هل ينجح السلفيون في إحداث التغيير الثقافي ؟ا

هل ينجح السلفيون في إحداث التغيير الثقافي ؟
رشيد خالد إدريس موسي
[email][email protected][/email]
في الوقت الذي تسعي فيه بعض المجتمعات إلي التحرر من إسار التفكير السلفي و الإنفتاح علي حياة العصر, تشهد بلادنا تراجعاً في الحريات العامة و الإتجاه إلي نشر الفكر السلفي, بدعوي محاربة التصوف و كأن مشكلات البلد تكمن في هذه الصوفية, و كأن هذه الصوفية رجس من عمل الشيطان.
و أتساءل : من أين أتي هؤلاء القوم الذين يدعون أن حياة السودانيين فيها من الشرك ما فيها. و أن السودانيون يزورون الأضرحة و يحتفلون بالمولد النبوي و يذبحون لغير الله, ألخ من هذه الدعاوي التي يدعيها القوم ؟ لكن لم يقولوا لنا, أن السودانيين , أناس مسالمين, يتميزون بحسن الخلق و المروءة. يؤدون واجباتهم الدينية كما ينبغي أن تؤدي, إذ يصلون و يصومون و يزكون و يحجون ما وسعتهم الحيلة. يعيشون حياة أقرب إلي الزهد و يفطرون بالبليلة في رمضان الغائظ. يكرمون ضيفهم و يذودون عن حياضهم, ألخ من الصفات النبيلة التي يتصف بها السودانيين و التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب المسلمة الأخري. إذن من أين إكتسب السودانيين هذه الصفات السمحة ؟ أقول و بدون تردد , أنها نتاج تمازج الصوفية و البداوة, التي أنتجت لنا هذه الشخصية السودانية التي تبدو متفردة, حين مقارنتها بغيرها. أوليست هذه الصفات السمحة مما كان يتصف به السلف الصالح ؟ لا أزعم أن السودانيون يرتقون إلي مصاف السلف الصالح, الذي عاش في فجر الإسلام, لكن أرني شعباً يتميز بهذه الصفات النبيلة ؟.
و من المعلوم , أن الإسلام إنتشر في بلاد السودان عن طريق التصوف و بالحسني, إذ لم يشير التاريخ, أن دماً أريق في سبيل نشر دعوة الإسلام في هذه البلاد. و قد كان للطرق الصوفية دور رائد و فعال في نشر الإسلام في هذه الربوع. كان شعار الصوفية في التعامل مع الآخر ( الكلمة الهوينة و الكسرة اللوينة ) . أوليس هذا مصداق لقوله تعالي (أدع إلي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن) ؟ و الشاهد, أن أثر التصوف لا زال باقياً, يرسم ملامحه في وجه الشخصية السودانية, كما أسلفت. إذن ليس بمقدور أحد أن يلغي هذا التراث ضربة لازب, كمن يصارع طواحين الهواء و القول, أن ما يمارسه السودانيين خطأ, و يبيح لنفسه أن يستخدم القوة لتغيير مفاهيم الناس, إن كان هناك خطأ يقع فيه الناس في بلادنا؟ هل سليجأ هؤلاء القوم إلي إستخدام هذا الإسلوب الخشن , أم يتعين عليهم أن يستخدموا الموعظة الحسنة في دعوتهم إلي الإصلاح الإجتماعي ؟ يقول تعالي في محكم تنزيله ( و جادلهم بالتي هي أحسن ). عجبت حين قرأت أن أحد الأئمة في أحد مساجد الخرطوم, زجر أحد الفنانين, وقف في الصف الأول للصلاة, و أمره أن يرجع إلي الصف الأخير بدعوي أنه فاسق! كيف عرفت أنه فاسق ؟ و إذا تأكد لك فسوقه, هل تستخدم معه الشدة و تزجره, أم تستخدم معه اللين و ترغبه في الطريق الصحيح, ليقلع عن الخطأ ؟ هل نرغب الناس في المسجد و إقام الصلاة, أم ننفرهم عنه بدعوي أنهم فاسقين ؟ قرأت في ( ذيل طبقات الحنابلة ) تراجماً لبعض الناس, هداهم الله فأصبحوا محدثين. و منهم عبدالرحمن بن النفيس و هو من الحنابلة. كان في أول أمره مغنياً و كان ذا صوت حسن, ثم تاب و طلب العلم و صار من أئمة الحديث. و منهم عبدالله بن أبي الحسن الجبائي. كان نصرانياً و كان أهله نصاري, بل كان أبوه من علماء النصاري و كانت النصاري تغلو فيه. لكنه أسلم و حفظ القرآن و طلب العلم و صار محدثاً. و كذلك, نصر الدين أحمد بن عبدالسلام. كان قاطع طريق. قال عن سبب توبته, أنه كان ذات يوم في أثناء قطعه للطريق مضطجعاً تحت نخلة, فرأي عصفوراً ينتقل بين نخلتين بإنتظام, فعجب و صعد إلي إحدي هاتين النخلتين, فرأي حية عمياء و العصفور يلقي لها الطعام. تعجب من ذلك و تاب من ذنبه و طلب العلم و سمع الكثير و سمع منه خلق كثير, فتأمل يا هذا !
