تمرد موظفى الخدمة المدنية

تمرد موظفى الخدمة المدنية

الرشيد جعفر على
[email][email protected][/email]

عوامل كثيرة تداخلت لتجعل من الخدمة المدنية أو الوظيفة العامة عنصراً من أهم عناصر التغيير وقد وصف العلماء الخدمة المدنية فقال بعضهم هي كالمضغة إذا صلحت صلح الجسد ووصفها الآخر بأنها كالدورة الدموية إذا حصل لها هبوط حاد فمعنى ذلك هو الطريق للموت و حقيقة الخدمة المدنية في هذا الوضع الماثل هي التي تؤكد على حيوية تحقيق السياسة العامة أو فشلها على مستوى التنفيذ , لذلك لم تكن صدفة حينما قالو أن فشل الخدمة المدنية يعني فشل الحكومة و أن نجاحها يعني نجاح الحكومة .
فمن مميزات الاستعمار ببلادنا عندما خرج ترك لنا خدمة مدنية تتميز باداء فاعل وقوى فى كافة موسسات الدوله فاشتهرت بالانضباط والدقة فى المواعيد والسرعة فى تسير دولاب العمل مما افضى الى تحقيق معدل نمو متنامى ومستقر حتى حقبة السبعينات والتى بنهايتها بدات معالم التدهور, مما اثر على الوضع الاقتصادى عموما, فاتسمت الخدمة بالبط والضعف الى ان وصلت الى مرحلة انعدام الوزن والشلل التام الذى تعانى منه الان والذى تظهر ملامحه جليا اذا ذهبت الى احد دواوين الحكومة لتادية معاملة خاصة بك متعلقة بالموسسات الحكومية المختلفة فاعلم ان يومك جله سوف تقضية لقضاء غرضك الخاص بك حتى ولو كان ذلك اجراءا روتينيا بسيطا لا يتعدى تنفيذه دقائق معدودة فلن تنجو من التسويف والمماطلة والمماحكة الادارية المذله فى اسواء صورها بعدة تبريرات واهية مضيعة للزمن الذى ليس له قيمة اصلا ببلادنا , ليعكس مدى ضعف ثقافة احترام العمل لدى السودانيون بصورة عامة فتصدم بتبريرات واهية مثل ان المدير لديه مناسبه اجتماعية او الشبكة طاشة لدى المعاملات الخاصة بالحاسب الالى , الموظف فى الفطور او الصلاة او ضياع الفايل الخاص بك فتصل الى درجة الغثيان فاجراء بسيط يمكن ان يقال لك لتاديته بكل بساطه تعال بعد اسبوع بدون اى اسباب مقنعة فاحيانا يفقد الامر صلاحيته لذلك التاجيل.
فما يجرى داخل الموسسات الخدمية المختلفة تحس بان هنالك تمردا مستحكم غير معلن من موظفى الدولة يوضح بجلاء مدى الحالة التى الت اليها الخدمة المدنية ببلادنا وتنبى عن اى مصير نحن منقادون اليه, فليس هنالك تنمية حقيقية تحقق طفرات مذدهرة الا بخدمة مدنية تتمتع باداء رفيع ذو مسوولية وهمة عالية .
فالموظف الغير مبالى بتجويد عمله واداءه بالصورة الاكمل يعانى من اوضاع سئية ومحبطة تحد من انطلاقته تتمثل فى ضعف عائده المادى وسوء اوضاعه المعيشية فتحس كانه مجبور على العمل ياتى اليه ويذهب حسب ما يرغب فليس هنالك قواعد وقوانين تضبطة فى ظل هذه الاوضاع البائيسة .
فهنالك اوضاع غريبة تسود الخدمة المدنية فى تفاوت بعض موسسات الدولة فى رواتب موظفيها عن بعضها البعض تفاوتا بائنا تصل لدرجة مبالغ فيها فموظف فى موسسة ذات حظوة وهالة اعتبارية يمكن ان تصل مخصصاته المالية الى ارقام فلكيه تجعلة فى مرتبة الاغنياء المرفلين بالنعمة حتى الثمالة يكاد يموت بالتخمة, بينما يعانى زميل له فى موسسة اخرى بنفس موهلاته ودرجته الوظيفية واعباءه فى اوضاع مزرية لا تفى بالنزر اليسير لتحقيق متطلباته الشخصية.
