في السودان (إنتخابات الإستمرارية لا إنتخابات الشرعية الديمقراطية)

د. أحمد عثمان عمر

(1)
يستغرب الكثير من السياسيين و المحللين من إصرار النظام السوداني على إقامة إنتخابات يعلم جيداً أنها فاشلة وشكلية وأنه سوف ينافس فيها نفسه بعد مقاطعة قوى المعارضة الرئيسية لها. ولكن المدرك لطبيعة النظام يفهم سريعاً السر شبه المعلن وراء إجراء مثل هذه الإنتخابات. فالنظام لا يتعامل مع الإنتخابات بالإساس كوسيلة ديمقراطية لتداول السلطة و إعادة إستدخال مؤسسة الدولة إلى المجتمع بخلق الرابطة الآلية بين المواطن والمؤسسة، ولكنه يتعامل معها كوسيلة لضمان إستمراريته في السلطة و لتبرير هذه الإستمرارية لا أكثر و لا أقل. فالنظام يعلم أكثر من غيره أن الإنتخابات ليست هي الديمقراطية كما يتوهم الكثيرون، بل هي مجرد وسيلة من الممكن أن تتجمل بها أقبح الديكتاتوريات بأخذ الآلية الديمقراطية في سياق غير ديمقراطي, وهو يعلم أنه في ظل الدستور الحالي الذي بح صوتنا ونحن نقول أنه ليس دستور ديمقراطي، لا يمكن بل يستحيل أن تكون الإنتخابات ديمقراطية. لأن الإنتخابات الديمقراطية تقوم في دولة سيادة حكم القانون الديمقراطية و تستمد ديمقراطيتها من الدستور الديمقراطي لا من دستور تكرس مادته الخامسة الدولة الدينية علناً وعلى رؤوس الأشهاد في شمال السودان سابقاً والسودان حالياً.

(2)
إدراك النظام ? على عكس معارضته التي توهمت أن الدستور الحالي من الممكن أن يقود لإنتخابات ديمقراطية في الإنتخابات السابقة- يجعله متقدماً على معارضته بخطوة في التفكير حول الغرض من الإنتخابات وكيفية توظيفها. و ينبني على ذلك قدرة النظام على تحديد الهدف من الإنتخابات وحياكتها لتتناسب مع طول وعرض ذلك الهدف. و بما أن الهدف من الإنتخابات الحالية هو إستمرار النظام في السلطة، فبالنسبة للنظام تبرير إستمراره حقوقياً ودستورياً عبر هذه الإنتخابات، أهم من شكل الإنتخابات و محتواها معاً. ومن هنا يأتي رده على مقاطعة المعارضة للإنتخابات المتمثل في منعها من تفعيل المقاطعة لنشاط سياسي فاعل يقود إلى إسقاطه، مع الإستمرار في إنجاز الإنتخابات بمن حضر. فالنظام مضى في تنفيذ إنتخاباته لا ليصبح نظاماً ديمقراطياً ، بل ليستمر كنظام دستوري وفقاً لدستور نيفاشا الذي يحكم البلاد. و حجته حول مشروعية إستمراره هي أنه قد أقام الإنتخابات في مواعيدها الدستورية و أن من قاطعها قد مارس حقه في المقاطعة، لكن المقاطعة لا تسقط عن الإنتخابات دستوريتها خصوصاً و أن الدستور لا ينص على نصاب معين لشرعية الإنتخابات. وبما أن القوى المقاطعة قد إرتضت دستور نيفاشا و طبلت له كدستور تحول ديمقراطي، فإن إنتخاباته شرعية ودستورية وتؤكد شرعية إستمراريته في السلطة. و بلا شك سوف يزيد النظام على ذلك بعداً سياسياً للإنتخابات يدعي نزاهتها وشفافيتها بل يؤكد أنها كانت حرة أيضاً. هذا النوع من الدعاية، سوف يسمعه العالم والسودانيون قريباً برغم الفشل الجماهيري الذريع والعزلة المستحكمة التي أكدتها هذه الإنتخابات للنظام بصورة فاقت تصوره و إدراكه.

