متى وكيف تخرج الصحافة السودانية من هذا النفق؟

محجوب محمد صالح

المعاناة التي تعيشها الصحافة السودانية باتت تحتاج إلى وقفة تأمل، لأن استمرار الحالة الراهنة سيقود حتماً لانهيار هذه المؤسسة السودانية العريقة التي تجاوز عمرها المائة عام. وإذا قرأ المرء بعض نصوص الدستور السوداني لخرج بانطباع أن الصحافة السودانية تقوم على قاعدة مهنية راسخة وتتمتع بوضع قانوني ودستوري يدعو للإعجاب، غير أن الواقع يخالف ذلك تماما، فهي تعيش في حالة حصار لم تشهد له مثيلا طوال تاريخها.

دستور السودان المؤقت يقول في مادته التاسعة والثلاثين وفي باب الحقوق والحريات:

1/ لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والوصول إلى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة وذلك وفقا لما يحدده القانون.
2/ تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي.
3/ تلتزم وسائل الإعلام بأخلاق المهنة وبعدم إثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب.
هذه قواعد دستورية واضحة وملزمة ومتوازنة تحمي حرية التعبير وتحدد أبعادها وتمنع إثارة النعرات الضارة وتشترط أن يكون أي قانون يصدر ملتزما بحماية هذا الحق، وفق ما هو متعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية.
ولا يقف الدستور عند هذا الحد، إذ يعود ويقرر في المادة (48) أنه:
(لا يجوز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة) كما تقول المادة (27-4).
(تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها)، وبذلك أسبغ الدستور حماية تامة على حرية التعبير ومنع مصادرتها أو الانتقاص منها).

بل إن قانون الصحافة السائد الآن أوكل مسؤولية حماية ودعم حرية التعبير لمجلس الصحافة والمطبوعات.
ولكن رغم كل ذلك تتم إجراءات مستندة إلى بعض القوانين تجهض هذا الحق تماما والصحف تصادر وتغلق ليس بواسطة المحكمة المعنية إنما يحدث ذلك بقرارات إدارية، مثل القرار الذي صدر يوم الأحد الماضي بمصادرة عشر صحف ولم تكن المصادرة تحجب مادة تحملها صحف ذلك اليوم بل كانت عقابا للصحف على نشر تقرير إخباري في يوم سابق لم ترض عنه السلطات. وبمعنى آخر فإن المصادرة تمت كعقوبة أنزلت على تلك الصحف بسبب (جرم) وقع في يوم سابق وحوكمت عليه دون أن يستمع لدفاعها أو عرض وجهة نظرها، فهو عقاب كانت السلطة التنفيذية فيه هي الخصم والحكم وهي منفردة جرَّمت ما نشر وهي وحدها التي قررت العقوبة المتمثلة في تحميل الصحيفة تكلفة إعداد وتحرير ذلك العدد بعد أن يتم سداد مستحقات طباعته للمطابع، وبعد ذلك يتم الاستيلاء عليه حتى لا يعود منه عائد على الصحيفة، بل ولم تكن المصادرة بسبب نشر قضية سياسية معارضة للحكومة.

ولم تكن هذه هي الحالة الوحيدة التي يحدث فيها ذلك، فقد ترسخت هذه الممارسة مؤخراً وتكررت المصادرات على أساس فردي ثم جنحت إلى الجماعية حتى وصل عدد الصحف المصادرة في يوم واحد العام الماضي إلى أربع عشرة صحيفة، وهذا الأسلوب العقابي يهدف إلى زيادة المتاعب المالية التي تعاني منها الصحافة السودانية عموما والاستمرار فيها سيؤدي في خاتمة المطاف إلى انهيارها.

ليس غريبا أن يثير تكرار هذا الإجراء قلق الصحافيين واحتجاجهم ومطالبتهم برفع الحصار عنهم، وهي صرخة لا بد من أن تجد آذانا صاغية من الحكومة لأن التمادي فيها لا يعني سوى انهيار مؤسسة وطنية بالغة الأهمية وهي مؤسسة عريقة لعبت أدوارا وطنية في فترات عديدة من تاريخ السودان.

