مقاربه ابستمولوجيه للشخصيه السودانيه.docمقاربه ابستمولوجيه للشخصيه السودانيه.

مقاربه ابستمولوجيه للشخصيه السودانيه.docمقاربه ابستمولوجيه للشخصيه السودانيه.

ناجى الطيب بابكر الطيب
[email][email protected][/email]

مقدمة:

في الاونة الاخيرة كان السؤال الذي أطلق عددا مهولا من التساؤلات بدأ من النخبة الى مستوى الشارع .. حتى صار جزءا من حديث الشارع المعتاد هو سؤال الطيب الصالح من أين أتى هولاء ؟
ويكمن الابهام في هذا السؤال أحتماله لأكثر من أجابة رغما من ثوب التهكم الظاهر في السؤال إلا أن الناظر لروح السؤال تنتابه الدهشة كيف لمثل هذا المجتمع أن ينتج كل هذا وكيف للمجتمع أن يتقبل كل هذا ..
فالنظام الحالي لم يأت من كوكب المريخ أتوا من رحم هذا الشعب بل من طبقاته الوسطى كل ماحصل ما بعد 89 الى يومنا هذا مرورا بتجربة انفصال الجنوب مدعاة لفتح الكثير من الاسئلة .. فالمجتمع الذى أنجب هؤلاء بكل أفعالهم القمعية والاقصائية الغريبة على واقعنا الاجتماعى جدير بالدراسة خصوصا حاله الاستكانة التامة وعدم نزوع ذات المجتمع لابداء رأيه في كل ما يجرى لدرجة أن الوطن ذاته ينقسم والشارع السوداني صامت كأن الانفصال تم في دولة أخرى .. أضافة للتغيرات السلبيه الحاصلة بسرعة الضوء على مستوى المجتمع نفسه.
فالارض السودانية بحدودها المتوارثة حاليا وما تبقى من تمظهرات لحضارات قديمة أثبت بما لايدع مجالا للشك وجود مجتمعات كانت قادرة أن تقدم نفسها للعالم بصورة جيدة وأن تساهم في الحراك الانساني عموما .. مجتمعات قبل الاف السنين أنجبت من باطنها ملكات شامخات كالملكة أمانى شخت ..الاهرامات في حد ذاتها موضوع عصي الادراك معرفيا حتى على جامعتنا الحالية.. صهر الحديد واستخراجه من هذه الارض تم قبل الاف الاعوام .. ومن المفارقات الغريبة أن النوبيين قبل الاف السنين وقبل دخول الاسلام كانوا عبارة عن شعب يستقر على ضفاف الانهار تجاوز الطور القبلي بعد كل هذه السنين، ونحن نتقهقر اليوم من الطور الشعوبي الى هذه الردة القبلية.
أكثر من ذلك ظهرت دراسات أستندت الى حفريات أثبتت أن الانسان الاول في العالم كان يقطن في هذه الرقعة الجغرافية فيما يسمى بإنسان سنجة الاول ..
إذاً لهذه الارض كل هذا التاريخ المشرف .. ماذا يحدث لنا الان لماذا وصل بنا الفشل الى هذا الحال منذ الدولة المهدية والمجتمع يتقهقر للوراء، فكل الحكومات السودانية الوطنية من الدوله المهدية ليومنا هذا نالت حظها من الفشل .
من هنا تكمن أهمية النظر بعين فاحصة للمجتمع السوداني ذاته ويبقى الجدير بالدراسة والتأمل ما وراء الظاهرة لا الظاهرة نفسها، لذا بدا موضوع دراسة الشخصية السودانية عقب كل هذه الحقب أمرا في غاية الاهمية بمكان.. هذه الشخصية التي تحتضن كل ذلك التناقض المحير والتي يخرج من رحمها كل تلك الافاعي وأيضا كل هؤلاء الطيبين الذين نحبهم .. الشخصية التي في مرحلة من مراحل تخلقها كانت تسمح لأنثى بأن تصبح ملكة متوجة تتحكم في ممالك بأثرها ، هي ذات الشخصية التي تعاني ما تعاني فيها الاناث حاليا من قمع اجتماعي . الشخصية التي مهدت الطريق بسبب سلوك التنشئة الخاطئة للفرد وتقديس الكبير لكل هذه السنوات المظلمة من العهود الديكتاتورية. الشخصية التي أسرفت بصورة مذهلة في عدم تقبل الآخر مما قاد لتمزق الوطن ذاته وأصبح اللاطبيعي أن ترى مجموعة من السودانين متفقة على رأي واحد كما هو الحال في مؤسساتننا الحزبية المعارضة والحاكمة التي أشتعلت فيها عدوى انقسام الاحزاب حتى صار البلد الواحد في العالم الذى يوجد به ما يتعدى المائة الحزب هو السودان .
