في مثالب الإدارة السياسية: قرنق والميرغني

في مثالب الإدارة السياسية: قرنق والميرغني
بابكر فيصل بابكر
[email][email protected][/email]
ليس الغرض من هذه الكلمة عقد مقارنة بين الراحل الدكتور جون قرنق, والسيد محمَّد عثمان الميرغني. ولكنَّ الهدف منها النظر في عيوب إدارة التنظيمات والحركات السياسية في السودان. وهذا مبحثٌ في غاية الخطورة والأهميِّة لإرتباطه المباشر بالأحزاب التي تمثل واحداً من أهم أدوات التنمية السياسية.
الدكتور جون قرنق ? في وجهة نظري ? من أهم القادة السياسيين الذين أنجبهم السُّودان, وقد كان صاحب الأثر الكبير ( إن لم يكن الأكبر) في تشكيل الأوضاع السياسية السودانية في الثلاثة عقود الأخيرة. وهو رجلٌ إستثنائى جمع بين المعرفة الأكاديمية, والرؤية الإستراتيجية, والتأهيل العسكري, والخبرة السياسية, وهذه صفات لم تجتمعُ لقائد سوداني من قبل.
وبغض النظر عن الإختلاف أو الإتفاق معهُ, فقد إستطاع الرَّجل أن يقود حركتهُ لصدارة المشهد السياسي السوداني عقب توقيعه لإتفاق نيفاشا الذي قالت السيدَّة هيلدا جونسون إنَّ قرنق وضع فيه ? أى الإتفاق – جُل ما أراد, و حقق فيه أقصى المكاسب التي يستطيع أن يُحققها قائد سياسي عبر التفاوض.
غير انَّ ذلك لا ينفي الكثير من جوانب الضعف التي إعترت مسيرة الحركة الشعبية, والتي دفع ثمنها الباهظ شعب جنوب السودان خصوصاً في ما عُرف بحرب الفصائل عام 1991 التي أزهقت فيها مئات الآلاف من الأرواح, وفي الإنشقاقات العديدة التي شهدتها الحركة, وفي العزل والإقصاء والتصفية للمُناوئين.
جوانب الضعف هذه مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بإسلوب الإدارة السياسية للحركة فيما يلي قضايا الديموقراطية الداخلية, و طبيعة القيادة, وإدارة التنظيم, والتمويل, وطريقة إتخاذ القرار.
جوانب الضعف هذه وُجدت كذلك في اسلوب إدارة الحزب الإتحادي الديموقراطي في ظل قيادة السيد محمد عثمان الميرغني. وهى بالطبع قيادة لم يتوفر لها ما توفر للدكتور قرنق من قدرات شخصيِّة, وتأهيل رفيع, ولكنها ورثت حزباً جماهيرياً كبيراً إستطاعت – بمهارةٍ تحسد عليها – ان تحيلهُ إلى كيان هزيل و ممزق.
وإذ يجد كثيرٌ من الناس ? انا لست منهم – عُذراً للدكتور قرنق في النهج الأوتوقراطي الذي إتبعهُ في قيادة الحركة الشعبية باعتبار أنَّ الرجل كان يقودُ حركة عسكرية / سياسية تخوض حرباً شرسة تصبح معها كل دعوة للممارسة الديموقراطية أمراً مؤجلاً, فإنه لا يوجد من يُدافع عن الميرغني في أدائه القيادي البائس.
تتزامن كتابة هذا المقال مع موجة المذكرات التي تجتاح الحزب الحاكم, وحزب الأمة القومي, وهذه المذكرات في كثير من جوانبها تتعلق بقضية الإدارة السياسية, كما أن العديد من الحركات العسكرية / السياسية في دارفور وغيرها تعاني من ذات المشاكل, أى أنَّ الموضوع ليس قاصراً على حزبٍِ أو حركة سياسية بذاتها.
يعتمد هذا المقال على ما تناولتهُ مُذكرة داخلية ورسالة مفتوحة. الأولى كتبها الدكتور لام أكول قبل خروجه مع الدكتور رياك مشار على قرنق في 1991 وعنونها ب ” لماذا يجب أن يذهب قرنق الآن ؟ “, والثانية وجهها الأستاذ على أبوسن قبل وفاته للميرغني عنونها ب ” رسالة مفتوحة للسيِّد محمد عثمان الميرغني “.