و من المعلوم, أن أكثر الجوانب تعقيداً في حياة المجتمعات البشرية ,هو الجانب الثقافي. و بالتالي تبدو عملية التغيير صعبة, لا يفلح معها إسلوب القوة و القهر, أو ما يسمونه التغيير الثوري Revolutionary change. و هذه قد تأتي بنتائج عكسية لما كان مخطط إحداثه, إذ لن تصلح القوة و الإكراه في تغيير معتقدات الناس و سلوكهم. و دوننا ما حدث في الصين الشعبية, في عهد الرئيس ماو تسي تونغ, و هو ما سموه ( الثورة الثقافية ). كنا نقرأ و نحن صغار مجلة ( بناء الصين ) و لكن أي بناء ؟. لقد حدثت مآسي في هذا البلد بفعل الثورة الثقافية, و من ذلك أن أجبر المدير علي إرتداء الزي الذي يرتديه الخفير, أي ( يونيفورم) و زالت الحدود بين فئات المجتمع بإسم الإشتراكية و إنعدم الإحترام بين الناس. هذا عين ما فعله نظام الإنقاذ في بلادنا, في بداية عهده, إذ إبتدر ما سموه ( إعادة صياغة الإنسان السوداني). لا أدري ماذا كان المقصود بهذا الشعار الكبير؟ و هل كان الإنسان السوداني في حاجة إلي إعادة صياغة, أم هي مجرد أفكار تنظيمية تم إقتباسها من جهات أخري و محاولة تطبيقها علي أرض الواقع دون روية و إعمال فكر ؟ لم يجد هذا الشعار طريقه للتطبيق علي أرض الواقع, ذلك أن الناس في بلادنا يعيشون حياتهم في هدوء , و يمارسون شعائرهم الدينية كما ينبغي. و إذا كان هناك ثمة ممارسات خاطئة, فإن علاجها يتم عن طريق نشر التعليم و بث الوعي . هذا متروك لعامل الزمن و هو كفيل بعلاج هذه الممارسات الخاطئة. و فعلاً زالت كثير من هذه الممارسات التي كان يمارسها الناس فيما مضي من زمن. حدث هذا بفضل التعليم و الوعي. زرنا في صغرنا القباب, في بلدنا في دنقلا العجوز, كما زرنا آثار العصر المسيحي, و هي أعمدة أقيمت في مستوي النيل, علي شكل هندسي بديع, تروي عن حياة تلك الحقبة الموغلة في القدم. و هي و غيرها آيات لقوم يتفكرون. لم يقل أحد أن هذه أوثان تعبد , بل هي عبارة عن مجرد آثار خلفها الأقدمين. هل نحمل المعاول غداً لنهدمها, كما فعلت طالبان بمعبد بوذا و المقام منذ عشرات السنين؟ ليس شرطاً أن يكون الوثن بناءً شاخصاً يعبد, كما كان يفعل المشركين في الجاهلية, و إنما قد يتمثل الوثن في نمط التفكير الذي يحجر العقل و يجعله يدور في دائرة معينة لا ينفك عنها, و يجعل البعض يدورون و يكررون حديثهم في مسائل أولية و معلومة من الدين بالضرورة, بدل من تناول المسائل التي تهم المسلم في دينه و دنياه و تلهمه لكي يبدع و ينطلق إلي الأمام. و كذلك زرنا النيل عند ختاننا, و شربنا من ماء النيل و تبركنا. حدث ذلك منذ أكثر من أربعين سنة خلت. أما الآن, فقد زالت هذه الممارسات و لم يعد لها وجود في المنطقة. هنا يبدو أثر التعليم و الوعي, في حياة الناس.
