مقالات سياسية

سد النهضة و(فبركات) المُتأسلمين

د. فيصل عوض حسن

وفقاً لما أوردته (سونا) ونشرته العديد من وسائل الإعلام، وفي فبركةٍ وتضليلٍ إسلامويٍ (فاضح) للرأي العام، وطَمْسٍ مُخجلٍ للحقائق، وتغطيةٍ للفشل والـ(خيانة)، أكَّد (رئيس اللجنة الفنية للسدود) وعضو (السودان) في لجنة سد النهضة، عدم وجود مخاوف من الـ(تصاميم) الفنية للسد، وأنه تمَّ التأمين على الشركات المُنفذة والتي قامت بتنفيذ أجزاء من التصاميم الفنية لتعلية سد الروصيرص! وواصل تضليله بالتأكيد على أنَّ مُعظَم خزَّانات السودان لم تصل لسعاتها التخزينية القصوى المطلوبة، الأمر الذى ينعكس (إيجاباً) في الاستفادة من سد النهضة! موضحاً أنَّ الفرصة ما زالت قائمة لوضع الـ(قوانين) في الـ(إطار) الـ(فني) عبر اللجنة الفنية المكونة من الدول الثلاث (السودان، مصر وأثيوبيا)!

بغض النظر عن التحايُل والتضليل الفاضح الذي انتهجه ممثل السودان في هذا السد، وعدم توضيحه للعلاقة بين عدم وصول (خَزَّاناتنا) لسعاتها التخزينية القُصوى وبين سد النهضة، وتغافله عن ماهية الـ(قوانين) في الـ(إطار) الـ(فني) التي ستضعها لجنته التي يمثل فيها السودان، وتبريراته في للاستعجال في توقيع الاتفاق دون تضمين هذه القوانين! بغض النظر عن كل هذا، نقول له أنَّ الـ(تجاوزات) المُصاحبة لهذه الجريمة الوطنية أكبر بكثير من الإطار الـ(محدود) الذي حاول تحجيمها فيه، عبر (حصرها) فقط في الـ(تصاميم) الفنية للسد! وهو أمرٌ معيب، لكنه ليس غريباً عن المُتأسلمين الذين يجتهدون في تبرير أخطائهم وجرائمهم، ليس فقط الدنيوية، بل حتَّى في أحكام الله، بتحليل الحرام وتحريم الحلال!

