في ندوة أقامتها رابطة الكتاب الأردنيين: تفكيك أسطورة محمود درويش وإنصاف شعره

آية الخوالدة

عمان ـ : ضمن إطار التعاون بين رابطة الكتاب الأردنيين وجمعية النقاد الأردنيين، أقيمت في العاصمة الأردنية عمان ندوة بعنوان «تجربة محمود درويش الشعرية»، حيث أدار الجلسة جمال مقابلة وتحدث فيها كل من شكري عزيز ماضي ومحمد عبيد الله.
افتتح الحديث شكري ماضي متناولا تحول محمود درويش من شاعر المقاومة إلى شاعر الحرية، أو من أيديولوجيا السياسية إلى أيديولوجيا الشعر، وهي ـ بحسب ماضي- فرضية تنطوي على فروض دقيقة ومعان عديدة ومعادلات فنية وفلسفية متنوعة، إذ تعني اتساع مفهوم الحرية من ضرورة سياسية راهنة مرتبطة بأحداث تاريخية، أو بالمكان الضائع إلى ضرورة إنسانية كونية.
وأشار ماضي إلى اتساع مفهوم محمود درويش لماهية الشعر ودوره وعلاقاته وأبعاده، أي اتساع المفاهيم والتصورات والأدوات والأساليب والرؤية الفنية. وهو ما يعني التحول في أنظمة القصيدة. وهي فرضية تؤكد وجود ثوابت ومتغيرات، ولهذا فإن التحول لا يعني التراجع، بل يعني اتساع الرؤية لماهية الشعر والعلاقة بين الشعر والحرية والشعر والأيديولوجيا.

وفي نهاية حديثه أوضح ماضي أن كل هذه المعادلات تؤكد وجود فروق مهمة ودقيقة أخرى بين الخيال السياسي والخيال الشعري، أو بين أيديولوجيا السياسة وأيديولوجيا الشعر، وبين أدب المقاومة والأدب المقاوم.
قدم الناقد محمد عبيد الله ورقة بعنوان «محمود درويش وقراءة جديدة لشكري عزيز ماضي»، تناول فيها كتاب شكري ماضي بعنوان «شعر محمود درويش: أيديولوجيا السياسة وأيديولوجيا الشعر»، الذي اعتبره بداية رصينة للقراءات «الموضوعية» التي لا تريد إدانة الشاعر، كما لا تنوي «أسطرته»، بل تريد قراءته واكتشاف أسرار شعره بوصفه «شاعرا» متفردا مميزا في سياق الشعر العربي.
وأضاف: «في الكتاب مقدمة واضحة صريحة تتحدد فيها أهداف الكتاب والناقد، وهي أربعة أهداف «تفكيك أسطورة محمود درويش.. ولا شك أن الأسطرة تبدّد طاقات إبداعية كثيرة.. وتعيد الشعر إلى مصادر غير ملموسة». «إنصاف محمود درويش وإنصاف شعره، وحمايته بوصفه رمزا إبداعيا، في مواجهة حملات عديدة تهدف إلى الحط من قدرته ومكانته وإبداعه، إلى جانب تبديد الظلم الذي لحق به وبشعره جراء القراءات السياسية? تفسّر شعره باعتباره مبشرا بالمواقف السياسية أو مروجا لمشاريع سياسية مستجدة?». وأخيرا «تصويب ما تم تداوله من أن قصائده الأخيرة تمثل نكوصا أو ارتدادا أو تخليا عن القضية الوطنية، بسبب بروز الذات والتعبير عن تجربة شخصية».

أما عن فصوله الخمسة، فيبين عبيد الله أن الفصل الأول يتناول فيه المؤلف الفروق بين: التطور والتقدم والتحول والتراجع ويرسم مثلثا لشعر درويش، في وسطه الإنسان وأضلاعه، الشعر والمكان (الوطن) والحرية. وفي دواوينه الأولى كانت الحرية هي قاعدة المثلث بينما الشعر والوطن ضلعاه، وفي المرحلة الثانية غدا الشعر هو القاعدة بينما تحولت الحرية إلى ضلع المثلث، وأما المكان فغدا (العالم)، ولم يعد محصورا في الوطن.

أما في الفصل الثاني فقد وجّه الناقد جهده لاستخلاص «مفهوم الشعر» عند درويش من قصائده، وخلاصة ذلك عنده أن هناك مفهومين أساسيين، أحدهما ما يظهر في البدايات في قصيدة مثل «عن الشعر» من ديوان «أوراق الزيتون» 1964، حيث تنطوي على «مفهوم مثقل بالهموم السياسية والوطنية، فقيمة الشعر لا تنبع من درجة فنيته، بل من أمور مترابطة منها: دوره التنويري التحريضي، يخاطب الجمهور البسيط، المعاني البارزة المفهومة، اللغة الواضحة وربما المباشرة.

المفهوم الثاني ? بحسب عبيد الله- قد مثل عليه الناقد بقصيدة «أثر الفراشة» وقصيدة «قل ما تشاء» من ديوان «لا تعتذر عما فعلت». وفي هذا المفهوم استخلص الناقد من النصوص بعض المعالم ومنها: إيمان راسخ بدور الشعر وأثره الخفي، فالشعر هنا ليس مصباحا أو جاذبية، الشعر ينبع من غموضه.. الشعر يومئ ولا يصرح ويوحي ولا يدل.. الشعر لا يتعامل مع المحسوس والمرئي المباشر، وإنما ما وراء المحسوس وما وراء العلاقات.

وصولا إلى الفصل الثالث الذي تناول فيه الناقد أسباب تفوق درويش في قدرته على بناء نظام توصيل فاعل ومؤثر، من خلال تغيير الكلمات أو العبارات، وأحيانا حذف القصائد في الطبعات اللاحقة لنشر القصيدة أول مرة، أي بعد تداولها وتفاعل القارئ معها.
وأشار عبيد الله الى ان الناقد اختار قصيدتين في موضوع واحد هما: قصيدة «رسالة من المنفى» و»من أنا دون منفى». وقدم قراءتين مترابطتين تشيران إلى ما لحق بشعره من تحول وتبدل نتيجة تغير رؤيته للمنفى، وتعميق هذه الرؤية على مر السنين. ومع ذلك فقد ضاعت قضية «التلقي» في التحليل، ووجدنا أنفسنا أمام قراءة «تطبيقية» في قصيدتين حول المنفى، ولم نتبين دور القارئ أو المتلقي، أو علاقة هذا التحليل بمسألة التلقي، سوى أن القصيدة الأولى سهلة ومباشرة، والثانية غامضة ومعقدة.
وهو يرى أن الناقد اجتهد في الفصل الرابع بوقوفه عند ثنائية: «الأنا والآخر» كونها قد تعرضت إلى «تحولات» في منظور الشاعر، ولكن ذلك كله «لا يعني تراجع الشاعر أو تخليه عن الثوابت الوطنية، بل يعني اتساع مفهوم الشعر واتساع مفهوم الحرية معا»، وفق تعبير المؤلف.

فيما تناول الكاتب في الفصل الخامس بروز الذات، حيث تابع عبيد الله حديثه «الذات في قصائده هذه ليست ذات رومانسية تنشد الخلاص الفردي أو تشعر بأنها مركز الكون، لكنها الذات التي تسعى إلى التفاعل والمواجهة والفهم والكشف. كما تتميز القصائد بالحضور الذاتي والتعبير عن تجارب ذاتية، لكنها تتناول قضايا إنسانية عامة: قضايا الحياة والموت والتاريخ والزمن والخلود.

آية الخوالدة
القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..