مكي سنادة : لهذه الاسباب طلقت المسرح بالثلاثة..!

الكل يذكر المسرحيات (سفر الجفا) (خطوبة سهير) (نبتة حبيبتي) (سنار المحروسة) (الدهباية) والمسلسلات الاذاعية (حكاية نادية) (الحراز والمطر) و(اللسان المقطوع) ، والتلفزيونية (أيادي القدر) و(الدلالية) وغيرها من الاعمال الكبيرة التي رسخت اسم الفنان الكبير مكي سنادة في وجدان المشاهد .. فمكي سنادة، الممثل والمخرج والاداري ارتبط بما يمكن ان نسميه عيون الدراما السودانية. كما يعتبر من الذين قدموا اضافة نوعية للعرض المسرحي، ومؤسس لما يمكن ان نسميه (بالمشهدية) بالمسرح السوداني، اضافة الى كونه ممثل بارع يكاد يكون صاحب مدرسة أثرت في معاصريه ومن أتوا من بعده.. هكذا كان مكي سنادة، التقته (الرأي العام) وهو في قمة احباطه، معاشي يشكو جحود ونكران المسرح له.. ومن على دكة الاحتياطي.. قدم مكي سنادة افادة مراقب جريئة وغاضبة ومحبطة!!
…..
منذ إعفائك وانت متفرج على دكة الاحتياطي- متى ستخرج من حالتك هذه؟
– هذه الحالة قد تكونين تابعت مسبباتها.. أنا ليس لدى أكثر مما قدمته لقرابة نصف قرن من الزمان لأقدمه من جديد.. وعندما تم إعفائي من إلتزام الخدمة العامة كان بديهياً ان أفكر في التفرغ للمسرح «المهنة التي أعرفها».. ووضعت خطتي بحيث أتكئ على رصيدي المسرحي وأتخذ منه مرتكزاً لانطلاقة جديدة.. وذلك بإعادة مسرحياتي القديمة لتوثيقها أولاً- وهي حوالي «19» مسرحية منها «خطوبة سهير» و«الخفافيش» فقط التي تم توثيقها بصورة مرضية- ثم الإعتماد عليها كمحفز لنشاط جديد .. ولكن للأسف وضعت أمامي الكثير من العراقيل.. ولم أجد من الجهات التي إلتجأت إليها لتسهيل مهمتي الدعم اللازم .. ولا أقصد بذلك الدعم المادي وإنما المعنوي، فطلقت المسرح بالثلاثة طلاقاً بائناً لا رجعة فيه..
* هل تعني ان المسرح لم يكافئك المكافأة التي تستحقها؟
– نعم وللأسف، لقد أصبح المسرح يجسد بالنسبة لي أبلغ نموذج للجحود وعدم الوفاء ونكران الجميل.
* من الذي وضع لك العراقيل؟
– بعض الذين خلفوني في إدارة المسرح ممن عاصروا هذا الموضوع.
* هناك إتجاه هذه الأيام لترشيحك لرئاسة اتحاد الدراميين الجديد.. هل ستوافق؟
– طوال عمري في الحركة المسرحية لم اتصد لقيادة تنظيمها المدني نقابة كان أو اتحاداً أو فرقة.. صحيح كانت لي علاقة بفرقة عازة.. ولكنها كانت أشبه بعلاقة الأب الروحي ولا أكثر.. وأعرف ما يدور في الساحة هذه الأيام في مجال التنظيم المدني للحركة المسرحية والدرامية.. ولم أطرح نفسي لقيادة هذه الحركة.. نعم لقد تم الاتصال بشخصي.. وأنا أتفق معهم في أن تنظيمهم هذا يحتاج إلى إعادة نظر جذرية.. وأتفق معهم ان الحركة المسرحية والدرامية لم تجن من هذا التنظيم ما تحتاجه وتستحقه… وأتفق معهم تماماً أنه آن للأخ علي مهدي ان يتنحى .. ولكن لم أطرح نفسي بديلاً له.. ولم أقم بجمع توقيعات ولا أعرف من الذي تم اختياره لقيادة التنظيم الجديد.
