أخبار السودان

كيف أضر الإسلام السياسي بالإسلام؟

أمال موسى

صحيح أن الدين الإسلامي أكبر من أن ينجح أعداء الإسلام في تشويهه، وأن كل إساءة لا تلزم إلا أصحابها، ولكن في نفس الوقت، هناك بعض الحقائق تفرض نفسها، ومن باب الموضوعية النظر فيها والإنصات إليها.
ومن هذه الحقائق، أن الإسلام السياسي في الفضاء العربي قد جنى على صورة الإسلام في العالم ومرر أيضا رسائل تضليلية إلى المجتمعات العربية الإسلامية، وتحديدا فئة الشباب، المعروفة بجنوحها الطبيعي إلى البحث عن الهوية والتمايز عن الآخر.
لقد فشل الإسلام السياسي في استثمار الرأسمال الرمزي الحقيقي للإسلام، وابتكر لنفسه مفاهيم وأفكارا مُنحرفة عن مقاصد الدين الإسلامي، علاوة على أن الواقع والتجربة أثبتا معا، أن الإسلام السياسي يُوظف الإسلام في مآرب سياسية محضة، مستغلا الشعور الديني في عملية التعبئة الشعبية.
لذلك، فإنه يبدو لنا أن الإسلام السياسي أضر بصورة الإسلام وحجب عنه صورته الحقيقية ومعانيه اليسيرة العقلانية. وهنا نسجل أكبر أخطار الإسلام السياسي، التي تجعل منه بالفعل عبئا ثقيلا، ما فتئت تداعياته تتراكم.
وكي لا يكون كلامنا أشبه ما يكون بإلقاء التهم جزافا، سنضربُ مثالا الفكر الإخواني والمفاهيم الخطيرة، التي يقوم عليها، والتي استثمرتها أيضا التنظيمات المتشددة ذات المشروع السياسي، باعتبار أنها تهدف إلى إقامة ما تصفه مغالطة بالدولة الإسلامية.
تقوم المرجعية الإخوانية على مجموعة من المفاهيم المركزيّة، أهمها مفهوم الحاكميّة وفكرة «جاهلية القرن العشرين»، وأيضا مفهوم الإسلام الشامل. بالنسبة إلى مدى تبني مفهوم الحاكميّة، فإن حركة الإخوان تكشف عنه أولا من خلال منهاج الفهم الذي تعتمده، وأيضا بشكل علني ومباشر من خلال كثافة تواتر مقولتهم «القرآن دستورنا والرسول قدوتنا». فهو منهاج إحيائي يلغي أي دور للعقل في تقديم اجتهادات في مجال تأويل النص الديني، وهو ما يفصح عنه خطاب سيد قطب أحد الرموز المؤسسة لجماعة الإخوان المسلمين.
ويعني مبدأ الحاكميّة في كتابات حسن البنا الخضوع لـ«سلطان الله وحاكميته وشريعته وحدّه في كل شأن من شؤون الحياة». ويحملنا شرح مدلول مفهوم الحاكمية مباشرة إلى كشف التصور الشمولي لمنهج «الإخوان» في فهم الإسلام، ذلك الفهم الذي يؤكد أصحابه اختلافه عن الأفهام الأخرى للإسلام، بدليل أن الإمام حسن البنا، قد وضع في إحدى رسائله المعنونة بـ«رسالة التعاليم» بروتوكول فهم الإسلام من خلال ما يُعرف بالأصول العشرين التي تُحدد أركان البيعة وتُعتبر – أي الأصول العشرين – «الأرضية الفكرية الدّينيّة التي تقوم عليها الجماعة في كل مكان». ونجد على رأس قائمة الأصول العشرين هذين المبدأين الأساسيين الأولين:
الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة.
القرآن والسنة المطهرة المرجع الوحيد لكل مسلم في التعرف إلى أحكام الإسلام. وإلى جانب مبدأ شمولية المنهاج الإسلامي للحركة وإطلاقية مبدأ الحاكميّة بمعنى مركزية النسق العقيدي في فكر الحركة، فإن فكرة الجاهلية، تُعد مقولة رئيسية في تحديد معالم تصوّر «الإخوان» للعلاقة مع الواقع الحاضر ومشكلات العصر، وأيضا كيفية التفاعل مع الآخر مرجعيات وأفكارا.
يُوضح محمد قطب في كتابه «جاهلية القرن العشرين» بإطناب وافر المقصود بـ«الجاهلية»، فهي «ليست فترة تاريخية مضت إلى غير رجوع، إنما هي جوهر معين يمكن أن يتخذ صورا شتى بحسب البيئة والظروف والمكان.. وهي ليست المقابل لما يُسمى العلم والمعرفة والحضارة والمدنية والتقدم المادي والقيم الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية أو الإنسانية.. إنما الجاهلية حالة نفسيّة ترفض الاهتداء بهدى الله ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله». ومن ثمة، فإنه طبقا لهذا التصور للجاهلية، فإن كل الحضارات والثقافات التي «لا تهتدي بالهدى الرّباني»، هي في حالة جاهلية، بل إن ما يُسميه محمد قطب الجاهلية الحديثة، هي «جاهلية العلم والبحث والدراسة والنظريات جاهلية التقدم المادي المفتون بقوته المزهو بما وصل إليه من آفاق.. والجاهلية التي تفتن الناس باسم التقدم والتطور والحضارة والمدنية».
ويتبين لنا من مركزية مفهوم الجاهلية في التراث الإخواني، الصيغة الأساسية في التصنيف: الإسلام أو الجاهلية. ومن هذه الصيغة تتشكل الصيغة الجوهرية في البناء الفكري الإخواني: الإسلام الشمولي هو الحل.
ففي ضوء هذه المفاهيم والوحدات الدلالية المركزيّة، تُبنى مرتكزات المنهج الإسلامي الإخواني.
لقد أسست هذه المفاهيم، التي تغلغلت في غالبية مكونات مشهد الإسلام السياسي في البلدان العربية لظاهرة التطرف، وذلك من منطلق كونها جوهر الفكر الإخواني وعموده الفكري الأساسي، وهي كذلك عبارة عن ترخيص ديني لمقاطعة العصر والإغراق في الماضوية ومحاربة الآخر، بما أنه يمثل الجاهلية الجديدة. وحتى عندما اضطرت الحركات الإخوانية إلى «تلطيف خطابها» والتنكر لبعض أفكارها الأولى، وذلك من باب ضمان المشاركة السياسية، فإن الإسلام السياسي الراديكالي الذي تربى على مرجعيات الفكر الإخواني ومرجعياته المؤسسة له، قد تمسك بها وأعلن استنادا إلى أدبياتها «جهاده» التكفيري.
هكذا نرى ما ألحقه الإسلام السياسي بالإسلام من أضرار طالت في البدء المفاهيم والأفكار.
الشرق الاوسط

