبع غير مجبول على الغدر والخيانة ” , وبالفعل كان فى حوسة وتشظى حقيقى .
    بل ومن المفارقات التى مازالت تؤرقة , أن ” صوفى ” نفسها وربما بأحساسها العالى والمتيقظ , .. شعرت بكل ذلك ، لهذا وعلى غير العادة وجدها فجأة أمامة , متعصبة بعض الشيئ , بل عادت على ما يبدوا مبكرة وقبل أنتهاء مراسم الاحتفالية , ولتجلس بقربة وبهدؤ متصنع ولتسالة ، معاتبة ومستفهمة ..
    – لما لم تاتى !؟ الكل حقيقى يفتقدك .. ويحرجونى بالسؤال الدائم عنك ؟ ولا أدرى حقيقة بما أجيب عليهم …
    – وأنت هنا .. ولا يهمك !؟ ، كانت تعلم بان أجابتك دائما .. وفى مثل هذة المواقف بالذات , تفضى الى صمت مطبق .. ولا أجابة .. ثم تعود أنت ومن جديد لتهدئى ثائرتها بعض الشيئ ، وأنت تبتسم لها هذة المرة بابتسامتك الخارقة للعادة .. , والتى تثق بانها كفيلة ربما لاذابة ثلوج كل تلك اليلة مجتمعة , بل وتنم كذلك عن معانى رضاءك وأعتزازك دائما بها , لتبادرك فجأة مستدركة بعض الشيئ وبامتعاض , رغم ثقافتها العالية قائلة وبروح شرقية فجة تعجبنك فيها :
    – أنت لا تغير على كما ينبغى ؟ أذن أنت لا تحبنى !؟
    ثم أردفت بغيظ قائلة وربما مداعبة :
    ـ ” النساء عادة هناك .. عندنا فى ” الانضول ” , يقلنا عن الرجل الذى لايغير على زوجتة .. أنة بالتأكيد..لايحبها ” .
    هى تعلم بانها بذاك ستثير حفيظتك للرد عليها , وأن ردك لن يتعدى كم عوتها .. سواء النفى لكل ذلك جملة وتفصيلاً ، وأنك بالتأكيد ستقول لها وفى هذة الجزئية بالذات …وكما عوتها :
    ـ ” .. كذب نساء كل العالم .. ولو صدقوا .. فأن ما بيننا دائماً .. يا ” صوفى “.. , الحب والثقة وهذا وحدة عندى يكفى .. .
    لحظتها كانت مستكينة تماماً , تستند على كوعها لتزيد من وتيرة أشعال المدفئة , لتعتدل بجدية هذة المرة فى جلستها ، وكانها تريد أن تقول أشيئاء كثيرة تختلج داخلها .. وهى تنظر بعيداً قالت :
    – ” ذاك اليوم .. كان على أن أختار الهجرة الى ” كوبيك ” أو ” تورينتو ” .. , لاأدرى لما أخترت ” تورينتو ” و “والبلو تكنيك أسكول” بالذات ثم أخترتك أنت .. عن حب وقناعة زوجاً لى من بين كل رجال جاليتنا الكردية الكبيرة .. والذين يفتخرون بكونى أستاذة جامعية حصيفة وملتزمة .. ولا يحتفون عادة باى غريب بينهم .. الا أنت .. دونهم كلهم ” .. قلت لها بصدق وتروى:
    – ” هذا قدرنا ….يا ” صغيرتى ” .. ” ..
    ثم فجأة أخذها بغتة من يدها .. , فالساعة تقارب الان منتصف الليل تقريبا , بل وأخذا الاثنان يرقصان سوياً ..ويضحكان بصخب وجنون هستيرى .. , رقص أشبة ” بالفالمنجوا ” أو .. ” الكان كان ” .., لايهم ولكنة أكثر أحتشاما .. ويغنون بصوت واحد أغنية غجرية زائعة الصيت , تعلماها أثناء دراستهم بالبولتكنك …, تقول كلماتها :
    ” أنها الاقدار .. أنها الاقدار.. يا حبيبى
    تجمعنا كملاكين .. جميليين ..
    أنها الاقدار … ولو ذهبت فى طريق أخر ..
    لما التقينا.. يا حبيبى .. ولما تحابينا ..
    لهذا فأننا .. مدينون لك
    دائماً..يا أيتها الاقدار .. وهكذا .. ”
    ثم يواصلا الرقص والضحك متزامنيين , مع أطفاء كل الشموع والاضواء لثوانى معدودة , ليعودا لاشعالها سوياً من جديد أيذاناً بوداع عام , وأستقبال عام أخر جديد , بل وعندما أستكانوا تماما قالت بعمق , وكانها تستعرض أمام عينيها شريط الاعوام الطوال من الاحداث والمواقف والتحديات الجثام , التى أجتازاها سوياً قائلة:
    – تبدو لى ماهل .. وصبور .. ولانك تعرف كل الدروب .. فثقتك فى مقدراتك وبمن حولك ..لاتحدها حدود .. لهذا تجدنى دائما أشبهك لهم بالليث الهزبر .. لاتلتفت للخلف أبداً .. لانك صراحة لا تخاف أى شيئى .. الا اللة وهذا ما يجعلنى .. فخورة ومتمسكة بك أكثر .. وأكثر .. , ثم همست لك بعدها , ولاول مرة وبصوت خافت قائلة :
    – ” أحبك بصمتك …أحبك بغموضك…أحبك كما أنت ..” ..
    بالفعل أندهش , بل أندهش أكثر , عندما قالت لة وهى التى أشترطت أن تكون عصمتها بيدها :
    – أعلم بطريقة أوما .. باننى زوجتك الاولى .. ولكن لست الاخيرة بألتاكيد فهذا هو الشرع الذى ارتضيتة أنا … فهل هى الاخرى .. سترضى بة ؟ .. بالطبع لم يستطع أن يقول لنفسة أنها كاذبة … هى الاخرى ، ولكنة بالتأكيد ، قال مؤاسياً نفسة :
    – ” أنها مصيبة كبرى .. أن يختلف حولك كل نقاد العالم .. وتتفق حولك أمراتان ” .
    – تمت ,,,

    فتحى عبد العزيزمحمد
    الخرطوم ? مقرن النيلين
    4/12/2014م

  3. .. تسهى ” ذات الدمـاء الزرقــاء”
    أو( أنآ ريكـــــــــــو) الاخرى ..

    الفتاة الحوراء ذات العشرين ربيعاً ، الممشوقة القد والقوام ، تسكن وسط “أديس اببا ” نفسها , وفى القصورالعريقة الفخمة المطلة على المدينة من هضاب وجبال “أنتوتوا ” ، هذة الفتاة أجزم بانها ومن دون , كل جميلات أحياء بياسا ومركاتو ومكسيكو, هى وحدها التى كان يعنيها المايو “, فى أغنيتة الشهيرة “أديس أببا.. بيتى ” والتى تشنف الان وبجنون أسماع كل ” الرستا “.. حول العالم .