* سبق وان قاد بعض الدراميين حملة لإعفائك .. واليوم حملة ضد علي مهدي.. هل هم عادة تحركهم المصالح تجاه قادتهم؟
– لا يمكن ان نفسر الأمر هكذا.. في فترة من الفترات وقفت مع الأخ علي مهدي وساندته ليظل رئيساً للاتحاد لقناعة تامة بمواهب علي مهدي الشخصية والقيادية.. ولكنه للأسف الشديد حول الحركة المسرحية على المستوى المحلي والأقليمي والدولي إلى نوع من العلاقات العامة.. ولم يستفد من نشاطه هذا سوى مجموعة قليلة جداً تدور حوله.. ومشكلة الأخوان في مجال الدراما أنهم حتى الآن لم يتأكدوا من تبين مصالحهم الحقيقية.. لذلك فهم لا يدركون الخطر إلا متأخراً جداً.. وبعد وقوعه.. وكونهم أدركوا ان لديهم القدرة على قيادة انفسهم من غير علي مهدي فاعتقد أنه تطور مهم.. وإن كان بعضهم يعتقد أن غياب علي مهدي سيشكل كارثة فهنا مكمن الخطر.. ولهذا السبب يجب ان يتنحى الأخ علي مهدي لنضع المسرحيين مباشرة في مواجهة واقعهم وإن استدعى الأمر ان يبدأوا من أول.
* إذا غاب علي مهدي عن الإتحاد هل سينصلح الحال؟
– الجديد مهما كان مستواه سوف يكون أحسن من الفات.
* أصلاً لا يوجد عمل مسرحي.. هل يخلق الاتحاد فرص العمل أم وجود العمل هو الذي يستوجب تكوين إتحاد؟
– المفروض ان يكون هنالك عمل ويقوم الاتحاد بتنظيم علاقات أفراده بهذا العمل.. والمشكلة الآن أنه لا يوجد عمل أصلاً.. التلفزيون واقف والمسرح الوحيد واقف والإذاعة محدودة .. إذن لا يوجد عمل وهذا ما قاد الناس للتوتر وعلي مهدي ليس مطالباً بخلق فرص العمل لقاعدته.. وتلك هي الظروف التي تقود إلى ما يحدث الآن.
* أكثر من ست قنوات سودانية فضائية ولا تنتج دراما- كيف تفسر ذلك؟
– عندما تنتج هذه القنوات باسلوب قناة الشروق أفضل عدمها.. لقد رمت قناة (الشروق) كل الخبرة السودانية التي تراكمت في مجال إخراج الدراما السودانية على مدى نصف قرن بعرض الحائط.. واستوردت مخرجاً درجة ثالثة من سوريا لتطوير الدراما السودانية.. إن هذه هي المسخرة بعينها.. وبهذه المناسبة أود أن أوجه سؤالاً لقناة (الشروق) وكانت قد عقدت مسابقة لكتابة المسلسل الدرامي وكنت أحد المشرفين على فرزها ومنحت الفائزين آلاف الدولارات .. أين ذهبت هذه المسلسلات.. ولماذا لم يتم إنتاجها حتى الآن؟ .. أم هم في انتظار العثور على مخرج تركي؟!
* السودان عضو في منظمات اقليمية ودولية كثيرة تت«ITI» «ITA» وغيرها.. هل خدمت الحركة المسرحية السودانية؟
– وقبلها إتحاد الفنانين العرب.. كلها كانت عناوين وواجهات ولافتات لم تستفد منها الحركة السودانية شيئاً يذكر.. إلا على مستوى العلاقات العامة.. وأنا استغرب إحتفاءنا بمنصب نائب رئيس الـ «ITI» على المستوى الرسمي، ونحن أصلاً كحكومة السودان لا ندفع اشتراكنا في هذا المعهد.. ولا أدري كيف اكتسبنا عضوية هذا المعهد ونحن لا ندفع اشتراكنا فيه.. ناهيك عن حصولنا على منصب نائب الرئيس فيه.. ربما يكون الأخ علي مهدي يقوم بدفع هذه الاشتراكات من جيبه أو بمعرفته الخاصة.. ولكن هل هذا يبرر تمثيله للسودان؟!

