اليسار في السودان.. إلى أين؟ الحلقة السادسة .. من هنا بدأ الحصار

بعد يوليو 1971م ساد هدوء غريب أقرب إلى الأجواء التي تعقب إعصارا عاتيا، ضرب الكل بمخاطره الدائمة ثم مرّ مخلفا وراءه صدمته وخسائره وضحاياه. ثم خرج الذين ظنوا أنهم نجوا وقد أضناهم البحث وعذبهم الشك وأرهقوا انفسهم والآخرين بسؤال سيطر على فكرهم وأعصابهم.. أين الحقيقة؟

تحقيق: خالد فتحي: علاء الدين محمود

19 يوليو 1971م ليست أياماً ثلاثة سادت فيها بيارق الشيوعيين خفاقة، قبل ان تنتكس وسط عاصفة من النار والدم. ليتفرق الرفاق أيدي سبأ في أرض الخوف بين قتيل وشريد ومطارد ، فالقصة أعمق بذلك بكثير، لأن الوقائع لاتقفز فجأة هكذا أو دون مقدمات. لقد بدت 19يوليو للوهلة الأولى أشبه بـ(جوكر) يلقى على مائدة قمار ليحقق نصرا كاسحا أو هزيمة ساحقة، لكن الجوكر الذي ألقي هنا حقق المتضادّين بطريقة غريبة.
ود العطا بالنهار جاوطا
انقلاب هاشم العطا الذي خرج لـ(يصحح الخطأ وبـالنهار جاوطا) كما تحدثت الوثائق الامريكية : في الثانية ظهرا، بدأ إطلاق النار في قيادة القوات العسكرية في الخرطوم. وبعد نصف ساعة، تحركت قوات من مناطق أخرى في العاصمة المثلثة نحو القيادة. ثم أغلق مطار الخرطوم، وبدأت اذاعة امدرمان تذيع موسيقى عسكرية، وتقول إن هاشم العطا، سيلقي بياناً مهماً للشعب السوداني.وأغلقت الكباري التي تربط العاصمة المثلثة، لكن استمر هدوء عام في شوارع الخرطوم، مع تجمعات لناس في الشوارع، يريدون أن يعرفوا ما حدث، ويتبادلون الإشاعات. ووصفت هاشم بانه “انتيليجنت” (ذكي)، لكنه “سلباري” (زلق، غامض) في حين وصفت غالبية قادة الانقلاب بأنهم “أرثودوكس كوميونستز” (شيوعيون متعصبون).
مقدمات العاصفة
وبالفعل سقطت السلطة بين يديه كتفاحة ناضجة بلمح البصر، وبصورة لم يتوقعها اكثر الناس تفاؤلا اوتشاؤما ثم انهارت دفاعاته وتحولت إلى اثر بعد عين (كأن لم تغن بالأمس) . لقد بدت حركة يوليو أشبه بالحرب الخاطفة على نسق حروب الثورة الفرنسية “السرعة والمزيد من السرعة والسرعة دائما والجرأة والمزيد من الجرأة والجرأة دائما” .. ولم يكن الهدف من السرعة والجرأة احتلال المواقع فقط ، بل شل تفكير القيادة وإرباكها وإفقادها أعصابها وتوازنها في اللحظة المفتاحية للمعركة ، والشواهد التي تدل على شلل قيادة مايو كثيرة، فالدبابات تحركت في رابعة النهار محطمة كل النظريات الكلاسيكية في العلوم العسكرية التي تفضل بدء الهجوم مع آخر ضوء للنهار أو أول ضوء للفجر لإحداث المزيد من المباغتة. ثم اعتقال نميري وابوالقاسم وزين العابدين داخل حجرة نميري فيما أفلت خالد حسن عباس لأنه كان في مهمة خارجية.
ومن شدة ارتباك نميري صعد إلى ظهر المجروس ، حافياً في عزّ حر يوليو اللاهب إلى ظهر العربة وحده دون أن يأمره أحد بذلك. وفيما بعد سيتحول ارتباك نميري وابوالقاسم إلى شحنة عمياء طائشة تسفك الدماء بقسوة ووحشية وبطريقة أشبه بالسلوك التعويضي.
لكن يبدو أن النصر السريع الذي تحقق لم يكن سوى مقدمات العاصفة التي سرعان ما تحولت إلى إعصار مدمر كتب عليه أن يكتسح في طريقه رجال الصف الأول بالحزب والطليعة العسكرية من ضباطه. وأوشك أن يكتسح الحزب نفسه.