    هذة الفتاة ذات العشرين ربيعا , كانت تتصل بنسب أمهرى رفيع بملك ملوك شواء العظام , وجمال ساحرآخاذ أذهب بعقول الكثيرين ، فالعمة
    بزونيش ” تفاخر دائما ببنت أخيها , وتمجدها وتدللها فى كل مناسبة” أوأخرى , وتقول دائما وبأعلى صوتها :ـ ” دى البنت الجمالها ما قشروبة .. دا وأرثاة يا ناس .. من حبوبة لحبوبة ” , بل وتجزم بأن أحد أولئك الحبوبات الجميلات , تسببت فى ذاك الزمان الغابر فى أشعال , فتن وحروب لا تزر ولا تبقى بين , الراس منقشا ” والراس ” كاسا ” ، ولانها تنتسب مباشرة لارومة بنات اثيوبيا الماجدات ، فقد احببتها وتشبثت بها ومن أول نظرة وهى لا تدرى , كان من الصعب عليك أذا عرفتها أن تتخطاها بسهولة , لاسباب وكما يقولون مرئية وغير مرئية , أما هى فقد كانت مهيئة وبتركيبتها الحركية الحربائية , ذاك الوقت أن تجعل من الالتقاء بك , ثم فراقك مرتاحة البال والى غير رجعة امرا سهلا وممكنا .
    هذة الفتاة الحوراء الممشوقة القوام , كانت رقما صعبا عند أبناء جلدتها ، تعرفت عليها فى موطنها , وأنا مكلف من الرئاسة للعمل كخبير أمن ذاتى وتكتيك مضاد , دائم بجبهة ” تقراى ” للحماية وتقديم النصح والمشورة للقادة الميدانين الكبار المستهدفين للافلات من القتل والتصفيات الغامضة أئنذاك ، فكان عملنا سوياً يمتد لساعات طوال نهاراً أوليلاً , ولانفترق الا نادرا .., واذا حدث ولو لسويعات معدودة فقط , تقع الكوارث الوخيمة لهذا كانت هى تكملنى وأنا اكملها فى كل شيئ تقريبا , , .., أذا أصبنا كتبت لنا الحياة وأذ أخطانا كتب لنا الموت , وكما هو واضح أصبح قدرنا وحتى مصيرنا وأحد ,,
    ولان أيامنا معدودة وافق القادة الصغار على زواجنا , كشيئ طبيعى فنحن نسكن الاهوال والاحراش والغابات, وفى عداد المفقودين ولن نكلفهم الشيى الكثير فى ذلك , ولن يضار حتى مناخ العالم بتاتا من أرتباطنا ببعض ، مع الضمانات الكافية والتاكيدات دوماً على حفظ كامل الرتب والمقامات , وهذا ليس بجديد ويحدث دائماً وفى أرق غابات , وأحراش العالم المتمدين هكذا كنا نظن , ولا ندرى بأن الايام حبالة بالمزيد والموجع حقا .
    كانت هى المفوضة والرتبة الاعلى , ولم يكن لمثلى وفى مثل تلك الايام أو أى أحد كان من أن يجروا على تجاوزها أو تخطيها , أما أنا فبطبعى المشاكس كنت كثيراً ما أشذ بتجاوزها , رغم أنها كانت صندوق أسود للاسرنا جميعا , فقد كانت بحق متنفذة وسلطاتها مطلقة , تحكم حتى بالاعدام ولم تستخدمة فى الواقع , الا ضدى أنا وحدى زوجها فيما بعد , كانت بارة بوطنها أولا ودائما , وفى أحلك الظروف وما أستطاعت لذلك سبيلا , ثم منحازة بكلياتها لبيتها كزوجة لايشق لها غبار , ولاننى تنازلت عن رغبتها طوعاً ً بعدم الانجاب ,وملكتها عصمتها بيدها وأنا مكرة , أمام جبروت جمالها الطاغى وسطوتها ، لهذا أجد نفسى وهى حلالى وفى آحايين كثيرة , أتسولها الانجاب مجبر وعاطفة الابوة الجياشة تغالبنى, وفى عقر دارى لتثور ثأرتها فى وجهى ذات يوم وتصدنى , لتختار بعدها وأنا غير مصدق الفراق بعيداً عنى , فى صمت وهدوء عجيبين وبدون وداع , لانها تفلسف الامور ببساطة شديدة وتقول بأنها , لا تحب فى مثل هذة المواقف يالذات وداع من تعزهم , وأنا فى غربة سنين بعيدا عن بلادى واهلى , وفى مسيس الحاجة اليها بالطبع وفى كل شيئ .
    أذكر كل ذلك كان ذات مساء يوم مشمس , غير عادى جئيت مرهقا ومشيا على الاقدام الاف الاميال من غرب ” قجام ” , بعد أيام وليالى طويلة ماطرة , والانتهاء للتوة من مشروع تدريبى خلوى قاسى ومناورات وأسعة و بالذخيرة الحية , لتفاجئنى على حين غرة المراة العجوزة صاحبة المنزل الذى نستاجرة الجدة ” اللميتوا ” قائلة فى تحسر وبامتعاض :
    ـ أخذت يا أبنى .. حاجياتها ورحلت باكراً الى مكان ما فى الجبهة … لم أعد أذكرة الان بالضبط هل هو فى ” أقلاقوزاى ” أو” دك أمحرى ” , لتواصل حديثها وهى تصف لى ربما مؤاسية , وبحزن دراما مغادرتها الموجعة لى شخصياً , منذ سكنى هنا وهذة العجوز الشمطاء لا تكف أبدا من أن تلهبنى دائما , بسياط ثرثرتها ولدرجة لاتحتمل أبدا, كما أنها لاتبشر عادة بأخبار سارة الا نادراً جدا ، أخبارها كلها مفجعة وسليطة لسان والكل يتجنبها الا أنا , كانت تعجبنى دائما بثرثرتها البانورامية للاحداث, وتعلياقتها اللازعة والموغلة فى الغرائبية واللامعقول, بل وطريقة وصفها للاشياء المستحيلة التصديق , بتهكم متصنع قالت لى:
    ـ كأنت فى عجلة من أمرها والعربة تنتظرها .. لم تترك ياكافى المحن أى رسالة أو شيئ من هذا القبيل .. ولكن وأحقاقا للحق كانت بنت بلد أصيلة .. لم تأخذ أى شيئ معها … ” , كنت لحظتها أتندر داخلى وبغبن :
    ـ ” يكفى أنها أخذت معها .. قلبى وعمرى .. ” , بل الذى يبدوا لى الان بأن هذة العجوز قد وجدت الان ضالتها لتنفس , هى الاخرى عن كوامنها بطريقة أو ما لهذة لم تتركنى لشأنى , غير أن تؤاسينى وربما بطيبتها وأنا لا أدرى , ولتقول لى بعدها مستبشرة :