هل نقول, أن ما يحدث من نشاط للإتجاه السلفي , في بلادنا, هو رد فعل لفشل المشروع الحضاري الذي دشنته الإنقاذ, في بداية عهدها و هدفت من ورائه إلي إعادة صياغة الإنسان السوداني كما بدا لها ؟ و هل نقول, أن ما حدث في مصر عقب هزيمة يونيو 1967م و فشل المشروع الناصري, سيتكرر في بلادنا بإسلوب آخر ؟ كان أولئك الشباب, قد تأثروا بكتابات سيد قطب حول جاهلية القرن العشرين و غيره من كتاباته. و عندما خرجوا من المعتقلات , عمدوا إلي مفاصلة المجتمع و تكفيره. لكنهم دخلوا في مراجعة فكرية, بعد أن إتضح لهم خطأ الإتجاه الذي يسيرون فيه, و أن سيد قطب كتب ما كتب و هو متأثر بظروف زمانه و الواقع الذي كان يعيشه. هذا إضافة إلي إسلوبه الأدبي الذي ينساب مدراراً و تبدو فيه العاطفة في مخاطبته لقرائه.
لقد خرج الشباب الذين يتزعمون هذه الحركات السلفية من سجن آخر, هو سجن الفكر. و هو أخطر أنواع السجون, ذلك أن هذا الإتجاه السلفي يرمي إلي تأطير المجتمع في إطار معين ووضعه في قالب معين و العودة به إلي حياة السلف, حتي و إن أدي هذا إلي إيقاف عجلة الزمن. لكن هل بمقدور أحد أن يوقف عجلة الزمن عن الدوران ؟ يقول تعالي في محكم تنزيله ( و جعلنا الليل و النهار آيتين, فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة, لتبتغوا فضلاً من ربكم و لتعلموا عدد السنين و الحساب و كل شئي فصلناه تفصيلاً ) سورة الإسراء : الآية 12.
الصوفية دين قائم علي البدع والمحدثات التي لم تثبت عن النبي ولا اصحابه وتجدهم يبجلون شيوخهم ويقدسونهم ويستقون دينهم من شيخهم فقط لا يقرأون الكتب لذلك تجدهم اجهل الناس علما بالدين
التصوف كمُسمى لا كاسم,أي “كمضمون تجريبي” هو مقام الاحسان من الاسلام الذي ورد في حديث جبريل المشهور حيث ينتقل العبد من مقام الايمان بالغيب إلى مقام شهود الغيب (أن تعبد الله كأنك تراه) .وهذا لايتأتى إلا بتصفية القلب وتخليصه من كثير من السحب المتلبدة عليه. ذلك أن التكاليف الشرعية منها ما يتعلق بالأعمال الظاهرة على شكل مأمورات كالصلاة والزكاة والحج… أو منهيات كالقتل والزنى والسرقة… ومنها ما يتعلق بالأعمال القلبية على شكل مأمورات كالإيمان بالله وملا ئكته وكتبه… وكالإخلاص والصدق والتوكل والخشوع… أو منهيات كالكفر والنفاق والكبر والحسد والغرور… والأعمال القلبية أهم من الأعمال الظاهرة لأن في فساد الأولى إخلال بقيمة الثانية مما يبعد العبد عن مشاهدة مولاه. ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يهتم بإصلاح قلوب صحابته ومعالجتها مما قد يعتريها من أمراض باطنية .وهو القائل ( ص):” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”. كما قال أيضا( ص):” إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم”. فالتصوف اهتم إذن بالجانب القلبي ورسم الطريق المؤدي إلى أرقى درجات الكمال الإيماني والخلقي الذي به يتحقق مقام الشهود( أن تعبد الله كأنك تراه).فيكون إذن هو روح الإسلام و قلبه النابض و إلا استحالت أعمال المؤمن إلى طقوس تعبدية وأعمال ظاهرة لا تنجلي بها عن مرآة قلبه سحب الأغيار و الأكدار التي تحول بين العبد و ربه . الدليل من القرآن: 1) قوله تعالى:” قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و بطن”. سورة الشعراء آية 88-89 2)قوله تعالى :” ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن”.سورة الأعراف آية 33. الدليل من السنة: -كل الأحاديث وهي كثيرة التي وردت في النهي عن الأمراض الباطنية كالكبر والحسد والرياء إلخ…والتي تعتبر حجبا ظلمانية على عين القلب تمنعه من شهود الحق -عن عمر (رض) قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى ابي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ثم انطلق. فلبث مليا، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم” (رواه مسلم). أقوال العلماء . قال الإمام الغزالي :الدخول مع الصوفية فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام