انضمام جنوب السودان إلى مجتمع شرق افريقيا EAC ? مخاطر مؤكدة و فرص محتملة

أعلنت كتلة مجتمع شرق افريقيا عن قبول طلب إنضمام جنوب السودان رسمياً ، ليصبح العضو رقم 6 ، جاء ذلك في البيان الختامي الذى أصدرته السكرتارية العامة ، بتاريخ 2 مارس . في ختام اجتماعات القمة العادية رقم 17 لرؤساء دول و حكومات دول المجموعة في مدينة أروشا التنزانية . والخطوة في حد ذاتها متوقعة منذ استقلال جنوب السودان في 9 يوليو 2011 عن السودان . الإ ان توقيت قبول عضوية جنوب السودان في هذا الوقت هو ما يحمل الكثير من التسأولات . علاوة على ذلك ، الدولة تعاني من أزمات طاحنة سياسية و اقتصادية و آمنية، ما يجعل مسألة الانضمام هذه بصورة فعلية، متوقفة إلى عودة الاستقرار السياسي في البلاد.
وبالنظر إلى شروط قبول عضوية أي دولة ، الواردة في المادة 3-(3) من الميثاق التأسيسي لمجتمع شرق افريقيا EAC التي تنص على أن تكون الدولة الراغبة في الانضمام أن تكون متمتعة بالإستقرار السياسي، بسجل جيد في حقوق الإنسان، وبالديمقراطية بالإضافة إلى حكم القانون والحكم الرشيد. واللافت ان بعض هذه المواصفات و الشروط غير متوفرة في حالة جنوب السودان، التي تشهد حالة عدم الاستقرار السياسي منذ 15 ديسمبر 2013، إثر اندلاع اشتباكات بالوحدة الرئاسية المعروفة بتايغر( الحرس الرئاسي الجمهوري) تحولت لاحقاً إلى مواجهات عسكرية دامية و حرب بين الحكومة و المعارضة، أخذت الطابع الأثني و شهدت تدخلات اقليمية. وهو الأمر الذى أكدته العديد من تقارير المنظمات الدولية و تقرير الأتحاد الإفريقي .
وعلى الرغم من غياب المفأجاة في الإعلان، الإ ان ردود الافعال تباينت بين مرحب و متحفظ ، مع الأخذ في الاعتبار واقع البلاد الآن السياسي و الاقتصادي و الأمني، ما يطرح تسأولات حول المغزى بجانب التبعات المحتملة لهذا الانضمام، ففي الجانب السياسي مازال تنفيذ اتقافية السلام التي وقعت في أغسطس من العام الماضي، بين الحكومة برئاسة سلفاكير و المعارضة المسلحة بقيادة نائب الرئيس الأسبق، رياك مشار الذى تمت إعادة تعينه نائباً أول لسفاكير وفقاً لاتقاف السلام، إلا تنفيذ الاتفاق ما زال متعثراً نظراً لتباعد المواقف بين الطرفين، بجانب قضية تقسيم البلاد إلى 28 ولاية جديدة وفقاً للقرار الجمهوري رقم 36/2015 ، وهو القرار الذى أعتبرته المعارضة ضد بنود اتفاقية السلام التي وقعت على اساس ولايات البلاد العشرة المعروفة، بالإضافة إلى مسألة الترتيبات الأمنية ، كل هذه القضايا تمثل تحدي كبير لعودة الاستقرار السياسي في البلاد و هو أمر بلا شك له تأثير على عملية التنفيذ الفعلي للتكامل بين جنوب السودان و مجتمع شرق أفريقيا . و هنالك قراءة آخرى يمكن ان تقراء ضمن سياق استراتيجية حكومية جديدة لايجاد تحالفات آخرى بعد سوء العلاقات مع الدول الكبرى.
في الجانب الآخر، لا تبدو المؤشرات الاقتصادية أفضل حالاً، فالدولة تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة ، مع استمرار أنخفاض أسعار النفط عالمياً، مع العلم أن النفط يمثل 99% من صادرات البلاد و بالتالى أنخفاض اسعاره عالمياً يؤدي إلى تزايد الأزمة الاقتصادية في البلاد، فضلاً إلى ان الدولة تشهد تضخم جراء القرار الحكومي بتعويم العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، حيث وصل سعر الصرف الجنيه الواحد إلى ما يعادل 36 دولار ، وهو القرار الذى وضح تأثيره السلبي على الاسعار وتسبب في غلاء المعيشة.
التخوفات بشأن الأثر الاقتصادي السلبي على اقتصاد جنوب السودان جراء الانضمام، عبر عنه قطاع وأسع من المواطنيين وأصحاب الاعمال، بجانب الخبراء، كما بين عميد كلية الاقتصاد بجامعة جوبا، البروفسور مريال اوو، في حوار نشرته صحيفة الموقف الناطقة بالعربية في جوبا عدد 4 مارس الجاري، وصف اوو قرار الانضمام بإنه متسرع نظراً للفرق الشاسع بين اقتصاد جنوب السودان واقتصاد دول المجموعة.
لاشك أن المرحلة المقبلة، ستحدد تداعيات قرار الانضمام سواء كانت سلباً أو إيجاباً، الإ أن المؤكد بحسب المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى ان المستفيد الأول من انضمام جنوب السودان للكتلة هي دول شرق افريقيا على المدي القريب و المتوسط ، والخاسر الأكبر هو الاقتصاد الوطني، نظراً لان الدولة ليست لديها منتجات حقيقية يمكن ان تصدرها لدول الاقليم، بل هي دولة مستوردة لابسط الأشياء، خصوصاً أن الهدف من انشاء الكتلة هو تسهيل حركة التجارة البينية، إقامة سوق مشتركة ، و حركة رؤوس الأموال، بجانب الفيدرالية السياسية. و من المرجح أن للخطوة تداعيات آنية و مستقبلية للدولة و لدول الجوار، خاصة مع السودان التي تصدر عبرها البلاد نفطها وهو ما عكس استقبال الخرطوم الفاتر لانضمام جنوب السودان لEAC
وبالطبع، يدرك صانع القرار في جوبا سبب طلب الانضمام في هذا التوقيت، رغم الإوضاع الاقتصادية السلبية مع افتقار البلاد للقدرة التنافسية مع بقية دول الكتلة في المنظور القريب، سواء كان من الناحية الإنتاجية، الصناعية او من ناحية العمال المهرة، وهور امر له تداعياته السلبية على المدي القريب، مع خطورة الخطوة في ظل اعتماد اقتصاد جنوب السودان على النفط فقط، مع العلم أن الدولة تزخر بموارد طبيعية عديدة و أرض زراعية شاسعة لم تستغل بعد، كذلك ثروة حيوانية و سمكية. رغم ذلك تستمر الحكومة في سياسة الاعتماد على تصدير النفط للحصول على إيرادتها العامة. دون التنويع الإنتاجي.
وفق المعطيات السابقة، يمكن القول أن قرار انضمام جنوب السودان لمجتمع شرق افريقيا يحمل تداعيات و تأثيرات سالبة على الاقتصاد الوطني في المنظور القريب، فضلاً على العامل الديمغرافي مع الهجرة المتوقعة إلى الجنوب للعمالة الوافدة حين عودة الاستقرار السياسي في البلاد، مع العلم أن سكان الجنوب وفق الإحصائيات يقارب 11 مليون نسمة مقابل 146 مليون نسمة مجموع سكان دول الكتلة. ونسبة الامية تقارب 75% من سكان البلاد.
رغم وضوح الأثار السلبية، الإ أن الانضمام له فوائد على المدي البعيد لجنوب السودان، خاصة إن للكتلة طموح لفيدرالية سياسية، و اقامة تعرفة جمركية مشتركة تساعد في عملية التجارة البينية، فضلاً عن خطط لاقامة عملة موحدة، كلها فوائد ايجابية، خاصة ان جنوب السودان دولة حبيسة تصدر نفطها عبر السودان، مما قد يعطي البلاد فرصة بناء تنمية اقتصادية اجتماعية سياسية في المدي البعيد.
الدوحة – قطر
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..