عفواً الأستاذ فاروق أبوعيسي للأخطاء ظلالها..!!

عبدالله مكاوي

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت النية تتوجه نحو الإبحار في عوالم حميد وذكري رحيله الفاجع، ولكنها وكما السفينة تايتنك، إرتضمت بجبلٍ جليديٍ ضخم، غيَّر من وجهتها، إن لم يشطر النفس لنصفين من الحسرة والألم! تعبيرا عن شدة الأسف للوقوع في خطأ جسيم، يتمثل في الخلط بين قامتين نضاليتين، نكن لهما كل تقدير، وهما الأستاذ الفارس فاروق أبوعيسي، رئيس تحالف قوي الإجماع الوطني المعارض للنظام، والمعتقل الآن! والعميد عبدالعزيز خالد، رئيس حزب التحالف الوطني السوداني، وقائد كتائب المقاومة المسلحة والنضال الوطني، ضد نظام الإنقاذ الطغياني، والمطارد من النظام في الداخل والخارج في فترة من الفترات. ومعلوم سلفا تاريخ ومساهمات ونضالات الأستاذ فاروق أبوعيسي، سواء داخل الوطن او علي نطاق الإقليم العربي، وعلي إمتداد مسيرته، التي إختلط فيها الخاص بالعام، لتصبح كلها عام! أي عندما تنفتح حياة الفرد الخاصة، علي الوطن وقضاياه وشواغله العامة! وبتعبير آخر، عندما يحتوي الفرد الوطن ويتماهي الوطن في الفرد، فطوبي للوطنيين العموميين. وهو ما لا يحتاج الي إعتراف من أحد، بقدر ما يحتاج الي عرفان وتقدير من كل أحد، أي يستحقهما عن جدارة من الجميع كأفراد ومن الوطن كإعتبار. ومصدر الأسف والشعور بالذنب، ليس في إقتراف الخطأ عن غير قصد، ولكن بالتحديد لأن الوقوف معه في محنة الإعتقال المجحف، وهو المريض والمهموم بالشأن السياسي العام، ضاق وإنحسر لمجرد التضامن المعنوي معه من علي البعد! ولكن أن تشوب هذه الروح التضامنية، شبهة الإهمال والنقص والتقصير المخجل، وبغض النظر عن أسبابها او عفويتها، فهذا ما يصعب إحتماله، ويضيف للخطأ، الحسرة والألم الممض! وهو ما يستدعي المزيد من الحرص والتدقيق في مقبل الأيام، إذا كان في العمر بقية وتهيئة الظروف ولم ينضب المعين. ولكن دون الوعد بالإمتناع، وذلك لأن كثرة الحذر نفسها جالبة للأخطاء بالجملة، فوق ضغطها النفسي وأطياف الإرهاب الهائمة في سماء الحذر الشديد!!
من أجل ذلك وغيره، لنحوِّل هذه المناسبة الإعتذارية، الي فرصة جعل هذا الخطأ، مدخل لمناقشة مفهوم الخطأ في بيئتنا المحلية، وآثاره علي مجمل الحياة والنشاطات، السياسية والإجتماعية منها بخاصة. للأسف إرتبط الخطأ في ثقافتنا السودانية، بالإثم او الذنب او الجرم او الحرام! وهو ما ترتب عليه الخوف من الوقوع فيه، وهذا بدوره شل القدرة علي الحركة والفعل والمبادرة، او ما يمكن تلخيصه في الإحجام عن المحاولة! علما بأن هذه المحاولة، بقدر ما هي حق فردي وإنساني لتحقيق الذات، ومن ثم المساهمة في الحياة ووضع البصمة الخاصة عليها، بقدر ما هي المحرك الفعلي للتاريخ! أي دفع الحياة الي الأمام وتخليصها من عقباتها وإشكالاتها المتجددة كل صباح! في هذا الإتجاه، يصبح فعل المحاولة مرادف لإيجابية الإنسان، بعكس عدم المحاولة او الخوف من المحاولة المرادف للسلبية، والتي تشكل في طور متقدم منها، الهامش علي دفاتر التاريخ، إن لم تكن خصما علي الحياة والأفراد! والخوف من الخطأ نفسه يتمظهر في صور أخري، كالخوف من الفشل، المرتبط بدوره بالخوف من الآخر! وكلها جالبة لنقصان الثقة بالنفس، وهي بدورها المحرك الفعلي، للنجاحات والإنجازات الفردية والجماعية. في هذا المعني، أصبحت الشخصية السودانية(التعبير متجاوز ولا يعبر عن الحقيقة ولكنه يقرب المعني) متسمة بهذه الخصيصة(نقصان الثقة وتضخيم المسؤولية والمكابرة) ليس في الداخل فقط! ولكن علي المستوي الإقليمي بخاصة(( وقد يكون أحد أسباب الهجوم الكاسح “اللاواعي منه خاصة”، علي فوز الروائي السوداني الشاب، حمور زيادة بجائزة نجيب محفوظ “علما بأنني لم أطلع عليها” يرجع تحديدا للإحساس المسبق، بعدم أهليتنا لهذه الجائزة او لغيرها من الجوائز، طالما كانت خارجية(متفوقة ومستحيلة فقط بصفتها خارجية) بسبب قصورنا الذاتي(الداخل بطبيعته ناقص وعاجز وهامش وتاليا لا يستحق التكريم، ناهيك عن الجوائز إبنة المنافسة مع الغير المتفوق مسبقا!) والمفارقة أن الشئ الذي يؤكد ذلك ولا ينفيه، كما يبدو ظاهريا! هو الإحتفاء والإبتهاج الهستيري او المرضي بالروائي الطيب صالح(مبدع ويستحق كل إحترام، ولكن القصد تضخيم الإحتفاء دلالة علي عدم التصديق والأصح الأهلية!) الذي وجد إعتراف ومساحة علي ساحة الحضور والقبول والإهتمام والنقد العربية! والأكثر تأكيدا من ذلك، أن إعتراف الداخل نفسه، كثيرا ما يمر عبر إعتراف الخارج أولا! بتعبير آخر، النظر في النتيجة والمحصول او الأثر الذي يحدثه في الآخر (المتفوق بوصفه آخر)، قبل النظر في الإنتاج بكل أبعاده وفي سياقاته ومرحلته! قد يكون من أخص خصائص المجتمعات المهزومة نفسيا او الهامشية إراديا!! وعموما جائزة نوبل للآدب نفسها لا تسلم من الهنات كل عام! مما يجعل باب الجدل وتعدد زوايا الرؤية مفتوحة علي الدوام!)).