كلا المكتوبين ? المذكرة والرسالة ? يتناولان أدواء الإدارة السياسية في الحركة الشعبية والحزب الإتحادي الديموقراطي بصورة تكاد تكون متطابقة من حيث تشخيص القضايا والمشاكل, مما يعني أننا بإزاء أزمة مشتركة وممتدة وإن تفاوتت في المقدار والدرجة, و النتائج والآثار الناجمة عنها والمترتبة عليها.
يقول الدكتور لام اكول في مذكرته بخصوص موضوع الديموقراطية الداخلية في الحركة الشعبية :
( ليس للحركة أى هيكلية سياسية. لا يوجد ما تسمى ب ” القيادة العليا العسكرية / السياسية “. لم تعقد إجتماعاً واحداً, كما وأن أعضاءها لا يعرفون بعضهم البعض. والقرارات الإستراتيجية والخطط يضعها قرنق وحده. ولا نحتاج للقول بأن الحركة لم تعقد أى مؤتمر حتى الآن, بأى مستوى من المستويات. ويتم رفض أى دعوة جادة للنقاش بإستعلاء باعتبارها ضياعاً للوقت وأن الحركة ليست برلماناً. كل السلطة في يدي رجل واحد. هو كل شىء بدءاً من رئيس القيادة العليا وحتى حارس مخزن الذخائر. وهو رئيس مركز الإعتقال. هو مدير إذاعة الحركة وأيضاً محررها. وهو يفرض الرقابة على أى مادة تقدم في الإذاعة. هذه الترتيبات الغريبة منعت الكثير من المساهمات, مما جعل أداء الإذاعة بائساً جداً. أصبحت مجرد إذاعة شخصية لبث الآراء الشخصية والأهداف الشخصية ). إنتهى
ويقول على أبوسن للميرغني في أمر الديموقراطية الداخلية في الحزب الإتحادي الديموقراطي :
( رفضك القاطع للديمقراطية والمؤسسية زعزع أركان الثقة بالحزب وسط جماهيره التى تجرَّعت المُر وهى ترى حزب الأمة ـ الذى كان متهماً بالتبعية العمياء ـ يعقد مؤتمراته وينتخب قياداته ويحتكم إلى جماهيره حتى فى مسألة ” الإمامة ” . وترى حزب الدكتاتورية والقهر والتخلف الذى وثب على السلطة يعتمد الديمقراطية الحزبية ـ التى حَرَم منها الشعب ـ منهجاً له للوصول إلى قراراته وتشكيل قياداته. بينما قيادة الإتحاديين لا تعتمد إلاّ المراوغة والتهرُّب والأقصاء وزرع الفتنة وشق الصفوف وتأليب الختمية على الإتحاديين، وتنتهى إلى رفض عقد المؤتمر العام للحزب وتنفق الملايين بسخاء لتجلب الوفود إلى خارج السودان ظنّاً منها أنهم أرِقّاءُ السياسة وليس حضورهم فى الحقيقة إلاّ تعبيراً عن ضيعة الأتحاديين وهوانهم على الناس ). إنتهى
وفي إطار علاقة قرنق بالمثقفين داخل الحركة الشعبية يقول لام أكول :
( علاقته بالمثقفين تتسم بالشك ويعتبرهم منافسين له في الحركة, ولذلك فهو يحيط نفسه دائماً بالسوقة والدهماء. وأغلب المثقفين لا يتم تعيينهم أو تمت الإطاحة بهم من مناصبهم. العمل في مجلس القيادة يتسم بالركاكة لعدم امتلاك المجلس أى سلطة. قرنق يصر على تصريف الأمور بنفسه أو من خلال التابعين المطيعين. كراهيته لتنظيم المثقفين أفقدت الحركة ومؤسساتها كل الهياكل. استمات قرنق في منع الحوار الديموقراطي, خوفاً من أن يتم استبداله. هذا هو سبب كراهيته للديموقراطية والتنظيم والمثقفين والنقاش الديموقراطي ). إنتهى
أمَّا علاقة الميرغني بالمثقفين فيقول عنها على أبو سن :