فاصبحت موسسات الدولة فى جزر معزولة كانها ليست فى دولة واحدة والانكى والامر هذا التفاوت فى الاجور الغير معقول ومقبول نجده بين موظفى الموسسة الواحدة فاصبحت اللامبالاة وغياب الحس الوطنى تجاه مستوى مسئولية الاداء وممارسة السلطات والاختصاصات ديدنا شايعا بين موظفى الخدمة المدنية بالاضافة الى التعسف فى استعمال السلطة سواء بخطا التطبيق او خطا التفسير او تجاوز السلطة مما ادى للقصور فى الممارسة . اضف الى ذلك غياب مفهوم السلطة التقديرية لدى الموظف ليكون فى حلا عن تحمل المسوولية وتسير العمل .
فقد واجهت العاملين بالخدمة المدنية في السودان مشكلات وتحديات عديدة ناتجة عن اخفاق مؤسسات الخدمة المدنية، وعدم تطبيق قوانين العمل ولوائح الخدمة المدنية العامة، وظلت هذه المشكلات قائمة منذ بداية تاريخ الخدمة المدنية في البلاد وحتى يومنا هذا، ولم تتدخل الجهات المسؤولة عن الخدمة المدنية على مستوى الدولة بصورة مباشرة بل ظلت مكتوفة الأيدي تراقب عن بعد، كما أن بعض مؤسسات الخدمة المدنية لديها أجندة وسياسات تتعارض مع قوانين العمل كالخصخصة، وحل المؤسسة، وتسريح العاملين دون مبرر قانوني، فالمشكلات التي واجهت الخدمة المدنية كثيرة كتجميد ترقية العاملين، وعدم فك الاختناقات الوظيفية، وصرف النظر عن تغيير الوظائف لحملة الدرجات العلمية في الخدمة المدنية، فضلاً عن تأخير الاستحقاق السنوي (البدلات)، فهى تدفع من قبل المؤسسات كمتأخرات للعاملين بعد سنة أو سنتين في بعض المؤسسات، وكذلك من أكبر المشكلات بدل سكن العاملين الذي لايكفي لإيجار غرفة في أطراف العاصمة، بالاضافة لعقود العمل بين مؤسسات الخدمة المدنية
فهنالك الكثير من الاسباب التى تسببت فى ذلك الوضع المذرى منها التغول السياسى على اجهزة الخدمة المدنية باتباع سياسة التمكين خلال الحقبة الحالية فطفت المحسوبية والولاء على الكفاءة والتاهيل فاختلت الاوضاع راسا على عقب فاصبح اهل الحل والعقد والقيادة من صغار الموظفين على الرغم من وجود اهل الخبرة والتاهيل الذين عصفت بهم قوائم الصالح العام الى قارعة الطريق فماذا ننتظر غير قيام الساعة عندما يولى الامر الى غير اهله فقد اصبحت الرشوة هى الديدن السائد لتنفيذ المعاملات والاجرءات الحكومية المختلفة .
ومن مقعدات الخدمة المدنية الترهل الوظيفى الذى يرزخ بداخل كل موسساتها بلا مهمام وعمل غير قراءة الصحف والحديث فى الجوال وتصفح النت .
فهنالك الكثير من المشروعات والاهداف الاستراتجية التى توضع للانطلاق بالبلاد الى مرافى التقدم والتنمية للنهوض بها ولكنها تضيع هباءا منثورا عبر اليات التنفيذ والمتابعة والمحاسبة الضعيفة التى تتصف بها الخدمة المدنية لانها راس الرمح الاول فى تنفيذ قرارات الدولة فدون خدمة قوية نصبح كاننا نحرث فى البحر وهى راس الرمح للانطلاق الى الامام .
بالاضافة الى ذلك تعانى موسسات الدولة المختلفة من البروقراطية فى تسير العمل وتنفيذه بالصورة الاكمل فاجراء واحد يمكن ان ينفذ فى خطوتين فقط تجده يودى على سته خطوات ومراحل . فلا اثر فاعل لمغتنيات العصر فى سرعة التنفيذ واختصار الاجراءات باستخدام اجهزة الحاسوب فهى موضوعة لدى الموظف كانها ديكوريزين مكتبه .
فحقا الخدمة المدنية تحتاج الى ارادة سياسية حقيقية نافذة تضع نصب اعينها اهميتها فى التنمية والانطلاق الى الامام فتعمل على استنهاضها من غفوتها وعلاج امراضها المستعصية المزمنة التى تقعد بها للانطلاق الى الامام .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..