وسال الدم
ولم يرعوي نميري وسدنته من سفك دم من اتهِم او اشتُبه ويقلب القاعدة القانونية الشهيرة (الشك يفسر لصالح المتهم) إلى قاعدة مايوية أن الشك يفسر لصالح الثورة.. وهذا ما دعاه لإعادة أوراق المقدم بابكر النور مرتين حيث حكمت المحكمة الميدانية برئاسة القاضي تاج السر المقبول بالسجن (12)عاماً ولكن نميرى غضب من الحكم وأصر على حكم الإعدام وأمر بإعادة المحاكمة، فتمت الإعادة وصدر الحكم بالسجن عشرين عاماً. لكن نميري رفض الحكم الثانى أيضاً وألح على صدور حكم بالاعدام!! وهنا حمل القاضي تاج السر المقبول أوراق القضية إلى نميري وقال له :أنت تريدني أن أحكم عليه بالإعدام لكن البيانات المقدمة لإدانته لا تكفي لذلك فالمتهم لم يكن بالسودان ، وبالتالي لم يشارك بالتخطيط أو التنفيذ فكيف أحكم عليه بالإعدام؟! وطلب إعفاءه وأن يبحثوا عن بديل له في هذه المهمة وللأسف كان البديل حاضرا وجاهزا ويتمثل في المقدم صلاح عبدالعال مبروك ليحكم بما أمر نميري، حتى يبعد الشكوك القوية التي أشارت إلى أنه هو نفسه متورط في نفس الانقلاب الذي يحاكَم مدبروه آنذاك .
لكن لم يكن المقدم صلاح عبدالعال وحده كما يؤكد الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر في كتابه (مايو .. سنوات الخصب والجفاف): “اكتشفنا أن معاوية إبراهيم سورج عندما أحس بأن الشيوعيين قد استولوا على السلطة خاف على نفسه، وارسل برقية تأييد للانقلاب، يبارك ثورة التصحيح”ويمضي الرائد زين العابدين ليقول :إنه جرى استدعاء معاوية ومواجهته بتلك الرسالة، فاعترف على الفور بأنه كاتبها، وفعل ذلك تحت تأثير الخوف.
تحالفات جديدة
واللافت للنظر في انقلاب العطا هو الدور العراقي وتأييد حزب البعث له بشكل واضح ،مما أثار التساؤلات حول ذلك، فقد كان العراق هو الدولة الأولى التي تعترف بالحكم الجديد ولم يمض بعدُ على قيامه ثلاث ساعات، وأرسل طائرة تحمل وفداً رسمياً لتهنئة الحكام الجدد، وكان على متن الطائرة أيضاً العضو السوداني في القيادة القومية للحزب محمد سليمان الخليفة عبدالله ، ولكن الطائرة سقطت وتحطمت ومات كل من فيها، وتذكر الوثائق الأمريكية أن شكوك المصريين في هاشم العطا زادت ?بعد تأييد العراقيين القويّ له?
ونلاحظ هنا تراجع تحالف الشيوعيين والناصريين الذي سطع في انقلاب مايو وحل بدلا عنه تحالف الشيوعيين والبعثيين ، وبلغ العداء بين الناصريين والشيوعيين أن عبدالخالق محجوب عندما سئل عند اعتراضاته على المحكمة العسكرية قال إن رئيس المحكمة باستطاعته أن يؤثر على العضوين الاخرين. لانه ذو اتجاه سياسي وينتمي إلى تنظيم القوميين العرب.
خبطة على الرأس
وتمثل يوليو مرحلة الخبطة على الرأس ، وهنا تتداخل الأهواء فهناك من يتفهم الامر بأن ما حدث- مهما كانت قسوته- عارض أو دوار يمكن تجاوزه بالصبر والحكمة أو حتى بـ(السردبة)، لكن لابد أن تنهض لتعود إلى ساحة التنافس مرة أخرى لأن الحياة لا تتجمد عند لحظة بعينها ، مهما كانت قساوتها ودمويتها كما أسلفنا. كما أن عجلة التاريخ لا تكف عن الدوران.
وفي هذا تتساوى كل النحل والملل والدول والأحزاب وهنا تكمن القدرة الاستثنائية على استيعاب ماحدث، سيّما أن القوى المعادية لن تتركه وشأنه ، كما تنبئ تداعيات حادثة يوليو 1971م ،أن القوة المعادية قصدت ان تكون الضربة بتلك القسوة والعنف ولم تكترث لتحقيق تلك الرؤية للمجتمع المحلي أو الاقليمي أو الدولي.