(3)
فالنظام يدرك بلاشك أنه معزول ومحاصر، ولكن هاله و أدهشه مدى هذه العزلة كما أدهشه عمق الرفض بل والتمرد عليه حتى داخل الحركة الإسلامية التابعة لحكومته، التي اضطرت إصدار نداء لعضويتها و مواليهم للحاق بصناديق الإنتخابات. ولكن رد فعله على هذه العزلة لن يكن الإعتراف بخطئه و تقديم تنازلات لمعالجة الأزمة، بل سوف يستخدم الإنتخابات للحديث عن شرعيته الدستورية الحقوقية، ويناور لكسر طوق العزلة ، دون مخاطبة المشاكل الرئيسية أو محاولة تفكيك الأزمة و إيجاد حلول حقيقية لها بمخاطبة أسبابها. وذلك لأنه يعلم أن سببها الرئيس هو النظام نفسه وأن معالجتها تستدعي تفكيكه و محاسبة مجرميه كمدخل صحيح لبناء دولة المواطنة وسيادة حكم القانون ، التي يجب أن تكون دولة كل مواطنيها. وهذا بالطبع يستدعي توقع أن يتم تسويق سلطة الأمر الواقع التي تنتج عن الإنتخابات كسلطة دستورية أتت في السياق الدستوري لتمنع أي فراغ دستوري ينتج عن تأجيل الإنتخابات، ولتمنع أي إدعاء بعدم شرعية السلطة القديمة في حال التأجيل الذي رفضه النظام. كذلك يستدعي توقع إستمرار السلطة في التضييق على المعارضة المقاطعة للحوار الوطني المزعوم والمناورة مع المعارضة المنخرطة في الحوار و إستخدامها لتنفيس الإحتقان و مخاطبة المجتمع الدولي تكتيكياً بالرغبة في الحوار وجدية مساعيه. و بالطبع لن ينتج عن مثل هكذا حوار سوى معالجات تجميلية تضع بعض المساحيق على وجه النظام الكالح، ولكنها لن تحل أي مشكلة من المشاكل الراهنة، ولن تقدم للمواطن السوداني أي شئ يذكر.

(4)
في مواجهة خطة النظام الواضحة والجلية التي أقام على أساسها إنتخاباته المثيرة للسخرية، المطلوب هو أن تضع المعارضة الحقيقية للنظام تصوراً واضحاً لمرحلة ما بعد الإنتخابات و لا تكتفي بمقاطعتها. فعلى المعارضة ألا تعترف بالسلطة التي تنتج عن الإنتخابات و أن تتعامل معها كسلطة أمر واقع بإعتبار أنها نتجت عن دستور إنتهت صلاحيته بإنفصال الجنوب و كان يجب أن يتم إستبداله بدستور يجمع عليه أهل السودان الحالي ، لا أن تقوم السلطة بترقيعه و إستخدامه في مواجهة شعبها. و عليها أن تمتلك الشجاعة لتقول بأن هذا الدستور دستور غير ديمقراطي وأن أية إنتخابات تمت أو تتم بموجبه ليست ديمقراطية و أن السلطة التي تنشأ عنها يستحيل أن تكون سلطة ديمقراطية، و أنه بدون قيام مؤتمر دستوري يضع دستوراً ديمقراطياً حقيقياً، لا شرعية لأي سلطة وإن جاءت إنتخاباتها مبرأة من كل عيب . فالإنتخابات التي أتت بالسلطة الحالية و الإنتخابات الماثلة التي ستأتي بها أيضاً، كلتاهما إنتخابات غير ديمقراطية بحكم أساسهما الدستوري غير الديمقراطي، وبحكم أنهما تمتا في ظل نظام دولة دينية إستبدادي، وبحكم أنهما أتيتا في ظل حرب مستمرة و ظالمة ، وبحكم أنهما أتيتا في ظل غياب الحريات و القوانين المقيدة للحريات، وبحكم أنهما أتيتا في ظل إستغلال حزب الحكومة لمقدرات الدولة وللأجهزة الأمنية لمصلحته وضرب خصومه، و بحكم إحتكار السلطة والثروة لفئة طفيلية حاكمة تستخدم المال الحرام للتأثير عليهما ، و بحكم عدم أهلية رأس النظام بوصفه مجرماً هارباً من العدالة الدولية ، و بحكم أنهما تمتا في غياب شروط الإنتخابات العادلة والحرة والنزيهة التي تتيح التنافس و تداول السلطة لا تكريس إستمراريتها.