ولكن ما هي الأسباب او الجذور لهذا الخوف المرضي، الذي يسم هذه الشخصية السودانية؟ أعتقد أن جزءً أساسيا من هذه المشكلة، يرجع مباشرة للمرحلة التأسيسية للفرد السوداني! أي مرحلة التربية/التنشئة الأولي، وحصارها الخانق بمفاعيل الخطأ/العيب/الحرام! الشئ الذي كبح جماح أي ميول تساؤلية او إعتراضية، وتاليا قتل أي نوازع معرفية او رغبات تطلعية منذ البداية! فتربية الخوف لا تنتج إلا أفراد خائفين؟! ومن ثم يتدرج الفرد ليجد نفسه تحت حصار آخر، من سلطة المجتمع القاهرة! وهي بدورها تضع سياجات أكثر إحكاما من خوف الوقوع في الخطأ العيب الحرام ثم لاحقا من الآخر! وأيضا من دون إبداء أي مرونة تجاه الرفض او التساؤل او الإعتراض او مجرد الشكك(سلطة مجتمعية ترقي للسلطة العقائدية او تزيد!!) فسلطة قهر المجتمع لا تنتج بدورها إلا أفراد مقهورين!؟ وتختتم الحلقة بتحكم السلطة السياسية الحاكمة (المستبدة بطبعها وطابعها!) وهي بدورها أكثر تخويفا من إرتكاب الأخطاء او التجاوزرت، وهما عموما لهما مدلولا واحدا، في شرعتها وأعرافها! وهو الإعتراض عليها او التساؤل حول مدي مشروعيتها او الرفض لإطلاقية سلطاتها وأحكامها! أي تربية الإستبداد والإرهاب بدورها لا تنتج إلا أفراد مدجنين مرعوبين بل ومذعورين؟! وخلاصة هذا الحصار، إنتاج فرد خائف من الخطأ حتي قبل أن يحاول الفعل! وخائف من الفشل حتي قبل أن يبدأ التفكير او العمل فيما يرغب فيه! وكذلك مهجس بالحرام والنار، لدرجة يتم فيها نفي الحاضر وتجويف وتجريف بل تجفيف الحياة ذاتها! وذلك عن طريق حشرها في مجموعة طقوس وعادات دينية شكلية متكلسة، تضر بالدين وترقية وعيه، قبل أن تصادر الحياة والعيش الكريم في كرامة وإستمتاع!(مع الإشارة الي أن من يتبنون هذه المشاريع الدينية الشكلية الفارغة(القادة) هم الأكثر إستمتاع وإنغماس في ملذات الحياة! التي تُمنع علي الغالبية المسحوقة! التي يترك لها الأجر في الآخرة إذا أطاعتهم فقط! أي أمَّنت علي هذه العلاقات الضيزية! يا له من تدين طبقي عظيم!!)

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هكذا حالة، لماذا في مجتمع هذا شأنه، ينجح بعض الأفراد؟! وبغض النظر عن طبيعة النجاح ومعاييره والجهات المحددة له! نجد أن الشريحة التي تنجح وسط هذا الواقع المحارب ليس للنجاح فقط، ولكن لمجرد المحاولة فيه! تتميز بسمتان متناقضتان! أولهما، شُريحة متمردة علي هذا الواقع او رافضة له بدرجة كبيرة! والأخري مطيعة له لدرجة الإنسحاق والتطرف، رغم ما يسببه ذلك من إنفصام هائل لها، علي مستوي المعارف المتحصلة والخبرات المتراكمة وردود الأفعال تجاه البيئة المحيطة! ولتسهيل الإجابة، يمكن أن نحصر النجاح في عمليات الكسب العلمي/المادي/السياسي وهي بدورها تؤدي للترقي الإجتماعي! الشُريحة الأولي المتمردة يمكن أن يدرج فيها الشيوعيون، أما الثانية فهي دونما إجتهاد مكانة الإسلاموية السودانية! وهذا لا يعني أن لا تتداخل بينهما او وجود هوامش علي جانبيهما يشغلها الآخرون! ولكن المقصود، كسمة عامة او تميِّزية إجرائية! المهم في هذا التقسيم، يبدو وكأن الشُريحة الأولي(المتمردة) هي الأكثر إيجابية من الشُريحة الأخري(السلبية)! هذا غير صحيح، إلا بمقياس أن الثانية كانت أكثر وفاء، لكل النواقص والسلبيات التربوية الإجتماعية السلطوية! ولكن في الحقيقة لا أعتقد أن هنالك فرق معنوي(بلغة التحليل الإحصائي) علي مستوي التربية القهرية او روادع الخوف بمكوناتها السابقة التي تعرض لها الطرفان، والأهم تداعياتها المستقبلية علي مجمل الحياة السودانية بمختلف حقولها! بمعني، إن الروح المتمردة في الأولي ليست الروح البناءة! وإنما الروح الهادمة! علي إعتبار الأولي أي البناءة، هي سلفا إبنة تربية سليمة (واقعيا وتاريخيا مفتقدة!) أي سلمية معرفية، تنتج التساؤل والإعتراض والتفاسير المنطقية! أي التعلم المثمر، وهو ما يُتحصل عليه بشكل او بآخر عبر المحاولة والفعل، وهي ما تندرج بدورها في خانة الخطأ والفشل والحرام او الممنوعات والمسكوتات عنها بصفة عامة! او ما لم يتم توفيره وتأسيسه علي الرضا والقبول العام مسبقا! وهذا الضعف البنيوي او التأسيسي في تكوينها(يمكن وصفه بقلة النضوج!)، حرمها من محاولة إبتداع مناهج وآليات ووسائل عمل وطنية لفهم الواقع، ومن ثم معالجة تحدياته والإرتقاء به! وبغياب هذا المشروع الوطني عظما ولحما! وجدت نفسها منقادة طواعية، إن لم نقل إنبهارا تجاه المنتجات الخارجية! وهي بطبعها وصفات عقائدية آيديولوجية علاجية شاملة(حبة سوداء او علاج أعشاب خارجي لكل الأمراض، يصرف لدي الفكي/الساحر/الرفيق السوفييتي تحديدا!)، أي كمناهج ووسائل عمل جاهزة، وبغض النظر عن مدي ملاءمتها للواقع الداخلي او مراحل تطوره أو طاقة إستيعابه (مشاريع/وصفات بطبعها معادية للتدرج والرفق سواء بالمواطنين او بتعقيدات القضايا! أي بقدر ما هي تبسيطية في قراءتها للواقع إن لم نقل رغبوية، بقدر ما هي قاسية وعنفية في فرض إصلاحاتها الفوقية!) وهو ما أدخلها في دروب ضيقة وتناقضات لم تجد حيالها بدًا، إلا بقسر الواقع المتفلت والمتسع علي الحلول الجاهزة والمتطلب للحول الطازجة! وتاليا فرض عليها الإجتهاد والأصح إجبار الواقع علي التكييف، ليستجيب لتلك الوصفات العلاجية الخارجية الجاهزة( ورغما عن المحاولات المستميتة والنيات الصادقة لسودنتها، ولكن هذه المحاولات للسودنة لا تصلح للدفاع عن النظرية بقدر ما تؤكد المساعي التلفقية لقسر الواقع وتزويره!) ومؤكد أن هذا ليس بعلاج، فهذا وفي أفضل حالاته مسرح كاريكاتوري سيئ الإخراج وعظيم الأكلاف ومعطل لأي إمكانات تحررية إستقلالية تقدمية وعلاقات غير تبعية! كما أن المعرفة نفسها ليست حالة ذهنية جاهزة أو مادة معلبة! يمكن إستجلابها كما الأدوات والمعدات من الخارج! بل سلسلة طويلة من التراكمات البحثية والملاحظات الواقعية والمفاجآت او الكشوفات الصدفوية! أي المعرفة حالة جدلية إشتباكية مع القضايا والمشاكل المطروحة، تساعد في حلها وتتوسع تاليا طاقة إستيعابها هي ذاتها! ولذا فهي ضد الحلول او الوصفات العلاجية الجاهزة علي الدوام! والسبب بسيط وهو عدم ثبات المشاكل او بقاء التعقيدات علي حالها! أي الزمن نفسه وتراكم الخبرات او ضياع الفرص وطبيعة المجتمعات وتقلب المصالح وتعديل موازين القوي الإجتماعية او السياسية..الخ عوامل مؤثرة في التعامل مع القضايا والمشاكل والأزمات! وكذلك في النجاح او الفشل! أما الشُريحة الثانية الإسلاموية(السلبية) فأمرها عجبا! والأدهي وأمر، أنها تستخدم نفس أدوات التشويه التي تعرضت لها، لإحداث المزيد من التشويه في المجتمع والدولة! أي تحديث التشويه وتطوير الإنحراف، وتاليا تعميم الفساد بنفس ثقافة المجتمع وآلية تطلعاته! وهذا ما يعقد ليس محاربة هذه التشوهات فقط، ولكن السماح بتبريرها وإعادة إنتاجها بصيغ مختلفة، طالما ظلت حواضنها متجذرة في المجتمع والثقافة والتاريخ! ولأحقا سنكتشف أن الشريحة المتعلمة(الناجحة!) وبمختلف طوائفها، طورت سلطاتها، لتصبح هي الأخري، سلطة قمع وتخويف جديدة وليست سلطة تحررية ديمقراطية كما كان يتوقع ويرجي منها! وتاليا أسهمت هي نفسها في تعميق جراح الخوف من الخطأ الفشل الآخر في الداخل او المجتمع الداخلي! خصوصا بعد أن إكتسبت ميزات ومزايا إضافية، أهلتها ومن طرف واحد لوضع معاييرها التي تناسب مصالحها، موضع المثال/الأنموذج الذي تقاس به بقية الأفعال والممارسات والتطلعات لبقية المواطنين! أي الغالبية التي لم تتح لها فرص تلك النخبة المتعالمة! والمفارقة المحيرة ومازاد الوضع تأزيم، أنها في تطبيقها لمعاييرها الخاصة الجديدة (بعد أن وضعت نفسها في شرنقة حداثية عيارية!) المعزولة والأصح المترفعة! عن مجمل عادات وتقاليد المجتمع، التي تم رفضها لأحقا(بالمعايير الجديدة!)، لكن من دون نقاش او محاولة لفهمها في سياقاتها التاريخية الحضارية، من أجل معالجة خللها! وليس بالقفز عليها او إزدراءها، وكأن التاريخ وإرثه مجرد فراغات او خرافات لأ تأثير لها علي الحاضر، إلا كقيد ثقيل يجب قطعه دون شفقة! إذا صح ذلك، فهذا جهل بالتاريخ فوق أنه إستعلاء علي المجتمع! وتاليا كل مجهود يصب في هذا الإتجاه، يعبر عن أزمة نخبة، أكثر من كونه وسيلة للمعرفة او مبادرة للحلول! بتعبير أقل تعميم، لم يكن الرفض لمكامن الخلل، الخوف والإستبداد والتشوهات المجتمعية التي تماس كثير من العادات والتقاليد وأساليب التربية او التعاطي مع الشأن العام! ولكن الرفض إنحصر في النتائج(المتخلفة!) التي لا تتماشي مع الوجه الجديد او المظهر الحداثي الذي تم إكتسابه حديثا! والذي تحاول النخبة فرضه من أعلي بالقوة المادية/المعنوية! أي الغرض والدافع الحقيقي ليس تحرير المجتمع وتحديث الحياة المحلية، ولكن الغرض ومن دون مداورة يتقصد تحسين الخلفية او الواجهة التي صدر منها اولئك الحداثيون الجدد! وبقول واحد، ولسوء حظ مجتمعنا في الداخل، أن يتعلق مصيره وحياته ومستقبله في المراوحة بين إستبدادين! إستبداد تقليدي وإستبداد حديث! ويا له من حظ عظيم!! وفي واقع كهذا، ليس مصادفة أن تتسم آليات التطبيق الحداثية! بالصرامة والتعالي والفوقية، مع الإبتعاد عن المسامحة او التشجيع علي المحاولة والفعل والتعلم مرة او مرات عديدة لبقية المواطنين! وإنحسار مساحة المسامحة تجاه المجتمع(التقليدي المخجل بما فيه الأسر والجذور!) في نفوس النخبة، إنتقل بدوره لصراعاتها وخصوماتها الذاتية الفوقية، ليطبعها بطابع من القسوة والفظاعة ومعادلات المعارك الصفرية! أي كأن الزيادة في المعارف والمكانة والإمتيازات، تترافق مع النقصان في التحمل وتقبل الآخر ومساعدته والأخذ بيده الي مرافء التطور والإمتياز! لذلك نجد الأكثر تقريعا وصرامة وبكاء علي الماضي الوسيم من النخبة، تجاه الأخطاء التي تقع من بقية المواطنين ولو عفوية! نجده الأقل مساهمة(معرفية مادية مهنية تقنية إجتماعية..الخ) لتغيير أحوال المواطنين او الدفع بهم الي الأمام او مجرد تمليكهم أدوات التغيير او حتي التعاطف معهم، او علي الأقل تفهم ظروف الإستبداد التي يرزحون تحت نيرها(التي يصنعونها ويقعون ضحية لها في آن واحد! أي حلقة الإستبداد شبيهة بحلقة الفقر الدائرية، وتاليا العلاج يتمثل في كسرها، أي بتغيير نمط التفكير والمعالجات والأساليب إبنة الظاهرة) والمولدة بدورها لرهاب أكبر من الخوف والتدجين وتثبيط همة المبادرات! في هذا المعني، الإستبداد لا يخص البشير ونظامه فقط، ولكنه منظومة تستهدي بإمتلاك الحقيقية حصريا، وتعبر عنها بفرض الوصاية علي الآخرين! أي هنالك إستبداد نخبوي وثقافي وإجتماعي وعائلي..الخ بل قد يطال حتي العلاقات الشخصية بين الأصحاب والزملاء والأزواج!! لذا أي تحرر لا يمر عبر التخلص من الخوف من الأخطاء، او تملك حق الوقوع في الأخطاء، المرتبط بالمحاولة أكثر من مرة، وهي بدورها لصيقة الصلة بتجويد وتحسين الأداء، وهذا كله إبن بيئة التسامح وقبول الآخر بأخطائه ومحاولاته لنيل فرصه في الحياة! لن يكون هنالك تحرر حقيقي للذات الفردية! علما بأنه دون تحرر الذات الفردية، لا توجد فرصة للتخلص من الإستبداد العام، بكل موبقاته وكوارثه! لذلك نتوجه بدعوة مفتوحة، لإعطاء فرصة للأخطاء للوقوع في الأخطاء لتوقع الأخطاء، وذلك برفع سقف المسامحة حيال الأخطاء، بإعتبارها الطريق الوحيد للفعل وتكراره والمبادرة وتكررها، والأهم حق كل الأفراد في أخذ فرصتهم في الحياة ولوضع بصمتهم عليها كما كررنا أكثر مرة! فالحياة ليست ملك خاص للناجحين والنابهين والمميزين او من يتوهمون ذلك، ويجهدون في تثبيت تلك المميزات والإمتيازات لهم حصريا في الفضاء العام، الذي تحول لفضاء أكثر خصوصية في حوزتهم! وهو ما يمهد بدوره لإعادة إنتاج سيرة الإستبداد المملة! لأن الإستبداد بطابعه نخبوي وصفوي ومتعالٍ! ولن يتم ذلك، إلا برد التميز والإمتياز الي القيم المرتبطة بالصالح العام، وخدمة الآخرين، والحرص علي تخليصهم من الظلم والإستبداد والجهل والفقر وكل معيقات الحياة الكريمة! وبقول واحد، تنزيل قيمة(التقوي) الدينية، وتجسيدها في صورة وضعية زمانية، خلاصتها قيمتك الشخصية وإنجازاتك الفردية وأفضليتك الإجتماعية هي فقط، في الإنتصار للإنسان وترقية الحياة بصورة عامة! أي بفك الإرتباط بين الإنجاز والنخبوية والتميز والصفوية والسلطة والتعالي(الإستبداد)! ولكن يجب التنبيه او التفريق بين الخطأ المرتبط بالمحاولة لإنجاز أهداف مثمرة ومشروعة، وبين الخطيئة التي تتقصد تجاوز القانون وإنتهاك الشرع وإزدراء التقاليد فقط، من أجل إمتلاك تميز وحقوق غير مستحقة! أي حق الخطأ مسؤولية وليس وسيلة تبريرية للتجاوز والعجز والكسل والأخطر مصادرة حقوق الآخرين! وقبل أن نختم هذه الجزئية، تجدر الإشارة الي أن الثقة بالنفس في الداخل، وإحترام مكونات الداخل وتاريخه بكل حقائقه، أي هزائمهه وإنتصاراته أخطاءه ونجاحاته، هو الوسيلة الوحيدة لمنح الثقة بالنفس لمواجهة الخارج! والتعامل معه من منطلق الندية وعلي أرضية المساواة والإنسانية والحقوق الأساسية او الطبيعية كمشتركات إنسانية! أي دون بناء الثقة بالنفس في الداخل، لا فرصة لتواجدها في الخارج، او طلبها من الآخر الأفضل! والأصح التفضل بها علينا! وأيضا يفضل التنويه، الي أن أكبر مظاهر هذا الخوف المرضي من الخطأ الفشل الآخر، نجدها تتجسد بصورة حية او تعلن عن نفسها بكل سخرية! في شكل درامتنا والشلل والجمود الذي يكسوها، وكذلك في إمتحاناتنا والهواجس والقلق والحصار المخيم علي أجواءها! وكذلك الحصار الخانق المطبق علي سموات مناسباتنا الإجتماعية، التي لا يؤمن الكثيرون (ب95%) من نفقاتها ومظاهرها الكاذبة، ولكن رغما عن ذلك تجدهم مجبرون كالرقيق علي القيام بها دون إعتراض واضح او رفض جرئ،..الخ من مظاهر حصار الخوف وردات فعل الجبن والإستسلام! وهذا دون قول شئ، عن آلاف المواهب في كل المجالات والإختصاصات، التي حرمها الإحساس بالخوف من الخطأ الفشل الآخر، أن تظهر وتنمو وتتطور في المجتمع! ليستفيد منها الجميع، إضافة للفائدة الذاتية التي ترجع لهم ولحضورهم الزاهي في الحياة! ولكل ذلك نجدد الدعوة مرة أخري بل مرات عديدة، ونقول بالفم المليان، مرحبا بالخطأ مرحبا بالفشل مرحبا بالنقص مرحبا بالعيب! وسحقا للآخر(الناقد السلبي المحبط العاجي) إذا كان في ذلك الطريق الوحيد، للمحاولة والفعل والمبادرة والتجويد! وتاليا الإنجاز والإبداع! ومرة ثانية وداعا للآخر، المتعالي المتميز الموجه العالم المثقف المتدين! الذي يتوهم بدوره أنه المعيار للنجاح للآخر للصاح!!

