خطوات كثيرة تنتظر الخرطوم للظفر بعضوية “التجارة العالمية”….

الخرطوم- نازك شمام

(إن الالتحاق بعضوية منظمة التجارة العالمية أصبح أمرا لا غنى عنه لمن يؤمنون بمبادئ التجارة الحرة والحركة للأموال الاستثمارية والدور الحيوي المتزايد للقطاع الخاص، ذلك لأن هذه المنظمة العالمية هي الهيكل المؤسسي للنظام التجاري متعدد الأطراف).. العبارة أعلاه تنسب لوزير المالية الأسبق مامون بحيري والتي قالها في سبيل حث السودان على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وما كان يدري أن سنوات عديدة ستمر دون أن يلحق السودان بركب المنظمة رغم المجهودات التي يبذلها في سبيل ذلك.
منظمات كثيرة واتفاقيات دولية أكثر تلك التي تندرج الدولة تحت عضويتها غير أن لمنظمة التجارة العالمية أهمية أخرى ففي عالم اليوم لا سبيل للعمل المنفرد في ظل منظومة من التكتلات التي تندرج تحت لوائها الدول للاستفادة من بعضها البعض خاصة في ما يختص بالتبادل التجاري في ظل قيود جمركية مخففة تعمل على إبراز تنافسية المنتجات مما يحدو بالدول على تجويد إنتاجها وتسويقه بصورة جاذبة لجني مزيد من الإيرادات التي تقوي بها مراكزها المالية واقتصادياتها القومية.
وفي السودان قد يبدو الحال مغايرا مما يحتم على الأجهزة المختصة في الدولة إيجاد مورد اقتصادي يمكنها من الاستفادة من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وفتح طرق اقتصادية في التكامل العالمي إلا أن ذلك لن يكون من السهولة بمكان ومن دون أن تبدأ الدولة في تطبيق سياسات وقوانين تتماشى مع القوانين الدولية بجانب الإيفاء بالاتفاقيات العالمية.
منذ ما يزيد عن العشرين عاما هناك ورقة باسم دولة السودان مقدمة إلى الأمانة العامة لمنظمة التجارة العالمية طلبا للانضمام منذ نوفمبر 1994، ومن ذلك الحين والسودان ينخرط في مفاوضات من أجل بلوغ الهدف غير أن هذه المفاوضات توقفت وتعثرت في العام 2004 من جانب الطرف الحكومي في الوقت الذي ينادي فيه مسؤولون بضرورة التعجل في الانضمام إلى المنظمة والاستفادة من رؤيتها بشأن التجارة، علاوة على الجوانب الفنية التي يمكن للمنظمة أن تمنحها للسودان والمزايا التي يمكن أن يجلبها الانضمام إلى المنظمة من خلال جذب الاستثمارات واستقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية بعد تطبيق قوانين الشفافية التي تعمل على تسهيل تطبيق القوانين والإجراءات التي تطالب بها المنظمة.
عقبات كثيرة تقف في وجه انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية ومن أهمها بعد السودان عن تطبيق إجراءات لمكافحة الفساد وإعمال الشفافية، بجانب عدم الاستقرار الاقتصادي، بما يبعد خطوات السودان عن الالتئام بالمنظمة رغم الجهود المبذولة وآخرها ما أعلنه كمال حسن علي وزير التعاون الدولي عن وجود ترتيبات تجريها الوزارة استعدادا لاستئناف المفاوضات متعددة الأطراف مع منظمة التجارة العالمية والسعي لتعيين مفاوض وطني لتحريك الملف الراكد.
حسن الذي كان يتحدث في ورشة أقيمت خلال الأيام الماضية حول مساعي الانضمام لمنظمة التجارة العالمية قال إن المفاوض سيتولى الملف مع الأمانة العامة لدفع عمليات انضمام المنظمة، وأشار في الوقت ذاته إلى أن الحكومة السودانية تسعى لإحداث أثر إيجابي لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الوطنية في القطاعات الخدمية المختلفة بما يعمل على تحقيق وتعظيم منافع التحرير المتوازن بين الالتزامات والحقوق التي تمكن السودان من مواكبتها بعد نجاح المفاوضات والحصول على العضوية الكاملة الأمر الذي يحتم تكاتف الجهود الرسمية والشعبية ومشاركة جميع المؤسسات ذات الصلة والقطاع الخاص بما يحقق الهدف المتمثل في عملية الانضمام.
ما أدلى به حسن لا يبدو غريبا على الرأي العام فقد سبقه وزراء ومسؤولون في وزارة التعاون الدولي والتجارة بالتأكيد على ذات الحديث دون أن تكون هنالك نتائج ملموسة أو تحريك إيجابي في الملف الشائك.
