الذين ينهبون والذين يعملون

الذين ينهبون والذين يعملون

خالد بابكر ابوعاقلة
[email][email protected][/email]

اقتصاد المحاسيب الحر
نظام صندوق النقد المسمى عندنا وعند غيرنا من دول العالم الثالث بنظام السوق الحر لا يقوم على المنافسة التي هي اسس كل الانظمة الرأسمالية الاقتصادية , فالمنافسة تستدعي المشاركة السكانية في العمل وفي الوفرة التي تنتج من المثابرة والاستثمار , ولا يوجد نظام سوق حر بلا منافسة الا في السودان , ومع نهاية المنافسة واضمحلالها لا يكون السوق حرا ولا تكون قوى السوق معبرة عن حقائقه ولا يكون للعرض والطلب علاقة متماسكة بالاسعار ولا بالسلع , ويكون بديل المنافسة تلك الاداة الخلاقة المحركة للشعوب هي المحاباة لبعض النخب او لبعض المقربين في الحزب او القبيلة او الاسرة , فالقرب من السلطة الخائفة على سلطتها وتطلب من يقف في صفها وفي داخل خندقها هو الذي يتيح التمكن من السوق بلا قدرة حقيقية وبلا خبرة قديمة مكتسبة وبلا رأس مال غير ما ياتي من السلطة نفسها التي تجهز التسهيلات والقروض , ولذلك وبهذه المحاباة العمياء وجد الاحتكار الذي تضخم باتصاله بالتصنيع الخارجي وبالسيطرة الكلية السلطوية على الاسواق الداخلية وهو الذي يناقض ويوقف عمل اليات كالعرض والطلب في تحديد السعر ويوهن المجهودات الشعبية المتجهة بنشاط وامل الى الوفرة والازدهار وهو الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها احلام التجار والصناع واحلام البسطاء الكادحين في اسعار تعبر عن مجهودهم وكدحهم اليومي الذي تتجاوزه وتعلو عليه السلع في كل لحظة مما يجعل العمل لا يدل على السعر والسعر لا يدل على السلعة , والاحتكار هو اصل الفساد في الدولة , واينما وجد الاحتكار خاصة في نظام السوق الحر وجد معه الفساد الكبير لأن الارباح الهائلة التي تولد من رحمه تحت اعين الحاكمين والسلطويين تقنعهم بفتح الحسابات الخاصة وبالضمانات القانونية من محاسيب يركبون معهم ذات المركب في الموج المرتفع ولا يختلفون عنهم في شيء , لا في التفكير , ولا في الانبهار بالمصلحة , ولا في الامنيات بامتلاك المنازل الكبيرة والشركات الخاصة ولذلك وفي مثل هذه الانظمة ترى ان رئيس الدولة نفسه لا يتورع ان يذكر علنا انه يمتلك من عمله الخاص واستثماراته التي ورثها عن اهله كذا وكذا وكذا , والاحتكار هو الداء الفتاك الذي يخلق ارباب الولاء والثقة والشبيحة ويستبعد اصحاب الخبرة والكفاءة في دولة لا تقوم بعمل الدولة ولا تحتاج لامثال هؤلاء الذين يؤدون الخدمات للجمهور ولا يدخلون سوق الله واكبر .
السيطرة على السوق عن طريق المحاسيب والاحتكار نتج عنه خلل كبير في توزيع الدخول بين الذين ينهبون والذين يعملون .
خط الفقر
من مواصفات اقتصاد السوق الحر الذي يتفنن الانقاذيون في تكبيله خلف فوائدهم حرية شراء السلع ايا كانت اسعارها , وذلك لا يحدث في اسواقنا , اذ تفترض تلك الحرية القدرة على الشراء في الوقت المناسب حسب الحاجة والا كانت تلك الحرية منقوصة ولا فائدة ترجى من ورائها , ويتساوى هنا في حالة ضعف القدرة الحرية ونقيضها , ويفترض ايضا في السوق الحر عدم التدخل الحكومي في عمل قوى السوق الا في حالة بعض الانهيارات السعرية او الحالات الرقابية , ولكننا نرى اسواقنا خامدة كاسدة لا تتحرك الا هامشيا مع الاسعار في كل حالة هلع ينقطع فيها النفط او تحتل فيها بلدة فيرتفع المؤشر الى السماء او يزاد فيها السعر عمدا من بعض خونة الانقاذ لاستدرار بعض المليارات لسد فجوة هنا او عجز هناك ? فلا يتحرك السوق بالياته وانما يتحرك ببعض الاخطاء السياسية او بعض الاطماع الحزبية لرمي طوق النجاة من ازمة خانقة , فانت ترى المعروض كثيرا جدا ظاهريا ولا تنخفض الاسعار بل هي لا تأبه لتوفر المعروض , ويدل ذلك على ان الاسواق لا تبيع وانما تعرض وان مخازن التجار خالية من مخزون للتعويض الفوري في حالة نوبة استهلاك جماعية وان جيوبهم خاوية على عروشها من الارصدة وبطونهم تعتمد على الاقتراض من رأس مالهم القليل وان المال اذا توفر للمستهلكين لاكلوا الاسواق التي تبدو ممتلئة ومطمئنة في ست