تعريف الشخصية:
الشخصية لغة : في اللغة الانجليزية والفرنسية كلمة الشخصية (personality) مشتقة من الاصل اللاتيني persona وتعني هذه الكلمة القناع الذي كان يلبسه الممثل في العصور القديمة حين كان يقوم بتمثيل دور معين وقد أصبحت الكلمة، على هذا الأساس، تدل على المظهر الذي يظهر فيه الشخص.
الشخصيه إصطلاحا : تشير إلى مجموع العناصر المشتركة بين أفراد المجتمع من مواقف واستجابات تتجلى في مختلف أنماط السلوك والإحساس أو التفكير .. أو بمعنى مختلف الشخصية هي النقطة التي تتقاطع عندها ثقافة ما شائعة مع مجتمع محدد ولا يخفي بالتأكيد أن الثقافة ذاتها منتوج فعل متوارث وحركه دؤوبة للمجتمع مما يعني أن للشخصية ذاتها بعدها المتراكم.
الملامح والمظاهر السلوكية للشخصية السودانية:
الشخصية السودانية بشكلها الراهن هي نتاج تلاقح الحضارة العربية الاسلامية بالحضارة الافريقية والحضارة النوبية.. مما أكسبها مميزات ومقومات وخصائص متباينة فتمظهرت في شكل ملامح عامة للشخصية السودانية.
الملمح الاول : ثقافه تقديس الكبير
أتفقت كل الاعراق السودانية في وجود شخصية أساسية مسيطرة على كل النواحي المتعلقة بتلك الاثنية فمثلا نجد ناظر الهدندوة في قبائل البجا والرث عند الشلك والدقلل والكنتيباى وشيخ البلد ………الخ . بالتأكيد وجود القبائل كطور من أطوار المجتمع ساعد على تنامي هذه الثقافة ..
لكن حتى في المناطق الوسطى والنيلية التي أنتقل فيها المجتمع من الطور القبلي ظهرت فيها ثقافة الخلاوي والشيوخ والحيران كمؤسسات أيضا تكرس لذات الفهم الأحادي بحيث تتفق كل المؤسسات الصوفية في وجود كبير (شيخ) يمارس سلطات اجتماعية شبه مطلقة، ويبدو ذلك واضحا في منطقة كمنطقة الجزيرة التي ذابت فيها القبائل بفعل التنمية الملازمة لمشروع الجزيرة والتطور الذى صاحبها على صعيد إنسان المنطقة بفعل التعليم وانتشرت فيها الخلاوي كمؤسسات اجتماعية.
حتى على مستوى الوحدات الصغيرة في المجتمع أي على مستوى الأسر تظهر سطوة الكبير، فمفردات الكبير وكبير البيت وكبير الاسرة شائعة لدرجة قد يمتلك فيها الكبير حق الصاح المطلق بتراضي تام وتصالح داخل الاسرة.
تنامي هذه الثقافة وشيوعها في الشخصية السودانية فتح الباب على مصراعيه لتقبل فكره الديكتاتورية وهدم الثقافة الديمقراطية فكل سودانى يولد وبداخله ديكتاتور صغير أو استعداد مطلق لتقبل فكرة الديكتاتورية. حتى الامثال الدارجة في ثقافتنا تصالحت مع هذه الفكرة “..الماعندو كبير يعمل ليهو كبير..” ومجموعه من الامثال التي تكرس للتصالح مع فكره الانقياد والقطيع .
الملمح الثاني : النزعات الرعوية في الشخصية السودانية
مما لا جدال فيه أن أي مهنة لها ثقافة مصاحبة لها وأن المجتمعات ككل تصنف وفقا لعموم المهنة السائدة، فنجد المجتمع الصناعي في قمة الترتيب يليه المجتمع الزراعي ثم المجتمع الرعوي، ونلاحظ أن لكل مجتمع ثقافته التي تشكل وعيه الفيزيقي والميتافيزيقى .