وقبل الرجوع لموضوع الإعتقال وعلي صلة به بشكل او بآخر، هنالك أيضا تساؤل لطالما حيرني!؟ وهي فرصة لطرحه في هذه السانحة الإعتذارية! وهو متعلق بقضية النضال والمناضلين والمعارضة والمعارضين وموقف البعض من تلك المسائل! فالشئ الذي لا يمكن الجدال حوله إلا(للمغالط في الحكاية السودانية التي أشار إليها الأستاذ النعمان حسن في واحدة من مقالاته الاخيرة، في معرض رده علي مؤيد لهذا الخراب الداخلي والتنمية الشوهاء! أي مقابل كل دولار يصرف عليها، يدخل جيوب أباطرة الإنقاذ الفسدة، عشرة دولارت وفي رواية أخري مائة دولار! ولا تسأل عن حجم الدين الموعود! فالعسر عليك هو المكتوب يا ولدي!) أن هنالك نضال وبالطبع مناضلين وهنالك معارضة ومعارضين. والنضال عموما فعل مرتبط بمواجهة الظلم والإستبداد والإستعمار وغيرها من صنوف الجور، بطريقة مؤسسة او فردية. وأهم ما يميزه القدرة علي بذل التضحيات ودفع الأكلاف الباهظة من(الحرية الجهد المال الصحة وصولا الي الحياة ذاتها!) عن طيب خاطر او قناعة بالمشروع النضالي الذي يتقصد إحقاق الحق وإبطال الباطل. أي تحرير الشعوب وقبلها الأفكار والأفعال والإنسان! كما إن النضال نفسه محكوم بوجهته، بقدر ما هو محكوم بالظروف المحيطة، ومؤكد بالأفراد، وتاليا تتعدد أنواع النضال وطبيعته ووظيفته وتوقيته، ومرة أخري درجاته وشخوصه. وعموما النضال بالنفس في تقديري هو الأعلي مرتبة والأسمي مكانة والأكثر تأثير، أي من يتعرضون للمخاطر المباشرة(الموت/التصفية الإعتقال التضييق المعيشي..الخ) مقارنة بالآخرين الأبعد من المخاطر. ولكن كله مطلوب ويخدم أغراض مواجهة الظلم والعدوان والفساد وبيئتهما جميعا الإستبداد أس المصائب! وكذلك من يناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، او قضية تحرير الشعوب بصفة عامة، في معناها الشامل و مضامينها الحقيقية، أي النضال التحتي، أعظم درجة من مَنْ يُناضل من أجل السلطة والتغيير الفوقي..الخ والحال كذلك، من الطبيعي أن تكون شريحة المناضلين هي الأقل من بين الشعوب! او الغالبية لا تملك الجرأة ولو إمتلكتها فهي تعجز عن دفع أكلافها! ولو أنها قد تمتلك هذه الروح والجرأة والإقدام والتضحية في لحظ من لحظات التاريخ الحاسمة، كما عشناها في السودان أكثر من مرة. وسبب سرد هذه البديهيات، لكي نبين أن حكم الإنسان السوي علي النضال والمناضلين هو الإحترام والتقدير، إذا عجز لسبب ما! عن الإعجاب الفائق والتبجيل المغالي المستحق. علي الأقل كنواب عنه في درب النضال المكلف!! ولكن أن يتسلط بعض الأفراد علي المعارضة والمناضلين منهم بالأخص، تشكيكا وتثبيطا وإستهتارا! ودون أن يقدموا البديل، حتي ولو النظري او الجامح في الخيال! لهذا الجهد النضالي والمعارض! فهذا ما يثير الحيرة ويدل في إعتقادي علي أحد أمرين! إما أنهم يشعرون بالضيق والإنزعاج من المكانة والإحترام التي ينالها المناضلون، بعرق كفاحهم وتضحياتهم ودفعهم الأكلاف الغالية، وهو الشئ الذي يعجز عن فعله أولئك الناقمون تكوينيا ومصلحيا او إمتيازيا! ولكنهم في نفس الوقت يكرهون أن يقوم به آخرون! أي كره الفعل النضالي وبصورة أكبر المناضلين، الذين ببساطة يكشفون حقيقتهم العاجزة والمتخاذلة والأنانية، أي المغايرة لما يتوهمون او يصروا علي إيهام الآخرين به، عن تميزهم وأهليتهم وإستحقاقهم لمكانة الصدارة علي الدوام، علي الأقل في شقها المعنوي النفسي! وبقول آخر، التشكيك في المعايير التي تثبت معدن الرجال/النساء وتاليا يحافظون علي مكانتهم وإمتيازاتهم ومن دون دفع إستحقاقاتهما! والإحتمال الآخر، هم يقفون مع السلطات الإستبدادية حقا( ولا يعني هذا وفي كل الأحوال، أن هنالك نوع من المنافع المادية او الإعتبارية المتحصلة! ولكن المؤكد في هذه الأحوال، أن هنالك نوع من التوافق او التلاقي علي مستوي الإستجابة الذهنية/النفسية والأصح النخبوية/الإمتيازية مع النظم الإستبدادية!) وغالبا يتسترون خلف المعارضات الشكلية العارضة للنظم الإستبدادية، وسط كم هائل من الإساءة للمعارضة الوطنية! وذلك ليس حبا في نقد هذه الإستبدادات، التي يتماهون معها بشكل او بآخر! ولكن لأن الإنتماء لها صراحة، يحرمهم من مكانة الحداثة والعقلنة والتحضر التي يشغلونها شكليا او فوقيا او نفاقيا! وهي بطبعها قيم معادية لطبائع الإستبداد وخرافات وإنحرافات المستبدين!! وتاليا يصبح قولهم الباطل في حق المناضلين او نقدهم الحاقد الشامت تجاه المعارضين، مجرد ثرثرة فارغة او متجارة بالكلمات أي بالمحصول المعرفي والمواهب الإعلامية! لذلك يندر أن تجد هذه النماذج تعبر عن وقفتها(حتي ولو شكليا!) مع رموز وطنية مشهود لها بالصدق والعمل من أجل الوطن! سواء في محنة إعتقالها او مطارداتها والتضييق عليها في الداخل والخارج! وعموما إذا لم تتدارك هذه الشرذمة نفسها وترجع الي رشدها، فالزمان كفيل بإسقاطهم من ثقوب الذاكرة الي مجاهل النسيان مع أتباعهم من خدام السلطة وأبواق السلاطين! الغرض من هذا الإستعراض غير الحيرة المذكورة آنفا، وبعيدا عن طابع القسوة المبرر الذي يبدو عليه! ليس تقديم النصح لهم، ولا يحق لنا ذلك! و لا بالطبع المقصود منه، تقديم موجهات او مواصفات للحصول علي مرتبة المواطنة الكاملة، ومن ثم إستحقاق صك الوطنية الخالصة!! ولكن القصد يتمثل في مسألتين متعلقات بالتنبيه ليس إلا؟! أولها، مراجعة السوية الفردية، وتخليصها من أدران التشويش علي المعارضة بغرض المشاكسة او التخذيل، او قد يكون لأغراض ومصالح شخصية الله أعلم! وثانيها، الأوبة ليس لحضن المعارضة التي يبدو أن بينهما ما صنع الحداد، ولكن للإتفاق معها علي قيم مشتركة، لو صح حيادهم او رفضهم الناعم او الحريري للإستبداد او صدقت دعاوي تحضرهم المزعومة! كالحرية والديمقراطية وتخليص المواطنين في الداخل، من قبضة الفقر وحصار العطالة، وتخليص الدولة السودانية من آفة الخراب والفساد السلطوي المقيم(ما دار نجيب سيرة الإنقاذ حتي لا يتحسسوا) أي العشم في تعلية المشتركات الوطنية والإجتماع علي كلمة سواء بين الجميع، ومن ضمنهم المناوئين للمعارضة بوصفهم إخوة في الوطن! وذلك من أجل تضييق الحصار علي الإستبداد أي أكان نوعه ومصدره! وبالطبع يقف في الواجهة نظام الإنقاذ الإستبدادي(نعمل شنو ما في طريقة غير نسميه بإسمو، سامحونا يامحايدين يا ظريفين) الذي أكسب الإستبداد نفسه أبعاد أكثر تطرف وفساد ودمار شامل، مما يصلح تسميته بالإستبداد مابعد الكارثي او الداعشي علي مسايرة الأوضاع الجنونية الآنية! وذلك قبل قفل باب الأوبة او التوبة الوطنية، والمتمثلة في حصول او إنجاز التغيير المأمول من دون هؤلاء النفر او غصبا عنهم!! وتاليا حرمانهم من شرف المساهمة في تحرير الوطن من قبضة الإستبداد الإنقاذي البغيض! لأن مشاركتهم في ثمار التحرر لأحقا! لهي أسوأ من موقفهم الباهت الحالي بعشرات المرات! وبالطبع هذا إذا كانت سويتهم سليمة ونيتهم الوطنية خالصة وتبقت لديهم ذرة حياء!!