    ـ ذهبت على ما يبدوا .. وتركت لك يا أبنى …الجمل بما حمل فأنت فى هذة الحالة بالذات المنتصر عليها .. , هكذا يفكر أمهرة الشمال دائما… ولكننى قلت داخلى :
    ـ “.. أنتصارى عليك يا ” تسهى ” .. وبكل المقاييس هزيمة فادحة … ” , بدورى شرعت ، فى فك الارتباط باثيوبيا كلها وطلبت النقل لجهات معسكر ” أتيانق “أو” البيبور” , لاستشف بعيدا عن كل هذة البلاد المسحورة ، بالطبع لم أنتظر أجابة من أحد كان كما أننى لم أتحمس لفكرة البحث عنها , لارجاعها لاننى أعرف بانها ستتخفى عنى بعيداً فى يوما ما لانها مسيرة , ولم تختار لى شخصيا مثل هذا الفراق الهادى والداؤى والمحزن حقيقة , ولكن هناك أناس بعينهم من المستحيل تسميتهم ,الان وأخلصت فى خدمتهم والتضحية من أجلهم ، لن يتركونى وشانى هكذا لاعيش هنياً وأسعد معها , ولكنهم خيفة عقدوا العزم أن يجازونى ذات يوم بحجم جزاء سينمار واكثر , ولكن متى وأين .. وكيف ؟؟ فهذا ما لم أستطع أنا نفسى , خبير التكتيك الملهم حتى معرفتة , ولان قلب المؤمن دائماً دليلة كما يقول المثل ، فقد أستشفيت بعض من مبررات هجرها الغير مستثاغة أبداً , بالنسبة لى أبدا والتى تمت على نار هادئية كما يبدوا وباكثر مما اتصور , فقلت داخلى بحرقة :
    ـ ” على أى حال .. لا عزاء دائما للغرباء … وبالطبع فأن من خرج من دارة صحيح قل مقدارة ومهما كان … وهكذا الدهر يا سعد .. ” والكثير .. الكثير والموجع , بل وأنا أحلف صادقا وحتى الان بانها لم تختار لى هذا الفراق , ولكن هناك من يغير على مجرد حبى وارتباطى بها , بل كيف يسمح مثل هذا لنفسة كائن من كان , وهى زوجتى مجرد الغيرة والغبن
    المستتر فى كل ذلك , وعدم رضائهم لمثل هذة الزيجة الغير متكافئة فى نظرهم هم على الاقل , وشططهم لرفيق كفاح طويل ومرير , أنة بالتأكيد شعورغير سوى بتضخم الأنأ , وغير مقبول ووحشى وحاجز نفسى عالى بالغبن للآخر ، ورغم أخلاصى وتضحياتى بالدم من أجلهم , الا انة غير مقبول أطلاقا ومهما كنت أنا الغريب , وهى سليلة الدماء الزرقاء فى أساطيرهم الشعبية القديمة , وهذا فى حد ذاتة خط أحمر عندهم , فشتأن حتى ولو أن تذهب الى قبرها ودونى , أن أمسس .. وأنا حتى زوجها شعرة من رأسها , هذة هى دوما الكبرياء والشوفينية الانسانية الممقوتة , والضحلة التفكير والى يوم ولحظة , النفخ فى الصور والاعلان الداؤى والاكبر ,.. اليوم لا أنساب بينكم .
    كانت بالطبع قد أختارت بطريقة أو ما , أن تمارس مجبرة مع سبق الاصرار النزوح والانزواء بعيدًا , وفى دور آخر مختلف ومرحلة أن تهرب وتعيش منطوية أو لاجئة بلا هوية , ولاقول لنفس تب لك أيتها التضحيات .. والمجاهدات …, ثم أستصرخ وأكرر وأقول بعناد لهيئة القيادة المصغرة فى ” جوبا ” و” فشلا ” :
    ـ أرجوكم أن تخرجونى من هذة الاحراش الظالم أهلها .. ” , فاستجابوا لنقلى أخيرً جدًا وبعيداً منفياً أو مغضوب على , وللخرطوم نفسها وأنا لا أعلم ولسخريات القدر بأنها هى نفسها , وبكامل حضورها تتقاسمنى العيش فى الخرطوم نفسها , ولايفصلنا باكاد غير شارع أفريقيا فقط , بل وهى تعلم كل ذلك وأنا يومها مدير شعبة عمليات الخرطوم , الكبرى نفسها ووريث أصيل لمكوين باشا واللواء ضيف اللة , أخر من يعلم ولكننى تفهمت بعد ذلك حيثيات عيشها متخفية بالخرطوم , وعملها كنادلة باحد منتدياتها الحديثة والراقية , تحزق ببرمكية فنون القهوة الاثيوبية وطقوسها الموغلة , فى الاصالة والتراث العريض .. ، كانت مختلفة ومدهشة فى كل شئى وتسحر أنظار الرواد , من الهائمين حولها حدثنى ذات يوما عنها أحد شباب شارع كترينا والخور, باستعجاب يحسد علية وقال لى مبهوت :
    ـ ” أمسك الخشب يا صحبى انها ” آنا ريكو الاخرى ” ، ما كنت أعرفة عنة أنة كان متزن كليا وزاهدا , وقلبة معروف بعصية ولكن عندما تحدث لى عنها بشقف ولهفة , وأعترف لى بكامل حضورة بأعجابة بها ومن الحظة الاولى , قلت لة :
    ـ ” أكيد أنها ربما تكون ” تسهى ” التى أبحث عنها .. ” ، بل أندهشت ووقفت مبهوتاً عندما وأجهتها وجة لوجة , وهى بعد كل ذلك تنكرنى ومن حولى فى حيرة وحرج شديدين , بل وأنا السهل الممتنع أعزرها وعندما أتنازل واقول لها :
    ـ ” أخيراً مرحباً بك فى بلدك الثانى السودان .. ورغم أنكارك لى أين ستهربين منى بعد اليوم ؟ , لاوأصل القول وهى مستعجبة :
    ـ ” كما أننى وبطريقة أو أخرى ومنذ اليوم .. لن افرط فيك مرة أخرى أبداً أبدا ..” , أنتبهتوا لنفسى وهى ما زالت مشدوهة لبرهة ولتستعيد فى ثوانى ثباتها , وهى الحديدية الاصل والثبات وسيف لحاظها مجرب ولتعيدنى ,وأنا الملتبس على مضض لتودعنى فقط أمانيها العذبة الان للهجرة والمغادرة بعيدا الى عوالم أفضل ً تنتظر كالكثيرين كرت زيارة لملاذ أوربى أمن , كما أشاعت بذلك ولم أصدقها ، كنت فى الحدود مسئول الارتباط الاول والان معروف بينهم جميعا بالمهنية والتجرد والنزاهة .,