فالمجتمع الصناعي مجتمع يعتمد على الصناعة وظهر ذلك المجتمع في القرن التاسع عشر نتيجه للثورة الصناعية وإحلال العمل اليدوي بالمكننة، ويتميز المجتمع الصناعي بالالتزام الصارم بالوقت والتخطيط والاستقرار والعمل.
أما المجتمع الزراعي الذي يعتمد على الزراعة، ففي فترة ما قبل الثورة الصناعية كانت المجتمعات الزراعية تسيطر على العالم وهو في الاصل تطور من نظم اجتماعية صغيره تقوم على الرعي والصيد وتربية الحيوانات.
والمجتمع الرعوى مجتمع يعتمد على الرعي بصورة أساسية ونلاحظ أنه في نهاية سلم تطور المجتمعات البشرية، والرعي في حد ذاته قد يكون أقدم مهنة عرفها الانسان، ويمتاز المجتمع الرعوي بالترحال وعدم الاستقرار والصراع على الماء والكلأ وقله الوعي أو عدم الاكتراث للمعرفة واكتسابها بفعل عدم الاستقرار واستسهال قيمة الحياة، فالحرب قد تنشب فيه لأساب أكثر من تافهة وتسود فيه ردة الفعل الانفعالية دون النظر لعواقب الامور كحادثة المك نمر الشهيرة.
وما لا يخفي على فطنة القاريء أن أغلب أن لم تكن جميع القبائل السودانية بمن فيهم الجنوبيين والانقسنا والقبائل المستوطنة في تخوم البطانة وكردفان والبقارة كل هولاء رعويون حتى مناطق الشريط النيلي المتاخم لنهر النيل نلاحظ النزعة الرعوية رغم الاستقرار بقرب النيل والعمل بمهنة الزراعة، فحتى المزارع في تلك المناطق يكون غالب زرعها أعلاف حيوانات من برسيم وقصب وخلافه، فنجد المزارع يهتم بحرفة الرعي بطريقة غير مباشرة. ولزمن قريب في تلك المناطق المتاخمة للنيل تشاهد في الشوراع أزيار السبيل (المزيرة) وبجانبها حوض أسمنتي في الأسفل يستعمل لسقاية الماشية والبعير. حتى طريقه المساكن توضح النزعات الدفينة في الشخصية السودانية تجاه الرعى من شاكلة الاهتمام المتعاظم بالفناء (الحوش) وعدم الاهتمام بالنواحي الجمالية الى تعليق قرون الثور في مقدمه باب المنزل. وحتى المطبخ السوداني يميل للطابع الرعوي فنجد معظم الاكلات السودانية المشهوره لها علاقة بالثقافة الرعوية فالويكة على سبيل المثال قائمة في الاساس على تجفيف البامية واستعمالها لفترات طويله بعيدا عن مناطق زراعتها، وتجفيف اللحوم فيما يعرف بالشرموط ايضا كلها سمات خاصه بالترحال والهجرة والزوادة.
وفي الامثال الدارجة نجد احتفاء مبالغ فيه بالنزعات الرعوية وكما هائلا من الامثال التي تؤطر للمرجعية الرعوية داخل الشخصيه السودانية (كراع البقره جيابا) (أرع بقيدك) (ركاب سرجين وقاع) (الجمل ما بشوف عوجة رقبتو) (التسوي كريت في القرض تلقا في جلدا) (الكلب ينبح والجمل ماشي) (سيد الرايحة بفتش خشم البقرة) …. الخ
كما أن ثقافة الهمباتة والمنتوج الادبي والثقافة المصاحبة لها نلحظ فيها النزعات الرعوية الظاهرة.
وقد يكون جزءا من عدم الاستقرار والنمو والاحتفاظ بالطور القبلي والصراعات القبلية وفشل الممارسة الديمقراطية مرده لأسباب متعلقة بنزعات الرعي في الشخصية السودانية. وعدم تطور المجتمع لمجتمع زراعي بفعل غياب مشاريع التنمية، فالمشروع الزراعي العملاق في السودان مشروع الجزيرة أفرز تجربة كانت جديرة بالدراسة والاستفادة منها فهي على الاقل تكاد تكون المنطقة الوحيدة في السودان التي انصهرت فيها القبائل المختلفه في بوتقة واحدة بحيث صار يطلق على أبناء تلك المنطقة (ناس الجزيرة)، انتساب تام للمكان لا انتساب لقبيلة أو عشيرة.