وبالعودة لموضوع الإعتقال، فالإعتقال في حد ذاته، أسلوب همجي إعتباطي ومضاد للإنسانية وحقوقها الأساسية، ولا غرابة أن يصدر من سلطة مستبدة، يتناسب مع سلوكها العدواني وطابعها المتعدي، لما تواضع عليه الحس المتحضر! والسبب أن وعي الإستبداد، وعي قاصر/مراهق/ متخلف يكتفي بما يملكه ما من غرائز حيوانية غير قابلة للتطور، ولكنها مهيئة للإستثارة والعنف والتراجع لشرعة الغاب علي الدوام، لكل تهديد تتعرض له بالحق او بالباطل! وتاليا هو وعي لا يعترف بالقانون والإجراءات الشرعية وحق التقاضي، ولا يكترث لحرمة حقوق الإنسان وكسر خاطر الدستور الذي كتبه بيده، في لحظة تجلٍ وغرور! ولذلك سلوكه الهمجي تجاه المعارضين، هو من باب النوافل او التوقعات التي لا تكذب وتترفع عن التجمل! والمؤسف أن الإعتقال لا يمثل نفي لحق التقاضي ومصادرة للحرية وإهانة للعقل والسوية الإنسانية فقط! ولكنه يمثل إدانة مسبقة، وبعد ذلك وعلي مهل، يتم تدبير مسوغات الإعتقال وبينة التهم الملفقة! غصبا عن شكلية المحاكمات التالية والدفوعات القانونية التي تذهب مع أدراج الرياح! وهو عين ما عايشناه مع هذا النظام منذ مقدمه العاصف! أي تعود علي إنتهاك حقوق الآخرين غير المنضوين تحت لواء تنظيمه، من دون مساءلة لجرائمه او تجاوزاته وما أكثرها، وهو ما جعله يتمادي فيها، وكأنه يدير حظيرة للحيوانات والأقرب مزرعة للفراخ! لدرجة أن ذلك أصبح من المعلوم سلفا او من البديهيات التي تطبع سلوك نظام الطغيان الإنقاذوي العقيم! ولكن أن ينحدر لمستوي إعتقال قانونيين ضلعين ووطنيين مشهود لهم بالبذل العام لوجه الوطن، وتعلية حرمة المحافظة علي القانون وحقوق الإنسان في الداخل والخارج! وفوق ذلك تعرضت أجسادهم للمرض، وغالبا من ضغوطات وعبء حمل القضايا الوطنية، التي تنوء بحملها الجبال! ويضاف لها عامل السن الذي يستوجب حسن المعاملة حتي لعتاة المجرمين! او علي الأقل هذا ما درجنا علي تحصيله من جدارة القيم وكريم العادات في ماضي الأيام، أي قبل نازلة الإنقاذ، او الحقبة الإنقاذوية، او النكبة السودانية في عصرها الحديث، التي يؤرخ لها بإنحسار القيم وإنتشار الشر وطغيان الفساد! فهذه من المحن او فتن آخر الزمان! والأسوأ أن يتركوا تحت رحمة جهاز غير مقيد بمرجعية لا قانونية ولا أخلاقية ولا إنسانية! وفي عهدة فتيان في عمر أبناءهم، ومجردين من المثل والقيم السودانية ناهيك عن التحضر وإحترام الآخر! وكل ذلك يجعل هذا النموذج من الإعتقال البائس، يزداد مأساوية وحلكة ليس لها من قرار! كما إن المعتقلين لم يرتكبوا جرما أساسا! بل ما قاموا به يصب في قناة تحريك المياه الراكدة وفتح مسارب للضئ وأبواب الحلول للمشاكل المعقدة، والتي يزيدها العجز والتأخر والإنتظار للحلول، تراكما وتعقيدا يوما بعد يوم! خصوصا بعد أن عجز النظام نفسه، عن تقديم أي نوع من المبادرات المعقولة او الحلول الناجحة( وأنَّي له ذلك، وهو سبب المشاكل وصانع الأزمات بإمتياز، بل وجوده وإستمراره يمثل أكبر عقبة تجاه أي حلول حقيقية او جادة، تنأي بنفسها عن الإلتفاف والهروب من مواجهة الأصل والجذر الأساسي للعقدة!) وظل يتمسك بنهجه المخادع القاتل المكرور! وهو المراهنة علي عامل الزمن، وشغل المعارضة بسفاسف القضايا وتفاهات الإهتمامات، وتقديم هامش من السلطة والإمتيازات الوهمية لبعض المعارضين الكذبة! ولكن ما يميز حلوله الحقيقية التي يقدمها، هو إحلال الإجراءات الأمنية والتجريدات العسكرية محل الحلول السياسية والمبادرات السلمية الجادة! أي حلول تفجر الأوضاع الملتهبة عوضا عن معالجتها! وذلك ليس من باب المحافظة علي سلطته بالتحايل والقوة فقط، ولكن لغياب المفهوم السياسي الحديث ومناهج إدارة الدولة الحديثة ومبادئ حقوق الإنسان، عن أفق ووعي السلطة الحاكمة تماما! والأهم أنها لا تعي طبيعة القضايا الضاغطة المولدة للإنفجار(أزمة إقتصادية وإحتقان سياسي وتهميش إجتماعي/ثقافي!) وكذلك خطورة المرحلة الراهنة، وإنفتاحها علي أهوال لا تحمد عقباها! اٌقلاها الحرب الأهلية وإنفراط عقد الدولة، التي يتمسكون بحكمها(كالقراد) الذي لا يترك عائله إلا بعد أن يمص دمه ويردي به الي الهلاك! فالسلطة القرادية(كسلطة الإنقاذ) بطبيعتها سلطة طفيلية او مرض يصيب الدولة بالإنهاك وصولاً للهلاك العاجل! والعلاج الوحيد هو التخلص منها أولا، ومن ثم تطعيم الدولة، ليس ضد مرض القراد الطفيلي الإنقاذي فقط! ولكن ضد كل أنواع الأمراض الإجتماعية والتسلط السلطوي والتصحر السياسي والجفاف الإقتصادي والسرطان الإستبداي! وإذا كان الأمر بهذه الدرجة من الخطورة، فالواجب في هكذا حالة، أن يقدم لهؤلاء الرموز التحية والتقدير، وأن تُفتح لهم المنابر علي مصاريعها، وقبل ذلك صدر الحكومة الضييق الحرج، ليعينوها علي الهداية بعد هذا الضلال العميم! وأقلاها أن يستفيدوا من خبراتهم وما راكموه، من تجارب إنسانية وسياسية وديمقراطية وحقوقية، من أجل التأسيس لوطن المواطنة والحرية والديمقراطية والسلام، كعلاج ناجع لكل هذه الأمراض والتوهان والجنون! لأنهم كنوز وطنية، يصعب الحصول عليها او تكرار تجاربها، او جني مكتسباتها وإنتهاز الفرص التي أتيحت لها! وهذا إذا كان في هذا النظام رجل رشيد او عقل سليم! ففي هذه الإستجابة ليس تكريم لهؤلاء الرموز فقط! ولكن الأهم أن يشعروا أن عمرهم وحاصل كدحهم ونضالهم، لم يضع هباءً منثوراً! وهم ينادون بتمكين هذه المبادئ داخل الوطن، لتخليص المواطنين من الإستبداد والسلطة ومسؤولياتها الجسيمة من عبث العابثين والوطن من التفتت والضياع! وفي كل الأحوال سوي إستمعت الحكومة لهم، أو ظلت كما عهدناها وخبرناها لمدة ربع قرن، في صممها وعماها وغيها، تجاه النصح المخلص من الحادبين علي مصلحة الوطن وخير المواطنين! فإن ما خلفوه من تاريخ ناصع وعطاء وطني خالص، سيظل قلادة في عنق كل الأجيال القادمة، تشعرها بالفخر وإحترام الذات والإيمان بالوطن! وهذا الإعتقال رغم لا إنسانيته وتعارضه مع صحيفة نضالهم وعطاءهم وحقوقهم ومع صحة أبدانهم وعامل سنهم! إلا أنه سيزيد هذه الأشجار الفواحة طيبا، ومعدنهم النفيس لمعانا يضئ عبر الزمن! وسيعلم الإنقاذويون المكارون الغادرون، ولو بعد حين، أي منقلبن سيرتدون إليه وأي عاقبة كارثية ستطالهم، قريبا إن شاء الله! وصبرا آل فاروق ابو عيسي(آل عبدالعزيز خالد مرة تانية) وآل أمين مكي مدني وآل فرح عقار وآل محمد الدود، وغيرهم من رموز الوطن المعتقلين وأسرهم، فإن موعدنا، جنة الحرية والديمقراطية والتنمية الشاملة، آمنين مطمئنين تحت ظلال الوطن الجميل! ونسأل الله، أن يقرب المسافات ويعجل بوعد الخلاص والتلاقي والمحبة، بين جميع مكونات الوطن البتول! وعندها يتم الإعتذار وجها لوجه، بعد العناق والمصافحة وتقبيل أياديكم الطاهرة، لنيل البركات الوطنية والإنسانية والنضالية، من أولياء الوطن الصالحين!