قلق التساؤلات
ويقولون إن الهدف الابتدائي للحرب ، أيا كان نوعها ، هو تحطيم القوة العسكرية للعدو والهدف النهائي تحطيم إرادته، وفي يوليو 1971م نجح خصوم الحزب في تحطيم قوته وكانوا يطمعون ف إنهاء وجوده كليا ، لكنهم فشلوا بعد أن اجتمع بعض الأحياء من اللجنة المركزية الذين افلتوا من الموت والاعتقال وان لم يأمنوا المطاردة سرا وانتخبوا قائدا جديدا للحزب.
لكن قلق التساؤلات لم يتوقف إلا قليلا لكن حتى نكون منصفين فإن تلك التساؤلات اتخذت طريقها في بحر الحزب سربا قبل ذلك بكثير ، وبالتحديد بعد فاجعة حل الحزب الشيوعي في 1965م ثم تعمقت أكثر بفعل ما حدث في يوليو ، لكن كان هناك بعض الأمل ، مردّه تماسك الرفاق النسبي بالداخل وفي وجود الاتحاد السوفيتي الذي فجر انهياره السريع الأسئلة من جديد : أين الحقيقة؟ وماالعمل؟
وانقسم الرفاق الى تيارات منهم من تماسك، ومنهم من ضعف حتى كره الفكرة كلها اسمًا ورسما ومعنى ومبنىً.. لكن الحزب ظل ساكنا كأن الامر لايعنيه رافعا شعاره الأثير: المحافظة على جسد الحزب.
الغريب أن التركيز دائما على 1971م ولا يجيء بقصد الدرس والاستيعاب أو بقصد المراجعة وانما يجيء حملات بعد حملات لا توقظ مستقبلا ولا تقدم حلا لأن المستقبل والحل لا يتحققان باستغلال الماضي لابتلاع الحاضر، وانما يتحققان بتمكين الحاضر من هضم الماضي واستيعابه، لكن ما أكثر العبر واقل الاعتبار ، كما صح عن الإمام علي بن أبي طالب .
ديل أنحنا
وكما أسلفنا ، فإن يوليو كانت تقارب الإعصار المدمر ، ومن تجلياته أن الأحياء يصابون بارتخاء في الأعصاب أقربإلى الدوار ان لم يكن الإغماء. لكن خصوم الحزب اجتهدوا لتحويل الدوار العارض إلى غيبوبة دائمة، لاسيما اليمين المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين الذي بدأ ينعتق من الشرنقة حديثا لشعوره أن إزاحة اليسار عن طريقه تضمن له المنافسة على الساحة السياسية ، باعتباره الممثل الوحيد للقوى الحديثة بالمجتمع ، وبعد سنوات سيأخذ اليمين ذات النهج لازاحة أحد أبرز خصومه ،ونعني به زعيم الجمهوريين محمود محمد طه ، لكن بدعاوى مختلفة هذه المرة.
لكن حتى نكون منصفين فإن الحزب بقيادته الجديدة التي تولت بعد يوليو هالها ماحدث فرفعت شعارا واحدا لم تحِدْ عنه(المحافظة على جسد الحزب)، وأصحبوا كالمقولة المأثورة : عندما عاد الابن ذبح الأب الثور.. لكن يبدو أن حالة الشيوعيين بعد يوليو كانت عندما عاد الابن ذبح الاب الحزب الذي تجمد طويلا في محطة:
ديل أنحنا
القالوا فتنا
وقالوا مُتنا
وقالوا للناس انتهينا
كربلائية حمراء
حجم المراثي التي انهالت على الذين قضوا نحبهم رميا بالرصاص أو بالمشنقة بوجه عام، وعبدالخالق محجوب بنحو خاص أدخلت الحزب في حالة كربلائية لا تنتهي.
وفوق هذا كانت تلك المراثي كافية لتحويل قائد الحزب وروحه الملهمة من بطل عادي إلى بطل ملحمي وهؤلاء تصبح حيواتهم مصادر إلهام، على غرار مايحدث مع اتباع المذهب الشيعي فيما يتصل بذكرى الإمام الحسين أو بالإمام الغائب الذي لايملون انتظاره. وهذا الامر يحيل الرجل وتراثه الى مسألة اقرب للقداسة وتصبح كل حركاته وسكناته شيئاً لا يمكن المساس بها. وفي تلك خطورة بالغة ولعل تلك واحدة من مظاهر اختلاط السياسة بالقداسة التي انثالت من لدن الفتنة الكبرى بأن الجميع سادتنا وجميعهم صحابة و لنعصم منهم ألسنتنا بعد ان عصم الله سيوفنا منهم. وبهذا يلتبس التاريخ قديمه وحديثه.