    تجمعنا الان أمسية شاتية على أنغام ” الماسنغوا ” ورقص الاسكستا “, فى مقهى “درق بنا بيت ” الشهير للجالية بنمرة ثلاثة ، تزامنت ذلك مع طقوس أحتفائية شعبية طويلة بعيد ” الماسكل ” الاثيوبى العريق ، وحرصى أن كون دوماً بقربها ومن باب الفضول لاغير ,كانت متزية بزى شعبى رصين يعجبنى ، وكانت تحرص فى الماضى التزيؤ بة فى المناسبات والاعياد , وكان لا يكلفنى كثيراً تلك الايام سواء مشوار لضواحى ” عدى خالا ” , لشراءة ثم العودة راجلا لمدة اسبوع وما أتكبدة , من أهوال الصدام مع شفتة ” أرمجو “و “ولكايت ” العتأة ، وهى التى كانت تفاخر بى بطلاً لايبأرى , تكف الان حتى عن مصافحتى والحديث معى وفى بلدى ، وهى فى أخرى تقول لى :
    ـ “حقيقى لم أعد أصلح لك .. وضررى بك أكيد أكثر من نفعى وأسال غيرى .. كما أن أهلك لن يغفروا لى تضحيتك بسببى المرهقة والمكلفة جداً لى ولك .. ولانك تحبنى وأنا كذلك .. فمن مصلحتنا الاثنين صراحة أن نفترق .. فهكذا يكون فى نظرى معنى الوفاء .. وأنت الان بالطبع لن تفهم ذلك الا بعد فوات الاوآن وللة درك ..” , بالطبع أفرط فى حبى وتشبثى بها لدرجة الهوس , حتى أن جهات العمل المتعاطفة معى تخيرنى بين العودة اليها والتنحى لوظيفة مدنية بديلة , أو نقلى الى الجنوب فورا وأمى قبل والدى تستعجب فى كل ذلك , بل وتحلف بأغلظ الايمان ممتعظة بأننى فعلا مسحور فى كل ذلك , ومن أجلى تزور أهلها الصلاح والفلاح وأهل الكرامات , فهى سليلة الهميم وأولاد عجيب وحبوبة المك لزم ومن بيت ملك ودين , وأهل سجادة وتختار لى بنفوذها الطاغى من أعز بيوت ” ألمانجيل ” الكبير وهى تقول دائما وبكثير من الادعاء والخيلاء :
    ـ ” .. ونحن معروفين أسياد نحاس ونجدة .. وما بنرضى الحقارة وما بنضام وبنسدها ونقدها .. ” ولتضيف بوجع قائلة :
    ـ ” وحبوبتى قالت جد جدها ” السميح ” قال لشيخ أبوة فى العلم … دايرك يا أبونا الشيخ تسال لى اللة .. يدينى دار ابوى … قال لية ود ” العقيل ” حى ما بتلاقاة بعدة تجيك .. يا طويل العمر ….عشرة تعدلها وعشرة تخربها فكان كما قال .. أه أنت ياولدى حتما مسحور, وخوفى أن تخربها وتفارقك وجاهتك ورتبتك .. ” , أما تلك التى كانت تعاندنى بتحدى وفى شكل عصيان لا هوادة فية , وأنا الذى بيدى الان سلطات متنفذة لاحيل حياتها الى جحيم لايطاق , أمسك وأحجم لانها لم تعاملنى بالمثل فى أهوال بلادها , والتى لايستطيع العيش فيها الا الاسود وباحتيال , ولامجال حتى للنمور المرقطة وطوبى لك , وتلك الايام نداولها .
    بعدها تقول لى صديقتنا المشتركة التى تجمعنا الان على خير ” نغستى ” :
    ـ بالهداوة والاقناع دعونا نحل دائما .. مشاكلنا برؤوس باردة وأياكم والتعصب والانفعال … فلحظات السعادة أقصر من ما تتصورون جميعا ..” , تلك الامسية تقول لى ” أماندا ” و” قدى “:
    ـ أنت حقيقة وفى شخصها كنت تشملنا نحن .. ذوى الارومة الامهرية .. بعنايتك وكرمك الذى لاتخطية العين … أنك انساناً متفق عليك تحفظ الوداد والعشرة .. وهى تخاف عليك من نفسها فهذة قمة التضحية لك .. بل والسفر حقيقة من بلادكم أصبح عدم كلبن الطير .. ومن رابع المستحيلات لولا مساعداتك لنا …” , لتنتحى بى صديقتها ” أسناكش ” وتسالنى :
    ـ ..أانت تعرفها؟ يعنى أاصحيح بينكم سابق معرفة ؟ قلت لها وهى تسمعنى :
    ـ كنت أعرفها فى ماضى الايام .. عندما كان أسمها ” تسهى “وليس كما يدعوها الان بـ ” مولوا ” وكانت زوجتى .. أما الان فمنفصلين بامر منها او من جهة ما لا أعلمها .. ” عقدت الدهشة لسانها وقالت لى :
    ـ أذن هى قصة وحكاية .. قلت لها :
    ـ أقول لك صادقاً وهى الان تسمعنى جيدا , وهى تعرف مع كل ذلك أننى لا أكذب أو أتجنى عليها ابداً , ولا أحسن حتى تزويق أو تزيف الحقائق , كان ذلك على أيام ” منغستوا ” والرعب الاحمر، يستشرى هنا وهناك تركت دراسة الهندسة بجامعة اديس اببا , مرقمة للانضمام ” لملس ” فى غابات تقراى ، وأختها الفنانة الشهيرة “وينا سبسبى ” تبحث عنها بجنون, ما تركت حجر الا ورفعتة وفى يدها عفواً , من ” منغستوا ” نفسة ولانها تعرف طبيعة الاحقاد هناك فانها ، لم تعد تصدق أحدا كان ، وتتدخل جهات عدة ويفشلون ودونك يا ” سهى ” , وتموت اختها كمدا عليها ولسانها يلهج , قلبى على أخى وقلب أخى على حجر , كانت بطيبتها تريد لها مستقبل آخر مشرق ومختلف , ولاتدرى بانها أصبحت زوجة تملك زمام أمرها وعصمتها كما أرادت , وتعيش معى شظف العيش بعيدا عن رفاهية المدن والحضر , فى مكان ما على حدود جبهة ” مغلى ” الملتهبة .
    كانت جميلة فى كبر وعنيدة وشرسة فى تواضع , التقيتها لاول مرة ونحن على أبواب دخول الثوار منتصرين لـ ” أديس أببا ” , المدينة الحلم والتى لا أريد دخلوها دخول الفاتحين , فهذا محرم فى الشرائع الاثيوبية كلها أبتداً من الامبراطور تادرس , وحتى منليك ملك شوا نفسها , والذين ماتوا دونها والتراب الاثيوبى معروف محرم ومقدس , وهم أهل ذمة و” النجاسى ” نفسة كان ملك معظم لا يظلم عندة أحد أبدا .. .