ورغم أنَّنا كتبنا في هذا الخصوص، وقمنا بتحليل كل بند من بنود ما وصفوه بالاتفاق الإطاري لسد النهضة، سواء كان شخصي (اعتماداً على رأي المُستشار القانوني لوزارة الري ووكيلها)، أو ما سطره نُخبة مُميزة من الكُتَّاب والخبراء والمُتخصصين، فلا بأس من تذكير هذا المُتأسلم وجماعته بالـ(تجاوُزات) الـ(صارخة) التي ترتقي لمُستوى الـ(خيانة) الوطنية لهذه الاتفاقية. وسنرتكز في هذه المقالة، بجانب ما ذكرناه سابقاً وما تمَّ نشره فعلياً من بنود للاتفاق المشئوم، على إفادات وزير الري الأسبق المُهندس كمال علي محمد، والتي عكس فيها (مآخذه) على وثيقة إعلان المبادئ حول سد النهضة من المنطلق الـ(علمي) والـ(هندسي)! حيث أكَّد على أنَّ وثيقة الاتفاق للمبادئ ? رغم إشارتها إلى القانون الدولي ? قد (أغفلت) الـ(مبادئ) الـ(أساسية) للـ(أمن) الـ(مائي) الـ(قومي) للـ(سودان) في ما يخص الـ(إلتزام) بالإخطار المُسبق و(عدم) الـ(إضرار) بمشروعات السودان، و(أغفلت) الإشارة إلى الـ(إلتزام) بالإتفاقيات القائمة وأهمها إتفاقية 1902م، وهي تُعنى (حصرياً) و(مُباشرةً) بالمشروعات والخزانات التي (خَطَّطت) و(تُخطط) أثيوبيا لإقامتها على النيل الأزرق بنحوٍ خاص، ثم بحيرة تانا ونهر السوباط (وهو ما أشرنا له في مقالنا السابق)!
ومن الجوانب الضبابية التي حاول ممثل السودان في لجنة سد النهضة تضليل الرأي العام بها، وذكرها وزير الري الأسبق المبدأ الثالث الخاص بتسبيب الضرر، والذي (أغفل) تثبيت (نص واضح) لتعويض الدولة الـ(مُتضرِّرة) من الدولة الـ(مُتسبِّبة) في هذا الضرر كأمر (مُلزم)، بدلاً عن الصيغة الضبابية التي تمَّ التوقيع عليها (مُناقشة التعويض كلما كان ذلك مُناسباً)! وكذلك الحال بالنسبة للمبدأ الخامس الخاص بالتعاون في الملء الأول وإدارة السد، حيث خلا من عبارة (إلزام) واستبدلها بـ(إحترام) المُخرجات النهائية للدراسات المُشتركة (المُوصي بها) في تقرير لجنة الخُبراء الدولية، والتي حدد لها 12 شهراً، تخضع بعدها للدراسة (ثلاثة أشهر) وبذلك تصبح الفترة 15 شهراً، مما يعني (عملياً) صعوبة تنفيذ هذه الـ(مُخرجات)! ليتم (استخدامها) لمدة ثلاثة أشهر بغرض الإتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول! وهذا كله لغياب الـ(التزام)، وهو ما أشرنا له في مقالنا أيضاً. والمُصيبة ? بحسب رأي وزير الري الأسبق ? أنَّ البند أعطى أثيوبيا (كل الحق) في ضبط قواعد التشغيل السنوي دون الرجوع لدولتي المصب (إخطارهما فقط) بالأسباب التي إستدعت ذلك، ثمَّ قال الوزير بالنص (ربنا يستر)!! كذلك الحال بالنسبة للبند السادس للاتفاق الذي لم يتضمَّن (التزام) أثيوبيا بإعطاء السودان أي كهرباء من السد أو (حجمها) أو (سعرها) أو متى (ستُنشئ) خطوط نقلها داخل السودان؟!. وفيما يخص البند العاشر الخاص بالـ(تسوية) السلمية للمُنازعات، نجده تحاشى تماماً مسألة الـ(تحكيم) لكونها (مُلزمة) و(نهائية)، بعكس ما ورد في الاتفاق (يُحال لرُؤساء الدول)!!

على أنَّ أكبر الإشكاليات ? بحسب رأي وزير الري الأسبق ? تتمثَّل في حجم التخزين المُستهدف لسد النهضة والبالغ (74) مليار، بما يتناقض وآراء الكثير من المختصين القاضية بتخفيضها لنحو (11) مليار، وهو الحجم الذي وضعته أثيوبيا في خطتها وإستراتيجيتها القومية منذ أوائل الستينات! والأضرار الناجمة عن تخزين الـ(74 مليار)، والتي (حدَّدتها) اللجنة الثلاثية المدعومة بخبراء دوليين في تقريرها في مايو 2013م! لا سيما مع (عدم) التأكُّد من (سلامة) السد التي مازالت دراساته (تنتظر) تكوين لجنة الخبراء الدولية (المتعثرة)، وغياب دراسات التشغيل والملء والتفريغ والجوانب البيئية والإجتماعية والإقتصادية، وهي جميعها (في علم الغيب)! فضلاً عن الآثار الضارة (علمياً وهندسياً وزراعياً وإقتصادياً وإجتماعياً) على السودان بحجز مياه الفيضان، بما ينعكس (سلباً) في ضياع أراضي الجروف (أحد مصادر الأمن الغذائي)، والأثر السلبي على تغذية المياه الجوفية التي أثبتتها دراسات (الوزارات المعنية) بشأن الآبار الإختبارية (عملياً)، وليس (افتراضاً)! وهناك أيضاً فقدان كلٌ من الري الحيضي والفيضي، و(صعوبة) ملء خزاني الـ(روصيرص) و(سنار) وبالتالي توليد الكهرباء منهما، وفقدان مياه ري مشروعات النيل الأزرق، بما فيها مشروع الجزيرة والرهد والسوكي، طيلة فترة ملء خزان الروصيرص وسنار (46 يوماً)!.