وتتمة لموضوع الإعتقال، كانت لدي ومازالت أمنية قديمة وعتيقة، وهي أن يوثق أصحاب التجارب الإعتقالية لها! عن تفاصيلها ايامها لياليها أحاسيسها والأنشطة والممارسات التي تتم داخل المعتقلات، بما فيها من صنوف التعذيب والإنتهاكات والهدر الحقوقي والإنساني والإرهاب..الخ، وذلك من أجل إثراء الذاكرة الوطنية بثمار تجارب حية! لتقريب ظروف الإعتقال للكافة وخصوصا الذين لم يعايشوا تلك الأوضاع المأساوية! وكل ذلك من أجل تجريم الإعتقال والقطع مع ثقافته وأدواته نهائيا! والتأسيس لرسوخ قيم القانون والحقوق والمواطنة في الوعي والثقافة العامة! وأيضا من أجل الحكم الموضوعي علي حجم نضالات الأبطال والمعارضين، وكم الخسة والغدر التي تطبع سلوك أولئك المُعتِقلين! ولو أتيحت لي الفرصة لإختيار أحد للقيام بهذه المهمة العسيرة، لأخترت الأستاذ كمال الجزولي. لتعرضه لمرارة الإعتقال أكثر من مرة، ولموضوعيته المشهودة، ولخلفيته القانونية وتاريخه السياسي النضالي المشرف، وكذلك لإبداعه الفكري وأسلوبه الجمالي. وهو ما يذكرني بتجربة وأحد من أبرز المفكرين والكتاب العرب المعاصرين، إن لم نقل علي مر العصور! وهو الكاتب السوري الرائع ياسين الحاج صالح. الذي وثق لتلك التجربة، باسلوبه الإبداعي المدهش، وما أضافته له من تجارب رغم مرارتها، إلا أن لها جوانب (إيجابية!) وفقا لتجاوب الفرد مع شروط الإعتقال وفرصه المتاحة! أي التحرر شأن داخلي قبل أن يكون منحة خارجية! كما يمكن أن يكون المسجون أكثر حرية من سجانه!! وهذا باب يستحق أن يفتح علي مصراعيه، للإطلال منه علي تلك العوالم الغامضة! أي الداخلية والخارجية للإنسان والبيئة المحيطة سواء كانت مادية او معنوية!!