لكن المحنة الكبرى تجلت في أن المراجعة لم تجرِ بالطريقة المثلى ، فقد وقف الحزب حيال ماحدث في منزلة بين منزلتين ” تهمة لاننكرها وشرف لا ندعيه” لكن الثابت أن الحزب الشيوعي تبنى موقفا استراتيجيا ضد الانقلابات العسكرية في أعقاب تلك الاحداث، والعودة الى استراتيجية العمل الدؤوب بدلالاتها البالغة على الصبر والتفاؤل. لكن ظلال المحنة ظلت باقية.
محنة اليسار
يقول د. عبدالله علي ابراهيم : محنة اليسار لا توقد لها نار. وقد تفادى الحزب الشيوعي إدامة النظر فيها في التحضير للمؤتمر الخامس بما يشبه الطيلسان. فتواتر عنه بأنه سيسقط الماركسية من حسابه ، وأحزن ذلك قوما وأسعد قوما ثم لم يفعل. واحتسب تلك عزيمة منه وإصراراً على العقيدة. ولكن لم يكن ذلك سوى ألعاب نارية. فلم نر للماركسية، التي هي في عبارة لينين، التحليل العياني للواقع، أثراً، أما أفجع ما حصل فهو أن الحزب عزا المراجعة لتهافت الماركسية العالمي. ولم يزد بذلك أن جعل من نفسه حزباً عميلاً ودرويش ماركسية : إن صحّت الماركسية عند السوفيات صحّت عندنا وإن خابت خبنا!!
ذروة “السردبة”
ونسى الحزب الشيوعي أنه وطني، وهذه صورته الغراء في عيون الكادحين. كان يتبلغ الماركسية (أو ما سماه استاذنا عبد الخالق محجوب عمومياتها) ولم يخض فيها خوض العارفين بعد. بل ربما كانت لحظات الحزب الباهرة جداً هي أنه، وعلى مرتين رفض بأباء ماركسية السوفيات وتمسك بما عرفها منها وهو استقلال الإرادة في تحليل وقائع مجتمعك فلا ترهن نفسك بما يطرأ ل”الأخ الكبير”. وهكذا كان المؤتمر الخامس مجرد نقض “للقالو فُتنا وقالو متنا وقالوا للناس انتهينا”. كان ذروة “السردبة” للحزب الذي ظل يأكل ناره لعقود بلا تلطيف من نظر ماركسي حقيقي. فالحزب الآن كما هو منذ فترة هو حزب “المسؤول التنظيمي” البشيل فوق الدبر ما بميل: يوسف حسين، سليمان حامد، المرحوم عبد الحميد علي، صديق يوسف. أكثر الناس بذلاً وزهادة وتضحية ولكن “ماركسية ما في”.
طبقات ايه؟!
ومن المفارقة أن يكون هذا حال اليسار الماركسي، بينما المجتمع يتفتق ماركسية كما لم يحدث من قبل. كانوا يقولون لنا زمان طبقات إيه وكلنا نأكل الكسرة من أبو العلا إلى سعودي دراج ؟ من يجرؤ أن يقول هذا اليوم لينفي انقسام المجتمع إلى طبقات؟ كانوا يقولون لنا جنَّكم إقتصاد ..اقتصاد فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وكلام بطيخ كثير. قالوا لنا أين مكان الأخلاق عندكم ؟ ألا تضعون لها إعتباراً؟ وأنظر اليوم جرسة سعاد الفاتح عن الأخلاق المعروف جذرها. كان يقولون لنا العلمانية ما بتنفع لأنها تفصل الدين عن الدولة وانظر من يقبل على قولنا القديم باسم قيام الدولة المدنية. هي هي واللفظ سالم.
ويضيف د. عبدالله : إن مجتمعنا وثوران قضاياه تستصرخ الماركسية. لو كان الحزب ماركسياً حقاً ينظر إلى الأساس المادي للظواهر لقدّم أجلّ خدمة لقضية دارفور. فبعد سنوات من الترويج لعنصر الثقافة أو العرق (عرب وأفارقة) لتفسير نزاع الولاية يعود الناس إلى التحليل المادي فيتكلمون عن الحواكير وبنياتها السياسية والإدارية. ومن المؤسف أن الحزب خاض خوضاً عجيباً في موضوع العرق في دارفور بغير كتاب مبين ، كما بينت في كتابي “أصيل الماركسية: النهضة والمقاومة في ممارسة الحزب الشيوعي”.