ووفقا للمعطيات فإن هناك خطوات كثيرة في انتظار السودان لبلوغ هذه العضوية ومن أهمها سن قوانين تعمل على مكافحة الفساد وإعمال الشفافية وتسهيل الإجراءات لجذب رؤوس الأموال والبعد عن البيروقراطية، ليتمكن من الانضمام.. إلا أن هنالك أصوات أخرى ترى خلاف ذلك وترجع تأخر انضمام السودان للمنظمة إلى أسباب سياسية ليست لها علاقة بالقوانين أو كفاءة السودان وقدرته على نيل العضوية، وتؤكد هذه الأصوات أن السودان قاد مفاوضات ثنائية وجماعية إلا أن المنظمة علقت هذه المفاوضات منذ العام 2004 وحتى اليوم، وعندما بدأ السودان في تحريك الملف حدث انفصال الجنوب الذي ساهم هو الآخر في تعطيل الإجراءات.
ويقر كثير من الخبراء بصعوبة الانضمام لعضوية المنظمة من حيث المستندات المطلوبة وتعديل العديد من القوانين والتشريعات في الوقت الذي تسعى فيه الدول التي ترغب في الانضمام في الدفاع عن مصالحها الوطنية بينما تحاول الدول المنضوية تحت لواء المنظمة إجبار تلك التي تطلب العضوية على تقديم الكثير من التنازلات علاوة على أن هناك اتفاقيات ملزمة للدول الأعضاء تتمثل في اتفاقيات متعددة الأطراف مثل اتفاقية المشتريات الحكومية واتفاقيات أخرى تنظمها القوانين الدولية.. ومن ناحية أخرى ثمة صعوبات تواجه الإجراءات الخاصة بالعضوية من حيث إقامة وتطوير البنية المؤسسية والقانونية اللازمة وإعداد المستندات وخوض المفاوضات بالإضافة إلى تحديد السياسة الاقتصادية للدولة ومدى توائمها مع أهداف منظمة التجارة العالمية دون إغفال صياغة الأهداف التفاوضية بوضوح حتى تكون الرؤية واضحة أمام الفرق المفاوضة.
كل هذه العقبات ربما تكون سببا كافيا لتأخر انضمام السودان إلى المنظمة رغم كل الجهود والترتيبات التي تبذلها الدولة من أجل تحقيق هذا الهدف.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. لك الشكر يا اختى. و بعيدا عن الخوض فى التفاصيل “الفنيه” المعقده جدا, المتصله ب”عملية الإنضمام” نفسها, و الشروط و المطلوبات الواجب توفرها فى الدوله الساعيه للانضمام, ارجو ان تسمحى لى بالتوضيحات “الأطاريه” الآتيه:-
    1- منظمة التجاره العالميه هى “الجهاز التنفيذى” لتطبيق مفهوم “العولمه”, سواء رضينا ام ابينا!. و “المنظمه” او “العولمه”, لن تتوقف كثيرا عند مسألة إنضمام السودان لهذا “النادى” العالمى من عدمه!. فهى بعضويتها البالغه اكثر من 165 عضوا لن تخسر شيئا, بقدر ما سيخسر السودان الوقت, و “الفرص, و المزايا, و الافضليات و الإستثناءات” التى يمنحها النظام التجارى العالمى للدول الاقل نموا(LDCs), و السودان من بينها حتى الآن. و المأمول ان تنظر “الحكومه” للموضوع من منطلق “وطنى” اكثر من اى شئ “آخر”!, لئلا تضيع على السودان فرصة “التمييز” السانحه هذه, ليضطر مستقبلا السعى لنيل “العضوية” وفق شروط ستكون, بلا شك, اشد قسوه و اكثر تعسفا!
    2- إن الذين يقولون ان “عملية الإنضمام” توقفت لأسباب “سياسيه!” و ليس “فنيه”!, إنما يتعمدون بتر الحقيقه, او تجاهلها او انهم يجهلونها بالاساس!!. و انا أسأل هؤلاء: هل يمكن عمليا فصل “السياسه!”, و منع تداخلها و تاثيرها على التجاره والإقتصاد و الحياة العامه فى السودان, او اى دوله اخرى فى العالم؟! نعم, المنظمه ليست “سياسيه”, هذه حقيقه!. لكن اعضاء المنظمه ليسوا بهذا الغباء فى شأن التجاره الحره!..هم يعلمون إن الضامن الرئيس و الاساسى لمقابلة مطلوبات “العضويه”, و تنفيذ الدوله العضو لإتزاماتها تحت إتفاقيات و مبادئ و قواعد “النظام التجارى متعدد الأطراف”, هو المناخ “السياسى العام” الذى, بدوره, “يصمم” السياسات الاقتصاديه و التجاريه و الماليه و القانونيه..إلخ, و يتحكم فيها!
