التصفيق .. ظاهرة مسرحية للتعبير عن الإعجاب

أصحاب المسارح لجأوا إلى تشكيل مجموعات تعمل لحسابهم بغرض قيادة الجمهور في عملية التعبير عن شعوره خلال العرض، من خلال التصفيق.

ميدل ايست أونلاين

القاهرة ـ من وكالة الصحافة العربية

التصفيق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعاطفة

التصفيق في المسرح له تاريخ عريق، يرجع إلى العروض المسرحية الإغريقية، وتقول الدراسات المتخصصة إنه مع انتشار المسارح في أوروبا خلال القرن السابع عشر، وانتشار حركة التأليف المسرحي، وتقديم العروض لعامة الشعب، ظهر جمهور المسرح الحر الذي يصفّق وقتما يريد، أو يصفّر مُستهجناً ما يحدث من بعض الممثلين.

وقد لجأ أصحاب المسارح إلى تشكيل مجموعات تعمل لحسابهم بغرض قيادة الجمهور في عملية التعبير عن شعوره خلال العرض، من خلال التصفيق أطلق عليها “جوقة المصفقين”، وهي مجموعة من المشاهدين المرتزقة يعملون تحت قيادة أحدهم يطلق عليه قائد الجوقة، يتم استئجارهم لدعم عرض مسرحي مُقابل مبلغ من المال.

وقد ظهرت هذه الجوقات في القرن السابع عشر كمُنظمات مُحترفة، واستمدت أهميتها في فرنسا في ظل التنافُس الشديد بين المسارح والمخرجين والممثلين، وقد ظل التصفيق محكوماً بأفراد الجوقة وقياداتها إلى أن ألغاها مسرح “لاكوميدي فرانسيز” بفرنسا، بموجب قانون صُدر في عام 1902.

والتصفيق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعاطفة، وليس كل التصفيق تلقائيا،ً فهناك التصفيق الموجّه والمصنوع، ويقول مثل فرنسي “يظل الطفل بريئاً حتى يتعلّم التصفيق”، ويفسر هذا المثل أن التصفيق لا يتم في معظم الأحيان بدافع من الصدق والإعجاب الحقيقي، أو لتقديم التحية لعمل أو شخص يستحق منا الثناء عليه، وإنما التصفيق في مُعظمه يكون هدفه الأساسي المجاملة للمصفّق له، وهو نوع من النفاق الاجتماعي، أو يكون التصفيق تعبيراً عن الفن أو الجمال أو الموهبة أو العبقرية والبلاغة.

انتقل التصفيق إلى مصر مع الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، ونقلت معها تقاليد العروض المسرحية بما فيها جوقة المصفقين، ففي بداية القرن العشرين ومع انتشار العروض المسرحية في شارع عماد الدين، كانت بعض المسارح تلجأ إلى استخدام مجموعات من المتفرجين لإثارة التصفيق في القاعات، وغالباً ما كانوا من العمال القادمين من الريف المصري.

وهناك أنواع من التصفيق منها: التصفيق بأطراف الأصابع، مثل تصفيق نساء الطبقة الراقية، وهناك التصفيق المستمر للتعبير عن الإعجاب الشديد، وهناك التصفيق المنظم الذي نشاهده في برامج التوك شو التليفزيونية.

وتحصر الدراسات التصفيق في المسرح بين عِدة أنواع، فهناك التصفيق الترحيبي، ويطلقه الجمهور عادة عند فتح الستار وقبل بداية العرض المسرحي، وهو إشارة استعداد إيجابي عن الجمهور المشاهدين لتقبل رسالة العرض وإعلان عن الاستعداد للتفرّج، وهناك التصفيق الاستحساني، ويقوم به الجمهور عادة خلال العرض تعبيراً عن إعجابه بموقف أو بآداء ممثل، والنوع الثالث وهو التصفيق التشجيعي الذي يطلق عند التقدير لممثل ما عند دخوله، أما التصفيق المبرمج وهو الذي يطلقه بعض المشاهدين أثناء العرض بالاتفاق المسبق مع المسئول عن العرض المسرحي، ثم التصفيق الاحتجاجي الذي يطلقه الجمهور عند تأخر بدء العرض المسرحي عن موعده المحدد، أما النوع الأخير وهو تصفيق التحية ويطلقه الجمهور بعد انتهاء العرض.