* المسرحيون دائماً يحملون قياداتهم مسئولية الفشل.. طالتك الإتهامات والآن يتجهون نحو علي مهدي؟
– علي مهدي يسأل عما حققه على مستوى التنظيم الأهلي وأنا مسئول عما تحقق على مستوى التنظيم الرسمي ولكم ان تقارنوا حال المسرح قبل العام 1999م بحاله في الفترة التي كنت مسئولاً عنه من «1999 إلى نهايات 2005م» أو تحديداً «6 أبريل 2006م».. ومن يريد ان يغالط فليراجع ملف المسرح بديوان الضرائب بام درمان ليعرف حجم الجمهور الذي إرتاد المسرح خلال تلك الفترة وحجم الجمهور الذي يرتاده هذه الأيام.. من ناحية أخرى لقد تسلمت المسرح العام 1999م ولم يكن في خزينته ولا مليم واحد وغادرته في «6 ابريل 2006م» وقد بلغت ميزانيته ملياراَ ومائة مليون جنيه.. عام 2004م بلغ عدد العروض التي قدمها المسرح القومي السوداني خمسمائة ليلة عرض مقسمة بين المسرح القومي بامدرمان ومسرح خضر بشير بالخرطوم بحري.

في العام 2005 قمنا بإنتاج تسع مسرحيات للفرقة القومية للتمثيل وخمس مسرحيات للفرق الأهلية والخاصة.. وقمنا باستضافة كل برامج العاصمة الثقافية على خشبة المسرح القومي بامدرمان خصماً على ميزانيتنا.. وعلى الذين يهاجموننا ان يقارنوا بين حالهم بالأمس وحالهم اليوم.
* المسرح الآن يتبع لوكيل الثقافة والشباب والرياضة وكذلك ميزانيته.. انت كنت تقوم بتوفير الميزانيات وكنت تتبع للوزير مباشرة.. هل التعامل يتم مع الأشخاص أم مع المؤسسات؟
– طول عمره المسرح كان مستقلاً مالياً وإدارياً لأن نشأته كانت سابقة لنشأة مؤسسات الثقافة.. وفي العام 1967م كانت وظيفة مدير المسرح القومي في نفس مستوى وظيفة مدير الاذاعة ومدير التلفزيون وهي أعلى قيادات كانت في وزارة الاعلام آنذاك.. وعندما قامت الانقاذ كنت أنا مديراً عاماً لمصلحة الثقافة منذ 1987م وكان المسرح أحد إداراتها المستقلة.. غير أنه فقد استقلاليته هذه بقيام الهيئة القومية للثقافة والفنون في العام 1992م.. وعندما كلفت بادارته في العام 1999م كانت الهيئة القومية للثقافة والفنون قد تم حلها وانشئ المجلس القومي لرعاية الثقافة بديلاً عنها.. وكنت أنا مستشاراً لوزير الثقافة والاعلام بدرجة خبير وطني.. وهذا الوضع ساعدني على أن ارتفع بالهم المسرحي الى مستوى الوزير من خلال المجلس القومي لرعاية الثقافة والذي كان هو رئيسه.
* الآن المسرح تابع لوزارة الثقافة والشباب والرياضة ويقال انها تعرقل عمله ويراها كثيرون سياسة جديدة من الانقاذ تجاه المسرح؟
– هذه ليست سياسة الانقاذ تجاه المسرح كما يقولون لقد قمت بادارة المسرح في عهد الانقاذ ولم يحدث أن تدخل أي من الوزراء الذين عملت تحت اشرافهم في شئون المسرح بالصورة التي تعرقل مسيرته.. بل العكس تماماً كان صحيحاً.. ولم يكن اختيار د. غازي صلاح الدين لشخصي وتكليفي بادارة المسرح إلا من منطلق اهتمامه الشخصي وايمانه القاطع بأهمية الدور الذي يلعبه المسرح.. بل كان يوفر له المال من صندوق خاص.. وكذلك لم يكن الاخوان عبد الباسط عبد الماجد وصديق مجتبى أقل منه اهتماماً بالمسرح وحرصاً عليه.. أما لماذا انقلب الحال في ظل وزارة الثقافة والشباب والرياضة.. ولماذا بدأ العاملون يشعرون بأن الدولة لم تعد مهتمة بالمسرح.. فهذا ما لا افهمه وأنا على مقاعد الاحتياطي.