( بغضك للمثقفين وضيقك بهم كان وراء مأساة العلاقة بينك وبين أناس لم يرفضوا وضعك فى المقدّمة ولم يحاولوا منافستك على القيادة. أسميها مأساة لأنك تخصُّ بالكراهية والضيق مثقفى الحزب وتتعمد إستبعادهم كلما احتجت إلى من يفكر أو يكتب أو يتحدث اللغة الأجنبية وتستجلب أناساً من خارج الحزب ليعاونوك على كتابة رسالة أو صياغة فكرة أو إجراء مقابلة مع أجنبى ومثقفو حزبك مبعدون يضربون كفاً بكف. لقد حاولنا أن نمنحك الطمأنينة على موقعك بشتى الوسائل ولكننا عجزنا عن إزالة هاجس المخاوف الذى ينتابك من المثقفين والذى يُصِّور لك أنهم هم الأعداء الحقيقيون لك. وامتداداً لضيقك بالمثقفين تفاقم عندك الحرص على رفع شأن الذين لا يعلمون فوق الذين يعلمون، والإصرار على تقريب واصطحاب العناصر الغريبة والمشبوهة والأقل خبرة. فأنت ما زلت منذ الإنتفاضة تنقِّب فى التوابيت لتستخرج منها جنائزَ تقود الحزب وتكون واجهة له تحت إشرافك المباشر حتى أصبحت مواقع القيادة ومنافذها مسرحاً للأشباح ). إنتهى
أمَّا في خصوص التمويل الحزبي فإن لام أكول يقول في مذكرته إن قرنق يتحكم فيه وان : ( المنح المالية التي تتلقاها الحركة تذهب لجيبه الخاص, ولا يعرف أى شخص كمية الأموال ولا كيف تم صرفها ). إنتهى
وفي ما يلي تمويل الحزب الإتحادي الديموقراطي يقول على أبوسن للميرغني :
( لقد قمتَ باستغلال قوة الدفع الكامنة فى الزخم التاريخى لإسم ” الإتحادى ” واستخدمتها فى سبيل إثبات وجود ضبابى وتكديس أموال سريِّة لا يعرف قادة الحزب مصادرها كلها ولا شروط منحها لك ). إنتهى
أمَّا فيما يخص سوء إدارة الحركة وعزوف الناس عن الإنتماء لها فإنَّ لام أكول يقول : ( لم يكن للوضع أن يكون سيئاً, لو أن قرنق كان أكثر تواضعاً واستمع لنصائح مستشاريه. ولكن الأمر كان مختلفاً. وهو يشعر بأنه يعرف كل الحقيقة, ولا يحتاج إلى أى نصائح. فرنق مشغول ببناء تقديس لشخصه. النتيجة المباشرة لإدارة قرنق السيئة وتهميشه للجميع, هى الشعور بالغربة وعدم الإقتناع من جانب عدد كبير من أعضاء الحركة. طغى هذا الشعور ليتجاوز الحركة, مما منع الكثيرين من الراغبين في الإنضمام للحركة من عدم فعل ذلك ).إنتهى
ومن جانبه يقول الأستاذ علي أبوسن عن حال الحزب الإتحادي تحت إدارة الميرغني : ( لقد آلت حال الحزب منذ أن تولّيت قيادته دون أنتخاب أو اختيار عام 1985 إلى درجة من التدني فى الأداء والإلتزام والجدِّية جعلت معظم المهتمين بالقضايا العامة فى السودان ينفرون منه ويبتعدون عنه حتى أصبح القاصى والدانى يجابهنا بأنه حزب لا مستقبل له ، لأنه عاجز عن تنظيم نفسه، عاجز عن بلورة أفكاره ، عاجز عن إيقاف حروبه الداخلية ، عاجز عن أيقاف غزو المرتزقة الذين يتسللون إلى قيادته ” غواصات ” من أحزاب أخرى ، عاجز عن إستيعاب المثقفين ، عاجزة قيادته عن الحديث إلى أجهزة الأعلام والحوار فى الندوات الثقافية ، عاجز عن أن يحدد لنفسه مهمة أو هدفاً ). إنتهى
إنَّ إدارة الحزب السياسي تختلف عن قيادة الكتيبة العسكرية أو الطريقة الصوفية في كونها تستند إلى روح الفريق في تجويد الأداء, و الجماعية في إتخاذ القرار, والديموقراطية في الأخذ بالآراء والنزول إلى رغبة القاعدة, والشفافية في تداول المعلومة. وإذا كانت عيوب إدارة الدكتور قرنق للحركة الشعبية لم تبلغ مدى كبيراً في تعويق مسيرتها وإنحراف مسارها, فإنه ما من حزب سياسي في الساحة السودانيِّة تأذى من بؤس الإدارة مثل الحزب الإتحادي الديموقراطي في ظل قيادة السيِّد محمد عثمان الميرغني.