لقد حاولتُ التعقيب (باختصار) على تضليل ممثل السودان في لجنة سد النهضة، وحصره الأمر في الجانب التصميمي والفني، استناداً لرُؤية وزير الري الأسبق، ليس فقط لمنصبه الوزاري وإنَّما لتخصُّصه العلمي وخبرته المشهودة (عالمياً) في هذا المجال، والذي أكَّد ما سُقناه في مقالاتنا السابقة من مخاطرٍ كارثية لهذا السد على السودان، وهو الذي يهمَّنا في هذا الموضوع. فكلٌ من مصر وأثيوبيا تحتلان أجزاءً مُقدَّرة من بلادنا، وما يُؤلم (حقاً) أنَّ سد النهضة (كما أوضحنا في مقالنا السابق) مُقامٌ على أرض سودانية، تمَّ تضمينها لأثيوبيا في إطار اتفاقية 1902 على ألا تقوم أثيوبيا بأي إنشاءات على مجرى النيل الأزرق! فكيف نُلغي اتفاقياتنا السابقة دون استرجاع ما تنازلنا عنه في ضوئها؟ ثم لماذا لم يتم تضمين الاتفاق كل الجوانب القانونية المُتعلقة بالسلامة والتعويضات وحصص المياه والفوائد الأخرى، وفق نصوصٍ (مُلزمة) وواضحة، بدلاً عن العبارات الـ(ضبابية) التي طغت على بنود ومُفردات الاتفاق الإطاري، وهو ما أسهبنا فيه مقالنا السابق!

المُحصلة أنَّ البشير وجماعته لا يتوانون عن التنازل عن أي شيئ في سبيل مصالحهم الشخصية، حتى ولو كان بيع الوطن وأهله، ثمَّ يبتلعون كل هذا، بل ويضفون عليه الشرعية القانونية والفنية والدينية، والشواهد كثيرة ولا يسع المجال لذكرها، ودونكم حديث البشير لقناة الحياة المصرية والذي من ضمنه (الطاقة التخزينية 74 مليار كبيرة وتحتاج إلى مراجعة والتأكيد على سلامة السد)! فتأمَّلوا التناقض واحكموا أنتم!.

حسناً فعل الحزب الليبرالي السوداني بإصدار بيان لمُناهضة السد، وأنْ تأتي مُتأخِّراً خيراً من ألا تأتي! والفرصة ما زالت مُواتية للأحزاب والقوى السياسية ورموزها لاتخاذ موقف (وطني) و(نضالي) فعلي، تجاه خطر (حقيقي) يُهدد الوطن وأهله. ونناشد شرفاء السودان، لا سيما القانونيين، لاتخاذ ما يلزم نحو ضمان حقوق وسلامة وأمن وسيادة وعزة السودان وأهله في الحاضر والمُستقبل.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. في سبيل مصلحتهم وبقائهم اطول مدة في سدة الحكم يفعلون اي شيئ هكذا هي سياسية الرجل الموالي للسلطة خير من الكفاءة

  2. الموضوع ليس موضوع سد

    اثيوبيا لا تستطيع الاضرار بمصالح السودان البعيدة لانهم يخططون أن تكون جزء من اثيوبيا مستقبلاً

    السودان امام خيارين الوحدة مع اثيوبيا او تبتلعها مصر .

    اثيوبيا ومصر يعرفون ذلك جيداً ويعرفون بانهم في حرب غير معلنة بسبب السودان وليس بسبب السد.

    اثيوبيا ومصر لهم اضماع في السودان والفرق أن اثيوبيا ترغب في السودان ارضاً وشعباً عكس مصر تريدها ارضاً بلا شعب وتعمل على ذلك منذ فترة طويلة على أن تنتهي من شعبها بالجهل والامراض والحروب. ويركبون الاسلام والعروبة كحصان طروادة

    وكل ذلك بسبب أن السودان وطن مازوم وبلا هوية وغير قابل للبقاء بشكله الحالي وفي المستقبل سيتسبب في نتائج كارثية للدولتين.

  3. خطورة امر سد مبادئ الالفية والتوقيع عليها والمشاؤكة في حرب اقليمية مدمرة خلال اسبوع واحد انما تاتي من ان دكتاتور السودان يلعب بالا ستربقاء في السلطة .عودو معي الي الشهور الثلاثة التي سبقت انتفاضة سبتمبر 2013 وسنجد ان ازمة الحكم في

    السودان وصلت لحدودها القصوي فشلت معها كل (اساليب التنفيس) ولاحظوا في ذلك الوقت ان بعض من قيادات الوطني كانوا قد نادوا بالتطبيقات الاقتصادية مع اعلان ميزانية ر
    2014/2015 في يونيو ويوليو 2013 لكن الدكتاتور امر باعلانها في سبتمبر وقبل اوانها بثلاثة اشهر والقصد الدخول في (دواس) مع الشعب في الوقت الذي يناسبه ويؤدي لاجهاض اية مقاومة .صحيح ان الانتفاضة كادت ان تزيل الغطاء) وتسمح لكل الشعب ان يخرج لكن صحيح ايضا بعضا من شرائح المعارضة كانت تتحجج بالبديل (الشعبي والامة) وعلي مسئؤلية زينك الحزبين تقع تواري الانتفاضة بعد ان خسر الشعب 270 من افضل شبابه بالاستشهاد لكن الدكتاتور نجح في اختيار الوقت المناسب لتجديد البقاء في السلطة علي اشلاء الشباب . في منتصف مارس وصلت حملة المقاطعة وارحل لحدودها القصوي واصبح بقاء السلطان نفسه في خطر فاختاروا تاريخ 23 مارس 2015 للتوقيع علي المبادئ التي رفضها الرئيس المصري من قبل سته اشهر والقصد تكتيك لاجهاض اي عمل جماهيري ضد الدكتاتور لكن المعارضة علي سد النهضة انحصرت في الشريحة المستنيرة وبعد اقل من اسبوع شارك الدكتاتور في (عاصفة الحزم) دون ان يشاور (كابينته) بل اصدر تعليماته من خارج البلاد لقادة الجيش . اذن كل الخيارات اختارها الدكتاتر بهدف تخفيض مستوي المعارضة الشعبية لحين حصوله علي شرعية جديدة للاستمرار . اذن يحول الدكتاتور المسائل الاستراتيجية القومية للوطن الي تكتيكات تبقيه في السلطة .

  4. باسم الدين يمكن قيادة الإنسان السوداني (الغالبية) للهاوية ، باسم الدين ــ و لا يمكن باسم أي شيء غيره ــ باسمه يمكن جعل السوداني (الغالبية) أن (تتجلبط بالخراء) و تدعي أن الروائح روائح صندلية … باسم الدين تمكن الكيزان من رقابنا ليكلموننا عن الزهد و هم يلغفون ، و عن القوي الأمين و هم ينهبون و عن الطهر و العفاف و هم ينكحون و يستغلون الصبايا بل و يتناكحون فيما بينهم …. أن لم تقم حركة اصلاح ديني فابشروا بالكيزان و القاعدة و داعش و كل أنواع الغائط و الفساء …

  5. بالله عليكم هل منكم من يعرفنا بهذا الكاتب الذي في كل ما يكتبه عن سد النهضة يكون عنوان ما يكتبه شيء وداخل المقال لا تجد الا كلمة المتأسلميين الذي اظنه لايعرف مفردة غيرها.يا اخي معظم خبراء السدود في العالم اثبتوا ان المستفيد الوحيد من هذا السد هو السودان فقط واذا كان هنالك حسنة واحدة يمكن ان تحسب (للمتأسلميين) فهي وقوفهم مع بناء هذا السد.اخيرا كل ما اقرأ مقال لهذا الدكتور اظن الذي كتب هذا الكلام هو المدعو هاني رسلان .

  6. من دون شك فإن سد النهضة يُعّد خطراً حقيقياً يُهدد السودان وأهله ..
    ان السعة التخزينية الهائلة للمياه خلف السد البالغة (74) مليار متر مُكعب , مع نوعية التربة التى بُنى عليها السد يعطيان مؤشراً قوياً على الخطر القادم على السودان من الغرق المحدق لكل مدنه و قراه فى حالة حدوث أى شرخ بجسم السد , مع عدم وجود ضمانات كافية من الجانب الاثيوبى أو من الشركة التى ستقوم بالبناء , مع عدم مطالبة الجانب السودانى بضمانات حقيقية ملموسة ..

    يجب علينا جميعاً مُناهضة هذه الكارثة التى على الابواب قبل فوات الاوان دفاعاً عن الحقوق و ضماناً لمُستقبل الموطن ومُستقبل أبناءه ..

    لقد فاقت جرائم هذا النظام الضعيف المتهالك و مسئوليه كل حدود المقبول و المعقول ولن تتوقف إلا إذا بادر الشعب بإيقافها عبر الإنتفاض لاقتلاعه من جزوره لتحرير البلاد و العباد من جرائمهم ومن رجسهم ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..