وقد صاحب مصادرة الصحف هذه المرة قرار بتعليق صدور أربع منها لأجل غير مسمى، مما يزيد من عمق الأزمة التي تواجهها الصحافة ويواجهه مجتمع الصحافيين الذي بات يحس أنه ينتمي إلى مؤسسة لا مستقبل لها ما لم تتوقف هذه الممارسات.
والذي ينبغي أن تتذكره الحكومة هو أن هذه الممارسات لا تضر بالصحافة وحدها فهي أيضاً تضر بالحكومة نفسها وتجعلها تفتقد المصداقية أمام المجتمع الإقليمي والدولي، في وقت هي تسعى فيه لتطبيع علاقاتها مع الآخرين وتطمح في رفع العقوبات عنها وفي تخفيف أعباء الديون التي تواجهها، وحرية التعبير واحترامها باتت من المعايير التي يتم اللجوء إليها لتقرير ما إذا كانت الحكومة تدير حكما راشدا يؤهلها إلى الحصول على الدعم في تلك المجالات.

هذه الممارسات تضع الصحافة في مفترق طرق وإذا تواصلت هذه الممارسة فلا بد أن تؤدي إلى انهيارها في نهاية المطاف، وذلك يضع على كاهل مجلس الصحافة السوداني مسؤولية تاريخية وسيظل الناس يتابعون ردود فعله تجاه هذه الممارسات.
العرب

تعليق واحد

  1. ي استاذ اين هم الصحفيين لتكون هناك صحافة امسك === اخر لحظة الانتباهة الاهرام السياسي المجهر الصيحة الوان الخرطوم وغيرهم تجد فيها حملة البخور والقوادين والشعراء هم عاملين ف بلاط السلطة اين الايام وصحافة عبدالرحمن مختار اين هي سابقا يعني ف زمنكم كانت توجد صحف وصحافة وصحفيين اولاد ناس وبيوت وعيونهم مليانة اليوم كل من هب ودب عمل جريده وبقي كاتب الهندي عزالدين مثالا انت اخر من جيل العمالقة مدالله ف عمرك ومتعك بالصحة والعافية ف حريقة ف صحافة اليوم جميعها عدا بعض الصحف
    وبعدين الناشرين والصحفيين لو كانوا رجالا لنزلوا الشارع للمدافعة عن اكل عيشهم مش كل يوم طالعين وواقفين داخل مكاتبهم يرفعون حرية الصحافة تكون او لا تكون هاجرو كما هاجر الغير والطير

  2. استاذ الاجيال ازمة الصحافة في بلادي جزء من الازمات في السودان ولكونها تمثل السلطة الرابعة لذلك هي مؤشر لعمق الازمة السودانية ككل ومؤشر خاص لعمق ازمة الحريات في بلادي والتاريخ لمن يقرأ لم يستصحب في ثناياه تجربة نجحت في تكميم الافواه وكتم الحريات مؤشر اساسي للدكتاتورية ومانع اساسي كماذكرت لمحاولة الانضمام للمجتمع الاممي والحصول علي امتيازاته من تمويل واعفاء لديون ومساعدات خارجية والمصيبة ان الحريات تُدار بمنظور ومفهوم امني لايُستطلع راي الوزارات المعنية كالخارجية مثالا حول تأثيرا وتداعيات القرارات المقيدة للحريات خصوصا الصحافة والاعلام فقرار مثل هذا كفيل بتأخير مراجعة العقوبات سنينا ضوئية ومانع للمعونات ويعكس صورة سلبية عن الحرية والاعلام متي يدرك القائمون في الرئاسة ان ترك الامر لاجهزة الامن تضر اكثر من ماتنفع متي

  3. شكرا استاذ الاجيال حقا الذهب لا يصدأ لك التحية موفور الصحة والجناب صدقني وانت الخبير المطلوب الانهيار فهؤلاء غرهم الحكم وطول الامد ولن يهمهم ان تغلق كل الصحف رغم ان مستوي صحافتنا ليس كما كان علي عهدكم السابق ورغم ذلك نقرأ لمن نثق فيهم من حملة الاقلام وليس المباخر شكرا لك نتمني ان ينجلي الليل الذي طال امده !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..