(5)
و رفض نتيجة الإنتخابات و السلطة التي ترتبت عليها، يجب أن يصاحبه إستمرارية فاعلة لبرامج التعبئة السياسية الرامية لإسقاط النظام وعدم القبول بالفتات الذي يعرضه. فالمطلوب هو إستمرار التعبئة ضد الحوار الوهمي الذي تنادي به السلطة لذر الرماد في العيون وتمرير مخططاتها. فمعركة مقاطعة الحوار لم تنته، إذ أنها مرشحة للتصاعد لأن الحوار هو الوسيلة التي ستستخدمها السلطة بعد الإنتخابات لدعم إستمراريتها بجر المعارضة لحوار غير منتج يبرر وجوده إدعاءاتها بالجدية في مخاطبة مشاكل الوطن، وينهك معارضتها ويسمح بتقسيمها ودق الأسافين بينها. لذلك لابد من وضع برنامج عملي ومنظم لفضح مثل هكذا حوار مع سلطة لا شرعية و لا شرف خصومة لها. كذلك يجب تطوير الموقف الشعبي العام الرافض للسلطة والذي تجلى في هذه الوقفة الملهمة لشعبنا العظيم الذي قاطع إنتخابات الزيف بوعيه الخلاق، برغم نجاح السلطة لحد كبير في إضعاف حملة “إرحل” التي إجترحتها المعارضة، مما يؤكد أن الرفض الشعبي للسلطة أمر متجذر ليس مطلوباً من المعارضة إجتراحه أو التأسيس له بمبادرة منها. المطلوب من المعارضة هو أن تجد التكتيكات والسبل لكسر القيد والحواجز التي تضعها السلطة بينها وبين شعبها، حتى تتمكن من الإلتصاق بشعبها و تحويل رفضه لفعل إيجابي يسقط السلطة، عبر تقديم البرنامج البديل المبسط، وتقديم القيادة الملهمة، لتكفل شعبنا العملاق بإسقاط طغمة الإنقاذ و إرسالها إلى مزبلة التاريخ.

(6)
بقى أن نشكر شعبنا المعلم، الذي كرس عزلة صارمة ضربها حول النظام، بمقاطعته لإنتخابات الزيف مقاطعة مشرفة وشبه شاملة رغم ضعف معارضته المنظمة، والذي هزم النظام سياسياً بموقفه السالب و نقص له فرحته بالإستمرارية الحقوقية الدستورية، وعلمه بأن الفصل بين الحقوقي الدستوري والسياسي مستحيل، وأن مناورته التي يقوم بها من أجل تقنين إستمراريته سقطت سياسياً و جماهيرياً بإستفتاء علني أكدته المقاطعة، و أن محاولة إستمداد شرعية من دستور لا يتوافق مع إرادة الشعب الذي يحكمه محاولة مكشوفه مصيرها الفشل و السقوط . التحية و التجلة لشعبنا و لمناضلاته و مناضليه و لكل من شارك في فضح هذه الإنتخابات و هزيمتها سياسياً بتصرف حضاري و ديمقراطي هو المقاطعة، وهو تصرف يؤكد أن وسائل الإحتجاج والرفض السلمي للنظم الشمولية لا محدودة، وعلى شعبنا الإستفادة منها.

وقوموا لإنتفاضتكم يرحمكم الله،،،،،
د. أحمد عثمان عمر
17/4/2010م
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. صغير عمر خمسة عام كارهة
    السودان عشان النظام
    خليك من الباقي العقلاء
    المطلوب السودان جديد
    لاقبلي لا لون لا غربي لا شرقي
    لا جنوبي لا شمالي
    سوداني سوداني
    اجنبي معرووف بي ايقامتو

  2. والله يا دكتور بالرغم عن صحة كل ما ذكرته: الا أنني أخالفك الرأي فيما يختص بمجهودات المعارضة في انجاح مقاطعة الانتخابات والتقليل من دورهم في هذا السياق: فلحملة ارحل ونداء السودان التي التفت حولها معظم أحزاب المعارضة, وزجوا بسببها رموز المعارضين والمعارضات في سجون النظام لهي خير دليل على تأثيرها في خلخلة النظام وتلاحم الشعب الأبي …الا أنني أرى أن بعضا منكم يعملون على بث ما يؤدي الى اضعاف الثقة وعدم المصداقية في المعارضة: مما يؤثر سلبا على آلية الوحدة وخلق روح التعاون مع المعارضة, مادام الهم السوداني واحد والهدف واحد وهو اسقاط النظام: والذي لا يمكن أن يكون مالم نتحد ونضع أيدينا فوق بعضها متجاوزين اخفاقاتنا القديمة وخلافاتنا التي لا تثمر الا الفرقة والشتات … فعلينا أن نسموا الى ما فيه الخير لشعبنا ولأهلنا وليكن شعارنا (اتحادنا قوة) ونعمل له, وبمساندتنا للمعارضة والوقوف معها صفا واحدا من أجل اسقاط النظام حتى لا نضيع الوقت فيما لا ينفع …ومهما كان الشعب حريصا على اسقاط هذا النظام فليعلم أنه يحتاج الى قيادة وبدلا من أن يقلل من مجهودات معارضينا فلماذا لا ننضوي تحت لوائهم ونشد من أزرهم ونثق فيهم وننصهر معهم في بوتقة واحدة؟؟!! ثم نتحاور معهم بدلا من انتقاداتنا لهم غير البناءة, والتي ربما تزيد من الفرقة والشتات وتعرقل مسيرتنا نحو اسقاط هذا النظام… انه الهدف الذي يحتاج الى التفافنا حول بعضنا وتأكيد وحدتنا رغم اختلاف آراءنا … فلنلتفت جميعنا الى ما فيه الخير لنا جميعا والله هو المستعان وله الأمر من قبل ومن بعد