وأخيرا، يبدو أن الصدفة لعبت دورها، في ذكر العميد عبدالعزيز خالد، ولحسن الحظ هي صدفة تجاوبت مع محبة وطنية خالصة، ناجمة عن إحترام مستحق للعميد عبدالعزيز، خاصة من ناحية عكسه الوجه المشرق للمؤسسة العسكرية! أي عندما تلتزم بواجباتها وإختصاصاتها في حدود الدستور، وعندما تعبر عن نقاء وصدق وتضحيات منسوبيها لوجه الله والحقيقة والوطن! وهي أيضا فرصة لإماطة اللثام عن سوء فهم تجاه هذه المؤسسة، قد يفهم من كثرة النقد الموجه لها عن حق وحسن نية! فالحساسية تجاه هذه المؤسسة مصدرها الإنحرافات التي مارستها وتجاوزت بها حدودها المنصوصة في الدساتير ولطبيعة عملها! أي ليس لوظيفتها او مكانتها او حجم تضحياتها! وهي للأسف إنحرافات وتجاوزات إمتدت بطول وجودها التاريخي، ليس في السودان فقط، ولكن علي طول وعرض وعمق هذه المنطقة من العالم! فالمؤسسة العسكرية لعبت الدور الأساس، في عرقلة الديمقراطية وتعطيل التنمية ونشر الكراهية وتمكين الفساد داخل أجهزة الدولة!! بعد أن تلبست الوجه القبلي مرة والأقنعة الآيدويولوجية عدة مرات! لتصب جميعها في تكريس حكم الفرد المطلق او المستبد غير العادل! والأغرب في الموضوع، إن المؤسسة العسكرية وبقدر الجريمة والإهانة ومصادرة الحقوق، التي مارستها داخل أوطانها تجاه بقية المواطنين! بقدر ما لعب القدر لعبته تجاهها، لتصبح هي نفسها أداة مدجنة ومنزوعة الأنياب وضعيفة الشخصية، تجاه الأجهزة الأمنية والإستخباراتية، او الأدوات الحاكمة الفعلية! بعد أيلولة الدولة لحكم الفرد! أي بقدر شراسة ونفوذ وفحولة الأجهزة الأمنية والإستخباراتية، تكون مهادنة وتدجين و(إنكسار عين!) المؤسسة العسكرية!! وفي هذا دلالة واضحة، علي أن الإستبداد يتطور ليس نحو الديمقراطية، ولكن تجاه إستبدادات أكثر فتك وضراوة!! أي تحدث إزاحة للإستبداد الأدني لمصلحة الإستبداد الأعلي! أي إستبداد المؤسسة العسكرية او المؤسس(القاعدة) للإستبداد، إنزاح لمصلحة الإستبداد الأوسط(الإنتقالي) أي الأجهزة الأمنية الأكثر شراسة! وهذه بدورها تتم إزاحتها عبر ضغط إستبداد الفرد الأكثر طغيان كمرحلة أخيرة، ولكنها مفتوحة علي المطلق! وهكذا يؤسس الإستبداد القاعدي (المؤسسة العسكرية، قاعدة الهرم) ذو القاعدة العريضة، للإستبداد الراسي(رأس الهرم) أي الإستبداد المفرد(تكثيف الإستبداد)!! وبوصوله لهذه المرحلة، يتحول الإستبداد نفسه، الي حالة عصابية عظامية(من العظمة) جنونية! تُحدث تصرفات بقدر ما هي عبثية، بقدر ما هي كارثية علي كل المستويات! وبقدر ما هي مؤثرة علي كل القطاعات، بقدر ما منقطع صاحبها عن كل العوالم المحيطة!! أي يعيش المستبد(تحول الي طاغية) في زمن خاص وعالم خاص! وهو عالم يندر أن يتقاطع مع عوالم المحكومين، التي أجبرت هي نفسها علي الفوات التاريخي! بل الأكثر ندرة أن يعي بمجرد وجودهم الفعلي(أفراد كاملي الأهلية) وإحتياجاتهم الحقيقية! أي ليس كهتيفة مجبرة علي تعظيمه!! ناهيك أن يقدم لهم منفعة عامة، تخصم من إمتيازاته وتقلل من عظمة جلالته! ولكن المؤكد الذي لا جدال فيه، أنه يقدم لهم بكرم حاتمي، المزيد من الإنتهاكات والفساد والإحتقار! بدرجة تعجز كل العقول عن تقديرها او حتي مجرد تفسيرها! وفيما يبدو أن الجنون لأ يفسره إلا الجنون!! ودامت سلامة عقولكم ووطنكم ودمتم في رعاية الله!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. والله يا مكاوي دا من اجمل واوقع المقالات التحليلية التي كتبت في هذا العهد الغيهب وحقيقة التفسيرات التي قدمتها للموقف الرمادي من نشاط المعارضة ومن قبل فئات تدعي عدم ولائها للانقاذ مبعث للحيرة ولعل موقفهم هذا هو الذي يؤخر حركة الشارع ويثبط الهمم هذا اذا لم يدفع بعض ضعاف النفوس من المعارضين للاندماج مع النظام والدوران في ظله مقابل فتات ما يرميه في وجههم ولو جاز ت لي اضافة يجمل التذكير بها بشأن الانقاذ وقواه الامنية أن الاسلاميين لم تكن استفادتهم من نظام مايو المقبور مجرد استفادة اقتصادية وتنظيمية فهم في حقيقة الامر ورثوا كوادر مايو الامنية والاتحاد الاشتراكي المنحل ورثوه لان هذه الفئات فقدت سندها بزوال سلطتها ولم تجد في الساحة بعد ما رؤوه من اضطهاد معنوي بعد انتفاضة ابريل غير من شاركوهم أواخر مايو فعندما عاد الاسلاميون بانقلابهم استقطبوهم الى ساحتهم فجاؤوا ينفسون عن مرارتهم وحقدهم على كل شيء خاصة اؤلئك الذين اعيدو لجهاز الامن بعد حله ، ولعل كثر من الشعب لا يعلمون ان عمر البشير كان الرجل الثاني في تصفية جهاز امن نميري وهو الذي اعادهم بعد انقلابه المشؤوم .
    شكرا مرة اخرى لهذا المقال الجامع وآمل من ادارة الراكوبة تعليقة على صدر الاصدارة

  2. [url=http://www.up-00.com/][img]http://store2.up-00.com/2015-03/1426642729931.jpg[/img][/url][URL=”http://www.up-00.com/”][/URL]

    في مثل سوداني بقول “لالوب بلدنا ولا تمر الناس”
    ورؤيتك دي قتلها الاكاديميين السودانيين الجد بحثا ذى كتاب د منصور خالد النخبة السودانية وادمان الفشل” لذلك لا يحبون دكتور منصور خالد
    ما حاق بالسيد فاروق ابوعيسى في 2015 هو نفس الذى حاق بالازهري 1969-1971 والهادي المهدي عندما دخلت الدولة البولسية -النموذج المصري- السودان وامن الدولة وهو نفس الامن الحالي …عجزت اتفاقيةنيفاشا العظيمة على تغييره
    والشعور بالدونية لا يشمل كل السودانيين كما تظن وهو حيال المصريين فقط ورسخته هذه الايدولجيات المقبوحة الوافدة من مصر الناصريين والشيوعيين والاخوان المسلمينفي الداخل والاعلام المصري المبتذل في الخارج..وهيمنت على المشهد الفكري والثقافي والسياسي والسوداني عبر 60 من الكذب العاهر… لخدمة مصر الخديوية….وارثها المشين والمجلل بالعار من 1821-2015
    ****
    ده خطاب نميري في الجزيرة ابا 1970 زمن عز ناس فاروق ابو عيسى والقاضي بتاع كاردف بابكر عوض الله ” يحقر حزب الامة العريق الذى اسسه السيد عبدالرحمن المهدي وفقا الديمقراطية وست منستر واكسسواتها المهمة ان تكون في السودان احزاب طبيعية ناجمة من تاريخه وهويته والتي راهن عليها هذاالقائد السوداني الاسطورة السيد عبدالرحمن المهدي..بالتاكيد لم يكتبه نميري صاحب نكتة نشكر المزارع علي حسن سلوكه..((من كتب خطاب الجزيرة االرئيس نميري ؟؟))
    اقتباس-(((مواطني الثوار اليوم ومن هذا الباب المضيء تقف ثورة مايو الاشتراكية التقدمية العظيمة لتمسك أقلام التأريخ لتكتب على صفحة وجهه دماء الشهداء الذكية نهاية النهاية لسراديب حزب الأمة الرجعي المخرب السفاك المنحل فقد كان وليد سفاح فاجر منذ فجر مولده فقد إنشاءه نيوبولد واشرف على إعداده فظل طوال حياته خبزا لذلك الخباز الذي ملا حياتنا ولا يلد إلا خمار الحادثات ولم يكن الانتماء إليه شرفا يوما من الايام))
    صديق البادي-احدثا الجزيرة ابا وود نوباوي مارس 1970 الطبعة اللاولى مارس 1998 صفحة 83
    ***
    ونحن بنسال كاتب المقال في 2015 في زمن ما في زول بيرقص ويغطي دقنو وصاحب المقال الجيد يسعى لتحريرنا من كل ماهو دوني ونقيصة في حق السودان والسودانيين
    ايهما كان الطريق الصواب
    1-طريق السيد عبدالرحمن المهدي- اتفاقية 12 فبراير 1952(وثيقة لاستقلال) ومحمود محمد طه-اسس دستور السودان 1955 وجون قرنق- اتفاقية نيفاشا ودستور 2005 خارطة الطريق الوحيدةالدولةالمدنية الفدرالية الديموقراطية باسس سودانية
    2-ولى طريق الناصريين والشيوعيين والاخوان المسلمين-دولة الراعي والرعية والريع والرعاع النموذج المصري المتخلف؟ الخاتينا تحت جذم العرب و المصريين لحدي الان؟؟ والمرء حيث يضع نفسه