الملمح الثالث: ذاكرة الوعي الاسطوري
يزخر الادب الشعبي السوداني بموضوعاته المختلفة من شعر شعبي وقصص وأحاجي بالعديد من الاساطير، ففي الاحاجي السودانية نجد قصة فاطنة السمحة والغول وود أم بعلو وأم كروتو وأبو النيران الخ .. جميعها شخصيات اسطورية من صنع الشخصية السودانية، وهى تعكس البعد الماورائي في تلك الشخصية. وامتداد لتلك الذاكرة الاسطورية ظهرت ثقافه الدجل والكجور والاسبار والزار والشيخ والفكي في الثقافة السودانية كتمظهر جاد لنمط تلك الذاكرة بصوره كثيفة في معظم الاثنيات السودانية.
والجدير بالنقاش هنا ملاحظة أنه رغم الايمان القاطع بالله لدى تلك المجموعات المتفشية فيها تلك الظواهر إلا أنهم يؤمنون بفكره الكجور أو الفكي كوسيط روحي بين الناس المعتقدين فيه والقوى الالهية المعتقد فيها أو الواسطة بين الجن والانس والقوه الالهية. وشبيه بذلك أيضا الاعتقاد في رجالات وشيوخ طرق الصوفية، في الاعتقاد في صدق وساطتهم بين الاتباع والمريدين والله.
ولعل شيوع ثقافة الواسطة بشكل غير مباشر في الشخصية السودانية في العلاقة بين مجموعة المعتقدين في المعتقد به؛ فتح الباب على مصراعيه لتقبل الخطاب الديني في الشأن السياسي بتلك الصورة الممجوجة وظهور أنماط التدين الشكلي لتحقيق مآرب دنيوية غرار ما تم في سنوات الحرب آبان التسعينات ايام رواج مفاهييم عرس الشهيد أو بالاحرى ساهم في تشكيل جملة من القناعات الذهنية السطحية عن الدين نفسه .
على كل ما ذكر نلاحظ ان النزوع الاسطوري في الشخصية السودانية بأعتبار طريقته اللاعقلانية شكّل في أحيان كثيرة تهديدا للمجتمع ذاته، فنجد حتى المثقفين والنخبة قد يتوجهون بالعشرات لشيخ يزعم مثلا أنه يعالج الامراض المستعصية بالكي بالنار (شيخ الكريمت) ويصبح الموضوع شغل شاغل لكل أطراف المجتمع ومسار حديث الألسن وما ان يخبو بريق ذاك الشيخ حتى يظهر أخر جديد يبدأ الناس من جديد بالحج إليه، في مفارقة ظاهره توضح ابتذال المعرفة والعلوم الانسانية حتى في داخل النخب والمثقفين السودانيين ناهيك عن عامة الجماهير.
الملمح الرابع : الملمح الذكوري للشخصية السودانية
بون شاسع بين زمن الملكة أماني شخت وواقع اليوم للمرأة السودانية . فالمرأة اليوم تقاتل لانتزاع أبسط حقوقها في المجتمع بدلا من أن تكون شريك فعال في بناء الواقع فالمرأة تعاني من العادات والتقاليد والقمع لدرجة أن عاده ضارة كالختان حتى يومنا هذا هي مثار نقاش واختلاف . فالشخصية السودانية تحتفي بالذكر على حساب الانثى بصورة واضحة، فحتى على مستوى اللغة نلاحظ انحياز اللغة الدراجة في كثير من الاحيان لمصلحة الذكر مثلا عند المرور ببيت بكاء يكون السؤال المتبادر للطرح لمعرفة الشخص المتوفى هو (الميت منو) مع ملاحظة أنه من الممكن ان يكون أنثى. عدة أمثلة في اللغة تدلل هذا الانحياز. وعلى صعيد الامثلة الدراجة حدث ولاحرج من (المره لو بقت فاس ما بتشق راس) … الخ من الامثال . هذا الواقع حرم المجتمع من مساهمة المرأة السودانية في أحداث التنمية لو عرفنا أن تعداد الاناث في المجتمع يقارب تعداد الذكور. مجتمع يحدد نهاية المرأة بالزواج ويجعل منه شغلها الشاغل دون أن يهتم بأي دور لها آخر في المجتمع فإذا نظرنا للدورالذى لعبته المرأة في أرتريا أيام الثورة الارترية وخوضها للمعارك في خندق واحد بجانب الرجل نكتشف كيف أمكن لأرتريا التي تعدادها بالكاد يتجاوز الاربعة مليون، كيف لها أن تنتصر ضد دولة يفوق تعدادها السبعين مليون نسمة.