دقائق , وهذه الاعرا ض تنذر بالانفلات الامني المبكر , وبنذر مجاعة ستحصد الكثيرين في المدن , فالكميات الواجب تحديدها بلا زيادة او نقصان من قبل اليات السوق تقوم الدولة نفسها بتحديدها وتكون سعيدة حينما يخف الشراء ويعجز الملايين من المواطنين عن اشباع حاجاتهم الاساسية مما هو اصلا فليل وضئيل يبقي الدولة ويفني غيرها , وفي عالم السوق حتى ذاك الذي تحسن الدولة ادارته لن تكون الاسعار ابدا مستقرة تبعا لتقلبات قوى السوق الحقيقية اذا افترضنا عدم التدخل الحكومي لمساعدة القلقين من المحاسيب , هذه التقلبات تضر اولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر ومن يحصلون على دخل محدود ولذلك يحسن تطبيق نظام السوق الحر في الدول الغنية التي ينحصر عدد الفقراء فيها في نسب صغيرة يمكن معالجتها اقتصاديا , اما في دول العالم الثالث ومنها السودان حيث يعيش اكثر من 90% تحت خط الفقر فلن يكون هذا النظام فعالا في محاربة الفقر ووضع الناس في طريق الازدهار , فهؤلاء الفقراء وهم كل الشعب الان من المستحيل عليهم دفع اسعار عالية في حالات نقص العرض وبالتالي لا يستطيعون التجاوب مع قوى السوق لان قلة المعروض لن تمتص سيولة فائضة في ايدي الناس تدعم الانتاج وانما ستسبب عنتا اوجوعا او مزيدا من الفقر اجتماعيا , والملاحظ حتى الان وكذلك في كثير من دول امريكا اللاتينية التي تبنت تحرير الاسعار منذ الستينات ان مستويات الكفاءة لم ترتفع في السودان , والازدهار على مستوى القاعدة الشعبية لم يحدث , واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء تزداد ,وظهر جليا الان ان الملاذ الوحيد هو نظام الاقتصاد المختلط او اقتصاد السوق الاجتماعي .
رأسمالية الدولة
الانقاذ تخبط في كل درب لخواء مشروعها الديني من الملامح العصرية للاقتصاد والادارة , فهي سياسيا تعتمد نظاما فدراليا مترهلا يعتمد على الحاميات العسكرية اكثر من الحرية الحزبية واقتصاديا تعتمد على نظام حرية السوق في بلد يتلقى المعونات ويطلبها ويغوص في مديونية ثقيلة واغلب السكان يعيشون على دولارات قليلة لا تسد الرمق ولن تنجح سياسة السوق الحر الا تحت سيطرة سياسية مركزية لا تتيح للتيارات والاتباع السيطرة الاحتكارية على النشاط الاقتصادي , وهذا ما لا تستطيعه الانقاذ لحاجتها للاحتكاريين من اجل تقوية اركانها وابعاد واضعاف بقية الاحزاب عن سلطتها وحكمها , ولانها لم تستطع خلق طبقة غنية من السكان بتجريد القطاع الخاص من قدراته التنافسية وسحب الاسواق من تحت اقدامه بالاغراق او على الاقل طبقة غنية باتساع معقول تكون قادرة على التجاوب وحمل راية السوق الحر عرضا وطلبا ووفرة وقدرة شرائية وانتاجية ولكنها استبدلت الذي هو خير بالذي هو ادنى بصنع طائفة من الناس المهووسين بالارباح السهلة يحتكرون ويثرون دون عامة الشعب وبذلك يحجمون القدرات السكانية الهائلة وقدرات الموارد ويتنكرون لمبادئ العمل والتصنيع . الخلل في نظام السوق الحر وانعدام العدالة والشفافية ودولة القانون والديمقراطية قاد الى صعود ” رأسمالية الدولة ” جنبا الى جنب مع ” رأسمالية الحزب ” وصار السادة الوزراء يتبجحون باعمالهم الخاصة واهتمامهم بها اكثر من مهامهم الوظيفية الحكومية المعقدة ومطالب اقتصاد محاصر نام تخسر مشاريعه وتتلف زراعته وتتوقف مصانعه قبل ان تعمل لانعدام الاجهزة ومن مؤشرات الاتجاه لرأسمالية الدولة نشأة المجمعات العسكرية الصناعية اوالتجميعية حتى ولو كانت بسيطة البنية كما يحدث في السودان على استحياء لاننا لم نسمع انهم يصدرون اسلحة يعتد بها وبايراداتها في الميزانية او طائرات بل هم يستوردون الاسلحة حتى المعطوبة منها لاكمال مفاسد المجمعات العسكرية والاستهانة بالقوات المسلحة التي دخلت البيات الشتوي منذ زمن كحادثة ال200 دبابة المشهورة , ويعاني السودان اكثر من غيره من رأسمالية الدولة ومن رأسمالية الذين يضعون رجلا في السياسة ورجلا في السوق وعينا في مكاتب الحكومة وعينا اخرى في مخازن التجار ويتكاملون مع السوق العالمية ويخضعون لمطامعها واملاءاتها في رسم السياسات المالية والاقتصادية .