  3. خير الكلام ما قل ودل …… سبحان اللله يقولون الصادق ابو الكلام وانت تبقى شنو يا مكاوى …حسبى الله ونعم الوكيل

  4. في الحقيقة انا معجب جدا بطرح هذه الجوانب الاساسية لما اعتبره بجوهر المصيبة وهو ما كنت اتوقع بان تكون الشغل الشاغل للمثقفين السودانيين ومن يمتلك ادوات التحليل والغور في اسبار المشكلة التي انتقلت من حالة الدهشة الي حالة المصيبة الاخطبوطية التي تطوقنا من كل جانب سوى كنت في السودان اومع صديقي الذي فضل العيش في اصقاع السكا. ..ولكن للاسف لم يتعرض احد من الكتاب لاسباب اختلال وفشل المعادلة النيوتنية(لكل فعل رد فعل..الخ) وتعامل من تجرأ القول منهم من خلال منطق الاشياء الانية فقط من غير استدرك فعلي لتاريخ المشكلة وذلك ليست فقط ينعكس علي حياتنا الاجتماعية ولكن لها تاثير عميق علي تاريخنا السياسي والقرارات المصيرية التي اتخذت خلال تاريخ هذا الشعب الذي غفا مثقفيه, اولا انا معني بمسبب الاستكانة الكاملة وحالة الخضوع الذي تجاوز كل حدوده بل حالة عدم الاستجابة المطلقة التي يمر بها هذا الشعب .
    دعني استبدل مصطلح “الخوف المرضي” الي حالة عدم الاستجابة او دعنا نسميها الاستجابة السلبية وذلك باعتبار ان هنالك استجابة لاي كائن حي للحدث الذي يقع في محيط وعيه. يعني الفأرة الصغيرة بامكانه إخافتك اذا شعرت بالخطر فما بالك بان تتم عملية تحقير و اضطهاد منظم طال لقمة العيش .. دعنا ان لا نعول كثيرا علي عامل التربية والتنشئة (مع عدم نفيه )ووصف مجموعة بشرية باكملها بانها تعاني من خلل سيكولوجي . ولكن دعنا ننظر الي هذا الكم الهائل من القبائل والثقافات المتعدده التي لم تتاح لها الفرصة الكافية لكي تتناغم مع بعضها البعض لكي تنصهر في قالب واحد وتكون السودان الوطن بحيث خينما يتم اغتصاب بنات تابت في غرب السودان يغضب ابناء حلفا ..المشكلة ليست مشكلة تنشئة او تربية ولكن ليست هنالك اي جهود بذلت من جانب المثقفين لمحاولة ترسيخ المباديء الانسانية والمشاركة الاقتصادية واقتسام الثروة وبالتالي تكوين المصلحة الاقتصادية المشتركة لخلق هوية (ليست بالضرورة ان تكون كاملة) تصبح شعار داخلي لكل مواطن وتصبح منفذاً له الي الحرية .. وشكرا لكاتب المقال في محاولته لايجاد مخرج واتمني ان تواصل ..فنحن حقيقة لا نحتاج لمن يستعرضون عضلات ذاكرتهم السياسية بقدر مانحتاج الي العقل التحليلي لواقعنا هذا المصيبة.

  5. افكار جميلة لمن عادية
    بمعني انها اصلا مطلب منطقي

    لكن ياخوي لماذا لاتدخل في الموضوع مباشرة؟
    ولماذ لاتطرح الفكره مباشره؟
    وهل هو مبحث في صناعة الانشاء؟
    اضطررنا للقفز والقراءة السريعة حتي نلتقط ماتريد قوله

    برضو شكرا لك

  6. صحيح ان الاعتقال لمجرد طرح الرأى او الفكر شئ مقيت وغير مبرر ولكن انت فى نظام شمولى وهذا ديدن الانظمة الشمولية لكن كمان مش دا فاروق الطعن رفاقه فى الظهر وتحالف مع نميرى وساهم بمشاركته فى النظام باعتقال المناضلين وتعذيبهم التاريخ لايرحم احد

  7. ردود على العطبراوي
    من هم المأجورين يا من نسبتك نفسك لمدينة الحديد والنار.
    التي أصبحت كغيرها من مدن السودان مدينة الصديد و الفار
    قاتل الله المتأسلمين و ألحقهم بعرابهم الترابي المرابي.
    أما نقد و حميد و محجوب شريف فندعو الله أن يتغمدهم بواسع رحمته و يسكنهم في فسيح جناته مع الشهداء و الصدقين و الصالحين و حسن أولئك رفيقا، بقدر ما قدموا لهذا الوطن و لشعبه الكريم.
    لأنهم قامات سامقةلم يسرقوا أو يقتلوا أو ينهبوا أو يكذبوا ولم يداهنوا أو يهادنوا كماهو حال كبيركم الذي علمك الكذب والتكسب بالدين.

  8. المقال رغم إنو طويل لمن يعل لكنه تحليل صادق لهذا الواقع
    لكن المقال غير ضروري
    لأن النضال ضد الإنقاذ لإستبدالها بأبوعيسى، الصادق، الميرغني، عرمان، عبدالعزيز خالد، الشويعاب وفلول القموميين إلى آخر هذه التوليفة هو نفخ في المقدودة
    الإنقاذ تشبه هذه المعارضة وتتفوق عليها بالتنظيم والفعالية، الإنقاذ تتسق مع السودان ومعارضته وخرمجته وتخلفه وكتاحته وسخانته وخواء شعبه والكمونية والكسرة بأم رقيقة وأميته والتدين البائس وكثرة الإدعاء وقلة الفعل وفرفور وندى القلعة ومساوي والعجب وروضة لحاج والصحافة المباعة و ,,, الإنقاذ هي التعبير الحق عن هذا الشعب إلى أن يولد إنسان جديد في السودان مختلف تماماً فيستحق حكومة محتلفة تماما عن الإنقاذ … هذه بلد سيرتها – منذ سقوط مملكة المقرة وعلوة – هي سيرة التخلف على مستوى الشعب والنفاق والجشع واللامبدئية على مستوى القادة والمغالطنا اليمشي يقرأ ما يترجمه بدرالدين حامد الهامشي وينشر في الركوبة وبرقيات السفارة الإمريكية بالخرطوم والتي يترجمها مشكورا أحد المهتمين وتنشر أيضاً في الراكوبة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..