  3. اتفق تماما مع ما كتبته بنت البلد والله نحتاج اتحاد وفي اتحادنا تمكن القوة اتحاد ننسى فيها خلافات الماضى وننظر نحو افاق ارحب تسوده الديمقراطيبة والحرية

  4. مقاطعة فريدة ليس لاحزاب المعارضة اى دخل فيها وصدقوني لو تدخل الصادق المهدي فيها سوف نرتد مرة اخرى لمنافكة الاحزاب نريد حزباً جديداليس مثل الاحزاب السابقة لا يتم رعايتها من بيت الميرغني او المهدي – بدليل ان للأحزاب في السابق كانت ترعاها البيوت الدينية دون ان تتدخل في السياسة الى ان جاء ابناءهم سواء كان الصادق او الحسن الميرغني واصبحت احزاب ديكتاتورية لا صلة لها بالديموقراطية تسير حسب اهواء السيدين

  5. انتخابات الخج
    الابت تنخج
    الشعب واعى
    وبخجك خج
    بالون عمر فيه قد
    والله ابدا مابنسد
    قال كان الشعب رافض
    ننزل ليه وعد
    وعدك المطموس
    خليهو ليوم الغد
    وقت البلد تتحرك
    البد وشوف ليك قد
    قديته يالفالح
    وزى قذافى ليك قد
    وقت الوعد يجيك
    بتجرى فى البلد حافى

  6. خلوه يا اخوانا النومة دي بتريحه شوية….
    ديل نائمين بالنهار عشان عندهم وردية خج بالليل
    يا حليلكم يالنائمين علي حيلكم

  7. منظر نوم موظفين المراكز دا فضيحة شينة للنظام وللسودانين كشعب وستثبت لاهل مقولة السودانيين كسالا واطلقوا الاشاعات والنكات مش كفاية علينا بلاوى الكيزان ذكرنى قصة حكى لى احد اقارب مستثمر خليجى ذهب السودان عمل مزرعة دواجن كمشروع استثمارى ضخم المهم بعدما انتهى من كل مراحلة وبدا فى العمل سافر الرجل وبعد فترة اتصل فيهم اخبرهم انه سياتى بتاريخ كذا وعند حضوره يقول استقلبوه من المطار الى الفندق تانى يوم ذهبوا به بجولة للمشروع وكان كل شئ مرتب وعال العال ثالت يوم سافر ولكنه بعد شهور حضر دون اخطارهم وفى وبعدال10ص ذهب للمزرهة وجد بابها مفتوح على مصرعيه والعمال نايمين كل واحد فى حظيرة لوحده والمكيفات شغاااالة فل ودجاج سيد البيت مطرود بره دلف على المكاتب وجدها خاوية على عروشها حتى الطبيب البيطرى لم يجده ومن هناك كلف مدير مكتبة ببيع المشروع وباسرع وقت وبقى يحكى لاهله الخلايجة يقول ليهم علطان انا استثمر عند الكسالا

  8. نظام الانقاذ لا زال في صدمة عميقة من مقاطعة الشعب للانتخابات — لانه ظل يكذب و يكذب حتى صدق هو اكاذيبه بانه لديه من العضوية ما يفوق ال 10 مليون عضو مسجل في حزب المؤتمر الوطني — و ان المعارضة ضعيفة و ليست لديها مؤيديين — و اثبتت الانتخابات الفاشلة العكس لكل العالم بان المعارضة السودانية هي يمتلك الشارع — و لا يستطيع احد ان يقول غير ذلك —
    الجميل في الامر ان المعارضة اتفقت علي استمرار حملة ارحل ارحل ارحل و معها ايضا حملة اخجل اخجل اخجل —

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..