    كانت هى دليلنا الوحيد لدخولها , كانت برتبة رائد ” شلكا ” وأنا نقيب ضليع بفنون القتال الليلى بالكتائب الخاصة ، أماهى فقد أعتدل مزاجها فجاة للحديث وأخذت تكمل بالامهرية البقية ، وهى تقول لمن كانت تجلس كحاجز صد عاتى بيننا ، أنة يتقن الامهرية أكثر منى ومنك ، فانا أستاذتة وهو كان حقا تلميذ نجيب يطلب المستحيل ، نظرت بعيد ثم أخذت تنفس من سجارتها وكانها تكسر حاجز الصمت لتقول :
    ـ أذكر القائد ” ود الحسين ” قائد الكتيبة السودانية , يصرخ فى جنود الكتيبة محزراً بالانتبأة , والجميع متحفزين لدخول ” أديس أببا ” المدينة السهل الممتنع , وفى وثبات تكتيكية كما فى تنوير القائد الثانى ” كجو كرتكيلا “, وهو يشرح كيف تكون الوثبات التكتيكية لتفادى جرزان الصحراء الانجليز , المتشبثين بحماية قصر منليك القديم , … ثم بضجر يقول وبعد أن نفذ صبرة :
    ـ ” يا ناس الكتيبة الا ترونا كيف أولاد القائد ” ملس ” منضبطين ومؤدبين الا أنتم ..اا ” ,
    ثم بخنق يردف قائلاً وقد بلغ بة الصبر مداة :
    ـ أولاد الكتيبة دى فوضجية ومجرمين .. خالص حيحرجونا … عايز لى ضابط كارب و” صعلوك ” من أولاد ” الموردة ” أمسكها لية , ليطلب من التعلمجى ” أبوالبشر ” , أن يحضر أمامة جميع ضباط الكتيبة ، ثم أخترتك أنت بالذات ولم تسالنى فى الماضى , لما أخترتينى دونهم كلهم ومن المفترض أن لاتسالنى الان , ثم عملنا سويا ولفترات طويلة وبجهات ومواقع عديدة , وتزوجنا عن حب وقناعة فأنت منذ عرفناك متدين , وأنا مؤمنة ولا حرج فى ذلك ، ..
    ثم أنفصلنا سريعا ولاسباب معروفة لى ولك , وفى سرية وهدؤا تامين وتفهمت بالطبع واقعى الجديد , وضرورات المرحلة والسرية وترقيتى الى مواقع حساسة كما يدعون , ليعودوا ليجردونى بنفس السرية منك أنت كزوج , ومن وظائفى كلها لاسباب غير معروفة فيحيلونى للاستيداع , وأنا فى شرخ الشباب والعطاء واتهمونى بعدم الثقة , والموالة لك فى يوم من الايام نسوا كل ما ضحيت انا وأنت من أجلة , ولكن الان جاءت نشؤة النصر وهيلمان الدولة النأشئية الجديدة , فليس هناك مصغى لاحد كان كما أن قرارت الدوائر العليا عادة غير قابلة للنقاش ، فرغم تضحياتى جردت من رتبى كلها وأصبحت موضع تهم , ولا حماية لى وأنا الصندوق الاسود ومستودع الاسرار لما كان وما سيكون , بالطبع وضعونى أمام خياريت لاثالث لهم كعادتهم ، فأخترت الهرب كلاجئية لالوز بعدها بالمهاجر البعيدة , منفية لاننى أصبحت وانا فى شرخ الشباب غريبة الاطوار وعديمة الجدوى , ثم ألتفتت لى ولتقول لها :
    ـ أنا بالصدق ربما الوم الظروف …, ولا الومة شخصياً لانة أخلص لى .. وثانيا أنة أحب اثيوبيا فى شخصى فهذا عندى يكفى … فهو بحق مبارك فى الارض والسماء .. ولن انسأة ماحييت , وهو قد يقول بداخلة مستهجناً :
    ـ .. البنت دى عاملة من الحبة قبة .. الاترجع الى صوابها .. وتعود معى الى بيت زوجيتها ؟؟ .. ” , أننى أقول لة الان وبصراحة شديدة :
    ـ بسببك كان فقدى لكل شيئ هناك … وما أخشاة أن تفقد أنت الاخر كل شيى بسببى هنا .. فهذا بالطبع منطقهم الان جميعاً .. رغم ما يغلفونة من زيف ورياء ؟ , بل وأمعانا فى أغاظتى بعد ذلك سافرت حتى ولم تودعنى .
    بالصدفة وحدها وبعد عدة أعوام التقيت فى ” بنا بيت أديس وركو” بالديم وسط بـ ” أسناكش” نفسها صديقتنا المشتركة لتسالنى بالطبع عن أخبار تلك المتماهية أبداً ، قلت لها أنها مغرورة ومزعجة بامتياز لم تودعنى متمنعة , ثم وهى والم تقول لى أمامك:
    ” لن انساك أبدا .. اا”, فقد عت لا أصدقها من جديد , ورغم أنها تعرف حساسية عملى ورتبتى الان ، ومع كل ذلك أرسلت لى كرت معايدة باعياد الكرسميس وراس السنة, ليخترق وبأعجوبة حتى أجواء “جوبا ” نفسها , وأنا ملحوق بالفرقة الاولى ولحسن الحظ يستلمة الكماندر” دوت موق ” , فهو يعرفنى ويعرفها فقد عمنا لسنوات بالقوات المدمجة” بفشلا” و” كافاكفنجى” , ولولاة لكنت قى خبر كان , بل و بطريقة أخوية جاء شخصيا ليسلمنى الرسالة , ثم يتطوع بقراتها أمامنا جميعاٍ حتى لا يحدث أى لبس أو تأويل, فأولاد” الانواك” معروفين باتقان الامهرية ، وهو يضحك: قال لى
    ” أتدرى يا صاحبى من مين .. ؟ … ثم يتلفت فى ريبة ويهمس للكل
    ـ ” أنها من ” تسهى ” المتماهية دوما ,ثم تتنحنح وقال :
    ـ ” وأنها من القدس.. “, وأنا أقول بداخلى “وأ نها أن شاء اللة باسم الله الرحمن الرحيم وهى تقول :
    ـ “أرقد الان مستشفية ومنذ عدة شهور , بمستشفى فى القدس الغربية لا تتخيلونة أشبة بهلتون الخرطوم , لاستشف من وجعى منك , ولجوئى المستجعل لبلادكم ..” ثم تستدرك هفوتها لتقول وبحصافتها المطبوعة ” .. بالطبع حتى أعود اليكم أكثر شوقا ولهفة , بل وقف الكثيرين من حولى أمام عبارتها المتهكمة ليعلق ” كجل ” قائلا:
    ـ “تعجبنى شفتة بتعرف تمرق من المغارز دى ..ا ؟” , ثم أردف ” موق ” قائلا :
    ـ ” أنت فى كدا ..ولا شوفوا سلاطة لسانها المجبولة عليها …. بتتفسح قالت ليكم :
    ـ ” كيف عاملين مع أجواء ” جوبا ” الحارة .. والنكات الباردة .. وشوفوها ..هنا بتقلب فى المواجع كيف… قالت بلكنتها المحببة:
    ـ ” ٍسلام بلونجا ” .. أى سلم على كل من يسال عنى .. خصوصا البرقدير ” أكيج ” و ” دوت نيال نيال ” … قالت :
    ـ ” لاتنسى ” ود الحاجة ” .. وأهمس لة فى أذنة .. كتبت .. لك .. وأذا لم ترد لن أكتب لك مرة أخرى … فهذا مبدئى الذى تعرفة جيداً .. تعليمات أخرى .. أنتهى ..
    ثم أردف بعدها قائلا ومستنكرًا :
    ـ كمان أنتوا يا أولاد ” العباسية ” .. ما قصرتوا أبدا علمتوها كل شيئ .. شوفوها بتقول شنوا ؟ , ” مررت أمس بشارع السينمات رايتها مكتظ بالرواد من الجنسيين , تذكرت ميز كسلا و” ود الحسين ” الذى يصنفها من الموبقات , وهو يصرخ :
    ـ ” .. ها ناس كلامنا القلناة كلة .. طلع فشوش ساكت اا ” ليردف قائلا موجها حديثة لمن يجأورة :
    ـ ” سمعت يا شيخ ” قدالة ” .. ” كجل ” قال شنوا ؟؟
    . ” كجل ” .. قال ماشى السينما ..اا “.ـ ”
    .. عندها فقط .. , تفرقعت الضحكات الى ما لا نهاية .. .