* الفرقة القومية للتمثيل متعثرة، وفرقة الاصدقاء متوقفة.. ومسرح الفاضل سعيد انتهى بوفاته.. كيف تفسر التعثر والتوقف والغياب؟
– الفرقة القومية للتمثيل محاربة.. واندهش اكثر عندما أجدها غير مسنودة من الناس الذين يفترض فيهم ان يكونوا الأكثر والأقوى دعماً لها.. وهم الاساتذة الذين تخرج على أيديهم الاخوين د. فضل الله ود. شمس الدين والذين جاءوا بعدي لادارة المسرح.. والذين كان يفترض فيهم أن يفرحوا بأن خريجيهم قد وجدوا الماعون الذي يستوعبهم.. وكل دول العالم فيها فرق رسمية للتمثيل تجد الرعاية من الدولة لتأكيد رعاية الدولة لهذا الفن وعندما قمنا باستيعاب أول دفعة من خريجي (شعبة التمثيل) بكلية الدراما والموسيقى كنواة للفرقة القومية انما اردنا بذلك ان نؤكد حرص الدولة على رعاية فن المسرح.. أما غياب مسرح الفاضل سعيد فذلك لأن الفاضل سعيد – عليه رحمة الله – كان مدرسة قائمة بذاته وكان مؤسسة لوحده وكان هو الفرقة حقيقة وهو صفحة متفردة في حياتنا المسرحية كان بديهياً ان تنتهي بوفاته.
* وفرقة الاصدقاء؟
– أنا شديد الأسف لتوقفها الذي لا أجد له مبرراً.
* انتشرت الدرامات القصيرة. اسكتشات ونكات وما شابه ذلك.. هل ستكون بديلاً للدراما في القنوات؟
– لا أظن ولا يمكن ان تكون (الهشاشة) بديلاً للرصانة.. وأنا اعتبر انتشار مسرح الاسكتش نوعاً من الردة .. لقد كان هذا النوع سائداً قبل العام 1967م ابو قبورة وابو دليبة والزوحي وبليل وغيرهم ولكنهم استطاعوا ان يطوروا انفسهم بعد العام 1967م حين انتظمت الحركة المسرحية وقدموا مسرحاً رصيناً.. نعم هذا النوع من الفن منتشر في كثير من المجتمعات لقد جئت من سوريا قبل فترة قصيرة حيث يوجد مثل هذا النشاط ولكنهم لم يستبدلوا الدراما بالاسكتشات .. لا يمكن ان يكون مسرح الاسكتش بديلاً للمسرح الرصين.
* ما يقدمه المسرح الآن متدنٍ مقارنة بالسابق هل كما في حالة الغناء هذه قضايا العصر ولغة العصر..؟
– لماذا يرتبط التقدم بالهبوط وهل هو في السودان وحده ام في كل العالم.. ولماذا تتحول لغة العصر من عميقة الى سطحية ومن ثقيلة الى خفيفة.. في العام 2005م قدم المرحوم الفاضل سعيد مسرحية (بت الحلال) وإستمر عرضها في المسرح لاكثر من ثلاثة شهور، وفي العرض الاخير فوجئت ان المسرح القومي ممتليء لآخره وإتصلت بوزير الثقافة عبد الباسط عبد الماجد.. ووزير الدولة صديق مجتبى وطلبت منهما الحضور للمسرح القومي وحضرا مشكورين.. ووضعنا لهما الكراسي في الممرات ليشهدا أن جمهور المسرح بخير.. والمسرحية معادة ومن التراث.. ولك أن تقارني بين جمهور نحن نفترض ان لغة العصر إختلفت.

* إذن أين المشكلة..؟
– العجز في المسرح..
* إذا طلبت منك تقييم تجربة مكي سنادة، إيجابياتها وسلبياتها وإلى أي مدى أنت راض عنها.. ماذا تقول؟
– اقول.. أنني لست في حالة تسمح لي بتقييمها.. تقييم موضوعي.. قد اجني عليها بدافع الحمق والحنق.. ولا أخفى عليك أنني اشعر بمرارة في حلقي وأشعر بالغصة لذلك لا أستطيع التقييم..
* متى ستخرج من حالة المتفرج هذه؟
– لا أدري!!
* ما خطتك المستقبلية هل ستعمل ممثلاً تحت الطلب كمشاركتك الاخيرة بسوريا..؟
– ممكن.. انا بالمعاش، وشاركت في المسلسل لأسباب مادية بحتة …..

حوار: ماجدة حسن
الرأي العام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..