تعليق واحد

  1. اتوقع ان يرد اوان السودان على كاتبة المقال بالاتي وبالسوداني
    كدي اول حاجة غطي راسك المكشوف وتعالي اتكلمي

  2. يا سيدتي
    دعينا مما يحدث وسوف يحدث في هذا الفرن ودعينا نركو قليلا فيما حدث في القرن السابع او بعد وفاة سيد البشر الرسول الكريم محمدا عليه افضل الصلاة والتسليم ماذا أصاب الإسلام بعد ذلك
    كثير من المصائب التي اسهب في الحديث عنها الباحثين والمؤرخين والتي أصرت بالإسلام
    اهد بني اميه الذي ظهر فيه التشيع ومن بعده العهد العباسي الذي أسس لتقوية السنة ومن بعد الفاطميين الذين اعادوا الكرة الي عهد التشيع ثم تسلط الاتراك بعدها ومن خلال متابعة الغرب الصليبي للدرك الذي وصلت اليه حالة الإسلام والمسلمين بدا ذلك الغرب في التخطيط للهجمة الشرسة علي السلام وتم الغزو الصليبي الذي نعرف كلنا نتائجه الي يومنا هذا
    وعلي الرغم من ان حالة الإسلام والمسلمين اليوم لا يمكن مقارنتها علي الاطلاق بالحالة التي تركهم عليها الرسول الكريم علي الرغم من ذلك نجد ما يسمي بالإخوان المسلمين والتنظيم الدولي للمسلمين والمتفرعات منه مثل داعش والقاعده والنصرة وغيرها من المسميات نجدهم يسيرون علي نفس نهج او خطي الغرب الصليبي عندما غزي ذلك الغرب دار الإسلام فهم يريدون نشر السلام في ديار المسلمين بدلا من نشرها في ديار الغرب الصليبي
    فهل يجوز لنا او لغيرنا ان يسمي الأشياء بغير اسمائها ويقول ان داعش او غيرها من اخواتها الاخريات هي حركات جهادية وليست راس حربة لبداية غزو صليبي
    انا شخصيا لا يمكنني ان اعتقد ان داعش واخواتها هم أي شيء اخر له علاقة بالإسلام بل انهم بداية لغزو صليبي علي ديار الإسلام خطط له بدقة فائقة ودربوا بمهنية عالية ليكونوا راس الحربة علي الفزو الصليبي علي بلاد الإسلام التي وجدها الغرب الصليبي في اسؤا حالات الضعف والهوان والتشرذم والانحلال كما وجدها الغرب الصليبي في نهايايات القرن السابع

  3. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59

    ‎أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
    ولن أنظق حرفا من عندي لسببين ..
    الاول: أنه من أراد موعظة فالقرءان يكفيه.
    ثانيا: عايز أقطع ألسنة أصحاب الاتهامات الجاهزه الذين يتهمون كل من كتب من أجل ان تكون كلمة الله هي العليا فانه سيتهم بانه متطرف او متدعش أو متكوزن .. مع أنه متكوزن هذه لامكان لها من الاعراب .. اذ قد أفهم معني الاتهام بالتطرف أو التدعش ام الاتهام بالتكوزن في أمور الدين فعلا لا مكان له من الاعراب!!! اذ ما علاقة الترابي واشباهه بنصرة الدين وأهله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..