    تمــت ,,,
    فتحى عبد العزيز محمد
    الخرطــوم ? حديقة أوزون
    10 /1/2013م

  4. الشهد والمـر ..

    -1-

    بالصدفة وحدها هى الان تجاورة ، هجرت عملها كمذيعة تلفزيونية لامعة ، لتتفرغ لدراسة الفنون والتشكيل ، هو مثلها ترك الاشتغال بالهندسة , ليجد نفسة منجذبا للرسم والديكور ، رغم أنحيازة حد الهوس , لفن البورتيرى والمجثمات الهندسية الضخمة .
    جاءت متاخرة , فى أول يوم دراسى بكلية الفنون , ولم تجد مقعد الا بجوارة هو .. ، أسمها ” شهد ” وكان لها من أسمها نصيب ، يسبئ العقول والالباب , منذ الوهلة الاولى تماسك داخلة بشدة .. ومازال , بل كان دائما مستمع جيد لارائيها , وتنظيراتها الفلسفية المختلفة , فهى مع كياستها فى أدارة فن الحوار, متبحرة بطريقة أو ما , فى دروب الثقافة والفنون وفلسفاتها الشائكة , بحكم نشأتها , فابويها قامأت أعلامية سامقة فى أمبراطورية الاعلام والميديا الثقافية ، ويديرون بحنكة يحسدون عليها , أعتى الفضائيات والمراكز الاعلامية , وأكيد أبن الوز ….
    بذهن متقد , كانت متفتحة ومقبلة على الحياة , بينما هو نقيضها تماما فى كل ذلك , حتى أن زملائية كانوا يصفونة بالمؤهوب تارة وبالمنكمش تارة أخرى ، ولكنهم يعترفون بأنة منفتح أكثر على فنة , يمزج ببراعة فائقة , بين الهندسة وبقية الفنون الاخرى , فى جراءة غير عادية , تبهر دائما أعين الاجانب ، فيبدون بالسؤال عنة , قبل أن تطأ أقدامهم أرض المعارض ، بالطبع كان مغرور وفى حدود , ومحسود وهو لا يعلم ومن أقرب الناس الية ، وفى كل شيئ , حتى على تلك الابتسامة الخارقة للعادة .. والتى ترتسم دائما على محياة , وتنم عن رضاء وثقة مفرطة بنفسة وبمن حولة , بل وفى كل ذلك يقولون شهم ومقتحم , ولا شيئاً تقريبا يستحيل على قلبة الشجاع , لذلك يلقبونة فى آحايين كثيرة , ” بالمر ” ولة فى ذلك صولات ….
    بفوقيتها الواضحة للعيان , حددت هى .. ومنذ البداية علاقتها بة , على أن لا تتعدى بالكاد حدود المجاملة والزمالة , بالطبع لم تقل لة ذلك صراحة ، ولكنة أستشف كل ذلك من أحساسة , الذى لا يخونة أبد”ا , بل أكد لة نفس الشعور ، ذات مرة وبشكل أيحائى , أحد زملائية المتماهين دائما , عندما أجزم لة ناصحاً وربما محزراً , بانها تبدو على وشك الارتباط بابن أحد المتنفذين الحزبيين , وهو مع حبة الشديد لها يغير عليها بشكل جنونى , حتى ولو غازل ياصديقى .. نسيم الصبح ضفائرها .
    وبالطبع فان مثل هؤلاء مصالحهم , مع والدها شائكة ومصيرية , ولو شعروا بك فسينفوك بلا جريرة ” للواق الواق ” , هذا اذا كان فى قلوبهم ذرة رحمة بك , ويومها لن ينفعك , كما يقولون لا أسمك ولا موهبتك , فهل نحن يا صديقى من الان منتهون , ومن كل ذلك الحلم اللذيذ .. , أم نكون بعدها بالضبط .. كما الذى يقف دائما فى الحساب ..محسور …!

    -2-

    الليل والنهار فى سباق مستمر ، ولان ” المر ” مازال يضعها وبتحدى فى بؤرة شعورة , ولم يلين أبدا فى كل ذلك أو يستكين , لذلك لم يستغرب ابداً عندما راى وبأم عينية , بان كل ما حزرة به المتماهى يحدث الان لة بصورة أو بأخرى .. بل أن أهلة وزملاءة يدعون دائما بان ما حدث ومايحدث لة من منقصات عويصة فى حياتة اليومية .. أنما يحدث بالصدفة المحضة وحدها .. وليس لاحد كائنا من كان يد فية , وهو فى كل ذلك يستعجب ، حتى أن يوم زفافها المعلن ، يتزامن بالصدفة …مع يوم سفرة الوشيك .. ومما أدهشة حقيقة حتى الان .. وشلة تفكيرة تماما , كيف تسللت هى خلسة , وصديقتها من بين ..أعين فريق الحماية الناعمة حولها .. لوداعك عنوة وبالمطار، يومها تاسفت لك بشدة والدموع تكاد تقطر من عينيها , لعدم دعوتك لحفل زواجها عمدا ودونهم كلهم , بل شكرتك بكل ميمونية على البورتريية الجميل المرسل منك .. وأعتزازها الحقيقى بة .
    لحظتها فقط باحت لك , بلواعج شوقها وحنينها اليك .. ولوباحت بكل ذلك من قبل , يا ” المر ” لجازفت بالطبع بعدم السفر بعيدا عنها .. ثم بدات ولاول مرة تفضفض لك عن شعورها الحقيقى تجاهك , وهى تصارحك قائلة بؤجل :
    ـ ” .. حقيقى أحسست بمشاعرك منذ اللحظة الاولى .. بل شعرت بك فعليا عندما أقتربت منك .. أكثر وأكثر .. أيام رسم الجدارية والبورترية بمنزلنا .. ” .. ثم قالت لك وبالحرف الواحد :
    ـ ” أبى تتبع عروضك بكل المعارض .. بالخارج والداخل خصوصا عروضك المنتظمة بغاليرى ” راشد” و ” شبرين ” .. ورغم أعجابة الغير محدود بموهبتك وعبقريتك الفذة .. الا أن أنحيازة الصارم وكما تدعى أمى .. كان ومازال للشكلانيين المغاربة لالغيرهم .. بحكم ثقافتة وفلسفتة الديكارتية .. حقيقى كان يتمنى رؤيتك …وعندما التقى بك لاول مرة لم يرتاح لك شخصياً .. بل تراجع سريعا من أشادتة الكبري بك .. وبدا وبكل أسف من يومها ينتقد بحدة أعمالك كلها .. بل ويصفك بالشطط تارة وأحيانا بالمروق .. ولا تستوعب أيحائياً القوالب المحلية .. وأنك بالطبع ظاهرة عابرة ولا مستقبل لك أطلاقا .. أما أمى فقد كانت فى صفى وصفك .. وقالت :
    ـ ” .. بالعكس أنة أستثنأئى وفى كل شيئى ، وحازق ومستقبلة مبهر .. نعم أنة مغمور بالداخل .. بينما أعمالة الملهمة تغزوا العالم , وتعرض جنبا الى جنب مع كل أساطين الفن , وفى أرقى صالات العالم المتقدم , لتواصل قائلة :
    ـ ” بل لا أدرى صراحة الان .. هل كانت أمى صادقة حقا عندما قالت يومها وبكامل وعيها :
    ـ ” .. كنت أتمنى يا ” شهد ” أن يكون من نصيبك .. وبالطبع فأن حظك سيكون .. مختلف تماماً من حظ أمك العاثر… ” , عندها أمتعظ أبى لانحيازنا لصفك وبتشفى أمى الذى أزهلة تماما ..” , ومن يومها بدأ هو الاخر على مايبدوا ، يكيد لك معهم كيداً يا ” المر ” , بل عندها فقط .. قلت لها أنت .. مازحاً ومعزياً وهى تغادرك مودعة :
    ـ ” .. أبدا لا عليك ” وحيدتى ” .. ونحن منذ أن خلقنا لا ندرى أين يكون النصيب حقيقة ؟ا” .. بل التفت لتقول اليها متحسرًاً :
    ـ ” ثم ثانيا … هى الاقدار بالطبع ” الشهد” و” المر ” يبدوا أنهما يا ” صغيرتى” خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً ” .. , مع توجدك وتحسرها .. تحينتها فرصة وهى تهمس لك مودعة :
    ـ ” .. أحبك بصمتك … أحبك بغموضك …أحبك كما أنت .. ” , كنت تؤد لو تفلسف الامور وتقول داخلك :
    ـ ” .. أخير وهى تبوح بكل هذا .. أنها حتماً كاذبة “.. ولانك تعرف بأنهاً لا تكذب ولا تمارى أبداً .. , أمسكت وأنت تؤدعها ساكتا .. ولكن ساكت فوق رأى …لم يتبين بعد ….
    -3-
    ثم أفترقا ، وفى النفس حسرة , حتى هى التى تفرط فى التشبث بة لدرجة الولة , كما أحس والدها .. , يذهب بها سريعاً الى بيت زوجيتها نكاية بها ، أما أنت الضعيف والمقدور على أمرك .., والذى تجراءت وأحببتها بتجرد وأحببت ” أسبانيا ” فى شخصها.. , وتطلعك للارتباط بها والسفر سوياً للنهل من ثقافتها وفنها الاندلسى البديع , ها هم يجعلون من فكرة سفرك ” لاسبانيا ” نفسها معها أو بدونها , حقيقة ضرب أو شيئ من سابع المستحيلات , بل يلغون المنحة المرسلة لك بالاسم عنوة وبجرة قلم , ليسطؤ عليها بغيظ وبطريقة أو ما .. , أحد عديمة الموهبة من المتنطعيين أمثالهم , ثم بالترهيب تارة والترغيب يفتحون الان لك عن طوعية , وأنت لا تدرى .. باب الهجرة الى كندا على مصرعية , منفياً بعيدا ولتصدق وتكتمل نبوءة صديقك المتماهى أبد”ا.. عياناً بياناً , وها هو أيضا” أخوك الامام المربى الكبير يلتقط الطعم , ومدفوعاً بالضغوط ..التى بدأت تتحدف وتهوى علية , ومنذ أن عرفتها وهو يوافقهم الرأى ويقول لك مرغباً ..ومحببا لك فكرة السفر نفسها :
    ـ ” بالطبع أنها فرصة سانحة .. لاكمال دراستك الهندسية العليا … ثم أوصيك ياأخى دائما بالالتزام ..
    ـ وأياك ..وأياك والرسوم والمشبهات جميعها ” .. ثم فى أخرى يقول لك :
    ـ ” .. وكما تعلم فان فى السفر فوائد جمة يا أخى “… ثم يعددها لك وأعظا .. واحدة بعد أخرى.. .
    ثم فجاة يجد نفسة يودعهم جميعا , وعلى عجل مع دعواتهم لة كلهم بالتوفيق , ليجد نفسة بين عشية وضحاها.. بالطبع ببلاد وكما يسمع الان ويرى , تموت حقيقة حيتانها من البرد الذى لايرحم .., لكنة بجسارة وموهبة .. ومنذ اللحظة الاولى بدأ يقاوم ويتفوق على ذاتة , ليصبح فى عدة سنوات معدودة فقط أستاذ زائر , فى الانشاءات الهندسية الديكورية العملاقة .., وفى العديد من الجامعات , بل خمسة أعوام لايدرى كيف مرت وها هى سادسة أخرى مجللة , برياح ثلجية وأمطار ..ويا لعجبى , تقربة الان بشدة من ذكرى.. تلك النفوس الجميلة التى حيل بينة وبينها …
    كان بياض الثلوج يكسؤ ليل ” تورنتو ” , الحالم الطويل..والغارق يومها فى لجج من الغمام والالوان القزحية , والالعاب النارية الذاهية .. التى تهبط تماما , لتضئ المجسمات الهيكلية الديكورية العملاقة .. بينما تتوزع أقواس النصرالخرافية الحجم, ذات المسحة الافريكانية والفرانكفونية , هنا وهناك لتزين الساحات وهامات كل الابنية , والابراج والتى أضنى بالفعل الاسابيع الطوال , هو و” صوفى ” .. وفريق العمل الضخم المصاحب , فى زرعها فى مختلف أنحاء المدينة, بل ومزج مختلف الثقافات الانسانية , فى بوتقة وأحدة فى أحتفالية رأس السنة العالمية الطابع ,.. كان ليلتها يوصد الباب تماما ووحيداً , وهو يقضم مستانسا بالنارجيلة , معشوقتة المفضلة وبنكهتها المؤغلة فى الاصالة الشرقية ، التى يركن اليها دائما.. , وفى مثل هذة الاجواء الصاخبة بالذات .., الاضاءة الرومانسية الخافتة موزعة حولة .. , وهو يتابع عبر القنوات العالمية , كل المشاهد الاحتفالية الضاجة , ليحتفل منزوياً بعيدا لوحدة وبطريقتة الخاصة , وكما يحدث دائماً وبعفوية , وفى مثل هذة الاجواء الصاخبة .., أما ” صوفى ” زوجتة فهى الاخرى بالخارج ، تحتفل مع أفراد جاليتها من المهاجرين ، فى هرج ومرج عظيمين .
    لا يدرى لماذا يتلبسة الان , الحنين الى الوطن دفعة واحدة , .. ولماذا يتذكرها هى بالذات .. ؟ وكيف أن حياتها بعد أن كانت فى جذب ومد مع زوجها , .. قد أنتهت بانفصال داؤى , أطاح للابد بعنجهية وطموح أبيها .. لمدير بالمعاش بامتياز, وكما تنبأت أمها ، لحظتها فقط كأن يوازن بين ما وصل الية الان , من مكانة ورفعة وما كان علية فى الماضى من تواضع .. , ثم أخذ يضحك بخبث وهستيرية موجعة وهو يقول لنفسة :
    – ” .. الان لا ينقصنى شيئ .. فقد أصبحت يا عم ” عبد الجبار” .. شكلانى للنخاع بل .. وأكثر مما يتصورة أصحابك الشكلانيين المغاربة والروس مجتمعيين ” , ليواصل حديثة لنفسة :
    ـ “.. المشكلة الان .. ليس أبيها ..
    ـ ” .. أنما .. هى نفسها .. هل ستقبل أن تكون زوجة ثانية ؟ “.. ثم ” صوفى ” هى نفسها مع تضحياتها معى , هل ستقبل كل ذالك أم ستنهار ؟ ” .. ثم بوجع قال داخلة ”
    ـ ” هى تعلم باننى فعلاً ” المر ” .. ولكننى بالطبع غير مجبول على الغدر والخيانة ” , وبالفعل كان فى حوسة وتشظى حقيقى .
    بل ومن المفارقات التى مازالت تؤرقة , أن ” صوفى ” نفسها وربما بأحساسها العالى والمتيقظ , .. شعرت بكل ذلك ، لهذا وعلى غير العادة وجدها فجأة أمامة , متعصبة بعض الشيئ , بل عادت على ما يبدوا مبكرة وقبل أنتهاء مراسم الاحتفالية , ولتجلس بقربة وبهدؤ متصنع ولتسالة ، معاتبة ومستفهمة ..
    – لما لم تاتى !؟ الكل حقيقى يفتقدك .. ويحرجونى بالسؤال الدائم عنك ؟ ولا أدرى حقيقة بما أجيب عليهم …
    – وأنت هنا .. ولا يهمك !؟ ، كانت تعلم بان أجابتك دائما .. وفى مثل هذة المواقف بالذات , تفضى الى صمت مطبق .. ولا أجابة .. ثم تعود أنت ومن جديد لتهدئى ثائرتها بعض الشيئ ، وأنت تبتسم لها هذة المرة بابتسامتك الخارقة للعادة .. , والتى تثق بانها كفيلة ربما لاذابة ثلوج كل تلك اليلة مجتمعة , بل وتنم كذلك عن معانى رضاءك وأعتزازك دائما بها , لتبادرك فجأة مستدركة بعض الشيئ وبامتعاض , رغم ثقافتها العالية قائلة وبروح شرقية فجة تعجبنك فيها :
    – أنت لا تغير على كما ينبغى ؟ أذن أنت لا تحبنى !؟
    ثم أردفت بغيظ قائلة وربما مداعبة :
    ـ ” النساء عادة هناك .. عندنا فى ” الانضول ” , يقلنا عن الرجل الذى لايغير على زوجتة .. أنة بالتأكيد..لايحبها ” .
    هى تعلم بانها بذاك ستثير حفيظتك للرد عليها , وأن ردك لن يتعدى كم عوتها .. سواء النفى لكل ذلك جملة وتفصيلاً ، وأنك بالتأكيد ستقول لها وفى هذة الجزئية بالذات …وكما عوتها :
    ـ ” .. كذب نساء كل العالم .. ولو صدقوا .. فأن ما بيننا دائماً .. يا ” صوفى “.. , الحب والثقة وهذا وحدة عندى يكفى .. .
    لحظتها كانت مستكينة تماماً , تستند على كوعها لتزيد من وتيرة أشعال المدفئة , لتعتدل بجدية هذة المرة فى جلستها ، وكانها تريد أن تقول أشيئاء كثيرة تختلج داخلها .. وهى تنظر بعيداً قالت :
    – ” ذاك اليوم .. كان على أن أختار الهجرة الى ” كوبيك ” أو ” تورينتو ” .. , لاأدرى لما أخترت ” تورينتو ” و “والبلو تكنيك أسكول” بالذات ثم أخترتك أنت .. عن حب وقناعة زوجاً لى من بين كل رجال جاليتنا الكردية الكبيرة .. والذين يفتخرون بكونى أستاذة جامعية حصيفة وملتزمة .. ولا يحتفون عادة باى غريب بينهم .. الا أنت .. دونهم كلهم ” .. قلت لها بصدق وتروى:
    – ” هذا قدرنا ….يا ” صغيرتى ” .. ” ..
    ثم فجأة أخذها بغتة من يدها .. , فالساعة تقارب الان منتصف الليل تقريبا , بل وأخذا الاثنان يرقصان سوياً ..ويضحكان بصخب وجنون هستيرى .. , رقص أشبة ” بالفالمنجوا ” أو .. ” الكان كان ” .., لايهم ولكنة أكثر أحتشاما .. ويغنون بصوت واحد أغنية غجرية زائعة الصيت , تعلماها أثناء دراستهم بالبولتكنك …, تقول كلماتها :
    ” أنها الاقدار .. أنها الاقدار.. يا حبيبى
    تجمعنا كملاكين .. جميليين ..
    أنها الاقدار … ولو ذهبت فى طريق أخر ..
    لما التقينا.. يا حبيبى .. ولما تحابينا ..
    لهذا فأننا .. مدينون لك
    دائماً..يا أيتها الاقدار .. وهكذا .. ”
    ثم يواصلا الرقص والضحك متزامنيين , مع أطفاء كل الشموع والاضواء لثوانى معدودة , ليعودا لاشعالها سوياً من جديد أيذاناً بوداع عام , وأستقبال عام أخر جديد , بل وعندما أستكانوا تماما قالت بعمق , وكانها تستعرض أمام عينيها شريط الاعوام الطوال من الاحداث والمواقف والتحديات الجثام , التى أجتازاها سوياً قائلة:
    – تبدو لى ماهل .. وصبور .. ولانك تعرف كل الدروب .. فثقتك فى مقدراتك وبمن حولك ..لاتحدها حدود .. لهذا تجدنى دائما أشبهك لهم بالليث الهزبر .. لاتلتفت للخلف أبداً .. لانك صراحة لا تخاف أى شيئى .. الا اللة وهذا ما يجعلنى .. فخورة ومتمسكة بك أكثر .. وأكثر .. , ثم همست لك بعدها , ولاول مرة وبصوت خافت قائلة :
    – ” أحبك بصمتك …أحبك بغموضك…أحبك كما أنت ..” ..
    بالفعل أندهش , بل أندهش أكثر , عندما قالت لة وهى التى أشترطت أن تكون عصمتها بيدها :
    – أعلم بطريقة أوما .. باننى زوجتك الاولى .. ولكن لست الاخيرة بألتاكيد فهذا هو الشرع الذى ارتضيتة أنا … فهل هى الاخرى .. سترضى بة ؟ .. بالطبع لم يستطع أن يقول لنفسة أنها كاذبة … هى الاخرى ، ولكنة بالتأكيد ، قال مؤاسياً نفسة :
    – ” أنها مصيبة كبرى .. أن يختلف حولك كل نقاد العالم .. وتتفق حولك أمراتان ” .
    – تمت ,,,

    فتحى عبد العزيزمحمد
    الخرطوم ? مقرن النيلين
    4/12/2014م

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..