لكن الرجلين الميرغني وقرنق وصلا لاطار حل لمشكلة العمر بالسودان وجاء الاخوان لينسفوا فرصة العمر
واوصلونا الى الكارثة التي نحن فيها
سؤالي هل رئيس المافيا رجل ناجح لانه يبقي عليها في هذا العالم الذي يسعى كله للقضاء عليها وهي تحقق النجاحات في مجالها؟
ام ان مهمة القائد تصعب وتسهل حسب طهارة مبادئه واخلاصه لها
دع هذا لماذا لا تتحدث عن رئس السياسة في السودان البشير وتقارنه بالآخرين فهو ناجح على غرار المافيا
بصراحة انا محتار في المقارنة التي اتيت بها ومعاييرها
الإعتماد على آراء محدودة ليس من مصلحة التحليل الموضوعي لموضوع بهذه الأهمية أماالإستشهادبأقوال د. لام أكول فقد نسف القيمة المرجوة من هذاالمقال والذي جاءعلى غير المتوقع من كاتب في هامة الأستاذ بابكر فيصل.
ارى ان الكاتب قد جافى الحقيقة تماما فى هذه المقارنة فالسيد محمد عثمان رجل حصيف راى المستقبل بام عينيه فوقع مع قرنق اتفاقية الميرغنى-قرنق التى لو رات النور لكانت انجازا يحسب له والرجل نفسه كان يقود تجما قرنق عضوا فيه وقرنق نفسه كان يواده ويحترمه ولو كان قرنق حيا لاستمرت الشراكة السياسية بين الرجلين وغيرت تاريخ السودان اما الديمقراطية التى تدعوا اليهافهى كلمة احق اريد بها باطل فالحزب قادر على جمع مجموعة من الناس داخل صيوان ويقول هذا هو المؤتمر العام ولكن ليس هذا ما يريده الحزب
اما نيفاشا فلو قرات كتاب هيلدا جونسون لعلمت ان نيفاشا صناعة امريكية خاصة باعت الانقاذ فيه الجنوب مقابل الانفراد بالشمال وتطبيع العلاقات معها فالانقاذ كانت تسيطر على ارض الجنوب لكن حقدك على الرجل دفعك لتناسى هذه الحقيقة المرة
يبدو أن المعلقون سامي علي ، وأبو بكر ، واشد جميعهم شخص واحد . يهاجم الكاتب بضيق أفق
الأخ المحترم لون المنقة أؤكد لك أن المعلقين ليسوا بشخص واحد كما أن تعلقاتهم إنصبت على المقال ولم يبدر منهم أي هجوم على الكاتب بل العكس تماماً لو تمعنت تعليقي وعليه أرجو ان تعتذر عن هذه الاستنتاجات الغير صحيحة كما أن وصف المعلقين بضيق الأفق لا يخدم النقاش و تبادل الآراء بقدر من الحرية وسعة الصدر ولك ودي.
مأساة الحزب الاتحادي الديمقراطي تبدأ من لحظة اندماج الحزبين: حزب المثقفين والقاعدة الشعبية العريضة (الوطني الاتحادي) وحزب الختمية المؤتمر باشارة السادة (الشعب الديمقراطي) كانت غلطة الأزهري رحمه ألله أن يقدم حزب تعب المثقفون في بناءه وصنعوا به الاستقلال وتعلقت عليه آمال الملايين من بني السودان أضحية على مذبح البحث عن جماهيرية زائفة، أضاع الأزهري قاعدة الحزب المتماسكة -والعريضة مع ذلك- من أجل سراب حشود الختمية التي لن تصنع -مهمااحتشدت وتجمعت- حزباً حقيقياً له هياكل وتحكمه الديمقراطية وينتشر منه الوعي ويستهدف الحكم الراشد، لم يكن هناك أبداً ما يجمع بين الحزبين. رحم ألله الحزب الوطني الاتحادي ولا يوجد شيء اسمه الحزب الاتحادي الديمقراطي.