على الرغم من هذا نجد أن واقع تعامل مجموعات المجتمع المختلفة يتفاوت في التعامل مع المرأة. فيظهر هذا التمييز في الاثنيات ذات الاصول العربية بصورة واضحة. لأن الثقافة العربية بمجملها تعاني من هذه المسألة بصورة واضحة.
الملمح الخامس : النزعات الاشتراكيه فى الشخصيه السودانيه :-
لا يمكن أن تغفل عين أى متتبع بعين الفحص للشخصيه السودانيه مجموع العادات والتقاليد المتعلقه بالافراح والاتراح التى تتم ممارستها بصوره تكافليه بحيث تتضافر طاقه المجموعه ككل من أجل مساعده فرد ما .
قد تختلف تفاصيل الزواج عند السودانيين من منطقه لمنطقه أخرى أو من قبيله لقبيله أخرى لكنها تتفق جميعا فى العمل الجماعى لمساعده العريس من خلال تقديم المساعده له فنجد ثقافه ( الكشف ) ذائعه الصيت عند مختلف الاعراق حتى فى المدن الكبيره يطلق عليها ( ألتأهيل ) حيث يقوم كل فرد من معارف العريس بالمساهمه بمبلغ ضئيل من المال وحين تجميع كل تلك المساهمات نجدها قد أضحت مبلغا مناسبا لأتمام تكاليف الزواج ونلاحظ هنا أن هذه المساهمات تمتد لتشمل حتى الاحزان فعند الوفاه أيضا يتم تجميع ( الكشف ) .
ونلاحظ أن السودانيين لولا ثقافه التشارك والتكافل لما أستطاعوا تجاوز المطبات الاقتصاديه الصعبه التى تمخضت عن الوضع السياسى المأزوم وفترات الحروب الطويله . فحتى على مستوى الاسره ساهم الترابط الاسرى الممتاز من خلال التضحيات التى يقدمها الاباء والابناء الكبار فى أعاله العاطلين من أعضاء الاسره لحين توفر مصادر لرزقهم فهذه التضحيات كان لها دورها فى الحفاظ على الاسره من التمزق . وهذا ما لايحدث فى دول كثيره غير السودان لدرجه ان الاوربيين عند دراستهم للوضع الاقتصادى المعقد للسودان يتسائلون كيف هذا الشعب قادرا على الحياه فى ظل تلك الاوضاع المترديه فهم يتعاطون مع الارقام المجرده لمستويات الدخل والصرف ويغفلون عن ثقافه المشاركه داخل الاسره السودانيه
وعلى مختلف تنوع القبائل والاعراق السودانيه نجد أن الاعراف ذات الصبغه التكافليه متوافره لحد قد تكون مستنسخه من بعضها قد تختلف فى المسميات لكنها تتفق فى مضمون تشارك الكل فى عمل بروح الجماعه لصالح فرد يبقى هو الاخر مدينا بهذا العمل لرده حين يتطلب منه الامر .
وهنا يجدر بنا الحديث عن النفير كتمظهر جاد لنزعه التشارك فى الشخصيه السودانيه وماقبل الحديث عنه نلحظ أن ثقافه النفيرسمه قوميه توحدت علي ممارستها مختلف مجموع الاعراق فى هذا الوطن حتى داخل المدن الكبيره التى تندثر فيها عادات البداوه بصوره كبيره .
النفير : ترجع كلمه نفير فى أصولها اللغويه لكلمه نفر والنفر فى اللغه العاميه السودانيه يعنى شخص واحد بغير ما يعنى معنى الكلمه فى اللغه الفصحى فهى تعنى مجموعه من الاشخاص . والنفير نظام أجتماعى درج أليه اهل السودان منذ القدم يمكننا تعريفه بأنه مجموعه من الناس ينجزون عملا لمصلحه شخص ما .. أو يمكن أن نطلق على كل عملا أجتمعت عليه الناس بلا مقابل نفيرا ونجد أنتشار النفير فى مناطق الزراعه حيث يذهب الفلاحيين صباحا باكرا من القريه نحو ( بلاد ) او حقل أحدهم لمشاركته فلاحه أو نظافه الارض من الحشائش ودائما يحدد صاحب ( الفزعه ) زمان ومكان النفير وفى أغلب الاحيان يصبح النفير دينا مستردا لأغلب المشاركين فيه ألا من تقدم بعذر مقبول للجميع .
