مغامرات جريئة ومدهشة من أجل الحقائق …. السِّيَر التاريخية

أمير تاج السر

منذ عدّة سنوات، كنت مغرماً بدراسة كتب التاريخ، خاصّة تلك الكتب التي يكتبها بعض الأجانب الذين قد يزورون بلداً عربياً ما، نوعاً من المغامرة، أو حبّ الاستكشاف، أو في مهمّات يُكَلَّفون بها، وينغمسون في عاداته وتقاليده متشبِّهين بأهله، وربما يشهدون، في أثناء وجودهم في ذلك البلد، ثورة تندلع فجأة، أو مجاعة أو أيّ كارثة أخرى، تجعلهم يتذوّقون المغامرة بشيء من الهلع، لكن، إذا نجوا وعادوا إلى بلادهم، نحصل على تلك الكتب التي يروون فيها ما حدث، ودائماً، بشيء من المبالغة.
لقد قرأت، في هذا السياق، كتباً ألَّفها رحّالة أوروبيون، زاروا الجزيرة العربية في أزمان بعيدة، ودوّنوا شيئاً من تاريخها، وعادات بدوها وحضرها، وأيضاً قرأت رحلة علي باي العباسي إلى مكة للكاتب الإسباني رامون مايراتا، وكانت مغامرة جريئة ومدهشة، وفيها خيال كثيف، بجانب الحقائق التاريخية، بالطبع.
بالنسبة للسودان، كانت ثمّة كتب عدّة من تلك التي تعرّضت للتاريخ بشكل فردي، أي كُتِبت كمذكرات لأشخاص زاروه برغبتهم، أو كانوا موجودين فيه في زمن ما، وفي لحظات فارقة من تاريخه، ولعل كتاب (السيف والنار)، للضابط النمساوي سلاطين باشا، أشهر تلك الكتب التي تحدّثت عن الثورة المهدية بمنظور أوروبي، أو منظور أخر- ربّما- يكون بعيداً، تماماً، عمّا حدث.
هذا الكتاب يحوي الكثير مما يمكن قوله، والكثير مما تَمَّ اختراعه على ما أعتقد، وهي الطريقة التي ذكرتها، من أن التاريخ، هنا، لا يكتب بمداد محايد، يعطي كل ذي حقّ حقّه، وإنما بمداد، لا بُدَّ أن فيه شيئاً من المبالغة، وشيئاً من العنصرية التي لا يمكن تناسيها أبداً في الكتب التي يكتبها الغرب عن بلاد عربية وإفريقية. لقد ذكر سلاطين معارك، خاضها، ومواقف كان شاهداً عليها، واضطهاداً تعرَّض له هو وغيره. وهكذا، نستطيع قراءة مذكِّراته بالتذوُّق الذي نقرأ به رواية نُسِجت عن حدث كبير، وبشخصيات من نسج الخيال.
هناك كتاب (مذكرات يوسف ميخائيل)، الذي لم يكن وافداً أوروبياً، وإنما من الأقباط المصريين الذين كانوا موجودين، ويحتلّون مواقع مهمّة. وقد قرأت هذا الكتاب منذ سنوات عدّة، واستوحيت منه رواية لي اسمها (توتُّرات القبطي). إنه قصّة أخرى للثورة المهدية، لا تخلو من المبالغة والوصف، بوجهة نظر أحادية، لعل فيها حقيقةً، وفيها خيالاً، وهكذا، هي- أيضاً- رواية، ونصّ موحٍ، يمكن أن يهب كثيراً من الإيحاءات لمن أراد كتابة رواية.
لقد ترجم النور عثمان أبكر، الشاعر الراحل، كتاباً عن رحلات قام بها عالم نباتات ألماني اسمه بريم، إلى السودان، في القرن التاسع عشر، حسب ما أذكر. إنه كتاب عادي يصف البلاد وأهلها وعاداتها وتقاليدها، ثم يأتي على ذكر إشارات عنصرية، وافتراءات، لا أعتقد أنها تفيد الكتابة في شيء، ولعل هذا كان السبب الذي منع النور من نشره وهو حَيّ، ليُنشَر بعد وفاته.
عموماً، قراءة المذكِّرات التاريخية، أو السِّيَر الروائية- كما أسمّيها- شيء مبهج، وموحٍ إلى أبعد حَدّ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..