? فعل تلقائي

ويرى د. سميح شعلان عميد المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، أن التصفيق هو صيغة بشرية مُشتركة للتعبير عن الإعجاب بحدث مُعيّن أو موقف، حيث يظهر بشكل واضح في الإبداع المباشر كالموسيقى والغناء والعروض المسرحية، وقال: إن تصفيق الجمهور يدل على استحسانه لما يقدّم، ومن الأمثلة الشهيرة التي يمكن ذكرها في هذا المجال، عازف الجاز الشهير مايلز دايفيس الذي عاد إلى خشبة المسرح 36 مرة بتصفيق كان يزداد حِدة في كل مرة، وذلك خلال حفل قدّمه في المسرح الوطني بلندن عام 1971، وتجلى هذا أيضاً بشكل واضح خلال حفلات أم كلثوم.

ويقول شعلان: إن هناك دلالات أخرى كثيرة للتصفيق يتم استخدامها في حياتنا العادية ? منها على سبيل المثال ? ضرب كف بكف حينما يُفاجأ الإنسان بموقف مُعيّن لم يجد مُبرراً لحدوثه، فيلجأ إلى التصفيق كرد فعل تلقائي ويصاحبه عبارة “لا حول ولا قوة إلا بالله”، أيضاً قد يُعبّر عن التنبيه، وقد يكون لغة مُشتركة مُتفقاً عليها بين رب المنزل وأفراد الأسرة عند استدعائه لهم لإدخال المشروبات، كما يستخدم للاستدعاء مثلما يحدث في المطاعم والمقاهي الشعبية، والتي مازالت تستخدم هذا الأسلوب حتى الآن.

بينما يؤكد د. رفعت الضبع خبير الإتيكيت الدولي، أن التصفيق كشعور كامن يُعبّر في بعض اللحظات عن سعادة الإنسان أو عند تحقيق انتصار ما، وهو يجمع بين الشعور واللاشعور، فالجزء الشعوري يظهر عند لحظة الإعجاب، ويختلف التصفيق حسب المكان والزمان، فهناك أماكن ممنوع فيها التصفيق، مثل دور العبادة والمستشفيات وبعض المجالس النيابية، وكذلك أوقات الحزن والعزاء، لافتاً إلى أن التصفيق قد ينطوي على دلالات أخرى مثل السُخرية، كما هي الحال في مباريات كرة القدم عندما يخطئ المهاجم في تصويب الكرة أو عندما يصدر الحكم قراراً ظالماً.

ويقول: إن المستوى الثقافي والاجتماعي يحدّد أسلوب التصفيق، فسيدات المجتمع الراقي يصفقن بأطراف أصابعهن على عكس الفئات الشعبية، والمثقف يختلف عن الجاهل، وكذلك تصفيقة المرأة تختلف عن تصفيقة الرجل، ويضيف: أما عن تصفيق المشاهير والساسة فهو يختلف تماماً، حيث يحكمه الإتيكيت وقواعد مُعيّنة، حيث يوجد في أوروبا معاهد للدراسات الاستراتيجية، تهتم بإعداد وتخريج القيادات السياسية، ويتضمَّن هذا الإعداد طريقة تصفيقه متى وأين.

ويقول مدحت فهمي رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية: إن من أشهر الرقصات التي تعتمد على التصفيق في تراثنا الشعبي هي الحجالة التي تشتهر بها مرسى مطروح بشمال غرب مصر، ورقصة الكفافة بأسيوط بصعيد مصر، وكذلك رقصة الكف التي تعتمد بشكل كبير على استخدام حركات الأيدي والتصفيق، ورقصات الفلاحين التي يعتمد الرتم فيها على التصفيق، لافتاً إلى أن كل مدينة لها عاداتها وتقاليدها في الرقص والتصفيق.

ومن جهته، يربط د. محمود خليل أستاذ علم الدلالة بجامعة القاهرة، بين شيوع عادة التصفيق داخل أي مُجتمع وبين تراجع قيمة العقل، ويقول: إن التصفيق نوع من الانبهار وتغييب الوعي، كما أنه عادة مُرتبطة بثقافة “القطيع”، فالفرد الجالس وحده نادراً ما يفعل مثل هذه العادة، ولكن وجوده في الجماعة كثيراً ما يجذبه لهذا الأمر، ويدفعه إليه دفعاً، لذلك نجده مُنتشراً بمدرجات كرة القدم، ويضيف: التصفيق عادة بشرية ارتقت في فترة من الفترات لمرحلة العبادة، فقديماً أيام الجاهلية كان يستخدم كنمط من أنماط العبادات عند الطواف بالكعبة مُقترناً بالصفير، حيث قال تعالى: “وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية”، ومكاء تعني الصفير، أما التصدية فتعني التصفيق.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..