والنفير لايقتصر فقط على الزراعه بل يمتد ليشمل بناء المنازل والجدران فحين يتحطم منزل أو حائط فرد ما حتى على مستوى المدن بفعل الامطار او السيول سرعان ما يتدافع الناس عليه لبناء ما تهدم من مسكنه ونلحظ بأن النفير هنا لايحتاج الى نداء من الشخص الذى يحتاج اليه بل يهرع الناس من تلقاء أنفسهم لمساعدته . وأيضا نجد النفير منتشرا على نطاق واسع فى بناء المساجد والمداراس والحصاد ونفير الكوارث مثل بناء حائط
ترابى لصد السيول والفيضانات .
مما سبق يجدر بنا القول أن النفير تقليد يقوم على روح التشارك والتكافل وهو نزعه أصيله فى الشخصيه السودانيه عبر عنها بالعديد من الامثله :
اليد الواحده ما بتصفق … أيد على أيد تجدع بعيد ..
كذلك يمكننا أن نلمح العديد من تمظهرات التشارك والتكافل فى مناطق جبال النوبه المنطقه الغنيه بعادات وتقاليد ضاربه فى القدم التى لطالما شكلت مرجعا لدراسه تاريخ السودان لما قبل ومابعد تمازج الشخصيه السودانيه بشكلها الراهن .
ففى تلك المناطق نجد العديد من ألاسبار التى تتم ممارستها بصوره جماعيه تغلب عليها صبغه التشارك والاسبار هى مجموعه من الاعمال والطقوس يقوم بها جماعه الكجره والكجور ذاته هو نوع من الممارسات الروحيه التى يمارسها الانسان البدائى فى أفريقيا وتشتهر به بعض القبائل السودانيه ذات الاصول الافريقانيه . فالكجور هو شخص تحل فيه روح الجد وتدخله فى غيبه تامه فيصبح هو الوسيط بين الناس وتلك الروح فيصبح أعتقاد تلك القبائل فى الكجور أعتقاد روحى مشابه لحد ما اعتقاد عدد كبير فى مشايخ الطرق الصوفيه من جهه أن كليهما يؤمن بأن الكجور او شيخ الطريقه يمتلكان قوه خارقه ومسخره لفعل الخير .
ما يهمنا هنا تلك الاسبار التى تظهر فيها روح التشارك فنجد منها :
سبر العيش الذى ينفذ بعد نضوج المحصول وبدأ الحصاد
سبر اللوبا أو اللوبيا وهو حدث مشهور يعرفه كل الناس فى مناطق جبال النوبه
سبر الصيد ويقام فى فصل الصيف بعد الانتهاء من أعمال الحصاد وتخزين المزروعات

تعليق واحد

  1. حقيقه من اجمل ما قرأت مؤخرا .. تحليل منطقى وأكثر من رائع ياريت لو الناس الوهم دى تفهمك كلامك دا

  2. لا لم يأتوا من الطبقه الوسطي وهذا الخطأ وقع فيه كثير من المحللين ,هم من الطبقه الدنيا الفقيره المعدمه = ابناء الغفراء مثل علي عثمان والبشير و المعدمين مثل مصطفي عثمان ونافع وقد كانت الدوله السودانيه العنصريه تقدم كل الخدمات من تعليم واعاشه وطبابه مجانأ وقد كانت المجموعه المستفيده هي المنحدره من مناطق بعينها ,هم اقرب للماركسيه انهم ابناء الغفراء والفقراء من المجموعه العرقيه المستعليه لم يرحموا أحدآ