    3- و للمفارقه, فإن منظمة التجاره العالميه, على النقيض من “حكومة السودان”, تدرك تماما ان “السودان” غير “مؤهل” لإكتساب العضويه فى الوقت الحاضر!. و هى الحقيقه التى يجب علينا ان نعترف بها(و الإعتراف فضيله!) بهدف الإصلاح: فالسودان دوله غير مستقره سياسيا!, و تسودها النزاعات(او فاشله)!..و سياساتها الاقتصاديه و الماليه و التجاريه فاسده, و متناقضه بالاساس, و تنقصها الشفافيه, بجانب انها غير مستقره. و بذلك فالدوله, تفتقر لمعايير و مطلوبات التجاره الحره..و “النظام العدلى و القضائى” ضعيف, و يفتقر الكثير من “قواعد” العداله و المساواه, بجانب انه كثيرا ما يعتمد على “السلطات التقديريه”(Discretional Powers) لرئيس الدوله و وزرائها و ولاتها, و ليس على “حكم القانون”, و هذا ممنوع!..كما ان الانظمه الماليه و المصرفيه و النقديه و المحاسبيه و الضرائبيه و “العقاريه”..إلخ ضعيفه و فاسده..و الدوله نفسها “تتاجر”!, محتلة مكان “القطاع الخاص”!, ومؤسساتها العامه تنتشر فيها “الاعمال التجاريه و المشاريع الاقتصاديه الربحيه” التى تميزها ” قوانين الدوله”, بمنحها ” الإعفاءات و الإمتيازات و الأفضليات” على حساب التجاره الحره, و كلها ممارسات تمنعها إتفاقيات “المنظمه”!
    4- لدي قناعات ذاتيه مؤسسه:
    أ. أيا كان النظام السياسى, قفى تقديرى ان منظمة التجاره العالميه هى “الإطار” الوحيد الذى يمكن ان تهتدى به الدول الاقل نموا (مثلنا), ليقودها لإجراء الإصلاحات الإقتصاديه و التجاريه و “المؤسسيه” المطلوبه لإغراض التنميه, بطريقة محسوبه و “علميه” و مدروسه, و خطوة بخطوه!
    ب. إن “التمويل الخارجى المباشر لأغراض التنميه(FDI)”, و الإستثمار و جذب راس المال الأجنبى, لم تعد مسائل تعتمد على العلاقات (الثنايه التقليديه, مثلا) او الصداقات بين الدول, او الثقه و “الأخوه” او العلاقات الشخصيه بين (الأفراد!) كما كان فى السابق (او كما قد نعتقد!), خاصه فى ظل افرازات الازمه الماليه العالميه الاخيره, و التطورات السالبه فى إقتصاد العديد من الدول المانحه. و غنى عن القول, ان الاستثمار و رأس المال الأجنبى يتوجهان حيث “البيئه” السياسيه و الاقتصاديه و الماليه “المناسبه” و المستقره…و فى هذا الصدد, فالحقيقه التى يجب ان تدركها حكومة السودان, قبل فوات الاوان, انه فى عهد “العولمه” هذا, فقداصبح الضامن الرئيس لتوفر شروط “البيئه المناسبه و الاستقرار” هى “عضوية” منظمة التجاره العالميه, بنظمها و مبادئها و قواعدها و إتقاقياتها متعدده الأطراف, التى تضبط وتنظم و تراقب و تراجع (Review) مسارات الدول الاعضاء فى مجال “الإقتصاد و التجاره الحره” و توابعها التنمويه..بمعنى آخر, لقد اصبحت “عضوية المنظمه” تمثل المصداقيه الشرعيه (Legitimate Credibility), و المعيار الرئيس الذان يعتمد عليهما رأس المال الخارجى فى توجيه إستثماراته.
    5- اما الحديث “الهلامى” المكرر على مدار العام عن محاربة الفساد, فهو لا يعكس إلآ تقاعسنا عنه, و لن يقود إلآ لإثبات عدم جديتنا فى تناول الشأن الوطنى.. و “تعديلات و سن قوانين”, و “تعيين مفاوض قومى” و خلافه, فهى نوايا طيبه, او “جزر منعزله!”, و لا تلامس “المنهج الإستراتيجى” المطلوب إعادة صياغته, و هو الشئ الاساسى الذى تستهدفه مبادئ و قواعد و اهداف و إتفاقيات منظمة التجاره العالميه..و بذلك تغيب “الجديه” و “الإراده” الضروريتين لإجراء الإصلاحات “الهيكليه و المؤسسيه”..
    لتدور الساقيه مجددا سنينا عددا, و تتكرر تصريحات وزراء جدد..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..