الخرطوم ليست موسكو
ويمضي د. عبدالله ليقول: يحارب الحزب مثلاً باستماتة الإنقاذ ، لا بوصفها نظاماً طبقياً (سوى قوله إنها الراسمالية الطفيلية بما يشبه النبذة لا التحليل المتصل) بل كنظام كيزاني ، وهذا من وحي كادر الطلاب في الحزب الذين لا يرون في الدنيا من يستحق الحرب سوى الإخوان المسلمين. لقد حملوا الأمة جمعاء لترى الواقع المعقد بمنظار خصومات الجامعات وسيخها وخرطومها التي ليست موسكو.
وسبب هذا الزوغان من التحليل الطبقي الملموس أن الحزب منذ انقلاب 19 يوليو كفّ أن يرى الانقلاب أداة البرجوازية الصغيرة للسلطان، كما فعلنا بقوة في تحليل انقلاب 25 مايو 1969. ولولا ذلك التحليل، الذي ميزنا صفوفنا من صفوف نميري والبرجوازية الصغيرة، لصار علينا الذي صار لجماعة المرحوم أحمد سليمان ممن تفرقوا أيدي سبأ.
ولذلك لم ير الحزب في انقلاب الإنقاذ البرجوازية الصغيرة التي من ورائه، وقد تقمصت إيديولوجية إسلامية بعد أن باخت إيدولوجية يسار الستينات. لقد استخف بالحزب “البناء الفوقي” الإسلامي واكتفى به دون النفاذ إلى أساسه الطبقي الحق. وكان أستاذنا عبد الخالق محجوب أخذ على الحزب في تقرير المؤتمر الرابع أنه حارب نظام عبود كنظام عسكري لا كنظام طبقي أداته العسكرية. ولذا لم يفحص قواعده الطبقية بعزيمة. كان ذلك في 1967. والحزب لم يتعلم ونسي.
ونق لفت
واخير ? والحديث لايزال لعبدالله – : جاء طارق الأمين قبل أيام بأبيات من الدوباي نافعة. ومنها”والبندر فوانيسو البووقدن ماتن”. وهذا حال اليسار الشيوعي، فانوس البندر بغير منازع للأربعينات وحتى الستينات. يا حليلنا. إن اليسار في أزمة لا حل لها سوى إعادة اختراعه. فمشكلة كرة القدم في السودان، كما وصفها قريب الدكتور مهدي بشري، “ونق لفت”. وكذلك مشكلة السياسة. وفيما بعد سنتحدث طويلا كيف خسرت السياسة السودانية من محاولات عزل “الونق اللفت” وتضييق الخناق عليه ، الذي افترعها نميري بتدبير مكير من الترابي وشيعيته وبلغ ذروته بعد سيطرة العناصر اليمينية على مقاليد السلطة في السودان في 30 يونيو 1989م.
الحلقة القادمة .. ضاقت واستحكمت حلقاتها

التيار

تعليق واحد

  1. انا اصلا ارى بلاء السودان في الشيوعين والاخوان , ما يسمى بالفكر الماركسي هو نبيح يلمس حال الوافع بالكلام الفارغ المواسي لظروف الناس الصعبة وخلاصة يجب على الحزب الشيوعي ان يفير اسمه ويكون حزب اشتراكي .

  2. السؤال بعد الحلقات الخمس ومجموعات من البرامج المتخصصة في اليسار السوداني عموما والشيوعيين والحزب الشيوعي بصفة خاصة مثل (مقاربات) و(فلاش باك) و(اعترافات) هل هي مقدمة لشئ ما (يطبخ) في الخفاء ؟ علي الاقل القصد الاولي :واضح . اخماد جزوة الكفاح ضد المنظومة الحاكمة السائدة .ما يسئ الي من يقومون بهذه المهمة هو استغلالهم للظروف وقلب الحقائق الي اكاذيب دون اي وازع اخلاقي فان كانت (السردبة) لا تعجبهم فانا تعجب اليساريين كلهم لانه لا بديل الا السردبة فالمقاومة وفي التاريخ الحديث ومنذ الجبهة المعادية للاستعمار ظل الشيوعيون والديمقراطيون هم وقود المقاومة ضد الدكتاتوريات دون ادني مساومة ولهم القدح المعلي في بذل الجهد والكفاح والمبادرة والدفاع عن الحريات والحقوق ودفعوا مقابلها قطع الرقاب والارزاق والحرمان من الحرية بالسنوات من السجون والمعتقلات ولن تلين لهم قناة والي ارسال الاوباش الي مذبلة التاريخ كما اعتادوا دائما وابدا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..