خراب سوبا
نسبة النفط في الموازنة 70% ذهبت مع نيفاشا الى حيث لا يريد الا صغار المستبدين ثمنا للتطبيع مع امريكا دون معارضة فكرية من كوادرمتقدمة او وسيطة وحجم العملات الصعبة المعلن عنها هي 5 مليارات دولار سنويا خرجت من الدورة الاقتصادية مع تدهور الناتج المحلي الاجمالي الذي لا يهدأ لان الفكر الذي يدير العملية الاقتصادية موبوء بطبيعة مركبة تجنح الى التوازيات والاقطاب حيث يستحيل التغيير او الاصلاح , والفاقد البترولي الكبير الذي محق الزراعة وشتت المجهودات الشعبية في العمل وزيادة الخبرة سيجعل من الميزانية مجموعة من عبارات الهراء والامنيات ليس الا , لأن رسوم العبور التي اعادت الحرب من جديد ما هي الا اوهام لاناس اتوا بالانفصال دون ان يتخلوا عن وهم الوحدة التي تخدم اهدافهم التجارية و ادت هذه الرسوم الى ايقاف ضخ النفط بدلا من عبوره الى الميناء , وهذا لكثرة تهديد الحكومة وادخالها الانبوب ليس كعنصر مفاوضات وانما كعنصر ضغط لامتصاص اموال ثقيلة من عائدات الجنوب تبلغ ما يعادل 80% , وهذه احلام اناس لا حزب لهم وحكومة بلا مستشارين ينظرون لها على المدى البعيد على كثرة طلاب الرواتب والمخصصات في القصر الجمهوري , ويأتي في ا لاخبار ان البلاد ربما واجهت مجاعة لفشل الدولة المستوردة دائما وذات عجز في ميزانها التجاري يشييب الولدان , وذلك لعجزها الاكيد عن استيراد السلع الاساسية كالذرة والدخن والقمح والزيوت التي تزيد طاقة السودان الانتاجية اكثر من عشر مرات الى جانب القدرات الزراعية التي يعترف بها كل خبير , ومع الفشل المتكرر في المواسم الزراعية والحروب وخروج السودان بمشاريعه الكبيرة من الانتاج نكون في وضع اشبه ما يكون بايام الثورة المهدية التي لازمتها المجاعات والضوائق والجبايات الى ذلك اليوم الذي خرج فيه الخليفة عبداللة من امدرمان بما تبقى من الجيش ودخول قوات كتشنر حيث تعرضت المدينة الى نهب الاسواق ونهب مخازن الذرة .وقد تنبأت بما يمكن ان يحدث في مقبل الايام السيدة هيلري كلنتون في محاضرة مشهورة لها في مركز من مراكز صنع القرار الامريكي بانه لا يمكن تصور ان يفقد السودان 80% من موارده كنتيجة لانفصال الجنوب دون ان يتعرض لانهيار اقتصادي ويؤكد على حديثها هذا وزير خارجية الانقاذ عندما يصرح في باريس قائلا ” العالم يتفرج واقتصاد السودان ينهار ” وذلك في معرض بحثه ديون السودان في فرنسا , الدين الخارجي كبير جدا , وسلمت الحكومة الجنوب بارضه ونفطه ومياهه وسكانه ومحاصيله وعمقه الاستراتيجي للثروة الحيوانية والتجارية الشمالية دون مقابل ولو في حده الادني , ودون تعويض كأن الجنوب ارض محتلة غزتها حفنة من الدبابين المتفلتين لعدم وصول المرتبات اليهم , وذلك الحد الادنى هو اعفاء الديون فورا وقبل الاستفتاء وربط الاعفاء بالاعتراف بالحكومة الجديدة في الجنوب وبدا الرئيس في احتفال تسليم الجنوب كاليتيم في جوقة اغنياء , يعطي ولا يأخذ , يصفق ولا يشكر لانهم يعلمون انه اعطى ما لا حق له فيه , واعطى بمنطق المساومة الشخصي بأفق مازوم لا يرى اكثر من ارنبة الانف ولم يعط بمنطق التاريخ في ارض تاريخية بها اجيال من البشر لم يولدوا بعد ورؤساء لم يتمشوا في القصر الجهوري حتى حينه .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..