  3. الحقيقة لقد أحدث دخول العنصر العربى للسودان تدميراً كبيراً فى مكونات الحضارة النوبية التى إمتدت على طول النيل من الشمال حتى تخوم سوبا. الشخصية النوبية كانت شخصية زراعية مستقرة، و الإستقرار يولد االقانون الذى ينظم شئؤن الناس و لما كانت الموارد الزراعية متاحة من أرض وماء لتلك المجتمعات فهى لم تعرف الصراعات على الموارد و بالتالى إنعدمت فى وسطها الصراعات الإثنية الحادة و إلى يومنا هذا تجد الشخصية النوبية شخصية مسالمة لا تنزع إلى حل خلافاتها بالعنف و لا تعرف حمل السلاح الأبيض و غيره مثل أغلب قبائل السودان الريفية الرعوية التى تحمل جرثومة العنف فى أعرافها الإجتماعية، فهى قبائل لا تعرف الإستقرار لأن مهنة الرعى التى إمتهنتها تتطلب التنقل المستمر فى بيئات معروف عنها شح مواردها الطبييعية من كلأ و ماء لذا تلجأ للحرب و العنف للإستيلاء على الموارد المحدودة و إقصاء و حرمان المجتمعات الأخرى عنها. و رغم إنتظام الجماعات النوبية فى مجتمعات يحكمها القانون فهى لم تعرف الخضوع المطلق لزعماء القبائل و الشيوخ و العمد وإلى يومنا هذا و ليس ذلك لنزعة فوضوية فى شخصياتهاو لكن لأن المجتمعات النوبية كانت مجتمعات ديمقراطية تتخذ أسلوب التشاور الجماعى فى إتخاذ القرارات لذا تجدها من أكثر المجتمعات فى السودان الحديث جنوحاً نحوخلق التنظيمات التعاونية وحل مشاكلها بالعون الذاتى عوضاً عن التمرد و حمل السلاح. والمجتمعات النوبية تحترم المرأة وتوقرها لذا تجد فى أوساطهم نساء قائدات يتصدين للعمل العام دون إحساس أى رجل بالحرج من لعب المرأة دورها. حتى فى مستوى اللغة تنعدم خاصية التذكير و التأنيث فى اللغات النوبية لأنها تعامل المرأة و الرجل على أساس كونهما بشر لاغير وحقيقة فأن مثل هذه الفرضيات من المباحث المهمة التى نحتاج إلى دراستها حتى نعرف هذه الشخصيات السودانية المعقدة و نعمل على هندستها إجتماعيا نحو غد أفضل.

  4. طرفه تروي عن كردستان العراق
    قال صحفي اجنبي للبرزاني العراق يها من الامكانيات ما يجعلها احسن من سويسرا لماذا انتم متخلفون رد مسعود برزاني قائلآ ماكو عرب جنب سويسرا يلخبطون

  5. اعتقد ان الامر يحتاج لمشروع فكري موسوعي يتناول نقد العقل السوداني المنتج لهذة الشخصية ولكل الخطابات المتولدة من هذا العقل الخطاب السياسي والتاريخي والديني والثقافي والاقتصادي وغيرها من منتجات عقلنا المعطوب . مشروع معرفي ابستمولجي بحت يستخدم ادوات ومشارط العلم الحديث في تشخيص وتحليل اليات عمل هذا العقل .عله يعيننا علي اكتشاف الحلقة المفقودة بين عقل جدودنا الكوشيين صناع اولي الحضارات البشرية وبين عقلنا الحالي المدمن لانتاج الفشل ، واعتقد ان من اهم اركان هذا المشروع هو اعادة قراءة وكتابةالخطاب التاريخي فالمتامل في تاريخنا الحديث منذ القرن الثامن عشر وحتي الان بدء من موقعة اسماعيل باشا والمك نمر وانتهاءا بموقعة هجليج مرورا بالمهدية واكتوبر وغيرها من الاحداث الصانعة لتاريخنا الحديث ، المتامل لا يجد كبير عناء في اكتشاف ان النظرية الحاكمة والمفسرة لهذة الحقبية من تاريخنا هي نظرية النفخة الكذابة او سمها صناعة الوهم.

  6. الامر يحتاج الى صبر و تغيير في العقليات و شد الوسط للبحث و التنقيب و ارجو ان تتوافر هذه الامور في السودانيين و ليس ذلك بصعب و لابعيد عن اللاه ان يوجد من له القدرة و الاستعداد للبحث المضني وعدم الاعتماد على المشافهة و المقالات الاسندوشات كالمقالة هذه رغم جدتها و جديتها

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..